عربي
Monday 23rd of December 2024
0
نفر 0

الخمس... فريضة إلهيّة (1)

الخمس... فريضة إلهيّة (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد

 

السؤال: ما هو المستند الذي يعتمده الشيعة في إيجابهم للخمس في غير غنائم الحرب، وأين يصرف علماؤهم الخمس؟

 

الجواب: السؤال يقتضي تصنيف الجواب إلى محورين:

 

المحور الأول: في بيان الأدلة على وجوب الخمس في غير غنائم الحرب.

المحور الثاني: في بيان مصارف الخمس ومستند تحديدها.

 

أمَّا البحث في المحور الأول: فيقتضي أولاً: التنبيه على أمر وهو أن أصل وجوب الخمس موردُ وفاق بين المسلمين قاطبة، فما من فرقة من الفرق الإسلامية إلا وهي تقول بوجوب الخمس، نعم وقع الاختلاف بينهم فيما يجب فيه الخمس، إلاَّ أنَّ أكثرهم لم يقولوا باختصاص وجوب الخمس بغنائم الحرب كما يتوهم البعض ومنهم السائل الكريم، فما تفرَّد به الإماميَّة دون سواهم ليس هو القول بعدم اختصاص الخمس بغنائم الحرب وإنما هو القول بوجوب الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير، فالشيعة يرون وجوب الخمس حتى في أرباح المكاسب والتجارات والصناعات فهذا هو ما اختصَّوا به عما عداهم من سائر الفرق الإسلامية.

 

ورغم أنَّ هذا الأمر واضح لمن كان له معرفة بالفقه الإسلامي إلا أنه لا مانع من استعراض بعض أقوال فقهاء السنة بنحو موجز ليتوثَّق السائل الكريم من صحة ما ذكرناه.

 

فنقول إنَّ ثمّة موارد غير غنائم الحرب اتفق الفقهاء على وجوب الخمس في بعضها واختلفوا في البعض الآخر، والموارد هي ما يلي:

 

المورد الأوّل: الركاز: وهي الأموال المذخورة في الأرض ولا يُعلم لها مالك مسلم، وثبوت الخمس في هذا المورد إجماعي، فلم يختلف فيه أحد من الفقهاء وان كانوا قد اختلفوا في حدود ما يصدق عليه عنوان الركاز، وتحقيق ذلك خارج عن محل الغرض.

 

وممن صرَّح بالإجماع على وجوب الخمس في هذا المورد هو ابن قدامة في كتابه المغني(1). وقد نسب صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة القول بوجوب الخمس في الركاز إلى فقهاء المذاهب الأربعة(2).

 

المورد الثاني: المعادن: وهي ما يُستخرج من الأرض مما خُلق فيها ويكون من غير جنسها، وتكون له قيمة، وهي على أصناف ثلاثة:

 

الصنف الأول: يُعبَّر عنه بالمعادن المنطبعة مثل الرصاص والصفر والنحاس والحديد.

 

الصنف الثاني: يُعبَّر عنه بالمعادن غير المنطبعة كالياقوت والفيروز والعقيق والبلُّور والسبج -الخرز الأسود -والكحل والزرنيخ.

 

الصنف الثالث: المعادن الجارية كالقار والنفط والكبريت.

 

وقد أجمع فقهاء الامامية على وجوب الخمس في مطلق المعادن.

 

وأمّا فقهاء السنة فاختلفوا في ذلك، فذهب أبو حنيفة(3) إلى وجوب خمس المعادن المنطبعة، ونَسب ابنُ قدامة القول بوجوب الخمس في المعادن إلى أبي عبيدة(4). ونُسب القول بوجوب الخمس في المعادن إلى المزني وإلى الشافعي في أحد أقواله(5)، ونُسب له القول بالتفصيل بين المعادن التي يحتاج إخراجها إلى مؤنة وبين التي لا تحتاج إلى مؤنة ففي الفرض الأول يجب ربع العشر وفي الثاني يجب الخمس(6).

 

ونسب إلى عمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي القول بوجوب الخمس في المعادن إذا ما وجدت بدرة مجتمعة أو كان في أثر سيل وأومأ لذلك الشافعي في كتاب الأم (7).

