دلت الروایات على ثبوت التقیة ومشروعیتها فی کل شیء ممنوع لولا التقیة ، إلا فی شرب المسکر والمسح على الخفین ،
فقد ذکر المحدِّث الجلیل والعالم الفقیه الشیخ محمد بن یعقوب الکلینی المعروف بثقة الإسلام الکلینی المتوفى سنة 329 هجریة فی کتابه الکافی باب التقیة ما یلی :
1- عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ غَیْرِهِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أُولئِکَ یُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ بِما صَبَرُوا قَالَ بِمَا صَبَرُوا عَلَى التَّقِیَّةِ وَ یَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ قَالَ الْحَسَنَةُ التَّقِیَّةُ وَ السَّیِّئَةُ الْإِذَاعَةُ .
2- ابْنُ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عُمَرَ الْأَعْجَمِیِّ قَالَ قَالَ لِی أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) یَا أَبَا عُمَرَ إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّینِ فِی التَّقِیَّةِ وَ لَا دِینَ لِمَنْ لَا تَقِیَّةَ لَهُ وَ التَّقِیَّةُ فِی کُلِّ شَیْ ءٍ إِلَّا فِی النَّبِیذِ وَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّیْنِ .
3- عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَى عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) التَّقِیَّةُ مِنْ دِینِ اللَّهِ قُلْتُ مِنْ دِینِ اللَّهِ قَالَ إِی وَ اللَّهِ مِنْ دِینِ اللَّهِ وَ لَقَدْ قَالَ یُوسُفُ ( علیه السلام ) أَیَّتُهَا الْعِیرُ إِنَّکُمْ لَسارِقُونَ وَ اللَّهِ مَا کَانُوا سَرَقُوا شَیْئاً وَ لَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِیمُ ( علیه السلام ) إِنِّی سَقِیمٌ وَ اللَّهِ مَا کَانَ سَقِیماً .
4- مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ وَ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ جَمِیعاً عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَیْدٍ عَنْ یَحْیَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِیِّ عَنْ حُسَیْنِ بْنِ أَبِی الْعَلَاءِ عَنْ حَبِیبِ بْنِ بِشْرِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) سَمِعْتُ أَبِی یَقُولُ لَا وَ اللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَیْ ءٌ أَحَبَّ إِلَیَّ مِنَ التَّقِیَّةِ یَا حَبِیبُ إِنَّهُ مَنْ کَانَتْ لَهُ تَقِیَّةٌ رَفَعَهُ اللَّهُ یَا حَبِیبُ مَنْ لَمْ تَکُنْ لَهُ تَقِیَّةٌ وَضَعَهُ اللَّهُ یَا حَبِیبُ إِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا هُمْ فِی هُدْنَةٍ فَلَوْ قَدْ کَانَ ذَلِکَ کَانَ هَذَا .
5- أَبُو عَلِیٍّ الْأَشْعَرِیُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ الْکُوفِیِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ الْمَکْفُوفِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) قَالَ اتَّقُوا عَلَى دِینِکُمْ فَاحْجُبُوهُ بِالتَّقِیَّةِ فَإِنَّهُ لَا إِیمَانَ لِمَنْ لَا تَقِیَّةَ لَهُ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِی النَّاسِ کَالنَّحْلِ فِی الطَّیْرِ لَوْ أَنَّ الطَّیْرَ تَعْلَمُ مَا فِی أَجْوَافِ النَّحْلِ مَا بَقِیَ مِنْهَا شَیْ ءٌ إِلَّا أَکَلَتْهُ وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ عَلِمُوا مَا فِی أَجْوَافِکُمْ أَنَّکُمْ تُحِبُّونَّا أَهْلَ الْبَیْتِ لَأَکَلُوکُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ لَنَحَلُوکُمْ فِی السِّرِّ وَ الْعَلَانِیَةِ رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً مِنْکُمْ کَانَ عَلَى وَلَایَتِنَا .
