عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

إبراهيم عليه السلام أول الموحدين

أوصاف إبراهيم عليه السلام في القرآن
تكرر ذكر النبي إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم ما يقارب السبعين مرة وذكره الله تعالى بأوصاف في العديد من آياته، فهو

1- من آتاه الله رشده من قبل ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ1.
2- هو من اصطفاه الله تعالى ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِين2.
3- وهو الذي أراه الله ملكوت السموات والأرض ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ3. وهو خليل الله ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً4.
4- وهو الحليم الأواه المنيب ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ5.
5- وهو الإمام ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ6.
6- وجعل النبوَّة في ذريته ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ7.

قصة التوحيد على لسان إبراهيم عليه السلام
يحدثنا القرآن عن إبراهيم عليه السلام وحواره مع قومه ودعوته لهم لتوحيد الله واعتماده على الاستدلال على ضرورة عبادة الله وحده، لأنه هو الغني عن العالمين وأما غيره من الأرباب المزعومين فإنهم ناقصون لا يملكون كمال الربوبية قال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ8.

الآيات التالية تشرح لنا استدلال إبراهيم من أفول الكواكب والشمس على عدم صحة كونها آلهة من دون الله، فعندما غطى ستار الليل المظلم العالم كله، ظهر أمام بصره كوكب لامع وقد ورد في الروايات أنه كوكب الزهرة، ويطرح إبراهيم عليه السلام السؤال: هل يكون هذا رباً؟ ولكنه إذ رآه يغرب، قال: لا أحب الذين يغربون، ومرةً أخرى رفع عينيه إلى السماء، فلاح له القمر في وسط السماء بضوئه المشع، ويعيد إبراهيم عليه السلام السؤال هل يكون هذا رباً؟ ولكن مصير القمر لم يكن بأفضل من مصير الكوكب من قبله، فقد اختفى وذهب نوره. هنا قال إبراهيم عليه السلام: إذا لم يرشدني ربي إلى الطريق الموصل إليه فسأكون في عداد التائهين. عند ذاك كان الليل قد انقضى، وطلعت شمس النهار، ولما رأى إبراهيم الشمس وغمره نورها الساطع أعاد السؤال ثالثة هل يكون هذا ربا؟ فإنه أكبر وأقوى ضوءاً، ولكنه إذ رآها كذلك تغرب وتختفي في جوف الليل البهيم أعلن إبراهيم قراره النهائي قائل: يا قوم! لقد سئمت كل هذه المعبودات المصطنعة التي تجعلونها شريكة لله، الآن بعد أن عرفت أن وراء هذه المخلوقات المتغيرة المحدودة الخاضعة لقوانين الطبيعة إلهاً قادراً وحاكماً على نظام الكائنات، فاني أتجه إلى الذي خلق السماوات والأرض، وفي إيماني هذا لن أشرك به أحداً، فاني موحدٌ ولستُ مشرك: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.

وأما كيف يكون أفول هذه الكواكب دليلا على عدم صحة كونها رباً فهو

أولاً: إن الله المربي، كما يستفاد من كلمة "رب" لا بد أن يكون دائماً قريباً من مخلوقاته وأن لا ينفصل عنهم لحظة واحدة، وعليه لا يجوز لكائن يغرب ويختفي ساعات طويلة، بنوره وبركته وتنقطع صلته كليا عن الكائنات الأخرى، أن يكون رباً وإلهاً.

ثانياً: إن كائنا يغرب ويبزغ ويخضع للقوانين الطبيعية، لا يمكن أن يحكم على هذه القوانين ويملكها؟ إنه هو نفسه مخلوق ضعيف يخضع لأوامرها وغير قادر على أدنى انحراف عنها.

الدعوة إلى الله تعالى
انطلق إبراهيم عليه السلام لدعوة قومه إلى توحيد الله عز وجل، وقد خاض إبراهيم عليه السلام هذه الدعوة بمحاورة قومه وبيان بطلان ما يعبدونه من أصنام، ويحكي لنا القرآن الكريم عن حوارٍ ثلاثيٍّ خاضه إبراهيم عليه السلام:

أولاً: حواره مع النمرود
لقد ادعى النمرود وهو من ملوك بابل الربوبية ودعا الناس إلى عبادته دون الله عز وجل وتحداه إبراهيم عليه السلام وأثبت عجزه من أن يكون رباً. فأولاً اعتمد إبراهيم عليه السلام على مسألة الموت والحياة التي تهم البشر جميعاً فقال له: ﴿رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وأجابه النمرود ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ فقد قام نمرود هذا باستخدام أسلوب الإيهام والمغالطة لأن الناس يستمعون إلى هذا التحدي الدائر بينه وبين إبراهيم عليه السلام وكيف يثبت قدرته على الموت والحياة وهو عاجز فكان لا بد من حيلة وكانت حيلته هي هذه أن أمر بإحضار سجينين أطلق سراح أحدهما وأمر بقتل الآخر، ثم قال لإبراهيم ولمن كان يشاهد ذلك: أرأيتم كيف أحيي وأميت.