 

المورد الثالث: الغوص وهو ما يُستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر وغير ذلك، وقد أجمع الإمامية على وجوب الخمس فيه، واختلف فقهاء السنة في ذلك فنُسب إلى الزهري والحسن وعمر بن عبد العزيز القول بوجوب الخمس(8)، وورد في صحيح البخاري أنَّ الحسن أي البصري قال: "في العنبر واللؤلؤ الخمس" (9).

 

المورد الرابع: الأرض إذا اشتراها الذمّي مِن المسلم وجب فيها الخمس بنظر الإماميَّة، ونسب إلى مالك وأهل المدينة أنها إن كانت عشرية مُنع من شرائها فإن اشتراها ضوعف العشر عليه فوجب عليه الخمس.

 

الأدلّة على عدم اختصاص الخمس بغنائم الحرب بعد الوقوف على أن الشيعة ليسوا وحدهم القائلين بعدم اختصاص وجوب الخمس بغنائم الحرب يصل بنا البحث في هذا المحور إلى بيان الأدلة على عدم الاختصاص، وهي من القرآن والسنة.

 

أمّا القرآن فقوله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ (10).

 

فالآية المباركة ظاهرة في وجوب تخميس مطلق ما يغنمه الإنسان، ولا مبرِّر لتخصيصها بغنائم الحرب بعد أن كان مفاد قوله –غنمتم– لغة وعرفًا هو مطلق ما يستفيده الإنسان، وسوف نفصِّل الحديث عن مفاد الآية المباركة عند استعراض الأدلة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب والتجارات.

 

وأمّا الروايات فمنها:

1- روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: (العجماء جُبار والبئر جُبار، والمعدن جُبار وفي الركاز الخمس (11).

 

2- روى النسائي أنَّ النبي (ص) قال: (ما لم يكن في طريق مأتي ولا قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس (12).

 

ذكر ابن قدامة في المغني أن هذه الرواية رواها النسائي والجوزجاني وغيرهما، وأفاد أنَّ هذه الرواية هي مستند القائلين بوجوب الخمس في المعدن(13).

 

3- ذكر ابن قدامة في المغني أنَّه روي "ما كان في الخراب ففيه وفي الركاز الخمس"(14).

 

4- أورد ابن قدامة في المغني حديثًا عن النبي (ص): أنه قال: (وفي الركاز الخمس، قيل يا رسول الله وما الركاز؟ قال: هو الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلقت السماوات والأرض (15).

 

5- أورد ابن قدامة فـي المغنّي أنّ النبي (ص) قال: (وفي السيوب الخمس) قال: والسيوب عروق الذهب والفضّة التي تحت الأرض(16).

 

6- روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله (ص) عن اللقطة؟ فقال: (ما كان في طريق مأتي أو في قرية عامرة فعرِّفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فلك، وما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس (17).

 

7- روى أحمد في مسنده عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله (ص) إلى خيبر فدخل صاحب لنا إلى خربة يقضي حاجته فتناول لبنة يستطيب بها فانهارت عليه تبرًا فأخذها فأتى بها النبي (ص) فأخبره بذلك، قال: زنها فوزنها فإذا مائتا درهم، فقال النبي (ص): (هذه ركاز وفيه الخمس) (18).

 

هذا بعض ما تيسَّر لنا نقله مِن الروايات الواردة من طرق السنَّة، وهي كما تلاحظون صريحة في وجوب الخمس في غير غنائم الحرب وقد عمل ببعضها كلّ فقهاء السنة وعمل ببعضها الآخر بعض فقهاء السنة.

 

الأدلّة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب قلنا إنّ ما اختصّ به الإماميّة دون سواهم فيما يرتبط بالخمس هو القول بوجوب الخمس في أرباح المكاسب والتجارات والصناعات، وهو مورد الطعن من البعض رغم وضوح أن هذه المسالة من المسائل الفرعية الاجتهاديَّة والتي يجوز فيها الاختلاف حتّى مِن مذهب واحد، إلاَّ أنَّ مَن لا خبرة له بالفقه ولا معرفة له بالأحكام الشرعيّة يجعل مِن كلِّ شيء لا يتبنَّاه قومُه موردًا للطعن والتوهين متوهِّمًا أنَّ في ذلك انتصارًا لمذهبه، وما علم أنـّه يُسيء بذلك لنفسه بل ولمن يدَّعي الانتماء إليهم.

