إنّ کل مذهب، وکل حرکة سیاسیة حین تجد أنّها غیر قادرة على تحصین قواعدها ووجودها إلاّ بأن تعیش تحت الأرض، وتعمل تحت جنح الظلام، وبعیداً عن عیون الأعداء، فإنّها ستفعل ذلک ریثما تستعد للبروز على الساحة یوماً ما.
نّ کل مذهب، وکل حرکة سیاسیة حین تجد أنّها غیر قادرة على تحصین قواعدها ووجودها إلاّ بأن تعیش تحت الأرض، وتعمل تحت جنح الظلام، وبعیداً عن عیون الأعداء، فإنّها ستفعل ذلک ریثما تستعد للبروز على الساحة یوماً ما.
التقیة لیست لغزاً لا یمکن کشف القناع عنه.
إنّما هی العمل فی السر، ومواصلة الجهد فی خفاء.
فهی موقف إیجابی ولیست موقفاً سلبیاً.
وهی مبدأ عام تلتزمه کل المبادئ، وکل الحرکات، وحینما یکون الإسلام قد أقرّه فإنّ علینا أن نفهمه بالصیغة التی شرحناها.
أمّا أن نجعل منه حجّة للتخاذل والانهزامیة، فإنّنا سنرتکب خطأ فی فهمنا لهذا المبدأ.
التقیة لا تعنی أن نتخلّى عن العمل والمسؤولیة.
وإنّما هی أسلوب من أسالیب العمل والعطاء والجهاد.
ففی حدیث عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: "المؤمن علوی ـ إلى أن قال ـ والمؤمن مجاهد, لأنّه یجاهد أعداء الله عزّ وجل فی دولة الباطل بالتقیة، وفی دولة الحق بالسیف".(1)
فالتقیة إذن أداة فی عملیة الجهاد، وأسلوب من أسالیبه.
وهذا الأسلوب المرحلة هی التی تقرّره، فهذا أسلوب غیر ثابت وإنّما تفرضه المرحلة، وترفعه المرحلة أیضاً.
" التقیة فی کل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حین تنزل به" هکذا حدّث الإمام الباقر علیه السلام.(2)
ولقد تورّط کثیرون ـ بعمد أو بغیر عمد ـ فی مخالفة هذه الحقیقة.
وفی الحدیث: أنّ الرضا علیه السلام جفا جماعة من الشیعة وحجبهم، فقالوا: یا ابن رسول الله صلى الله علیه وآله ما هذا الجفاء العظیم، والاستخفاف بعد الحجاب الصعب؟
قال:
لدعواکم أنّکم شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام وأنتم فی أکثر أعمالکم مخالفون، ومقصّرون... وتتّقون حیث لا تجب التقیة، وتترکون التقیة حیث لا بدّ من التقیة".(3)
والذین یطیب فی أفواههم طعم کلمة التقیة، دافعین عن أنفسهم ما تخفیه من الجبن، والانهزامیة، وروح الخذلان، هؤلاء.. کم تکون کلمة الجهاد مرّة فی مطعمهم، وربّما ودّوا لو کانت هذه الکلمة محذوفة من قاموس الإسلام.
والذین ینتظرون الفرج وهم فی أحضان نسائهم سیکونون أوّل المتخاذلین عن القائد المنتظر یوم یهفّ إلیه الرجال الأبطال، وعساهم یقولون یومذاک: إنّ من حوله من الرجال یکفیه!
ما أکثر من یطلب الشهادة بین یدی القائد المنتظر، محتجباً عن العمل الإسلامی، بعیداً عن الساحة، مبرّراً موقفه بالتقیة، لکن الإمام الصادق علیه السلام یشرح لک حقیقة هؤلاء، فیقول:
" وأیم الله لو دعیتم لتنصرونا، لقلتم لا نفعل إنّما نتّقی، ولکانت التقیة أحبّ إلیکم من آبائکم وأمّهاتکم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مسائلتکم عن ذلک، ولأقام فی کثیر منکم من أهل النفاق حدّ الله".(4)
إنّ موقف الیوم یدلّّل على موقف الغد.
ومن یخاف حرّ السیف، فإنّه لا یفرق عنده کان الإمام معه أم لم یکن!
