حكـايـة
جاء في كتب التراث ان سليمان الحكيم « كان على بساطه المعروف فمرّ بغلام فقال الغلام لما مرّ به: الهي قد آتيت ابن داود ملكاً عظيماً فحملت الريح كلام الغلام ولما سمعه ترجّل من فوق بساطه وجاء الى الغلام وقال: لا تتمنى ما لا تستطيع ولا تطيق، ولو أن الله قبل منك تسبيحةً واحدة لكان خيراً لك من ملك سليمان لأن ثواب التسبيح باق وملك سليمان فان»» «556».
ويروي المحدّث الشيخ الصدوق:
««عن اسماعيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله الصادق « يقول: اياكم والكسل إن ربّكم رحيم يشكر القليل، ان الرجل ليصلّي الركعتين تطوّعاً يريد بهما وجه الله عزوجل فيدخله الله بهما الجنّة، وانه ليتصدّق بالدرهم تطوّعاً يريد به وجه الله عزوجل فيدخله الله به الجنّة، وانه ليصوم اليوم تطوّعاً يريد به وجه الله فيدخله الله به الجنّة»» «557».
ويروي أميرالمؤمنين « عن سيدنا محمد «:
««ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم؛ قيل: يا رسول الله ولا الملائكة؟
قال الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر.
لقد انعم الله سبحانه على الانسان بنعمة الحرّية والارادة المستقلة وأن شكره عزوجل واجب على عباده.
حديث شريف
قال النبي «:
««الصلاة عمود الدين، وفيها عشر خصال: زين الوجه، ونور القلب، وراحة البدن، وأنس القبور، ومنزل الرحمة، ومصباح السماء، وثقل الميزان، ومرضاة الربّ، وثمن الجنّة، وحجاب النار، ومن أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين»» «558».
وعنه « أيضاً:
««ما من صلاة يحضر وقتها الاّ نادى ملك بين يدي الناس: أيها الناس قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفئوها بصلاتكم»»
«559».
القافلـة
عن الامام موسى بن جعفر عن أبيه «: قال كان الصادق « في طريق ومعه قوم معهم أموال وذُكر لهم بارقة «السيوف والمراد قطاع الطريق واللصوص»
في الطريق يقطعون على الناس، فارتعدت فرائصهم فقال لهم الصادق «:
ما لكم؟ قالوا: معنا أموالنا نخاف عليها أن تؤخذ منا أفتأخذها منا؟ فلعلهم يندفعون عنها اذا رأوا انها لك، فقال: وما يدريكم؟ لعلهم لا يقصدون غيري ولعلكم تعرضوني بها للتلف فقالوا: فكيف نصنع ندفنها؟ قال: ذلك أضيع لها فلعل طاريا يطري عليها فياخذها ولعلكم لا تغتدون اليها بعد، فقالوا: كيف نصنع؟ دلنا قال: أودعوها من يحفظها ويدفع عنها ويربيها ويجعل الواحد منها أعظم من الدنيا وما فيها ثم يردها ويوفرها عليكم احوج ما تكونون اليها قالوا: من ذاك؟ قال: ذاك رب العالمين، قالوا: وكيف نودعه؟ قال تتصدقون به على ضعفاء المسلمين قالوا: وأنى لنا الضعفاء بحضرتنا هذه؟ قال: فاعرضوا على أن تتصدقوا بثلثها ليدفع الله عن باقيها من تخافون، قالوا قد عزمنا قال: فانتم في امان الله فامضوا فمضوا فظهرت لهم البارقة فخافوا، فقال الصادق «: كيف تخافون وانتم في امان الله عزوجل؟ فتقدم البارقة وترجلوا وقبلوا يد الصادق « وقالوا: رأينا البارحة في منامنا رسول الله « يأمرنا بعرض انفسنا عليك فنحن بين يديك ونصحبك وهؤلاء لندفع عنهم الاعداء واللصوص، فقال
الصادق «: لا حاجة بنا اليكم فان الذي دفعكم عنا يدفعهم؛ فمضوا سالمين وتصدقوا بالثلث وبورك لهم في تجاراتهم فربحوا للدرهم عشرة فقالوا: ما أعظم بركة الصادق «؟ فقال الصادق «: قد تعرفتم البركة في معاملة الله عزوجل؟ فدوموا عليها«560».
