عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

النّعيـم الإلهـي

إنَّ حديث الغدير، متواتر بين العامّة والخاصة قد نُقل بأسانيد كثيرة جداً حتَّى صارت واقعة الغدير كبعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم من ناحية الأهمِّية والوضوح. وقد ورد الحديث في أكثر كتب العامَّة (راجع برنامج موسوعة الحديث الشريف في الحاسب الآلي1991-1995 عند البحث في من كنت مولاه) ، نكتفي بما يلي:

في مسند الإمام أحمد بن حنبل:

((حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنّا مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم في سفر، فنزلنا بغدير خمٍ فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه فقال: ألستم تعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه، قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد عليٍّ، فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه: قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: هنيئًا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة))(مسند أحمد بن حنبل الحديث17749).

وفي سنن ابن ماجة:

((عن سعد بن أبى وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد، فذكروا عليا فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من كنت مولاه فعلي مولاه" وسمعته يقول: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى". وسمعته يقول : "لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله"))(سنن ابن ماجة جلد:1 ص45).

وفي سنن الترمذي بإسناده:

((عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، فقال: كأنِّي قد دعيت فأجبت إنِّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما فإنَّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض. ثمَّ قال: إن الله عز وجل مولايَّ وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضى الله عنه فقال من كنت مولاه فهذا وليُّه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه))(مستدرك الحاكم جلد:3 ص109).

وذكر الحديث بطوله.

ولم يقتصر صدور هذا النصّ من الرسول في غدير خم، بل صدر منه في مواقع عديدة نكتفي بواحدٍ منها من طرق غيرنا.

ففي مستدرك الحاكم:

((حدّثنا الفضل بن دكين حدّثنا ابن أبي غنيّة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عن بريدة قال: غزوت مع عليّ اليمن، فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكرت عليّا فتنقّصته فرأيت وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتغيّر، فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه))(مسند أحمد الحديث رقم21867).

 

ثم إن الخطيب البغدادي قال في تاريخه:

أنبأنا عبدالله بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة ، قال:

((من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فأنزل الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم)).

وقال: أخبرنيه الأزهري، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري -إملاء- حدثنا علي بن سعيد الشامي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، وذكر الخبر مثل ما تقدم أو نحوه. وأخرجه الحافظ ابن عساكر بطريقه إلى أبي بكر الخطيب، وأخرجه بالإسناد عن أبي بكر الخطيب ابن الجوزي في العلل الواهية، حيث قال: أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت...الخ.(العلل الواهية ج1 ص226 ح356). والحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل والعاصمي في زين الفتى والمرشد بالله الشجري في الأمالي من طريقين والخطيب الخوارزمي في مناقبه والحافظ الجويني في فرائد السمطين والحافظ ابن المغازلي في المناقب، والحافظ أبو الحسين عبد الوهاب الكلابي المعروف بابن أخي تبوك في مسنده، والبلاذري في أنساب الأشراف والحافظ ابن عدي الجرجاني في كامله، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب، والحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط والصغير.

وأخرجه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف قال:

حدثنا شريك، عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه، قال: دخل أبو هريرة المسجد، فاجتمعنا إليه، فقام إليه شاب، فقال: أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فقال له الشاب: أنا منك بريء، أشهد أنك قد عاديت من والاه، وواليت من عاداه. قال فحصبه الناس بالحصا)).

وفي الأمالي للمرشد بالله الشجري:

(( فقال له الناس(أي للفتى) أسكتْ أسكتْ))

وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة الخبر مع بعض الاختلاف في التعبير.

ألسـت بربِّـكم

فلنسلط الضوء على واحد من أهم مفردات الحديث وهو قوله صلى الله عليه وآله :

((ألست أولى بكم من أنفسكم))

أو ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم))

وأنت إذا تأملت فستلاحظ أنَّ لسان هذا المقطع المهم من الحديث يساوق لسان الآية الكريمة التالية:

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)(الأعراف/172).

إنَّ الله سبحانه وتعالى ومن منطلق ربوبيته للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (ربك)، طلب من بني آدم الاعتراف بربوبيته والتسليم له، وأشهدهم على أنفسهم كي لا يُنكروا هذه الحقيقة، ومن الطبيعي أن يقرَّ العبد بالعبودية لربِّه.

ومن المعلوم أنَّ الرسول لا ينطق عن الهوى، فكل ما يصدر منه إنَّما هو طبقاً لما يوحى إليه حتى استخدامه للكلمات وأسلوب تكلمه وسياق خطبه ووصاياه.

