عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

التقية في الاذان

من المعلوم عند الجميع أنّ كلام المعصوم [ الامام الصادق عليه السلام ] ـ في الأمالي مثلاً ـ يقدَّم على غيره ، وأنّ نقله عن الإمام مقدّم على اجتهاده ، وبذلك يكون مقتضى القاعدة في تفسير خبر الأمالي استمرارية الشهادة بالولاية في الأرض كذلك ، ويؤ يد ذلك ما رواه ا
التقية في الاذان

من المعلوم عند الجميع أنّ كلام المعصوم [ الامام الصادق عليه السلام ] ـ في الأمالي مثلاً ـ يقدَّم على غيره ، وأنّ نقله عن الإمام مقدّم على اجتهاده ، وبذلك يكون مقتضى القاعدة في تفسير خبر الأمالي استمرارية الشهادة بالولاية في الأرض كذلك ، ويؤ يد ذلك ما رواه الكليني قدس‌سره في الموثّق أنّ اللّه‌ أمر مناديا ينادي بالشهادات الثلاث لمّا خلق السماوات والأرض (1).
وبعد هذا فلا أستبعد صدور نص الفقيه عنه إمّا تقيّة ـ وهو الجازم بلزوم العمل بها حتى ظهور القائم ـ وإمّا ردّا على وضع المفوّضة فيما يعتقد هو انهم وضعوها ، ويشهد لذلك اضطراب عبارته ; ، فمرّة قال : « والمفوضة لعنهم اللّه‌ » وبعد أسطر قال مرّة اُخرى «والمتهمون بالتفويض » ، وكلّ هذا وغيره يرجّح احتمال أنّه عنى باللّعن القائلين بالجزئية اعتمادا على الأخبار التي يعتقد هو أنّها موضوعة ، لا عموم القائلين بها ـ من الأدلّة العامّة ـ كما سيتّضح أكثر بعد قليل. (2).
اولا - أنّ الشـيخ الصدوق بعد إخباره بأنّ الشهادة الثالثة من وضع المفوضة عاد وقال عنهم : « المتّهمون بالتفويض » ، فنتساءل : هل هم من المفوّضة بضرس قاطع ، أم هم من « المتّهمين بالتفو يض المدلّسين أنفسهم في جملتنا »؟
إنّ الشيخ الصدوق ; لمّا لم يمكنه إثبات كونهم من المفوّضة يقينا ، عاد واحتاط في كلامه فقال « المتهمون بالتفويض » ، وهذا يؤكّد عدم جزمه بأ نّهم من المفوّضة ، وأنّ ما قاله هو مدركي اجتهادي يمكن الخدش فيه لا حِسِّيٌّ غير قابل للردّ.
بل لا يبعد أن يتولّد لدينا اعتقاد راسخ بأنّ الشيخ الصدوق قد قسّم القائلين بالشهادة الثالثة إلى قسمين :
القسم الأول : هم من قال عنهم : « والمفوّضة لعنهم اللّه‌ قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان ... ».
والقسم الثاني : هم من قال عنهم : « وإنّما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض ».
وحاصل ذلك أنّ الذي يأتي بما يدلّ على رجحان الشهادة بالولاية ليس مفوّضا على الحقيقة بل هو متّهم بالتفو يض ؛ آية ذلك أنّه لم يلعنه ، وهذا هو الصحيح ؛ لأنّ من يستحقّ اللعن هو الّذي يضع حديثا لتلك الزيادة ، لا لمجرّد الزيادة مع احتمال قيام أدلّة الاقتران والشعارية على إثباتها ؛ وفي مجموع كلمتيه إشارة واضحة لهذه المسألة ، وقد يُتَصوّر من كلمة « المدلسين » أنّ الشيخ الصدوق ; اُبتلي ببعض المتسلّلين إلى جماعة الشيعة من غيرهم ، وكانوا يقومون بما يشوّه السمعة عند الأكثرين ، فأراد ; التخلّص منهم ، وليس حديثه عن الشيعة المعتقدين الذين يلتزمون بالولاية بحسن قصد.
وعليه ، فالصدوق ; شأنه شأن باقي علماء الاُمّة سنة وشيعة ؛ قد يفتي بشيء اعتقادا منه أنّه شرعي ومجاز من خلال العمومات وادلّة اقتران ذكر الولاية بالنبوة ، في حين أنّه هو لا يرتضي الافتاء إذا كان مستندها ليس مشروعا ، كالحديث الموضوع مثلاً.
والشيخ ; اورد رواية التطوع في الزيادة في التطوع في الصلاة في شهر رمضان مع عدوله عنه وتركه لاستعماله إلى اخر كلامه ; لأ نّه حديث ضعيف وليس بموضوع.
وعليه : أنّ الجزم بالوضع متفرّع على الجزم بالتفو يض عنده ، ولمّا لم يمكن الجزم بالتفو يض فلا يمكن الجزم بالوضع كذلك. وهذا من قبيل الحكم بالوضع ـ من قبل العامة ـ على رواية صحيحة لمجرّد شبهة الرفض فضلاً عن الجزم به ، فلربّما ـ وهو احتمال قائم في معترك البحث في هذه المسألة ـ حَكَمَ الشيخ الصدوق بوضع الأخبار لمجرّد تهمة التفويض ؛ وهذا هو شان القميّين وتسرعهم في بت الاحكام ؛ فهم طردوا البرقي لمجرّد التهمة وبلا دليل.