عن أحمد بن محمد بن ابي نصير البزنطي قال قرأت كتاب أبي الحسن الرضا « الى ابي جعفر يا أبا جعفر بلغني أن الموالي اذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير فانما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيراً فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك الا من الباب الكبير واذا ركبت فليكن منك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد الا أعطيته. ومن سألك من عمومتك ان تبره فلا تعطه أقل من خمسين ديناراً والكثير اليك؛ ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين ديناراً، والكثير اليك، اني اريد أن يرفعك الله فانفق ولا تخش من ذي العرش اقتارا«561».
علي.. المجد الأخلاقي
في صفين احتل جيش معاوية مصادر المياه والشطآن التي يتهجهّز منها الناس بالماء في نهر الفرات، ورفض السماح لجيش الامام علي « بالتزود بالمياه وذلك قبل بدء العمليات العسكرية وجهز الامام كتائب من جيشه لتحرير الشريعة وخطب في جنوده:
««قد استطعموكم القتال.. فأقرّوا على مذلّة وتأخير محلّة أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين»».
وأُصيب قوّات معاوية بهزيمة ساحقة وتم طردهم من الشواطئ.
وأراد بعض أصحاب الامام علي معاملتهم بالمثل ومنعهم من المياه فرفض ذلك وطلب من جنود التزوّد بالماء والانسحاب وترك الشريعة مفتوحة للجميع.
هؤلاء هم عبيد الله عزوجل وأولياؤه يتعاملون حتى مع أعدائهم الالدّادء بهذه السماحة والكرم فكيف بالله عزوجل وهو الرحمة المطلقة والغفران والكرم اللانهائي هيهات ما ذلك الظن بك
هيهات ما ذلك الظن بك، ولا المعروف من فضلك، ولا مشبه لما عاملت به الموحدين من برّك واحسانك فباليقين أقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من اخلاد معانديك، لجعلت النار كلّها برداً وسلاماً وما كان لأحدٍ فيها مقرّاً ولا مقاما، لكنك تقدّست اسماؤك، أقسمت أن تملأها من الكافرين من الجنّة والناس أجمعين، وأن تخلّد فيها المعاندين.
وأنت جلّ ثناؤك، قلت مبتدئا وتطوّلت بالانعام متكرّما،
أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون
هيهات ما ذلك الظن بك
اجل هيهات أن ظنّنا بك يا رب فيض معروف مطلق ومصدر خير لا ينتهي.
وهكذا ظن الانبياء والاولياء بالله عزّوجل.. وما هذا المقطع من الدعاء الكريم الاّ تصوير صادق عن تلك النفوس الطاهرة والارواح البيضاء المفعمة بالنور.. الله هو الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم الغفور الودود الملك القدوس اللطيف قابل التوبة من عباده وغافر السيئات.
وما عذاب القيامة الاّ فاكهة مرّة للانكار والالحاد والعداء لله عزوجل.. وعذاب الله حمم وغضب يصيب الذين كفروا من المستكبرين والطغاة والآثمين الجناة الذين لا يرجون لله وقارا.
فكيف يصيب العذاب قلوباً نبضت بحب الله ونفوساً أضاءها الايمان بالله وجوراح سعت الى العمل الصالح في سبيله.. سأل أحدهم سالكاً في طريق الله:
ـ لوثت ذيلي بالذنوب فهل يقبلني الله؟
قال السالك:
ـ يا ويلك انه يدعو المعرضين عنه اليه فكيف بمن يريدون اللجوء اليه.. بابه مفتوح لمن تاب وأناب.
وجاء في الأثر أن الله عزوجل أرسل موسى « الى فرعون وأوصاه ان يقول له قولاً ليّناً لعله يذكر أو يخشى وأن يقول له أنّ رحمة الله تسبق غضبه، ان الله عزوجل يحبّ التوابين الذين ندموا بعما اقترفوا اثماً انه كان توّاباً.