ولكن إبراهيم لم يرد أن يقف ليبين للناس كيف أوقعهم هذا الرجل في الخطأ فتحداه بأمر آخر قَالَ ﴿إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ9.

وكانت نتيجة هذا التحدي ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ10.

ثانياً: حواره مع قومه
يحدثنا القرآن أيضاً عن حوار إبراهيم عليه السلام مع قومه واعتراضِهِ على عبادتهم للأصنام وأما حجَّة قومه فقد كانت في غاية الضعف وهي إن آباءهم كانوا كذلك وهنا يبطل إبراهيم هذه الحجة فان الإنسان عليه أن يتبع الحق لا الآباء.

والرب الذي ينبغي أن يعبد هو الذي خلق الإنسان والذي إليه يعود أمر هذا الإنسان دون الأصنام سواء كانت أصنام من حجر يصنعها الإنسان بيده أو كانت أصناما بشرية أي من سائر أفراد البشر الذين لا يملكون حولا ولا قوة، وإن تجبروا على الناس وتسلطوا عليهم.
﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَانَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنْ اللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ11.

ويبين إبراهيم عليه السلام بوضوح صفات الإله الذي ينبغي أن تكون العبادة له:﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ12.

ثالثاً: حواره مع أبيه
الحوار الثالث الذي ذكره القران الكريم هو ما دار بين إبراهيم عليه السلام وأبيه آزر (وهو عمه حقيقة واحتراماً له كان يناديه يا أبت) حيث إن إبراهيم عليه السلام توجه بالنصيحة له:﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَانِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّا13.

وفي حوار إبراهيم تظهر الشفقة الشديدة على أبيه من العذاب الإلهي ولأجل ذلك أراد أن تكون هذه الشفقة عاملاً لتليين قلب أبيه لعل الهداية تجد طريقها إليه ويعتمد إبراهيم عليه السلام أسلوباً للدعوة امتاز بعدة أمور

أحدها: أن هذا المعبود الذي يتوجه إليه آزر وقومه لا يسمع ولا يبصر ولا يمكنه أن ينفع الإنسان بشيء وإذا كان كذلك فكيف يكون رباً يعبدُ من دون الله.

ثانيها: إن فطرة الإنسان تقتضي أن يرجع الجاهل بأمرٍ ما إلى من يحيط علماً به وأن على الإنسان أن لا يتكبر على إتباع العلماء وان كانوا أصغر منه أو أقلَّ شأنا منه في سائر الأمور.

ثالثها: إن دعوة الناس إلى الحق لا بد وان تتم دائماً بروح المحبة والشفقة، وهي سمة الأنبياء عليهم السلام وأن مواجهة أهل الضلال مهما اشتدَّت لا ينبغي أن تجعل الداعية إلى الحق شخصاً قاسي القلب ولأجل ذلك خاطب إبراهيم أباه حتى بعد رفضه الشديد للحق بقوله سلامٌ عليك.

حسم الفساد أمر ضروري
لم تنفع دعوة إبراهيم مع أحد من قومه بل أصروا على كفرهم وكذلك ملكهم النمرود وأراد إبراهيم أن يُحدث صدمةً في نفوسهم لعل الغشاء الذي ملأ قلوبهم يزول وتقبل نفوسهم الحق. واستغل إبراهيم فرصة انشغال قومه بعيدٍ لهم فذهبَ إلى هذه الأصنام التي تعبد من دون الله ﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون14.

إذا لا بد من تحطيم هذه الأصنام ولكن لا بد وأن يكون في تحطيمها فائدة، ولذا فإن إبراهيمد لم يحطمها ويلوذ بالفرار أو يخفي ذلك بل جاهرهم بحجته التي هي في قناعة كل واحد منهم حجة صحيحة إنهم حجارة عاجزة، ويمكن لأي إنسان أن يحطمها فكيف تكون إلها ورباً؟

* أولو العزم،سلسلة الدروس الثقافية, جمعية المعارف الثقافية، ط 1، 2006 م  - 1427هـ، ص 45 - 51



1- الأنبياء: 51
2- البقرة: 130 - 131.
3- الأنعام: 75
4- النساء: 125
5- هود: 75
6- البقرة: 124
7- العنكبوت: 27
8- الأنعام: 75 - 79
9- البقرة: 258
10- البقرة: 258
11- الأنبياء: 52 - 56
12- الشعراء: 69-82
13- مريم: 41- 47
14- الصافات: 91-96


source : http://almaaref.org
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قالوا حسبنا كتاب الله ولم يستشهدوا بكتاب الله
العدل
عقيدتنا في البعث والمعاد
كيف نفهم القدر؟!
البدعة الحسنة والسيئة
موقف ابن تيمية من حديث خلق الله آدم على صورته ق(6)
الاَحاديث الواردة في بيان أهمية التقية :
الصحيحان تحت مجهر العلم والتحقيق
الإجماع على ضوء المذاهب المختلفة
حب علي (ع) و بغضه (شبُهات وردود)

 
user comment