فإنّنا نشاهد نفس المضمون قد صدر منه صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير، فبعد أن أخذ الاعتراف والإقرار من الناس بالنسبة إلى نبوَّته وأولويته من أنفسهم، قال: لا بدَّ من قبولكم ولاية عليٍّ عليه السلام الذِّي خلَّفتْه السماء عليكم من بعدي، وكان يؤكِّد على كلمة (اللهم اشهد) إتماماً للحجة وإيضاحاً للمحجَّة.

فالقضيَّة إذاً ليست مما يمكن التغاضي عنها وجعلها في طيِّ النسيان، بل هي تتعلَّق بأصل خلق الإنسان وفلسفته الوجوديَّة، حيث أنَّ الوصاية ما هي إلا استمرارٌ للنبوَّة التي هي مظهر حاكميّة الله على الإطلاق.

ولو أردنا أن نصل إلى عمق هذه الحادثة فينبغي لنا أن نتأمَّل في الآيات النازلة بشأنها فهي:

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة/67).

يا أيَّـها الرسـول

إنَّ نبيَّنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلَّم قد نودي في الذكر في تسعة عشر مورداً، وذلك بتعبيرات أربعة، والملاحظ أنَّ الله سبحانه لم يخاطبه باسمه كما خاطب سائر الأنبياء بل في ثلاثة عشر مورداً يخاطبه بقوله: (يا أيها النبي) وفي موردين يخاطبه (يا أيُّها الرسول) وهناك خطابات أخر مثل (يا أيُّها المُزَّمل) (يا أيُّها المدَّثر) وقوله (طه) (يس) على ما في أحاديثنا.

فبالنسبة إلى النداءات التِّي تخاطب النبي (يا أيُّها النبيّ) فإنها تتمحَّض في سور "الأنفال والتوبة والأحزاب والممتحنة والتحريم" وتنحصر في أمرين:

ألف: ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله.

ب  : الأمور المتعلقة بنساء النبيّ.

والجدير بالذكر هو أنَّ الموردين اللذين قد خاطب الله فيهما نبيَّنا بقوله (يا أيُّها الرسول) كليهما متعلقان بالولاية والإمامة.

والآيتان في سياق واحد من حيث أنَّ هناك من يحارب الولاية ويقف دون تحقّقها في المجتمع، فالله سبحانه لأجل ذلك يواسي رسولَه ويسليه كي يحقق الهدف السّامي الذي بُعث لأجله.

فأمّا قوله سبحانه وتعالى :

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ) (المائدة/67)

فهو يتعلَّق بواقعة الغدير المتواترة لدى الفريقين.

وأمّا قوله سبحانه

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ }(المائدة/41)

فهناك حديث دالٌّ على أنَّها تختصُّ بالولاية ، وهذا نصُّه :

((عن تفسير علي بن إبراهيم القمِّي عن الإصفهاني ، عن المنقري ، عن شريك عن جابر ، قال: قال رجلٌ عند أبي جعفر عليه السلام ، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً و باطنةً ، قال : أمّا النعمة الظاهرة فهي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و ما جاء به من معرفة الله عزّ و جلّ و توحيده ، و أمّا النعمة الباطنة ولايتُنا أهل البيت ، و عقد مودتنا فاعتقد والله قوم هذه النعمة الظاهرة و الباطنة ، و اعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوها باطنه فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (المائدة/41) ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عند نزولها إذ لم يقبل الله تبارك وتعالى إيمانهم إلاّ بعقد ولايتنا ومحبتنا)) (بحار الأنوار ج42 ص25 رواية7 باب92).

ومن الواضح أنَّ الخطاب بقوله(يا أيُّها الرسول ) في الآيتين بدلاً عن سائر الصفات هو دليل على أنَّ الرسالة هي التِّي لها هذا الاقتضاء وأنَّ تبيين الولاية هي أهم أهداف الرسالة .

وفي خصوص آية التبليغ قد صرَّح سبحانه بقوله :

{وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}المائدة 67

وأما الرسالة فهي شأن آخر لها جانبان :

1-جانب ربوبي .

2-جانب خلقي .

فربُّ العالمين يربِّي الأمَّة على مرِّ الزمن بواسطة الرسول بما هو رسول و يهديهم تشريعاً وتكويناً أعني الهداية بالأمر الذي مرَّ تفصيلها.

وعلماً بأنّه كان خاتم الأنبياء و المرسلين فلو لم يبلِّغ رسالته بتنصيب الإمام لم يتحقَّق الغرض من رسالته، كيف والولاية هي من صميمها.

ومن هنا نعرف السرَّ في تعبير القرآن بقوله “لقد منَّ” بصيغة الفعل الماضي الدال على المُضي و الانقضاء ، حيث أنَّ الرسالة قد ختمت به صلوات الله عليه وآله :

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ }(آل عمران 164)

وأمّا بالنسبة إلى الإمامة فهي مستمرَّة لا نهاية لها ولا انقضاء إلى يوم القيامة ، حيث أنَّها تتمثَّل في الإنسان الكامل الذّي هو النور الصِرف الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، لأنَّه مظهر النور المطلق وهو الله سبحانه وتعالى ولهذا جاء كلمة المنَّة بنحو الفعل المضارع الدال على الاستمرار و الدوام في قوله :

{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ}(القصص5)

فمن أولويات شئون الرسالة هو تعريف الإمام و تنصيبه للناس ، الذي من خلاله تنزل الفيوضات الإلهيَّة وسوف يبقى الوحي من ربِّ العالمين مستمرّاً.

