المقدمة
رويت العديد من الأحاديث المتضمنة لأسماء الأئمة الإثني عشر عليهم السلام، ولكن رويت أحاديث كثيرة أخرى من قبل الشيعة وأهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله، أشير في بعضها إلى عددهم فحسب، وأضيف في بعضها إلى ذلك أنهم جميعاً من قريش، وفي بعض آخر ذكر أنهم بعدد نقباء بني اسرائيل، وجاء في بعضها ان تسعة منهم من أولاد الإمام الحسين عليه السلام، وأخيراً ذكرت أسماؤهم واحداً بعد الآخر في بعض الأحاديث المنقولة عن أهل السنة، والمتواترة من طرق الشيعة 1.
وقد رويت أحاديث كثيرة من طرق الشيعة حول إمامة كل واحد من الأئمة الأطهار عليهم السلام، لا يسمح المجال لذكرها في هذا الموجز (النساء:165) ولذلك نخص المقال بالبحث في موضوع الإمام الثاني عشر صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف ومراعاة للإيجاز نحاول البحث حول أهم الملاحظات.
الحكومة الإلهية العالمية
إن الهدف الرئيس والأول من بعثة الأنبياء هو، إتمام الشروط التي يلزم توفرها لرشد البشر وتكاملهم الاختياري والحر والواعي الشعوري، والذي يتم تحقيقه من خلال إبلاغ الوحي الإلهي للناس، وجعله بمتناول أيديهم . وقد لوحظت أهداف أخرى وراء ذلك يمكن أن نعتبر منها: المساعدة على الرشد العقلي، والتربية الروحية والمعنوية للأفراد المؤهلين وذوي الإستعداد.
وأخيراً، كان الأنبياء العظام عليهم السلام يحاولون تشكيل المجتمع المثالي القائم على أساس عبادة الله والقيم والتعاليم الإلهية، ونشر العدل والقسط في الأرض كلها، وقد خطا كل واحد منهم بحسب وسعه خطوة في هذا السبيل، وقد تمكن بعضهم من إقامة دولة إلهية في منطقة أو مرحلة زمنية معينة، ولكن لم تتوفر لأي منهم الظروف والشروط المناسبة لإقامة الحكومة العالمية.
والملاحظة أن عدم توفر مثل هذه الظروف والشروط المناسبة لا يعني قصور تعاليم الأنبياء ومناهجهم واساليبهم، أو النقص في إدارتهم وقيادتهم، وكذلك لا يعني عدم تحقق الهدف الإلهي من بعثتهم. إذ وكما أشرنا إلى ذلك إن الهدف الإلهي هو: توفير الأجواء والظروف المناسبة لحركة البشر الإختيارية ومسيرتهم: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّة بَعْدَ الرُّسُلِ﴾(النساء:265، والفتح:28، والصف:9، وراجع بحار الانوار، ج 51، ص 50، ح 22، وص 60، ح 58 و 59).
لا إلزام الناس وقهرهم على إعتناق الدين الحق، وإتباع القادة الإلهيين، وقد تحقق هذا الهدف.
ولكن الله تعالى وعد في كتبه السماوية بإقامة الحكومة الإلهية على الأرض كلها، ويمكن إعتبار ذلك نوعا من الإنباءعن الغيب بالنسبة لتوفر الأجواء المناسبة لتقبل الدين الحق، على نطاق واسع من المجتمع البشري، وحيث تتم بيدي بعض الأفراد والجماعات المتفوقة والمتميزة وبمعونة الإمدادات الغيبية الإلهية إزالة العقبات والحواجز عن طريق إقامة الحكومة العالمية، ونشر العدل والقسط في الشعوب المحرومة، التي ضاقت ذرعا بجور الظالمين، ويئست من كل المبادئ والأنظمة الحاكمة، ويمكن اعتبار ذلك هو الهدف النهائي لبعثة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله، ودينه العالمي والخالد، وذلك لأن الله قال في حقه: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه﴾(الصف:9).
وبما أن الإمامة متممة للنبوة، ومحققة لحكمة ختم النبوة، فنتوصل على ضوء ذلك لهذه النتيجة، إن هذا الهدف سيتحقق بواسطة الإمام الأخير، وهذه الفكرة قد ذكرت في روايات متواترة حول المهدي (أرواحنا فداه) وورد التأكيد عليها كثيرا.
ونشيرهنا أولاً إلى آيات من القرآن الكريم، تتضمن البشارة والوعد بإقامة هذه الدولة العالمية، وبعد ذلك نذكر نماذج من الروايات المرتبطة بهذا الموضوع.
الوعد الإلهي
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنّ َ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون﴾(الأنبياء:105).