ابـراهيـم
جاء في تفسير قوله تعالى:
«وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
الْمُوقِنِينَ««562».
ان الله عزوجل قوّى بصره لمّا رفعه دون السماء، حتى ابصر الارض ومن عليها ظاهرين، فالتفت فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فدعى عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فهمّ بالدعاء عليهما فأوحى الله اليه يا ابراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وأمائي فاني أنا الغفور الرحيم الحنان الحليم لا تضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ولست اسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي وامائي، فانما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة ولا مهيمن عليّ ولا على عبادي.
وعبادي معي بين خلال ثلاث: إمّا تابوا اليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بانه سيخرج من اصلابهم ذرّيات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين وأتأنّى بالامهات الكافرات، وارفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من اصلابهم فإذا تزايلوا حلّ بهم عذابي وحاق بهم بلائي وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي اعددته لهم من عذابي اعظم مما تُريده بهم فإن عذابي لعبادي علىحسب جلالي لكبريائي يا ابراهيم فخلّ بيني وبين عبادي فاني أرحم بهم منك وخلّ بيني وبين عبادي فإني أنا الجبّار الحليم العلاّم الحكيم ادبرّهم بعلمي وأُنفذ فيهم قضائي وقدري»» «563».
وسعت رحمته السماوات
جاء في بعض كتب التراث عن المحدّث الفيلسوف الفيض الكاشاني انه يساق العبد يوم القيامة الى النار بعدما رجحت سيئاته، فيوحي الله عزوجل الى جبرائيل ان يسأل ذلك العبد: أكان جليساً للعلماء فيشفع له؟
فيقول: لا، فيسأله: أجلس الى مائدة عالم؟ فيقول: لا، فيسأله: أجلس في مكان جلس فيه عالم؟ فيقول: لا، فيسأله: أكان سمياً لعالم؟ فيقول: لا، فيسأله: أكان يحب أحداً يحب العلماء؟ فيقول: نعم، فيأتي النداء: يا جبرئيل لقد غفرت له وادخلته الجنّة«564».
حكـايـة
روى الشيخ الصدوق عن الامام الباقر « قال:
بينا داود على نبيّنا وآله وعليه السلام جالس وعنده شاب رث الهيئة يكثر الجلوس عنده ويطيل الصمت إذ أتاه ملك الموت فسّلم عليه وأحدّ ملك الموت النظر إلى الشاب، فقال داود على نبيّنا وآله وعليه السلام: نظرت إلى هذا؟ فقال: نعم إنّي اُمرت بقبض روحه إلى سبعة أيّام في هذا الموضع فرحّمه داود فقال: يا شاب هل لك امرأة؟ قال: لا وما تزوَّجت قط قال داود: فأت فلانا ـ رجلاً كان عظيم القدر في بني إسرائيل ـ فقل له: إن داود يأمرك أن تزوّجني ابنتك وتدخلها اللّيلة وخذ من النفقة ما تحتاج إليه وكن عندها فإذا مضت سبعة أيّام فوافني في هذا الموضع فمضى الشاب برسالة داود على نبيّنا وآله وعليه السلام فزوّجه الرجل ابنته وأدخلوها عليه وأقام عندها سبعة أيام، ثم وافى داود يوم الثامن فقال له داود: يا شاب كيف رأيت ما كنت فيه؟ قال: ما كنت في نعمة ولا سرور قطّ أعظم ممّا كنت فيه؛ قال داود: اجلس فجلس وداود ينتظر أن يقبض روحه فلمّا طال قال: انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك فإذا كان يوم الثامن فوافني ههنا، فمضى الشابّ، ثم وافاه يو الثامن وجلس عنده، ثمّ انصرف أسبوعاً آخر ثم أتاه وجلس فجاء ملك الموت داود، فقال داود صلوات الله عليه: ألست حدّثتني بأنّك اُمرت بقبض روح هذا الشاب إلى سبعة أيّام؟ قال: بلى، فقال: قد مضت ثمانية وثمانية وثمانية قال: يا داود إن الله تعالى رحمه برحمتك له فأخّر في أجله ثلاثين سنة«565».