ولهذا نشاهد العلاقة الوثيقة بين الإمامة والرسالة المحمَّدية كما دلت عليها أحاديث كثيرة فالإمام هو :

((سليل الرسالة-معدن الرسالة-موضع الرسالة-مفاض الرسالة-محكم الرسالة-محطّ الرسالة -رواسي الرسالة-أهل بيت الرسالة -فيهم نزلت الرسالة-أحق الخلق- بسلطان الرسالة-مودتهم أجر الرسالة))

فيستفاد من الآية الكريمة الأمور التالية:

1-إنّ من وظائف الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم هو إبلاغ الوحي الإلهي في جميع جوانبه وزواياه .

2-إنَّ هناك رسالة مميَّزة قد أُمر رسول الله بإبلاغها للناس ، وليس المقصود الشريعة بأجمعها لأنَّ لا معنى حينئذٍ لقوله فإن لم تفعل فما بلغت رسالته .

3-إنَّ تلك الرسالة الخاصَّة تُضاهي جميع الأمور الأخرى التِّي بيَّنها الرسول خلال حياته بل هي الرسالة بعينها.

4-إنَّ تنصيب عليٍّ عليه السلام إماماً للمؤمنين هو الحكم الإلهي النازل على الرسول في ذلك اليوم .

5-إنَّ عدم تبيين تلك الرسالة تعني عدم تبليغ الرسالة من الأساس .

6-ينبغي للرسول أن يتَّخذ خطَّة عمليَّة من خلالها يتمكَّن من ابلاغ الرسالة الخاصَّة وذلك لمكان قوله تعالى : “فإن لم تفعل”و لهذا لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالإبلاغ فحسب بل طلبَ من الناس رجالاً و نساءً أن يُبايعوا علياً عملاً وفي الحديث :

((...و أمر علياً عليه السلام أن يجلس فى خيمة له بإزائه ، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنؤه بالمقام و يسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلّهم ، ثمَّ أمر أزواجه و سائر نساء المؤمنين معه ان يدخلن عليه و يسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن...))(بحار الأنوار ج 21 ص 386 روايه 10 باب 36)

7-كانت هناك مؤامرة تواجه الرسول من قِبَل بعض الناس إزاء تبليغ هذه الرسالة المميَّزة ، فأخبره الله سبحانه بأنَّه هو المتكفِّل للقضاء على هذه المؤامرة الخطيرة حيث يقول “والله يعصمك من الناس”.

8-هؤلاء المتآمرون بوقوفهم ضد رسالة الرسول و إنكارهم الولاية جُعلوا في عداد الكفّار بدليل “والله لا يهدي القوم الكافرين” فكلّ من يقف ضدّ الولاية فقد دخل في زمرة الكفّار وابتلي بالعذاب الأليم.

لا تقيّةَ بعد نزول الآية:

إنَّ الظاهر من الآية المباركة أنّه صلى الله عليه وآله كان يعيش التقيَّة في أمر الولاية قبل نزولها وأمّا بعد نزولها فانتفت التقيَّة ، ويشهد لذلك الحديث التالي :

((الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن سهل بن القاسم النوشجاني قال : قال رجل للرضا عليه السلام يا بن رسول الله أنه يروى عن عروة بن زبير أنَّه قال : توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم و هو في تقيةٍ ؟ فقال: أما بعد قول الله عز و جل “يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس” فإنَّه أزال كلَّ تقيةٍ بضمان الله عزَّ و جلَّ له و بيّن أمر الله))(بحار الأنوار ج 16 ص 221 رواية 16 باب 9)

ومن اللازم هاهنا أن نجيب على السؤال التالي وهو :

ما هو الضرر الذي كان يواجه الأمّة لولا التبليغ ؟ وهل كان رسول الله يحافظ على نفسه كي يخاطبه الله بقوله “والله يعصمك من الناس”؟

كيف وهو الذي وهو المخاطب بقوله :

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً}(النساء 84)

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام :

(( كنّا إذا احمر البأس إتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله ، فلم يكن أحدٌ منّا أقربَ إلى العدوِّ منه))(بحار الأنوار ج 19 ص 191 رواية 44 باب 8).