6- عَلِیُّ بْنُ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِیزٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) فِی قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّیِّئَةُ قَالَ الْحَسَنَةُ التَّقِیَّةُ وَ السَّیِّئَةُ الْإِذَاعَةُ وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ السَّیِّئَةَ قَالَ الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ التَّقِیَّةُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ .
7- مُحَمَّدُ بْنُ یَحْیَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِیسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَمْرٍو الْکِنَانِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) یَا أَبَا عَمْرٍو أَ رَأَیْتَکَ لَوْ حَدَّثْتُکَ بِحَدِیثٍ أَوْ أَفْتَیْتُکَ بِفُتْیَا ثُمَّ جِئْتَنِی بَعْدَ ذَلِکَ فَسَأَلْتَنِی عَنْهُ فَأَخْبَرْتُکَ بِخِلَافِ مَا کُنْتُ أَخْبَرْتُکَ أَوْ أَفْتَیْتُکَ بِخِلَافِ ذَلِکَ بِأَیِّهِمَا کُنْتَ تَأْخُذُ قُلْتُ بِأَحْدَثِهِمَا وَ أَدَعُ الْآخَرَ فَقَالَ قَدْ أَصَبْتَ یَا أَبَا عَمْرٍو أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُعْبَدَ سِرّاً أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِکَ إِنَّهُ لَخَیْرٌ لِی وَ لَکُمْ وَ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَنَا وَ لَکُمْ فِی دِینِهِ إِلَّا التَّقِیَّةَ .
8- عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ عَنْ دُرُسْتَ الْوَاسِطِیِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( علیه السلام ) مَا بَلَغَتْ تَقِیَّةُ أَحَدٍ تَقِیَّةَ أَصْحَابِ الْکَهْفِ إِنْ کَانُوا لَیَشْهَدُونَ الْأَعْیَادَ وَ یَشُدُّونَ الزَّنَانِیرَ فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَیْنِ . (1)
ومنها : موثقة سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمی عن الرجل یصلی ، فدخل الامام وقد صلى الرجل رکعة من صلاة الفریضة ، قال : « إن کان إماما عادلا فلیصل أخرى وینصرف ویجعلها تطوعا ولیدخل مع الامام فی صلاته کما هو ، وإن لم یکن إمام عدل فلیبن على صلاته کما هو ویصلی رکعة أخرى ویجلس قدر ما یقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ، ثم یتم صلاته معه على ما استطاع ، فان التقیة واسعة ، ولبس إلا وصاحبها مأجور علیها إن شاء الله » (2).
فإن الامر باتمام الصلاة على ما استطاع مع عدم الاضطرار إلى فعل الفریضة فی ذلک الوقت معللا بأن التقیة واسعة ، یدل على جواز أداء الصلاة فی سعة الوقت على جمیع وجوه التقیة ، بل على جواز کل عمل على وجه التقیة وإن لم یضطر إلى ذلک العمل ، لتمکنه من تأخیره إلى وقت الامن.
ومنها : قوله علیه السلام فی موثقة مسعدة بن صدقة وتفسیر ما یتقى فیه : « أن یکون قوم سوء ظاهر حکمهم وفعلهم على خلاف حکم الحق وفعله » (3).
فکل شیء یعمله المؤمن منهم لمکان التقیة مما لا یؤدی إلى فساد الدین فهو جائز ، بناء على أن المراد بالجواز فی کل شیء بالقیاس إلى المنع المتحقق فیه لولا التقیة ، فیصدق على التکفیر فی الصلاة الذی یفعله المصلی فی محل التقیة أنه جائز وغیر ممنوع عنه بالمنع الثابت فیه لولا التقیة.
ومنها : قوله علیه السلام فی روایة أبی الصباح (4) : « ما صنعتم من شیء أو حلفتم علیه من یمین فی تقیة فأنتم منه فی سعة » (5).