ألیس یشبه منطق هؤلاء، منطق بنی إسرائیل فی الحکایة التی نقلها عنهم القرآن الکریم؟
(أَلَمْ تَرَ إلى المَلأِ منْ بَنِی إسْرائِیلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى؟ إذْ قالُوا لِنَبِیٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنا مَلِکاً نُقاتِلْ فِی سَبیلِ الله قالَ: هَلْ عَسَیْتُمْ إنْ کُتِبَ عَلَیْکُمُ القِتالُ ألاّ تُقاتِلوا!؟ قالوا: وما لَنا ألاّ نُقاتِلَ فی سَبِیلِ الله، وَقَدْ اُخْرِجْنا مِنْ دِیارِنا وَأبْنائِنا؟ فَلمّا کُتِبَ عَلَیْهِمُ القِتالُ تَولّوا إلاّ قَلیلاً مِنْهُم، والله عَلیِمٌ بِالظالمِین).(5)
إنّ مبدأ "التقیة" مبدأ صحیح، ولکن یجب أن نستعمله بالطریقة التی قدّمها لنا أهل البیت علیهم السلام لا بطریقة أخرى.
والقیادة الإسلامیة هی التی تشخّص لنا المرحلة والموقف، ولیس مصالحی الشخصیّة أو حالاتی المزاجیّة!
وإذا کانت المرحلة هی مرحلة عمل وعطاء ودفاع عن الدین, فإنّه سوف لا یکون من حقّنا الانسحاب عن المسؤولیة بحجّة التقیّة.
والآن أصبح من حقّنا العودة إلى قضیة الإمام المنتظر علیه السلام.
فلقد قلت: إنّها ترتبط بشکل وثیق بفهمنا لطبیعة هذا الدین.
إنّ قضیة القائد المنتظر تدلّل على أنّ طبیعة هذا الدین طبیعة بشریة.
وإنّ تقریر مصیر هذا الدین ومستقبله وتحدید ظروفه بید البشر أنفسهم، وخاضع لمقدار الجهد المبذول فی هذا السبیل
(إنّ الله لا یُغَیّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى یُغَیّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).(6)
لقد اضطرّ الإمام المهدی علیه السلام للاختفاء، وتغییب وجهه عن الساحة، وما زالت الظروف السیاسیة تفرض علیه ذلک إلى أن یحین موعد الفرج العظیم.
والسؤال الآن:
بماذا نفسّر هذه الغیبة ؟ وما الذی تعبّر عنه؟
الإمام هنا تفاعل مع الظرف السیاسی، واضطر للاختفاء تحت تأثیره.
فلقد عجزت قوى التشیّع عن تحصینه وحفظ سلامته، بینما کانت قوى الانحراف تشدّد قبضتها، وتواصل مطاردتها للوجود الشیعی.
وهنا وجد الإمام أنّه لا بدّ من الاختفاء!
من قرّر هذا المصیر للإمام؟
إنّ حصیلة الصراع بین طرفی القوى البشریة، بین أتباع الحق، وجیش الباطل، هی التی فرضت هذا المصیر.
ولو کان تقریر مستقبل هذا الدین لا یخضع لقوى البشر بمقدار ما یخضع لقوى الغیب وجند السماء، فهل کان الإمام سیضطر إلى أن یغیب؟
ألیست کانت قوى السماء قادرة على حمایته، ودرء الخطر عن وجوده، فیمارس نشاطه العلنی بکلّ أمان؟!
لقد مرّ الوجود الدینی بعدّة منعطفات، حسب ما تفرضه طبیعة الصراع فی ضوء حدود القوى المناصرة والمعادیة، وکان احتجاب القائد المنتظر واحداً من تلک المنعطفات، وبالطبع کان خاضعاً أیضاً لظروف المرحلة، وإیدیولوجیّة العمل فیها.
إنّ النصر قد یأتی من السماء، وقد تتدخّل ید الغیب ضمن ضوابط یأتی الحدیث عنها، إلاّ أنّ ذلک على العموم لا یؤتی نصراً مجانیاً وبغیر ثمن.
إنّ رایة هذا الدین یحملها الإنسان، وعلى الإنسان نفسه أن یکافح من أجل نصرها وعزّها، ولا ینتظر من السماء أن تمنحه النصر إلاّ بعد أن یقدّم کل جهوده، ویستنفذ آخر طاقاته.
ومرّة أخرى نسأل:
لماذا لا یخرج القائد المنتظر؟ ألیس فی ذلک شهادة على أنّ مصیر هذا الدین یحدّده أتباعه أنفسهم؟ ومن حیث إنّنا نمرّ بظرف سیاسی لا یسمح بانتفاضة القائد المنتظر، فقد ظلّ محتجباً إلى الوقت الذی تتجهّز قوى الحق للاکتساح العام الشامل والنصر المبین، وعسى أن یکون ذلک قریباً.