كلُّ ذلك كان قبل فتح مكّة وأمّا بعد الفتح، فقد اتَّسعت قدرة الإسلام وقويت شوكته ، فلا خوف من الناحية العسكرية ، فممَّ كان الخوف؟

نقول في الجواب :

إنَّ الخوف كان من جانب آخر أهمّ و هو الجانب السياسي ذلك لأنَّ موضوع الولاية كان مهماً و حسّاساً للغاية، حيث يثير الأحقاد القبلية، والضغائن البدرية والخيبرية الكامنة في صدور القوم، وحيث التخطيط الدقيق المركَّز لتصاحب الخلافة بعد الرسول، و التسلُّط على رقاب المسلمين، وهذا هو من أهم المخاطر التي كانت تواجه الإسلام، ولكنَّ القوم فوجئوا بالغدير فيَئسوا من نجاح خطَّتهم الإسلام، كما يشهد بذلك التأرخ وهذا ما يستفاد من الحديث التالي:

((عن المفضَّل بن صالح ، عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام أنَّه قال : لما نزلت هذه الآية “إنما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا” شقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وخشي أن يكذَّبه قريش، فأنزل الله “ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية” فقام بذلك يوم غدير خم))(بحار الأنوار ج 35 ص 188 رواية10باب4).

 

أهميَّـة هذا التبـليغ:

إنَّ أهمِّية هذا الأمر قد وصل إلى مستوى بحيث ورد في الحديث عن أبي جعفر محمد بن على عليه السلام في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله مخاطباً لعليٍّ عليه السلام قال:

((لقد أنزل الله فيك “يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته “فلو لم أبلِّغ ما أُمرتُ به لحبط عملي)) (بحار الأنوار ج 36ص139رواية99باب39)

 

ولا يخفى أنَّه من المستحيل أن يخالف الرسول ربَّه في هذا الأمر، ولكن يدلُّ ذلك على الأهميَّة الكبيرة لتبليغ ما أنزِل إليه من ربِّه، وهو تعيين أمير المؤمنين عليه السلام خليفةً على المسلمين .

وتأييداً لذلك نذكر حديثاً في هذا المجال :

((على بن إبراهيم عن أبيه عن الحكم بن بهلول عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ” (الزمر/65)، قال يعنى إن أشركت في الولاية غيره، بل الله فاعبد و كن من الشاكرين يعنى بل الله فاعبد بالطاعة و كن من الشاكرين إن عضدتك بأخيك وابن عمك))(الكافي ج1ص427رواية76).

والجدير بالذكر أنَّ سورة محمَّد صلى الله عليه وآله قد بيَّنت بصورة صريحة النتائج السلبيَّة التِّي تترتَّب إنكار الولاية أو كراهتها ، حيث يقول سبحانه وتعالى:

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ...إلى أن قال.. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}(محمد9،26).

ونذكر هاهنا حديثاً يتعلَّق بالآية الأولى :

((عن أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قوله تعالى: “ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله “ في عليٍّ عليه السلام فأحبط أعمالهم))(بحار الأنوار ج23ص385رواية87باب21)

ومن أراد أن يتوسَّع في هذا المجال فليراجع كتاب كنز العمّال.

ثمَّ إنَّه ومن خلال هذا البحث سوف نواجه قضيَّة أخرى نجعلها تحت عنوان:

ما أُنـزل إليـك

عندما التأمُّل في الآية 66 من سورة المائدة التِّي جاء ت قبل آية التبليغ، ينفتح أمامنا زاويةً يمكن من خلالها أن نعرف مدى خطورة أمر الولاية ودورها في حياة المجتمع معنويةً ومادِّيةً حيث يقول سبحانه:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالآنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...." (المائدة/66)  

فهناك ارتباط وثيق بين إقامة ما أنزل من ربِّ العالمين وبين نزول البركات السماوية والأرضيَّة على الأمَّة .

ومن هنا نعرف السرّ في استشهاد الصديقة فاطمة عليها السلام بهذه الآية عند بيانها الاعوجاج الذي حدث في الإسلام حيث قالت:

وفي الحديث :

((عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ولو أنَّهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم، قال: الولاية))(الكافي ج1ص413رواية6).

وفي تفسير قوله تعالى:

وأيضاً وردت أحاديث كثيرة في تفسير قوله تعالى:

{وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}(الجن/16).

((عن أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني،عن موسى بن محمد، عن يونس بن يعقوب، عمن ذكره، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً “ قال: يعنى لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، والأوصياء من ولده عليهم السلام، وقبلوا طاعتَهم في أمرهم، ونهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً، يقول: لأشربنا قلوبهم الإيمان، والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء))(الكافي ج8 ص58 رواية19).

وفي قبال ذلك نشاهد أنَّ أساس الفساد بدأ من اللحظة التِّي توفّي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كما في الحديث التالي:

((عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن على بن النعمان، عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، في قوله عزّ و جلّ : “ظَهَرَ الفَسَادَ فِي البرِّ و البَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي الناس” قال: ذاك و الله حين قالت الأنصار منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ)) .

وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف السرّ في آية إكمال الدين وإتمام النعمة وهي:

{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ}(المائدة/3).

موقع الآية في المصحف :

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المائدة/3).

والمقطع المتعلِّق بحادثة الغدير غير منسجم مع الآية من ناحية المعنى أصلاً، وهذا لا يعني أنَّه قد وُضع في غير موضعه، حيث أنَّ هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا القبيل، وسوف نطرَّق إلى هذا الأمر فيما بعد . وخلاصة الأمر ترجع إلى الجانب الفنِّي في القرآن الكريم، حيث أنَّه كتابٌ لهداية الناس بأفضل الأساليب والطرق، وهاهنا نقول:

حفاظاً على النصوص الواردة في حقِّهم عليهم السلام لكثرة المؤامرات والخطط ضدّ كلّ أمرٍ يمتًّ إليهم بصلة ، نشاهد أنَّه قد وردت هذه النصوص في مواضعها حين نزول القرآن أو أدرجها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم بأمر الحكيم جلَّ وعلا، ضمن آيات بعيدة كل البعد عن تلك الأمور ، والمتدبِّر في تلك الآيات سوف يعرف المقصود من غير شبهة ، وأمّا الذين في قلوبهم مرض فيغض النظر عن التفكير في إزالتها فيحاول تحريف محتواها بزعم وجود قرائن مقالية محيطة بها كما فعل القوم، ومن تلك الآيات هي آية الغدير التِّي هي مورد بحثنا.

وهناك شواهد كثيرة تدلُّ على أنَّ الآية غير متعلِّقة بالمحرَّمات نذكر بعضَها:

1-سياق الآية حيث نشاهد أنَّها غير كاملة إلاّ بمجيء المقطع الأخير منها وهي قوله “فمن اضطرّ” ، والدليل على ذلك وجود آيتين متشابهتين أحدهما في سورة البقرة ، والثانية في سورة النحل:

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة/173).

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(النحل/115).

وأيضاً الآية الـتالية:

{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(الأنعام/145)

وهذا دليل على أنّ ذلك المقطع ، قد أُدرج ضمن الآية .

2-إنَّ الآية تقول (اليوم يئس الذين كفروا عن دينكم....) ولو كان اليأس لأجل تلك الأحكام الخاصة ، أعني تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها فهي غير مختصَّة بهذا اليوم الذي نُزلت فيه الآية بل تلك الأحكام وردت في آيات أخرى أيضاً ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل على أنَّ يأس الذين كفروا عن الدين إنَّما هو لأجل أمر آخر أهم ( وهو إعلام الولاية وتبليغها بنحو علنيٍّ ).

وفي الحديث

(( قال أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام: أنزل الله عز و جلّ على نبيه صلى الله عليه وآله وسلَّم بكراع الغميم “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس” فذكر قيام رسول الله بالولاية بغدير خم قال: ونزل جبرئيل بقول الله عز وجل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً بعلي أمير المؤمنين في هذا اليوم أكمل لكم معاشر المهاجرين والأنصار دينكم وأتم عليكم نعمته ورضى لكم الإسلام دينا فاسمعوا له وأطيعوا تفوزوا وتغنموا))(بحار الأنوار ج37 ص 137 رواية 26 باب52)

قال في النهاية .. كراع الغميم كغراب موضع على ثلاثة أميال من عسفان و ذكره الفيروز آبادى .

قال : الراغب الإصفهاني في المفردات :

(( كمل: كمال الشيء حصول ما فيه الغرض منه ، فإذا قيل كمل ذلك فمعناه حصل ما هو الغرض منه ))

((تمام : تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شئ خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه... قال تعالى { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ }(الأنعام/115).{ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ }(الصف/8).{ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} (الأعراف/142)))

 

قال إمام الأمَّة (قدِّس سرُّه):

((كمال الشيء ما به تمامه و انجبر به نقصانه ...فالصورة كمال الهيولى ، والفصل كمال الجنس ، ولهذا عرّفت النفس بأنّها كمال أول لجسم طبيعي آلي، إذ بها كمال الهيولى باعتبار وكمال الجنس باعتبار. ولهذا كانت الولاية العلوية أدامنا اللّه عليها كمال الدين وتمام النعمة، لقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}(المائدة/3) وقال أبو جعفر عليه السلام في ضمن الرواية المفصلة في الكافي: ثم نزلت الولاية. وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل اللّه تعالى: {اليومُ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب، انتهى. فسائر العبادات بل العقايد والملكات بمنزلة الهيولى والولاية صورتها وبمنزلة الظاهر وهي باطنها ، ولهذا من مات ولم يكن له إمام فميتته ، ميتة الجاهلية وميتة كفر و نفاق و ضلال ، كما في رواية الكافي ، فإن المادة والهيولى لا وجود لهما إلاّ بالصورة و الفعلية ، بل لا وجود لهما في النشأة الآخرة أصلاً ، فإن الدار الآخرة لهي الحيوان، وهي دار الحصا، والدنيا مزرعة الآخرة.))