وكيف كان فقد استدلَّ الإماميَّة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب بالقرآن الكريم والسنة الشريفة الواردة من طرق أهل البيت (ع) ولهم مع كلِّ ذلك ما يحتجون به من الروايات الواردة من طرق السنَّة.

 

أمّا الاستدلال بالقرآن الكريم:

فقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ (19).

 

والآية المباركة ظاهرة عرفًا بمقتضى إطلاقها في أن وجوب الخمس ثابت في كلِّ ما يغنمه الإنسان ويستفيده سواء تمَّت استفادته بواسطة الحرب أو كان قد استفاده بواسطة التكسُّب أو بغير ذلك من وسائل التحصيل والاستفادة.

 

ويمكن تأكيد هذا الاستظهار بمجموعة من القرائن:

الأولى: من مادة غَنِم.

 

الثانية: استعمال القرآن والسنة لهذه المادة في مطلق الفائدة.

 

الثالثة: عموم الخطاب.

 

الرابعة: فهم بعض مفسري السنة وفقهائهم العموم من الآية الشريفة.

 

أمّا القرينة الأولى: وهي المدلول اللغوي لمادة "غنم" الواردة في الآية الشريفة، فإنَّ كلمات اللغويين متفقة على إن مفادها هو مطلق الفوز بالشيء، ومعنى ذلك أن كلَّ ما يستفيده الإنسان ويتحصَّل عليه ويظفر به من أموال تدخل تحت عنوان أنه قد غَنِمها وفاز بالظفر بها.

 

وعليه تكون الأرباح والفوائد التي يفوز بها الإنسان من تجارته وسائر مكاسبه مشمول لمدلول مادة "غنم" وهذا المقدار لا ريب فيه عند اللغويين قاطبة، وكل من أراد التوثُّق من ذلك فعليه أن يراجع كلماتهم.

 

 نعم وقع الإشكال في اختصاص كلمة الغنيمة بما يغنمه المسلمون من الكفار في الحرب، فادَّعى البعض إنّ لفظ الغنيمة بهذه الهيئة لا يُستعمل إلا في ذلك، وهذه الدعوى لو تمَّت فإنها لا تقتضي أن يكون مدلول الآية الشريفة هو اختصاص وجوب الخمس بغنائم الحرب، وذلك لأن هذه الهيئة لم تُستعمل في الآية والذي استعمل فيها إنما هو صيغة الفعل الماضي، وهو يقتضي إفادته لمدلوله الواسع الذي ذكره اللغويين، على أنه لم يثبت صيرورة لفظ الغنيمة حقيقة شرعية في غنائم الحرب بنحوٍ يكون لفظ الغنيمة مساوقًا شرعًا لغنائم الحرب، فإنَّ مَنِ ادَّعى ذلك فعليه أنْ يأتي بدليل يُثبت لنا به أنّ الشارع المقدّس قد اعتمد لفظ الغنيمة مصطلحًا شرعيًّا في غنائم الحرب، ومجرَّد استعمال لفظ الغنيمة في خصوص غنائم الحرب في بعض الموارد لا يعبِّر عن أنَّ الشارع قد تصرَّف في مدلول هذا اللفظ فضيَّق من دائرة مدلوله، إذ كثيرًا ما يُستعمل اللفظ ذو المدلول الواسع في بعض مصاديقه، إلاَّ أنَّ ذلك الاستعمال لا يُنتج استظهار إرادة المعنى الضيِّق في كلِّ موردٍ استعمل فيه المتكلم ذلك اللفظ إلا أن يأتي بقرينةٍ تعبِّر عن إرادة المعنى الضيِّق، وحينئذٍ تكون استفادة المعنى الضيِّق ناشئة من مجموع اللفظ والقرينة -بنحو تعدُّد الدالّ والمدلول-وهو ما يؤكّد عدم اعتماده اللفظ مجرَّدًا لإفادة المعنى الضيِّق.

 

ثمّ إنّه يمكن تأكيد عدم اختصاص لفظ الغنيمة أو على الأقل مادة غنم الواردة في الآية، يمكن تأكيد عدم اختصاصها بغنيمة الحرب بما ورد من استعمالٍ لها في الآيات والروايات الواردة عن النبي (ص) حيث استعملت في المدلول الواسع وهو ما يؤكد عدم اعتبار هذا اللفظ حقيقة شرعية في غنيمة الحرب، وسيأتي إيضاح ذلك في القرينة الثانية.