خصـال خمس:
روي عن الامام الصادق « انه جيء الى النبي « ذات يوم بعدد من الأسرى وأراد النبي « حبسهم فأوحى الله عزوجل أن يطلق أحدهم فأطلق سراحه وتعجّب الأسير فسأل النبي عن ذلك فقال « لقد أوحى الله عزوجل الي ان لك خمس خصال حسنة يحبّها الله:
««الغيرة الشديدة على حرمك والسخاء، وحسن الخلق وصدق اللسان والشجاعة»».
فتاثر الأسير بشدّة واعتنق الاسلام«566».
حكـايـة
كان للامام الصادق « غلام أذنب فأمر الامام بجلده تعزيراً له فقال الغلام:
ـ يا بن رسول الله انك لتضرب من لا شفيع له الاّ أنت فأمر الامام باطلاقه فقال الغلام.
ـ انك لم تطلقني وانما اطلقني من الهمني هذا الكلام.
فقال الامام:
ـ ورب الكعبة هذا غلام موحّد لا يرى أحداً غير الله.
أجل هكذا تكون معاملة من يوحد الله ويؤمن به ويعمل صالحاً.
حكـايـة
جاء في بعض التفاسير أن يوسف لما مكّن من الارض واصبح عزيز مصر فكر أن يكون له وزير يعاونه في ادارة البلاد فيكون أقوى على نشر العدل واصلاح معيشة الناس، ولكنه لم يجد من يسنداليه هذا المنصب.
فأوحى الله اليه ان الله يقرؤك السلام ويقول اتخذ لك وزير فقال يوسف: هو ما أبغي فقال الملك ان ربّك يقول اتخذ أول من تقع عليه عينك صباح غد.
فلما اصبح وقعت عيناه على رجل ضعيف نحيل يحمل كيساً على ظهره فأراد يوسف أن يتخطاه الى الذي بعده فهبط الوحي عليه يقول: لا تدعه واتخذه وزيراً فانّ له حقاً عليك.
قال يوسف: وما حقه يا رب؟
قال: انه الذي شهد بعفتك وطهارة ثوبك يوم جرى ما جرى في قصر عزيز مصر.
هكذا فعل الله عزوجل بمن أدّى شهادة حق وانصف فكيف فعله بمن كان له موحداً مؤمناً؟!
أجل هذا هو لطف الله ورحمته ورأفته سبحانه انه هو ارحم الراحمين.
الهي وسيدي فأسألك بالقدرة التي قدرتها وبالقضية التي حتمتها وحكمتها، وغلبت من عليه أجريتها أن تهب لي في هذه الليلة وفي هذه الساعة
كل جرم أجرمته، وكل ذنب أذنبته وكل قبيح أسررته وكل
جهل عملته كتمته أو أعلنته أخفيته أو أظهرته
الهي وسيدي فأسألك بالقدرة التي قدرتها
وفي هذا المقطع يصل العشق الالهي ذروته حيث يصل الايمان برحمة الله الذروة في ليلة مباركة هي ليلة الجمعة، حيث يدرك العاشقون ان ابواب رحمة الله قد فتحت على مصاريعها وأن ابواب السماء قد فتحت وملائكة الرحمة تهبط على الأرض وتدعو بني آدم الى التوبة والعودة والانابة الى الله انه هو ارحم الراحمين.
فكيف بمن يمزج كلماته ببكائه ويغسل قلبه بدموعه وتستحيل روحه الى حمامة بيضاء تحلّق نحو الملكوت تسبّح في فضاء الرحمة وتسبّح بحمد الله ومجده وتشتاق الى لقائه!
وكل سيئة أمرت باثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلّتهم بحفظ ما يكون مني، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم
والشاهد لما خفي عنهم، وبرحمتك أخفيته وبفضلك سترته وأن
توفر حظي من كل خير انزلته أو احسان فضلته أو برّ نشرته
أو رزق بسطته أو ذنب تغفره أو خطأ تستره
وكل سيئة أمرت بأثباتها
ويتواصل الدعاء ببلاغة التعبير التي تنطوي عليه الروح الوالهة والقلب العاشق المتيم الذي يكاد يذوب شوقاً الى المحبوب.