وقد نقل هذا المضمون في آية أخرى عن موسى عليه السلام (القصص:5)، ومما لا يقبل الشك والترديد أنه سيأتي اليوم الذي يتحقق فيه هذا الوعد الإلهي. وفي آية أخرى اشير لحكاية فرعون، الذي جر الناس للإستضعاف: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنّ َ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين﴾2.
وهذه الآية وإن وردت في شأن بني إسرائيل وإستيلائهم على زمام الأمور بعد تخلصهم من قبضة الفراعنة ولكن هذا التعبير (ونريد) يشير إلى إرادة إلهية مستمرة، ولذلك طبقت في الكثير من الروايات على ظهور المهدي عجل الله فرجه الشريف(النور:55).
وقد خاطب في موضع آخرالمسلمين بقوله:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾3.
وجاء في بعض الروايات، إن المصداق الكامل لهذا الوعد سيتحقق في زمان ظهور الإمام الغائب عجل الله فرجه بصورة كاملة (أمثال هذه الآيات: (َيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) و(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) و(بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ)) وهناك روايات أخرى طبقت بعض الايات على الامام الغائب عليه السلام 4، نعرض عن ذكرها رعاية للإختصار والإيجاز 5.
نماذج من الروايات
إن الروايات التي نقلها الشيعة وأهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله حول الإمام المهدي عجل الله فرجه تفوق حد التواتر، بل إن الروايات التي نقلها أهل السنة وحدهم تبلغ حد التواتر، بإعتراف جماعة من علمائهم 6وقد إعتبر جماعة من علمائهم الإعتقاد بالإمام الغائب مما اتفقت عليه الفرق الإسلامية جميعاً (أمثال كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان) تأليف الحافظ محمد بأن يوسف الكنجي الشافعي الذي عاش في القرن السابع، وكتاب (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) تأليف المتقي الهندي الذي عاش في القران العاشر)، وألف بعضهم كتباً ومؤلفات حول الإمام المهدي7 وعلامات ظهوره، نذكر هنا بعض الروايات التي نقلها أهل السنة:
- من الروايات العديدة التي رووها عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا" 8.
- عن ام سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة"9.
- وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن عليا إمام امتي من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي اذا ظهر يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما"10.
الغيبة ومغزاها
تعتبر الغيبة من خصائص الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف والتي ورد التأكيد عليها في الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام منها:
ما رواه عبد العظيم الحسني عن الإمام محمد الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة.
ثم قال:"إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه"11.
وروي عن الإمام السجاد، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: "وإن للقائم منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوى يقينه وصحت معرفته"وهم: عثمان بن سعيد، ومحمد بن عثمان بن سعيد، والحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري".
ومن أجل أن نتعرف على سر الغيبة ومغزاها لا بد وأن نلقي نظرة على سيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام وتاريخهم. فنحن نعلم أن أكثر الناس بايعوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر وبعده عمر وبعده عثمان، وقد جرى تمرد على عثمان في أواخر حكمه، نتيجة للكثير من الاختلالات التي نشأت من التمييز المنحرف، فقتلوه، ومن ثم بايعوا أمير المؤمنين عليا عليه السلام.
وقد سكت الإمام الذي هو الخليفة المنصوب من قبل الله والرسول صلى الله عليه وآله، خلال فترة الخلفاء الثلاثة، رعاية لمصالح الامة الإسلامية الجديدة، ولم ينطق بشى إلا ما يتم به الحجة. وفي الوقت نفسه، لم يتخلف لحظة عن تقديم الخدمات والجهود لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين، ولكن فترة خلافته إستغرقت كلها في محاربة أصحاب الجمل ومعاوية والخوارج، وأخيرا استشهد بيد أحد الخوارج.
وقد توفي الإمام الحسن عليه السلام مسموماً بأمر من معاوية، وبعد موت معاوية تربع على عرش الحكم الاموي إبنه يزيد، الذي لم يكترث حتى بمظاهر الاسلام، وكان من المتوقع أن يتعرض الإسلام للإبادة والدمار نتيجة لهذه السيرة الهابطة، ولذلك لم يجد الإمام الحسين عليه السلام مناصا من النهوض وإعلان الثورة، وأنقذ بإستشهاده مظلوماً الإسلام من خطر الإبادة، حيث بعث في المسلمين الوعي واليقظة، بيد أنه لم تتوفر الظروف الإجتماعية لاقامة الدولة الإسلامية العادلة، ومن هنا قام سائر الأئمة الأطهار عليهم السلام بتثبيت الأصول العقائدية وترسيخ ونشر المعارف والأحكام الإسلامية، وتربية النفوس المؤهلة وتهذيبها، وحيثما تسمح الظروف كانوا يحرضون الناس سرا على محاربة الظالمين والجبابرة والطواغيت، ويزرعون فيهم الأمل بتحقق الدولة الإلهية العالمية، وأخيرا إستشهدوا جميعا واحدا بعد الآخر.