فیدل على أن المتقی فی سعة من الجزء والشرط المتروکین تقیة ، ولا یترتب علیه من جهتهما تکلیف بالاعادة والقضاء ، نظیر قوله علیه السلام : « الناس فی سعة ما لم یعلموا » بناء على شموله لما لم تعلم جزئیته أو شرطیته کما هو الحق.
أنه لا ریب فی تحقق التقیة مع الخوف الشخصی : بأن یخاف على نفسه أو غیره من ترک التقیة فی خصوص ذلک العمل ، ولا یبعد أن یکتفى بالخوف من بناؤه على ترک التقیة فی سائر أعماله أو بناء سائر الشیعة على ترکها فی العمل الخاص أو مطلق العمل النوعی فی بلاد المخالفین ، وإن لم یحصل للشخص بالخصوص خوف ، وهو الذی یفهم من إطلاق أوامر التقیة وما ورد من الاهتمام فیها.
ویؤیده ، بل یدل علیه إطلاق قوله علیه السلام : « لیس منا من لم یجعل التقیة شعاره ودثاره مع من یأمنه لتکون سجیته مع من یحذره » (6).
نعم ، فی حدیث أبی الحسن الرضا صلوات الله علیه معاتبا لبعض أصحابه الذین صحبهم : « إنکم تتقون حیث لا تجب التقیة وتترکون حیث لابد من التقیة » (7).
ولیحمل على بعض ما لا ینافی القواعد.
أنه لو خالف التقیة فی محل وجوبها فقد أطلق بعض بطلان العمل المتروک فیه.
والتحقیق : أن نفس ترک التقیة فی جزء العمل أو فی شرطه أو فی مانعه لا یوجب بنفسه إلا استحقاق العقاب على ترکها ، فإن لزم عن ذلک ما یوجب بمقتضى القواعد بطلان الفعل بطل ، وإلا فلا.
فمن مواقع البطلان : السجود على التربة الحسینیة مع اقتضاء التقیة ترکه ، فإن السجود یقع منهیا عنه ، فیفسد الصلاة.
ومن مواضع عدم البطلان : ترک التکفیر فی الصلاة ، فإنه وإن حرم لا یوجب البطلان ، لان وجوبه من جهة التقیة لا یوجب کونه معتبرا فی الصلاة لتبطل بترکه.
وتوهم أن الشارع أمر بالعمل على وجه التقیة.
مدفوع بأن تعلق الامر بذلک العمل المقید لیس من حیث کونه مقیدا بتلک الوجه ، بل من حیث نفس الفعل الخارجی الذی هو قید اعتباری للعمل لا قید شرعی.
وتوضیحه : أن المأمور به لیس هو الوضوء المشتمل على غسل الرجلین ، بل نفس غسل الرجلین الواقع فی الوضوء ، وتقیید الوضوء باشتماله على غسل الرجلین مما لم یعتبره الشارع فی مقام الامر ، فهو نظیر تحریم الصلاة المشتملة على محرم خارجی لا دخل له فی الصلاة.
فی ترتب آثار الصحة على العمل الصادر تقیة لا من حیث الاعادة والقضاء ، سواء کان العمل من العبادات کالوضوء من جهة رفع الحدث ، أم من المعاملات کالعقود والایقاعات الواقعة على وجه التقیة.
فنقول : إن مقتضى القاعدة عدم ترتب الآثار ، لما عرفت غیر مرة من أن أوامر التقیة لا تدل على أزید من وجوب التحرز عن الضرر ، وأما الآثار المترتبة على العمل الواقعی فلا.
نعم ، لو دل دلیل فی العبادات على الاذن من امتثالها على وجه التقیة ، فقد عرفت أنه یستلزم سقوط الاتیان به ثانیا بذلک العمل.