 

أهميَّـة الولايـة:

في تفسير فرات الكوفي:

قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا : عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : حين أنزل الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) قال : فكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام .

إن الله سبحانه و تعالى حين خلق الكون بإرادته المطلقة (إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون) أوجد الأشياء فصارت جميع الأشياء فقيرة إليه تعالى في ذاتها و هو الغني المطلق و صار سبحانه حاكما تكوينيا عليها جميعا.. فظهرت أسماؤه الحسنى في الكون. الولاية ليست هي مسألة قلبية فحسب بل هي أمر عملي خارجي له دور مهم في تطبيق سائر الأحكام الإلهية ، و بدونها يبقى الدين له جانبان جانب متعلق بالله و هو الجانب التشريعي و جانب يرجع إلى الناس و هو الجانب التنفيذي فالتشريع مهما كان متقنا و مهما كان مقدسا إلاّ أنه يبقى في عالمه (أعنى عالم التشريع) مادام لم يصل إلى مرحلة العينية والمصداقية، فمن الضروري أن تتنزل الشريعة في المجتمع وتنطبق كي يكون المجتمع مظهرا لاسم الله أعنى الحاكم وحينئذ سوف يتحقق الغرض من التشريع الإلهي وهو حاكمية الله على إرادة الناس الذي يستتبع حاكميته على كل شيء بقي أمر واحد وهو إرادة الإنسان فهي من ناحية تكوينية مظهر من مظاهر ذاته سبحانه حيث أن من أسماء ذاته تعالى (المريد) ولكن لأن طبيعة الإرادة طبيعة مميزة حيث بها يختار الإنسان الخير والشر فأراد الله سبحانه من الإنسان أن يختار الخير ويجتنب عن الشرّ وباختياره هذا يترقى في مدارج الكمال، فشرع الشريعة و بين الأحكام.. فها هنا يأتي دور الإنسان حيث يلزمه تطبيق الشريعة في المجتمع ويأتي دور الإمام حيث ينبغي له الإشراف على تطبيق الشريعة.. فإذاً دور الإمام دور حيوي وهو ركن مهم كالشريعة نفسها بل لو نظرنا إليه من منظاره الخاص صار أهم من ذلك لأنه بدونه لا جدوى للشريعة الإلهية. ومن هنا نعرف عمق ما بيّنه مولانا علي عليه السلام في كلمته حيث قال:

وقال عليٌّ عليه السلام (.. ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمه فإن انقطع النظام تفرق و ذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً...)(نهج البلاغة لابن أبي حديد ج9 باب146ص95)

فالإسلام يمثِّل المسباح والعبادات كلُّها من الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وغيرها وكذا المعاملات ليست هي إلاّ كالخَرز لذلك المسباح، ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله تمكَّن من تجهيز الخرَز طوال 23 سنة وتثقيبها بأكملها فلم تكمل بعدُ ما دام لم يمرُّ من خلالها الخيط حيث أن قوام المسبح بالخيط والولاية تُمثِّل ذلك الخيط القويّ الذي يجمع شمل العبادات والمعاملات وسائر أبعاد وزوايا الإسلام فبالولاية قد كمُل الإسلام (اليوم أكملت لكم دينكم) بعد أن كان ناقصاً لا فائدة فيه وتمَّت النعمة (وأتممت عليكم نعمتي) بعد أن كانت غير تامَّة حيث كان يُخاف على زوالها بارتحال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

ومن الواضح أنه لا ضمان لبقاء الخرز من غير الخيط (النظام على حدّ تعبير أمير المؤمنين) فلا ضمان لبقاء الصلاة و الصوم و... من غير الولاية ومن هنا نعرف معنى قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم...“ حيث أنه بالفعل قد كمل الدين في يوم الغدير و تمت النعمة التي هي الولاية و قد ورد في تفسير قوله تعالى:

{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ}(التكاثر/8)

 

(عدةٌ من أصحابنا عن احمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن القاسم بن محمد الجوهري عن الحارث بن حريز عن سدير الصيرفي عن أبي خالد الكابلى قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام فدعا بالغداء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما قط انظف منه ولا أطيب فلما فرغنا من الطعام قال يا أبا خالد كيف رأيت طعامك أو قال طعامنا قلت جعلت فداك ما رأيت أطيب منه ولا أنظف قط و لكنى ذكرت الآية التي في كتاب الله عز وجلّ لتسئلن يومئذ عن النعيم قال أبو جعفر عليه السلام لا إنَّما تسألون عما أنتم عليه من الحق ) (الكافي ج 6 ص 280 رواية 5)