ويتخذ الخطاب العاشق منحىً تصاعدياً في الحبّ بحيث يطلب من الرب تبارك وتعالى ان يغفر له كل الذنوب حتى تلك التي يسجلها الملكان الموكلان بحفظ اعمال الانسان.
الكـاتبـون
اشاره القرآن الكريم الى وجود رقابة صارمة لا تغفل لحظة واحدة فهي تحفظ وتسجل على الانسان كل نشاطه وتجربته في الحياة الدنيا «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ««567».
«حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا الله الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ
شَيْءٍ««568».
«يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ««569».
«الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ««570».
«مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ««571».
الآيات كما نرى لا تشير الى الملائكة الكاتبين بل هناك شهود من ذات الانسان؛ فاللسان والسمع والبصر واليد والرجل كلها ستشهد على الانسان حتى الأرض هي الأخرى سوف تفصح بالحديث الصريح عن قصة الانسان:
«يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا««572».
وفي يوم القايمة تتجسّد اعمال الانسان وافعاله وحينئذ لا يبقى مجال للانكار:
«وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ««573».
غير ان الذين يوفقون للتوبة ويغفر الله لهم فاؤلئك يستر الله عليهم يوم القيامة ويأتون يوم القيامة.
وصفحتهم بيضاء ناصعة كأنهم لم يأثموا في الدنيا ولم يرتكبوا معصية ولا ذنبا.
يقول سيدنا علي «:
««من تاب، تاب الله عليه وأمرت جوارحه أن تستر عليه وبقاع الأرض أن تكتم عليه وانسيت الحفظة ما كانت تكتب عليه»» «574».
ويقول الامام الصادق «:
««اذا تاب العبد المؤمن توبةً نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة. قيل وكيف يستر عليه؟
قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس لشيء يشهد بشيء من الذنوب»» «575».
يا ربّ يا ربّ يا رب يا الهي وسيدي ومولاي ومالك رقي يا من بيده
ناصيتي، يا عليماً بضرّي ومسكنتي يا خبيراً بفقري وفاقتي يا ربّ يا ربّ
يا ربّ! اسألك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك، أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة واعمالي عندك مقبولة حتـى تكون أعمالي وأورادي كلّها ورداً واحداً وحالي في خدمتك سرمداً يا
سيّدي يا من عليه معوّلي يا من اليه شكوت أحوالي يا ربّ يا ربّ يا رب!
يا ربّ يا ربّ يا رب
ويستمر الدعاء بذات المسار من الحب والشوق والتوسل الى المحبوب تبارك وتعالى فتتجلى صورة رائعة من صورة الحب والعشق الالهي بحيث يخلو المشهد من كل شيء الاّ الله عزوجل.
الاسم الأعظم
يقول بعض العرفاء والأولياء والعاشقين ان كلمة ««ربّ»»
التي تعني المالك المطلق والتي تنطوي على دلالات عميقة هي الاسم الاعظم وان من يتوسل بها تنفتح عليه ابواب الرحمة وتغفر له ذنوبه ويعود طاهراً كما ولدته أمه.
ولعل في توسّل الأنبياء بالله عزوجل من خلال هذه الكلمة يشير الى ذلك.
ففي توسل آدم وحواء نجد خطابهما يبدأ بهذه الكلمة المقدسة:
«رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ««576».
ونوح الذي عانى ما عانى في تبليغ رسالة الله على مدى قرون متمادية نجده يلجأ الى الله عزوجل قائلاً:
«رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا««577».
وابراهيم خليل الرحمن « يناجي الله عزوجل قائلاً:
«رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ««578».
وموسى بن عمران يتضرع الى الله تبارك وتعالى فيقول:
«رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ««579».
وسليمان « يستغفر ويقول:
«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأحَدٍ مِّنْ بَعْدِي««580».
