الغرض :
والغرض الأول من الإشارة إلى هذه الفرق أن نبين خطأ الذين نسبوا أهل الغلو وغيرهم كالزيدية إلى الشيعة، وأن نؤكد ونوضح أن الضابط الصحيح لتعدد فرق الشيعة وأقسامها ينحصر بالخلاف في عدد الأئمة قلة وكثرة، وفي
تعيين أسمائهم وأشخاصهم بعد الاتفاق على أن الإمام يعين بالنص لا بالانتخاب، وأنه إنسان كسائر الناس لا يختلف عنهم في طبيعته، ولا في صفاته الملازمة للإنسان بما هو إنسان... أجل هناك شروط لا بد من توافرها في الإمام باتفاق المسلمين جميعاً، وإن اختلفوا فيما بينهم في نوعها وعددها، كما يظهر مما يلي :
الإمام من أهل البيت :
يشترط في الإمام شروط، أولها عند السنة أن يكون من بيوت قريش، لحديث «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» روى هذا الحديث البخاري في صحيحه ج 9 كتاب «الأحكام».
وقال الشيعة الاثنا عشرية: أن الإمامة خاصة بعلي وولديه الحسن والحسين، ثم لأولاد الحسين فقط. واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه ج 2 ص 191 طبعة 1348 هجري: أن النبي قال: إن هذا الأمر لا ينقضي، حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، ومثله في صحيح البخاري ج 9 كتاب «الأحكام»، ولكنه ذكر لفظ «أمير» بدل «خليفة».
وعليه تكون فكرة الاثني عشرية إسلامية عامة للسنة والشيعة، ولا تختص بفريق دون فريق.
وقال العلامة الحلي في «شرح التجريد» ص 250 طبعة العرفان: ان المراد بال 12 هم أئمة الشيعة، حيث ثبت بالتواتر أن النبي قال للحسين: ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم.
وروى المحب الطبري الشافعي في كتاب «ذخائر العقبى» ص 136 طبعة 1356 هجري: ان النبي قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوماً واحداً لطول اللّه ذلك اليوم، حتى يبعث رجلاً من ولدي، اسمه كاسمي. فقال سلمان: من أي ولدك يا رسول اللّه؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين.
وإذا سأل سائل: لمادا حصر الاثنا عشرية الإمامة بعلي وبنيه، ثم في 12 لا يزيدون ولا ينقصون؟
الجواب:
أما حصر الإمامة بعلي وأولاده فلما قدمناه من أن السنة هم الذين حصروا
الأمامة بقريش فقط دون غيرهم، وقال الشيعة: ما دام الأمر كذلك، فبيت النبي هو أفضل بيوت قريش، ولولاه لم يكن لها هذا الشأن... بل لولا محمد وآله لم يكن للعرب تاريخ ولا ذكر. وفي القسم الثاني من الجزء الثاني من صحيح مسلم ص 54 طبعة سنة 1348 هجري «كتاب الفضائل» أن رسول اللّه قال: إن اللّه اصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
أما حصر الأئمة في 12 فسببه رواية البخاري ومسلم في صحيحيهما التي أشرنا اإليها.
العصمة:
العصمة قوة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، بحيث لا يترك واجباً، ولا يفعل محرماً مع قدرته على الترك والفعل، وإلا لم يستحق مدحاً ولا ثواباً، أو قل: إن المعصوم قد بلغ من التقوى حداً لا تتغلب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبة لا يخطئ معها أبداً 1.
والشيعة الإمامية يشترطون العصمة بهذا المعنى في الإمام، تماماً كما هي شرط في النبي، قال الشيخ المفيد في كتاب «أوائل المقالات» باب «القول في عصمة الأئمة»: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الانام معصومون كعصمة الأنبياء لا تجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة... ولا سهو في شيء من الدين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم.
وقال العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق»: ذهب الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به، حالهم في ذلك كحال الأنبياء، ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف للمظلوم من الظالم، ورفع
_______________
_______________
1 - قال الإمام يصف نفسه: ما وجد النبي (ص) لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، وكنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه. يرفع لي كل يوم نميراً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به. وهذا معنى العصمة عند الشيعة لا كذب في قول، ولا زلة في فعل.
الفساد، وحسم مادة الفتن، ولأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي، ويحمل الناس على فعل الطاعات، واجتناب المحرمات، ويقيم الحدود والفرائض. ويؤاخذ الفساق، ويعزر من يستحق التعزير، فلو جازت عليه المعصية، وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد، وافتقر إلى إمام آخر.
أما السبب الأول لقول الشيعة بالعصمة فهو قوله تعالى: «إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً - 33 الأحزاب». وقول الرسول الأعظم: «علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه كيفما دار» وقوله «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وانهما لم يفترقا، حتى يردا عليّ الحوض». رواه مسلم في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده. ومن دار معه الحق كيفما دار محال أن يخطئ. وأمْر الرسول بالتمسك بالعترة والكتاب يدل على عصمة العترة من الخطأ، تماماً كعصمة الكتاب، وقوله لن يفترقا، أي لا يخالف أحدهما الآخر.
وروى صاحب كنز العمال من السنة أن النبي قال: «من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتولَّ علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة»1 .
واذا كان النبي هو الذي وصف أهل بيته بالعصمة فأي ذنب للشيعة إذا أطاعوا ربهم، وعملوا بسنّة نبيهم؟!.. لقد أقام المهوشون الدنيا وأقعدوها على الشيعة، لأنهم قالوا بالعصمة، ولو كانت لهم أدنى خبرة بسنة الرسول لقالوا بمقالة الشيعة، أو ألقوا المسؤولية على الرسول نفسه، إن كان هناك من مسؤولية. ثم إن قول الشيعة بعصمة الأئمة الأطهار من آل الرسول ليس بأعظم من قول السنة ان الصحابة كلهم عدول، وأن المذاهب الأربعة يجب اتباعها، وأن اجتهاد الحاكم، أي حاكم، واجتهاد الإمام الأعظم تحرم مخالفتهما، لأن صلاح الخلق في اتباع رأيهما. (المستصفى للغزالي ج 2 ص 355 طبعة بولاق، وأصول الفقه للخضري ص 218 الطبعة الثالثة).
ومهما يكن ، فإن الرجال تعرف بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، كما
_______________
__________ 1 - دلائل الصدق أول الجزء الثاني.
قال علي أمير المؤمنين. وقد أجمع الموافق والمخالف على أن الأئمة من أهل البيت كانوا على هدي جدهم الرسول (ص) قولاً وعملاً، وأن الناس كانوا يلجأون إليهم في حل المشكلات والمعضلات، وكانوا يتقربون إلى اللّه سبحانه بتعظيمهم وتقديسهم، تماماً كما كانت الحال بالنسبة إلى رسول اللّه (ص).
وختاماً نسأل الذين أنكروا على الشيعة القول بالعصمة: هل تنكرون أصل العصمة وفكرتها من الأساس، أو تنكرون عصمة الأئمة فقط؟.. والأول إنكار لعصمة الأنبياء التي اتفق عليها السنة والشيعة، والثاني إنكار لسنة الرسول الذي ساوى بين عترته وبين القرآن. هذا، إلى أن نصوص الشريعة جامدة لا حراك فيها، وإنما تحيا بتطبيقها والعمل بها، وإذا لم يكن القائم على الشريعة هو نفس الشريعة مجسمة في شخصه لم يتحقق الغرض المقصود. لذا قال الإمام: ذاك القرآن الصامت وأنا القرآن الناطق.