 

وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نصل إلى عُمق الحديث التالي:

(عن على بن إبراهيم عن أبيه و عبد الله بن الصلت جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال بنى الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية قال زرارة فقلت وأيُّ شيءٍ من ذلك أفضل فقال الولاية أفضل لأنَّها مفتاحُهن والوالي هو الدليل عليهن.. ثمَّ قال: قال ذروه الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته..)(وسائل الشيعة ج1 باب29 ص119 رواية298 وأيضاً ج1 باب1 ص13 رواية2)

والولاية هاهنا لا يقصد منها الحب بل هي كالصلوة والصوم والزكاة .. وهي عبادات عمليَّة وليست أموراً قلبيَّة بحتة و أيضاً قوله عليه السلام والوالي هو الدليل عليهن حيث اشتقاق اسم الفاعل من الكلمة دليلٌ على أن الولاية هاهنا إنَّما تعني الجانب العملي التِّي هي الإطاعة والتبعيَّة المطلقة ومن هنا قال عليه السلام : (قال ذروة الأمر .. الطاعةُ للإمام)

الوحي التسديدي:

إنَّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ليسوا كمبلغين للرسالة فحسب بل هذا هو دور العلماء أيضا حيث قال تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}(الأحزاب/39).

فالعلماء ليس لهم دور إلاّ الدفاع عن الشريعة ببيان النصوص القرآنية وما صدر عن المعصومين عليهم السلام.

ولكن أهل البيت عليهم السلام مضافاً إلى دفاعهم عن الشريعة فهم كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أصحاب الدعوى و شركاء رسول الله في أمر النبوة و لهذا ورد في زيارة الحجة عجل الله تعالى فرجه “ السلام عليك يا شريك القرآن “ والدليل على ذلك آية المباهلة:

{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(آل عمران/61)

أقول:

ومن الواضح أن الكاذب لا يطلق على المتفرِّج فهو ليس بكاذب و لا صادق.. بل الكاذب و الصادق من الصفات التي تطلق على من لديه ادعاءٌ ما ، فهو (أعنى المدَّعي) إما صادقٌ في ادعائه أو كاذب فقوله تعالى “فنجعل لعنت الله على الكاذبين “ دليلٌ على أن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في يوم المباهلة كرسول الله كان صاحب ادِّعاء حيث ارتباطه بعالم الغيب وهذا ما يطلق عليه “ الوحي التسديدي “ في قبال الوحي التشريعي.

الإشـراك في الأمـر:

وأيضاً حديث المنزلة دليل آخر حيث صارت منزلة عليٍّ عليه السلام بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله كمنزلة هارون من موسى و هذا يعنى أنه تعالى أشركَ علياً مع محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم في أمرِ الرسالة التِّي طلبها موسى من الله لأخيه هارون (وأشركه في أمري) وإن كان هناك فرقٌ كبير بين هارون وبين عليٍ عليهما السلام وذلك لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَم حيث اختتمت به النبوَّة فهو أفضل الأنبياء كما أنَّ وصيَّه هو أفضل الأوصياء والسرُّ في ذلك هو ما ذكره الإمام قدَّس الله نفسَه الزكيَّة في بيان حقيقة الإنسان الكامل حيث قال:

{إن كانت عينه الثابتة تابعة للاسم الأعظم لاختتمت به دائرة النبوة كما اختتمت بالنبي المعظم الخاتم صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولم يوجد شخص آخر من الأولين والآخرين ومن الأنبياء والمرسلين ، تكون عينه الثابتة، تابعة للإسم الأعظم ولم يكن ظهور ذاته بجميع الشئون ولهذا حصل له صلى اللّه عليه وآله وسلم ظهور بجميع الشئون وحصلت الغاية من الظهور في الهداية، وتم الكشف الكلي واختتمت النبوة بوجوده المقدس}

ثم قال :

{وإذا فرضنا أن شخصاً من أولياء اللّه تبعاً لذات النبي المقدّس وهدايته سبحانه بلغ نفس المقام المقدَّس، لكان كشفه عين النبي، إذ لا يجوز التكرار في التشريع}

ومن هنا صار أمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله فهو إذاً أعلى من جميع الأنبياء عليهم السلام إلاّ خاتمهم وذلك لأنَّه خليفة للكشف التام ومن هنا قال صلى الله عليه وآله

{إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي}

فهذه العبارة لا تُقلِّل من مرتبة أمير المؤمنين عليه السلام بل تُضاعفه وتجعل عليّاً أعظم من هارون لأنَّ هناك أنبياءً بعد موسى عليه السلام فلم تكن نبوَّته تامَّة دون النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فهو خاتم النبيين وهو الذي وضع اللبنة الأخيرة وكملت به الدائرة، والذين يأتون من بعده هم الهداة بالأمر فيهدون الناس إلى الشريعة الكاملة وهذا المستوى أعني الهداية بالأمر أفضل من مستوى جميع الأنبياء.