 

القرينة الثانية: وهي استعمال القرآن الكريم والسنَّة الشريفة لمادة غنم في المدلول الواسع ونذكر لذلك نماذج:

النموذج الأول: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ (20). المراد مِن المغانم في هذه الآية هو الأجر والثواب -كما أفاد المفسِّرون كالفخر الرازي (21) -وذلك بقرينة المقابلة لعرَض الحياة الدنيا، واستعمال الآية للمغانم في المعنى المذكور يؤكد ما ذكرناه من إفادة مادة غنم للمدلول الواسع الذي أشرنا إليه.

 

النموذج الثاني: ما ورد في النهاية لابن الأثير في مادة غنم أن رسول الله (ص) قال: (الرهن لمن له غنمه وعليه غرمه، وقد أفاد في تفسيره أنَّ غُنمه بمعنى زيادته ونماؤه وفاضل قيمته(22).

 

وبه يتأكَّد ما ذكرناه من أن مادة غنم تعني مطلق الفوز بالشيء المقتضي لصدقها على أرباح المكاسب والتجارات.

 

النموذج الثالث: ما ورد أيضًا في النهاية لابن الأثير في مادة غنم أنَّ رسول الله (ص) قال: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، وأفاد في مقام تفسيره للحديث بقوله: "إنما سمّاه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب" (23).

 

وهنا استعمل الحديث الشريف هيئة الغنيمة فيما يناسب المدلول اللغوي لمادة غنم.

 

وثمّة نماذج أخرى في الأحاديث النبوية استعملت فيها هذه المادّة فيما يُناسب المدلول اللغوي الواسع مثل:

 

ما رواه ابن ماجة في سننه في باب يقال عند إخراج الزكاة أنَّ رسول الله (ص) قال: (اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا) (24).

 

وما رواه في كنز العمال عن الديلمي عن أنس أن رسول الله (ص) قال: (غنيمتان غبنها كثير مِن الناس الصحّة والفراغ) (25).

 

وما ورد في مسند أحمد أنَّ رسول الله (ص) قال: (غنيمة مجالس الذكر الجنّة) (26)، وورد عنه (ص) في وصف شهر رمضان (غُنم للمؤمن) (27).

 

القرينة الثالثة: أنّ الخطاب في الآية الشريفة موجَّهٌ لعموم المؤمنين وليس لخصوص المقاتلين، وذلك يناسب أنْ يكون المراد من مادة غنم هو المدلول الواسع المقتضي لعدم اختصاص الخمس بغنائم الحرب.

 

والذي يؤكِّد عموم الخطاب بالإضافة إلى ما سبق الآية الشريفة وما لحقها من خطاباتٍ أنَّ أحدًا ممن ادَّعى اختصاص الغنيمة بغنائم الحرب لم يتمسَّك باختصاص الخطاب بالمقاتلين رغم أنَّه لو كان الخطاب كذلك لكان نافعًا بنحوٍ ما لإثبات دعواه، وعليه يكون عموم الخطاب في قوله تعالى: (واعْلَمُوا) واحدًا من القرائن التي تُساهم في استظهار إرادة جعل الخمس على مطلق ما يغنمه الإنسان ويستفيده من أموال.

 

القرينة الرابعة: أنّ بعض مفسري علماء السنَّة وبعض فقهائهم استظهر مِن الآية الشريفة المعنى الذي استظهرناه فالقرطبي -مثلاً- في تفسيره المسمَّى بالجامع لأحكام القرآن قال في مقام تفسير الآية الشريفة: " الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي، ومن ذلك قول الشاعر:

 

وقد طوَّفت في الآفــاق حـتى رضيت مِن الغنيمة بالإياب

 

وقال آخر:

ومُطعم الغُنم يوم الغنم مُطعمه أنَّى توجَّه والمحروم محــروم

 

والمغنم والغنيمة بمعنىً، يقال غنم القوم غنمًا، واعلم أن الاتّفاق حاصل على أنَّ المراد بقوله: (غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ) مال الكفار إذا ظُفر به على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيَّناه ولكن عُرف الشرع قيَّد اللفظ بهذا النوع، وسمَّى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين غنيمة وفيئًا"(28).