وأما الآثار الاخر ـ کرفع الحدث فی الوضوء بحیث لا یحتاج المتوضئ تقیة إلى وضوء آخر بعد رفع التقیة بالنسبة إلى ذلک العمل الذی توضأ له ـ فإن کان ترتبه متفرعا على ترتب الامتثال بذلک العمل حکم بترتبه ، وهو واضح ، أما لو لم یتفرع علیه احتاج إلى دلیل آخر.
ویتفرع على ذلک ما یمکن أن یدعى أن رفع الوضوء للحدث السابق علیه من الآثار امتثال الامر به ، بناء على أن الامر بالوضوء لیس إلا لرفع الحدث ، وأما وضوء دائم الحدث فکونه مبیحا لا رافعا من جهة دوام الحدث ، لا من جهة قصور الوضوء عن التأثیر.
وربما یتوهم أن ما تقدم من الاخبار الواردة فی أن کل ما یعمل للتقیة فهو جائز وأن کل شیء یضطر إلیه للتقیة فهو جائز ، یدل على ترتب الآثار مطلقا ، بناء على أن معنى الجواز والمنع فی کل شیء بحسبه.
فکما أن الجواز والمنع فی الافعال المستقلة فی الحکم کشرب النبیذ ونحوه یراد به الاثم والعدم ، وفی الامور الداخلة فی العبادات فعلا أو ترکا یراد به الاذن والمنع من جهة تحقق الامتثال بتلک العبادات ، فکذلک الکلام فی المعاملات ، بمعنى عدم البأس ، وثبوته من جهة ترتب الآثار المقصودة من تلک المعاملة ، کما فی قول المشهور : تجوز المعاملة الفلانیة أو لا تجوز.
وهذا توهم مدفوع بما لا یخفى على المتأمل.
ثم لا بأس بذکر بعض الاخبار الواردة مما اشتمل على بعض الفوائد.
منها : ما عن الاحتجاج على أهل اللجاج بسنده عن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه فی بعض احتجاجه على بعض ، وفیه : « وآمرک أن تستعمل التقیة فی دینک ، فإن الله عزوجل یقول : ( لا یتخذ المؤمنون الکافرین أولیاء من دون المؤمنین ومن یفعل ذلک فلیس من الله فی شیء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) (8) وقد أذنت لک فی تفضیل أعدائنا إن ألجأک الخوف إلیه ، وفی إظهار البراءة إن حملک الوجل علیه ، وفی ترک الصلوات المکتوبات إن خشیت على حشاشتک الآفات والعاهات ، فإن تفضیلک أعدائنا عند خوفک لا ینفعهم ولا یضرنا ، وإن إظهار براءتک عند تقیتک لا یقدح فینا ، ولئن تبرأت منا ساعة بلسانک وأنت موال لنا بجنانک لتبقی على نفسک روحها التی بها قوامها ومالها الذی به قیامها وجاهها الذی به تمکنها وتصون بذلک من عرف من أولیائنا وإخواننا ، فإن ذلک أفضل من أن تتعرض للهلاک وتنقطع به عن عمل الدین وصلاح إخوانک المؤمنین ، وإیاک إیاک أن تترک التقیة التی أمرتک بها ، فإنک شاحط بدمک ودماء إخوانک ، متعرض لنفسک ولنفسهم للزوال ، مذل لک و لهم فی أیدی أعداء الدین ، وقد أمرک الله باعزازهم ، فإنک إن خالفت وصیتی کان ضررک على إخوانک ونفسک أشد من ضرر الناصب لنا الکافر بنا » (9).
وفیها دلالة على أرجحیة اختیار البراءة على العمل ، بل تأکد وجوبه.
لکن فی أخبار کثیرة ، بل عن المفید فی الارشاد: أنه قد استفاض عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « ستعرضون من بعدی على سبی فسبونی ،
ومن عرض علیه البراءة فلیمدد عنقه ، فإن برأ منی فلا دنیا له ولا آخرة » (10).