المصادر :
1- وسائل الشیعة : 16/209 الحدیث 21375.
2- وسائل الشیعة: 16/214 الحدیث 21392.
3- وسائل الشیعة: 16/217 الحدیث21400.
4- وسائل الشیعة:16/235 الحدیث 21446.
5- البقرة :246.
6- الرعد : 11.
التقیة لیست لغزاً لا یمکن کشف القناع عنه.
إنّما هی العمل فی السر، ومواصلة الجهد فی خفاء.
فهی موقف إیجابی ولیست موقفاً سلبیاً.
وهی مبدأ عام تلتزمه کل المبادئ، وکل الحرکات، وحینما یکون الإسلام قد أقرّه فإنّ علینا أن نفهمه بالصیغة التی شرحناها.
أمّا أن نجعل منه حجّة للتخاذل والانهزامیة، فإنّنا سنرتکب خطأ فی فهمنا لهذا المبدأ.
التقیة لا تعنی أن نتخلّى عن العمل والمسؤولیة.
وإنّما هی أسلوب من أسالیب العمل والعطاء والجهاد.
ففی حدیث عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: "المؤمن علوی ـ إلى أن قال ـ والمؤمن مجاهد, لأنّه یجاهد أعداء الله عزّ وجل فی دولة الباطل بالتقیة، وفی دولة الحق بالسیف".(1)
فالتقیة إذن أداة فی عملیة الجهاد، وأسلوب من أسالیبه.
وهذا الأسلوب المرحلة هی التی تقرّره، فهذا أسلوب غیر ثابت وإنّما تفرضه المرحلة، وترفعه المرحلة أیضاً.
" التقیة فی کل ضرورة، وصاحبها أعلم بها حین تنزل به" هکذا حدّث الإمام الباقر علیه السلام.(2)
ولقد تورّط کثیرون ـ بعمد أو بغیر عمد ـ فی مخالفة هذه الحقیقة.
وفی الحدیث: أنّ الرضا علیه السلام جفا جماعة من الشیعة وحجبهم، فقالوا: یا ابن رسول الله صلى الله علیه وآله ما هذا الجفاء العظیم، والاستخفاف بعد الحجاب الصعب؟
قال:
لدعواکم أنّکم شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام وأنتم فی أکثر أعمالکم مخالفون، ومقصّرون... وتتّقون حیث لا تجب التقیة، وتترکون التقیة حیث لا بدّ من التقیة".(3)
والذین یطیب فی أفواههم طعم کلمة التقیة، دافعین عن أنفسهم ما تخفیه من الجبن، والانهزامیة، وروح الخذلان، هؤلاء.. کم تکون کلمة الجهاد مرّة فی مطعمهم، وربّما ودّوا لو کانت هذه الکلمة محذوفة من قاموس الإسلام.
والذین ینتظرون الفرج وهم فی أحضان نسائهم سیکونون أوّل المتخاذلین عن القائد المنتظر یوم یهفّ إلیه الرجال الأبطال، وعساهم یقولون یومذاک: إنّ من حوله من الرجال یکفیه!
ما أکثر من یطلب الشهادة بین یدی القائد المنتظر، محتجباً عن العمل الإسلامی، بعیداً عن الساحة، مبرّراً موقفه بالتقیة، لکن الإمام الصادق علیه السلام یشرح لک حقیقة هؤلاء، فیقول:
" وأیم الله لو دعیتم لتنصرونا، لقلتم لا نفعل إنّما نتّقی، ولکانت التقیة أحبّ إلیکم من آبائکم وأمّهاتکم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مسائلتکم عن ذلک، ولأقام فی کثیر منکم من أهل النفاق حدّ الله".(4)
إنّ موقف الیوم یدلّّل على موقف الغد.
ومن یخاف حرّ السیف، فإنّه لا یفرق عنده کان الإمام معه أم لم یکن!
ألیس یشبه منطق هؤلاء، منطق بنی إسرائیل فی الحکایة التی نقلها عنهم القرآن الکریم؟
(أَلَمْ تَرَ إلى المَلأِ منْ بَنِی إسْرائِیلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى؟ إذْ قالُوا لِنَبِیٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنا مَلِکاً نُقاتِلْ فِی سَبیلِ الله قالَ: هَلْ عَسَیْتُمْ إنْ کُتِبَ عَلَیْکُمُ القِتالُ ألاّ تُقاتِلوا!؟ قالوا: وما لَنا ألاّ نُقاتِلَ فی سَبِیلِ الله، وَقَدْ اُخْرِجْنا مِنْ دِیارِنا وَأبْنائِنا؟ فَلمّا کُتِبَ عَلَیْهِمُ القِتالُ تَولّوا إلاّ قَلیلاً مِنْهُم، والله عَلیِمٌ بِالظالمِین).(5)
إنّ مبدأ "التقیة" مبدأ صحیح، ولکن یجب أن نستعمله بالطریقة التی قدّمها لنا أهل البیت علیهم السلام لا بطریقة أخرى.