وعلى كل حال، تمكن الأئمة الأطهار عليهم السلام خلال قرنين ونصف من عرض الحقائق الإسلامية وبيانها للناس، بالرغم من مواجهتهم الكثير من التحديات والمشاكل والمتاعب الشديدة، وقد بينوا بعضا منه للناس عامة وبعضها بينوها لخصوص شيعتهم وخواص أصحابهم، وبذلك إنتشرت المعارف الإسلامية بمختلف أبعادها وجوانبها في الامة، وضمن بذلك بقاء الشريعة المحمدية، وقد تشكلت خلال ذلك هنا وهناك في البلاد الإسلامية بعض الجماعات التي اندفعت لمحاربة الحكام الجائرين، وامكنهم ولو بصورة محدودة منع الجابرة والطواغيت من التمادي في غيهم وجورهم وعبثهم.
ولكن الذي كان يثير فزع الحكام الظالمين وقلقهم أكثر هو، الوعد بظهور الإمام المهدي عليه السلام، الذي كان يهدد وجودهم وكيانهم، ومن هنا فرض المعاصرون منهم للإمام الحسن العسكري عليه السلام رقابة مشددة عليه، ليقتلوا أي طفل يولد له، وقد استشهد الإمام عليه السلام نفسه بيديهم، وهو في ريعان شبابه، ولكن شاءت الإرادة الإلهية أن يولد المهدي عليه السلام، وأن يدّخر لخلاص البشرية ونجاتها، ولهذا السبب لم يوفق للقائه خلال حياة أبيه وحتى الخامسة من عمره إلا أفراد قليلون من خواص الشيعة، بيد أن الإمام عليه السلام ارتبط بالناس بعد وفاة أبيه، بواسطة نواب أربعة، كلفوا بمهمة النيابة الخاصة ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾(البقرة:4). وانظر أيضا: (لقمان:4 والنمل:3) واحدا بعد الآخر، وبعد ذلك بدأت "الغيبة الكبرى"، التي ستستمر إلى مدة غير معلومة، حتى اليوم الذي يتم فيه إعداد البشرية لتقبل الحكومة الإلهية العالمية، وحينئذ سيظهر الإمام عليه السلام بأمر من الله تبارك وتعالى.
إذن فالسر في غيبته هو، الحفاظ عليه من أيدي الجبابرة والجائرين. وقد اشير في بعض الروايات إلى حكم أخرى، منها، إمتحان الناس وإختبار مدى إستقامتهم وثباتهم بعد إتمام الحجة عليهم. والملاحظ أن الناس لم يحرموا تماما من عطاءات الإمام عليه السلام خلال الغيبة، وكما ورد في الروايات فإنه كالشمس خلف الغيوم، حيث يستفاد من نورها وشعاعها ﴿وأَنّ َ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(الاسراء:10)، وأيضا: (الفرقان:11 و سبأ:8)، و(المؤمنون:74), وقد وفق الكثير من الأفراد للقاء الإمام عليه السلام وإن ظهر بصورة رجل مجهول، واستفادوا منه الكثير في قضاء حوائجهم، ومعالجة مشاكلهم المادية والمعنوية، ويعتبر بقاؤه حيا عاملا كبيرا ومؤثرا في زرع الطمأنينة وشيوع الأمل بين الناس، ليحاولوا إصلاح أنفسهم وإعدادها لظهوره.
*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص202-209
1- راجع بحار الانوار، وغاية المرام، واثبات الهداة وسائر كتب الحديث.
2- بحار الانوار، ج 51، ص 54، ح 35، وص 63 و 64.
3- بحار الانوار، ج 51، ص 58، ح 5، وص 54، ح 34 و 35.
4- بحار الانوار، ج 51، ص 44 64.
5- الصواعق المحرقة، لابن حجر، ص 99، ونور الأبصار، للشبلنجي، ص 155، واسعاف الراغبين، ص 140، والفتوحات الإسلامية، ج 2، ص 211.
6- شرح نهج البلاغة، لابن ابي الحديد، ج 2، ص 535، وسبائك الذهب، للسويدي، ص 78، وغاية المأمول، ج 5، ص 362.
7- صحيح الترمذي، ج 2، ص 46، وصحيح أبي داود، ج 2، ص 207، ومسند ابن حنبل، ج 1، ص 378، وينابيع المودة، ص 186 و 285 و 440 و 488 و 490.
8- اسعاف الراغبين، ص 134، نقلا عن صحيح مسلم وابي داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي.
9- ينابيع المودة، ص 494.
10- منتخب الاثر، ص 255.
11- منتخب الاثر، ص 251.
source : http://almaaref.org