وظاهرها حرمة التقیة فیها کالدماء ، ویمکن حملها على أن المراد الاستمالة والترغیب إلى الرجوع حقیقة عن التشیع إلى النصب.
مضافا إلى أن المروی فی بعض الروایات أن النهی من التبری مکذوب على أمیر المؤمنین وأنه لم ینه عنه.
ففی موثقة مسعدة بن صدقة : قلت لابی عبد الله علیه السلام : إن الناس یروون أن علیا علیه السلام قال على منبر الکوفة : أیها الناس إنکم ستدعون إلى سبی فسبونی ، ثم تدعون إلى البراءة فلا تبرؤا منی ، فقال علیه السلام : « ما أکثر ما یکذب الناس على علی علیه السلام ، ثم قال : إنما قال : ستدعون إلى سبی فسبونی ، ثم تدعون إلى البراءة منی وإنی لعلى دین محمد صلى الله علیه وآله وسلم ، ولم یقل لا تبرؤا منی » فقال له السائل : أرأیت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : « والله ما ذاک علیه ولا له ، إلا ما مضى علیه عمار بن یاسر حیث أکرهه أهل مکة وقلبه مطمئن بالایمان ، فانزل الله تعالى : ( إلا من أکره وقلبه مطمئن بالایمان ) (11) فقال النبی صلى الله علیه وآله وسلم عندها : یا عمار إن عادوا فعد » (12).
وفی روایة محمد بن مروان قال : [ قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « ما منع میثم بن یحیى التمار الکوفی الاسدی رحمه الله من التقیة ] فوالله لقد علم أن هذه الآیة نزلت فی عمار وأصحابه ( إلا من أکره وقلبه ) الآیة (13).
[ وفی روایة عبد الله بن عطاء قال : قلت لابی جعفر علیه السلام : رجلان من أهل الکوفة اخذا ، فقیل لهما : ابرءا من أمیر المؤمنین ] ، فتبرأ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلی سبیل الذی تبرأ وقتل الآخر ، فقال علیه السلام : « أما الذی تبرأ فرجل فقیه فی دینه ، وأما الذی لم یتبرأ فرجل تعجل إلى الجنة » (14).
المصادر :
بتصرف من کتاب التقیة للشیخ مرتضی الانصاری
1- الکافی للکلینی ج2/ص218- 219
2- الکافی 3 / 380 حدیث 7 باب الرجل یصلی وحده ثم یعید ... ، التهذیب 3 / 51 حدیث 177 ، الوسائل 5 / 458 حدیث 2 من باب 56 من أبواب صلاة الجماعة.
3- الکافی 2 / 134 و 135 حدیث 1 باب فیما یوجب الحق ممن انتحل...
4- هو : أبو الصباح الکنانی ، روى عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهما السلام ، وروى عنه جماعة کثیرة من الرواة. معجم رجال الحدیث 21 / 189 و 191.
5- الکافی 7 / 4420 حدیث 15 باب ما لا یلزم من الایمان والنذور ، التهذیب 8 / 286 حدیث 1052.
6- ونص الحدیث کما رواه الشیخ الطوسی بإسناده عن الامام الصادق علیه السلام قال : « علیکم بالتقیة ، فإنه لیس منا من لم یجعلها شعاره ... » امالی الطوسی 1 / 299.
7- الاحتجاج 2 / 441 ، باب احتجاج الامام الرضا علیه السلام.
8- آل عمران 3 / 28.
9- الاحتجاج 1 / 239 ، باب احتجاج أمیر المؤمنین علیه السلام.
10- الارشاد : 169 ،
11- النحل 16 / 106.
12- الکافی 2 / 173 حدیث 10 باب التقیة.
13- الکافی 2 / 174 حدیث 15 باب التقیة ، النحل 16 / 106.
14- الکافی 2 / 175 حدیث 21 باب التقیة.
source : .www.rasekhoon.net