يأس العدو من الدين:

وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف أهمية هذا النصب في غدير خم حيث أن العدوّ كان يتصور أنه بعد ارتحال رسول الله ليس هناك من يتولى أمر الرسالة وكان يتوقَّع باستئصال الإسلام من أساسه حيث لا حيوية للدين على زعمهم بعد ارتحاله صلى الله عليه وآله وسلَّم و من يأتي بعده ليس له دور رسالي بل هو مبلِّغ للوحي ليس إلاّ

{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ* قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ} (الطور/30،31)

فواقعة الغدير قد قضت على جميع تلك المخطَّطات و أفشلت كافةَ المؤامرات.

والجدير أن قضية الغدير استمرت بعد ارتحال عليٍّ عليه السلام حيث انتقلت الولاية إلى الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و هكذا.. إلى أن انتهت المسألة إلى عصر الغيبة الكبرى لولي العصر الحجة بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فانتقلت الولاية إلى الفقيه الجامع للشرائط لا للعالم فحسب بل لمن كان صائناً لنفسه حافظاً على دينه مخالفاً لهواه مطيعا لأمر مولاه.. فاليوم ليس هو يوم 18 ذي حجة فحسب بل هو كل يوم يعيش فيه الإنسان تحت ظل الولاية.

{الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(المائدة/3)

عليٌ عليه السلام كفؤٌ للزهراء سلام الله عليها:

فكما أن الكوثر (وهي الزهراء) كانت سبباً لاستمرار النبوة وعند ولادة الزهراء قال تعالى

{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ}(الكوثر/3)

فكذلك عند تتويج علي عليه السلام الخلافةَ يوم الغدير يئس العدوّ “الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ “ فاستمرت الرسالة المحمدية.

 

هذا و نختم الحديث بذكر أروع قصيدة ذكرت في شأن الغدير وهي قصيدة السيد الحميرى (ره):

لام عـمرو باللوي مربـع طـامسة أعـلامها بلقـع

تـروع عنها الطير وحشية والوحش من خيفته تفزع

رقش يخاف الموت من نقشها والسم في أنيابها منقع

برسـم دار ما بها مونس الاصـلال في الثرى وقـع

لما وقفت العيس في رسمها والعين من عرفانه تدمع

ذكرت من قد كنت ألهو به فبـت والقلب شج موجـع

كأن بالنـار لما شـفني من حب أروى كبدي لـدع

عجـبت من قوم أتوا أحمـدا بخطة ليس لها موضع

قالوا له : لو شـئت أعلمتنا إلى من الغاية والمفزع

إذا توفيـت وفارقتـنا وفيهم في المـلك من يطـمع

فقال : لو أعلمتكم مفزعا كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذا فارقوا هارون فالترك له أوسع

وفي الذي قال بيـان لمن كان إذا يعـقل أو يسـمع

ثـم أتـته بعد ذا عزمة من ربـه ليس لها مدفـع

بلّـغ وإلا لم تكن مبـلغا والله منهم عاصـم يمنـع

فعنـدها قام النـبي الذي كان بما يأمر به يصـدع

يخطـب مأمـورا وفي كـفه كف علي ظاهر تلمـع

رافـعها أكرم بكف الذي يرفع والكف الذي تـرفع

يقول والأمـلاك من حوله والله فيهم شاهد يسـمع

من كنت مـولاه فهذا له مولى فلم يرضوا ولم يقنع

فاتهمـوه وحنت فيهم على خلاف الصادق الأضـلع

وضل قوم غاضـهم فعـله كأنـما آنافـهم تجـدع

حتى إذا واروه في لحده وانصرفوا عن دفنه ضيعوا

ما قال بالأمس وأوصي به واشتروا الضر بما ينفع

فالناس يوم البعث راياتهم خمس فمنها هالك أربـع

قائـدها العجل وفرعونهم وسامري الأمة المفظـع

ومـارق من ديـنه مخرج أسود عبد لكـع أوكـع

وراية قائـدها وجـهه كأنـه الشـمس إذا تطـلع

 

[الحمد لله الذي جعل كمال دينه و تمام نعمته بولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام]

 

انتهيت من كتابة هذا البحث في اليوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة1416


source : كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الاسس الاسلامية في خطب الوداع
الحثّ على الجهاد
الارتباط بين الفكر الأصولي والفلسفي
الآيات الدالّة على الشفاعة التكوينية
بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
الله سبحانه وتعالى احيا الموتى لعزير
کيف نشأة القاديانية و ماهي عقيدتها
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ ...
العلاقة بين رجل الدين والمجتمع
مسؤوليات الشباب في كلام القائد

 
user comment