 

تلاحظون أنّ القرطبي استظهر مِن الآية الشريفة العموم وأنَّ مطلق ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي يقال له مغنمٌ وغنيمة، غايته أنّ المانع من اعتماد هذا الاستظهار بنظره هو الاتفاق، وإلاَّ فمقتضى اللغة كما أفاد هو عدم التخصيص.

 

وعليه فنحن ننقض على مدَّعي الظهور فيما التخصيص بما أفاده القرطبي، وأمَّا دعواه الاتِّفاق على إرادة التخصيص فسيأتي الجواب عليه.

 

ورد في كتاب روح المعاني للآلوسي في مقام تفسير الآية الشريفة "... وغنم في الأصل من الغُنم بمعنى الربح، وجاء غنم غُنمًا بالضمّ وبالفتح وبالتحريك وغنيمة وغُنمًا بالضمّ، ثمَّ قال "وفسّروها بما أُخذ من الكفار قهرًا بقتال أو إيجاف" (29).

 

فهم فسَّروها على خلاف ما تقتضيه اللغة، ولعلَّ ذلك لدعوى الإجماع وبمجموع ما ذكرناه مِن قرائن يتأكد ما استظهرناه من الآية الشريفة وأنَّ ما عليه الإماميّة في وجوب الخمس في أرباح المكاسب هو ما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة.

 


 

1-  المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1 / 562 – 563.

2-  الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري: ج1 / 555.

3-  بدائع الصنائع: 2 /67، فتح العزيز: 6 / 88، الشرح الكبير: 2 /582 و 583، حلية العلماء: 3 / 112.

4-  المغني لابن قدامة: ج1/563.

5-  الهداية للمرغيناني: 1 / 108، الوجيز: 1/96، فتح العزيز: 6/89، المهذب للشيرازي: 1/169، المجموع 6/38، حلية العلماء: 3: 113، الشرح الكبير: 2: 583، المغني: ج1.

6-

7-  المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1 / 566، الشرح الكبير: ج2 / 587.

8-  صحيح البخاري كتاب الزكاة، باب ما يستخرج من البحر: 65.

9- الشرح الكبير: 2 / 579، المغني: ج1.

10- سورة الأنفال، آية رقم 41.

11- صحيح البخاري كتاب الزكاة باب في الركاز الخمس: 1499، أخرجه مسلم أيضًا في صحيحه: 1710.

12-  سنن النسائي: 5/44، الشرح الكبير: 2 / 583.

13-  المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1 / 565.

14- سنن النسائي: 5 / 44، الشرح الكبير: ج2 / 583 قال رواه النسائي والجوزجاني، المغني.

15-  المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1 / 565.

16-  المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1 / 565.

17- المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1 / 565.

18-  مسند أحمد: 3 / 128.

19-  الأنفال آية رقم: 41.

20-  سورة النساء آية رقم: 94.

21-   التفسير الكبير للفخر الرازي.

22-  النهاية لابن الأثير مادة غنم.

23-  النهاية لابن الأثير مادة غنم، كنز العمال للمتقي الهندي رواه عن عامر بن مسعود: ج2 / 126 رقم 35210.

24-  سنن ابن ماجه كتاب الزكاة باب ما يقال عند إخراج الزكاةج: 1797.

25-  كنز العمال للمتقي الهندي رواه عند الديلمي عن أنس ج1/273 رقم 6458.

26-  كنز العمال للمتقي الهندي رواه عن ابن عمر: ج1 / 103 رقم 1793

27-  مسند أحمد: ج2/177.

28-  تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن: ج8 /3.

29-  روح المعاني للألوسي: ج5 / 200.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الامامة الابراهيمية في القرآن الكريم (القسم ...
الخمس... فريضة إلهيّة (1)
یوم دحو الارض
أفعال العباد وعلمه الأزلي
نعمة الشكر
صفات اللّه الجمالية و الجلالية
اصطفاء البيوتات في القرآن الكريم
المُناظرة السادسة عشر /مناظرة الشيخ معتصم سيد ...
العلامة أبو الفتح الكراحكي
آل محمد( ص ) في القرآن

 
user comment