والقیادة الإسلامیة هی التی تشخّص لنا المرحلة والموقف، ولیس مصالحی الشخصیّة أو حالاتی المزاجیّة!
وإذا کانت المرحلة هی مرحلة عمل وعطاء ودفاع عن الدین, فإنّه سوف لا یکون من حقّنا الانسحاب عن المسؤولیة بحجّة التقیّة.
والآن أصبح من حقّنا العودة إلى قضیة الإمام المنتظر علیه السلام.
فلقد قلت: إنّها ترتبط بشکل وثیق بفهمنا لطبیعة هذا الدین.
إنّ قضیة القائد المنتظر تدلّل على أنّ طبیعة هذا الدین طبیعة بشریة.
وإنّ تقریر مصیر هذا الدین ومستقبله وتحدید ظروفه بید البشر أنفسهم، وخاضع لمقدار الجهد المبذول فی هذا السبیل
(إنّ الله لا یُغَیّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى یُغَیّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).(6)
لقد اضطرّ الإمام المهدی علیه السلام للاختفاء، وتغییب وجهه عن الساحة، وما زالت الظروف السیاسیة تفرض علیه ذلک إلى أن یحین موعد الفرج العظیم.
والسؤال الآن:
بماذا نفسّر هذه الغیبة ؟ وما الذی تعبّر عنه؟
الإمام هنا تفاعل مع الظرف السیاسی، واضطر للاختفاء تحت تأثیره.
فلقد عجزت قوى التشیّع عن تحصینه وحفظ سلامته، بینما کانت قوى الانحراف تشدّد قبضتها، وتواصل مطاردتها للوجود الشیعی.
وهنا وجد الإمام أنّه لا بدّ من الاختفاء!
من قرّر هذا المصیر للإمام؟
إنّ حصیلة الصراع بین طرفی القوى البشریة، بین أتباع الحق، وجیش الباطل، هی التی فرضت هذا المصیر.
ولو کان تقریر مستقبل هذا الدین لا یخضع لقوى البشر بمقدار ما یخضع لقوى الغیب وجند السماء، فهل کان الإمام سیضطر إلى أن یغیب؟
ألیست کانت قوى السماء قادرة على حمایته، ودرء الخطر عن وجوده، فیمارس نشاطه العلنی بکلّ أمان؟!
لقد مرّ الوجود الدینی بعدّة منعطفات، حسب ما تفرضه طبیعة الصراع فی ضوء حدود القوى المناصرة والمعادیة، وکان احتجاب القائد المنتظر واحداً من تلک المنعطفات، وبالطبع کان خاضعاً أیضاً لظروف المرحلة، وإیدیولوجیّة العمل فیها.
إنّ النصر قد یأتی من السماء، وقد تتدخّل ید الغیب ضمن ضوابط یأتی الحدیث عنها، إلاّ أنّ ذلک على العموم لا یؤتی نصراً مجانیاً وبغیر ثمن.
إنّ رایة هذا الدین یحملها الإنسان، وعلى الإنسان نفسه أن یکافح من أجل نصرها وعزّها، ولا ینتظر من السماء أن تمنحه النصر إلاّ بعد أن یقدّم کل جهوده، ویستنفذ آخر طاقاته.
ومرّة أخرى نسأل:
لماذا لا یخرج القائد المنتظر؟ ألیس فی ذلک شهادة على أنّ مصیر هذا الدین یحدّده أتباعه أنفسهم؟ ومن حیث إنّنا نمرّ بظرف سیاسی لا یسمح بانتفاضة القائد المنتظر، فقد ظلّ محتجباً إلى الوقت الذی تتجهّز قوى الحق للاکتساح العام الشامل والنصر المبین، وعسى أن یکون ذلک قریباً.
المصادر :
1- وسائل الشیعة : 16/209 الحدیث 21375.
2- وسائل الشیعة: 16/214 الحدیث 21392.
3- وسائل الشیعة: 16/217 الحدیث21400.
4- وسائل الشیعة:16/235 الحدیث 21446.
5- البقرة :246.
6- الرعد : 11.
source : rasekhoon