وزكريا لمّا دعا الله عزوجل يطلب منه ولداً يرثه:
«رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ««581».
وقال يوسف الصدّيق يحمد الله عزوجل ويشكره:
«رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ««582».
وأيوب النبي الصابر دعا الله عزوجل قائلاً:
«وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ««583».
وخاطب الله عزوجل نبيه وحبيبه سيدنا محمد « يعلّمه:
«وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ««584».
والمؤمنون الصالحون إذ يتأملون ملكوت السماء والارض فيقولون:
«رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ««585».
وقد جاء في الأثر إذا قال العبد مخلصا: يا ربّ؛ قال الله عزوجل: لبيك فإذا كرر ذلك ثانياً وثالثاً قال الله عزوجل: يا عبدي اطلب حاجتك اجيبك«586».
العمل الصالح
للاعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمنون الأثر الكبير في مسيرة الاخلاص الى الله عزوجل، ذلك أنّ لقاء الله عزوجل يتوقف على شرطين الايمان والعمل الصالح «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا«.
ومن هنا يدعو أميرالمؤمنين من الله عزوجل قائلاً: ««وأعمالي عندك مقبولة»».
ومسألة الايمان هامّة ومصيرية في قبول الاعمال والطاعات.
فالمؤمن المخلص اذا عمل صالحاً كتب له وتقبّل منه أما الكافر فلا يقبل منه وتسجل عليه الذنوب حتى لو كانت صغيرة، ومع كل هذا تبقى للعمل الصالح أهميته الكبيرة في حياة الانسان.
يقول سيدنا علي «:
««الشرف عند الله سبحانه بحسن الأعمال لا بحسن الأقوال»» «587».
««العمل شعار المؤمن»» «588».
««أعلى الاعمال اخلاص الايمان وصدق الورع والايقان»» «589».
ويقول الامام الصادق «:
««دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الآخرة باعمالهم ليجاوزا»» «590».
وقال سيدنا محمد « يوصي الفرد المسلم:
««أفضل الاعمال ايمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيل الله وحجّ مبرور وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ولين الكلام والمسامحة وحسن الخلق وأهون عليك من ذلك لا تتهم الله في شيء قضاه الله عليك»» «591».
وقال صلوات الله عليه وآله وسلم:
««سيد الاعمال ثلاث خصال: إنصافك من نفسك ومواساتك الأخ في الله عزوجل وذكر الله تعالى على كل حال»» «592».
ويقول سيدنا علي «:
««طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله»» «593».
ويقول سيدنا محمد « يوصي أبا ذر «:
««كن بالعمل بالتقوى أشدّ اهتماماً منك بالعمل؛ فانّه لا يقلّ
عمل بالتقوى وكف يقلّ عمل يُتقبّل بقول الله عزوجل: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ««594».
ويقول أميرالمؤمنين علي «:
««انك لن يُتقبّل من عملك الاّ ما أخلصت فيه»» «595».
وتصل قيمة العمل المخلص النابع من قلب الانسان المؤمن قيمة عالية يشير لها الحديث المروي عن الامام الصادق « إذ يقول: ««من قبل الله منه صلاة واحدة لم يعذّبه ومن قبل منه حسنة لم يعذّبه»» «596».
وأيضاً:
««من قبل الله منه حسنةً واحدةً لم يعذبه أبداً ودخل الجنة»» «597».
اللهم وفقنا لأن نعمل عملاً صالحاً ولا نشرك بعبادتك أحداً يا أرحم الراحمين.
قوِّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك، والدوام في الاتصال بخدمتك، حتى اسرح اليك في ميادين السابقين وأسرع اليك في البارزين واشتاق الى قربك في المشتاقين وأدنو منك دنوِّ المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين واجتمع في جوارك مع المؤمنين
قوِّ على خدمتك جوارحي
وفي هذا المقطع يستمد عبدالله من الله القدرة والعزيمة من أجل الاستمرار في الطاعة والخشية والدوام على انتهاج طريق التكامل الانساني وبلوغ الغاية وهي لقاء الله عزوجل.
وتصل المناجاة مراحل متقدمة بحيث تذوب الأنا بكل جوانبها لتكون في خدمة الربّ تبارك وتعالى؛ فلا يبقى من بشرية الانسان وآدميته الاّ ما كان متصلاً بالله وفي طريقه وسبيله.
فكل ما من شأنه أن يعزز قدرة الانسان وقوّته سيكون في سبيل الغاية الكبرى وهي الاتصال والقرب من المحبوب.
شروط الافاضة
ان السالكين في طريق الله والى الله يدركون تماماً ما عليهم من الشروط لكي يستمروا في حركتهم نحو المحبوب.
1 ـ اجتناب معاشرة الفاسقين من الذين لا أمل في عودتهم الى جادة الصواب واستبدال ذلك بمعاشرة الاتقياء من الناس والعلماء الربانيين.
2 ـ الحذر الشديد من لقمة الحرام والابتعاد عن الاكل الذي تحوم حوله الشبهات؛ فلا يأكلون على موائد من لا يعرفون كيف حصلوا على ثرواتهم ومن أي طريق كسبوا أموالهم.
3 ـ تطهير الباطن من كل الرذائل والعقد النفسانية والتحلّي بالأخلاق الحميدة وتشرّب الحقائق الالهية.
4 ـ الاجتناب عن التخمة والشره في الطعام والشراب لما لها من آثار في تحريك الحالات الشيطانية ومنع حالات الالهام والاشراق.
5 ـ اجتناب كثرة النوم والحذر من الكسل والتكاسل في أداء الواجبات الدينية والافعال العبادية.
آداب المعاشرة
يقول سيدنا محمد «:
««أوحش الوحشة قرين السوء»» «598».
ويقول سيدنا علي «:
««إحذر مجالسة قرين السوء، فإنّه يهلك مقارنَهُ ويردي مصاحِبهُ»»
«599».
ويقول الامام الجواد «:
««اياك ومصاحبة الشرّير فانّه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره»» «600».
ويقول الامام الصادق «:
««احذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام لأن من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك ومن نمّ لك سينمّ عليك»» «601».
ويقول سيدنا علي «:
««صاحب الحكماء وجالس الحلماء واعرض عن الدنيا تسكن جنّة المأوى»» «602».
اللقمة الحرام
يقول سيدنا محمد «:
««من أكل لقمة من حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»» «603».
ويقول « أيضاً:
««إنّ الله عزوجل حرّم الجنة جسداً غذي بحرام»» «604».
وقال « أيضاً:
««اذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والأرض»»
«605».
ويقول الامام الباقر «:
««ان الرجل اذا أصاب مالاً من حرام لم يقبل منه حج ولا عمرة ولا صلة رحم»» «606».
الرذيلـة
ونجد سيدنا زين العابدين يستعيذ من الرذائل البشرية قائلاً:
««اللهم انّي اعوذ بك من هيجان الحرص وسورة الغضب، وغلبة الحسد وضعف الصبر وقلة القناعة ومتابعة الهوى ومخالفة الهدى وسنّة الغفلة وتعاطي الكلفة وايثار الباطل على الحق والاصرار على المآثم واستصغار المعصية واستكبار الطاعة ومباهاة المكثرين والازراء بالمقلّين وسوء الولاية لمن تحت أيدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا أو أن نعضد ظالماً أو نخذل ملهوفاً أو نروم ما ليس لنا بحق أو أن نقول في العلم بغير علم ونعوذ بك أن ننطوي على غش أحد»» «607».
قيل للنبي «: ان فلانة تصوم النهار وتقوم اليل ولكنها تؤذي جيرانها قال «: لا خير فيها هي من أهل النار«608».
يقول الامام الصادق «:
««ان سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل»» «609».
التخمـة
يقول سيدنا علي «:
««من كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه»» «610».
««من كثر أكله قلّت صحته وثقلت على نفسه مؤنته»» «611».
««كثرة الأكل من الشره والشره شرّ العيوب»» «612».
««ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الاكل وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب وهيجان الشهوة»» «613».