لكن قد يقال : بأنّ هذا الكلام صحيح فيما لو جزمنا بتلك الملازمة في كلمات الشيخ الصدوق ، لكن دون ذلك خرط القتاد.
أمّا أولاً : فلأن الشيخ قسّم القائلين بالشهادة الثالثة إلى قسمين ، والقسم الثاني ينافي الملازمة ؛ فمجرّد الزيادة لا تعني الوضع كما لا تعني التفو يض واستحقاق اللعن.
وأمّا ثانيا : فلا يتّجـه القول بأنّ تشدّد القميّين يستدعي الحكم بالوضع والتفو يض واستحقاق اللعن مع احتمال التقيّة.
وبذلك فالخدش والضعف ليس في الإسناد ، بل لرواية المفوّضة الساقطة تماما وعملهم بذلك ، وإنّك قد عرفت ـ وستعرف أكثر من ذلك بعد قليل ـ بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان بعنوانها الذكر المحبوب ولمطلق القربة العامّ لم تكن من وضع المفوّضة ، بل كانت عند جميع المذاهب الشيعية ، وهي مأخوذة من الأدلة العامة ، وقد عمل بها ـ بالنظر لذلك بعض الخاصة ، وقال الشيخ الطوسي بعدم اثم فاعلها ـ وإن كانوا قد تركوها في بعض العصور جريا مع ظروف عايشوها.
ثانيا : إنّ علماء بغداد وغيرهم اتّهموا الشـيخ الصدوق ومشايخه من أهل قمّ بالتقصير في أمر الأئمّة ، وأنّهم لا يدركون مكانتهم : كما هي ، ولذلك كتب الشيخ المفيد كتابا في تصحيح عقائد الصدوق كما قيل.
ونحن لا نوافق البغداديين فيما اتّهـموا به أهل قمّ بهذه البساطة ، لأنّ في « الفقيه » وغيره من كتب الصدوق وسائر كتب القميّين ما يدلّ على ارتفاع مستواهم المعرفي ورقيّ مرتبتهم العقائدية في المعصومين سلام اللّه‌ عليهم ، وكُلُّ ما قالوه كان خوفا من دخول روايات المفوّضة والغلاة ضمن أصولنا الحديثية.
فالصدوق ; هو صدوق هذه الأمّة وثقة وعدل ، ويجب الأخذ بكلامه في مواطن الأخذ واعتباره في مواطن الاعتبار ، لكنّه فيما عدا ذلك فهو قدس‌سره ليس بمعصوم ، وما يقوله لا يلزم الفقهاء من أهل الفتوى عبر الأزمان ، نعم هو محدث وفقيه وأمين على ودائع بيت النبوة ، وناشر لعلمهم ، وليس في كلامه ما يلزم الآخرين من المجتهدين من معاصريه ومن غيرهم التعبد به بنحو مطلق.
ونحن قد توصلنا وفق الصفحات السابقة إلى أنّ الشيخ الصدوق لا يقصد بكلامه القائلين بالشهادة الثالثة من باب القربة المطلقة ، بل يقصد القائلين بالجزئية ، وعلى أسوأ التقادير لسنا ملزمين بالأخذ بقوله ; إذا قصد القائلين بالشهادة الثالثة من باب القربة المطلقة ، لكنّ هذا الاحتمال غير ممكن في حقّ الشيخ الصدوق ؛ إذ هو قدس‌سره ـ بالنظر للعمومات ـ قد جزم بأنّ عليّا وليّ اللّه‌ حقّا ، وروى روايات كثيرة في ذلك ، وهذا غاية ما يقال في هذه المسألة.
ثالثا : إنّ الشيخ الصدوق كان يعتقد بصحّة بعض أقسام التفويض ، كالتفو يض في التشريع من النبي صلی الله عليه وآله وسلم.
قال الشيخ المجلسي في البحار بعد نقله لكلام الصدوق في صفة وضوء رسول اللّه‌ :
« ولعلّ الصدوق إنّما نفى المعنى الأوّل ـ من المعاني التي قيلت في التفو يض ـ حيث قال في الفقـيه : وقد فوض اللّه‌ سبحانه إلى نبيّه أمر دينه ولم يفوض إليه تعدّي حدوده. وأيضا هو ; قد روى كثيرا من أخبار التفو يض في كتبه ولم يتعرّض لتأو يلها » (3).
وقال الصدوق في كتابه الاعتقادات : وقد فوّض اللّه‌ إلى نبـيّه أمر دينه ؛ فقال عزّ وجل ( وَمَآ اَتَاكُمُ الرَّسُوُل فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ ) (4) ، وقد فوض ذلك إلى الأئمّة (5).
وفي الفقيه : قال زرارة بن أعين : قال أبو جعفـر [ الباقر ] عليه السلام : كان الذي فرض اللّه‌ على العباد عشر ركعات ، وفيهن القراءة وليس فيهن وَهَمٌ ـ يعني السهو ـ فزاد رسول اللّه‌ سبعا ، وفيهنّ السـهو وليس فيهنّ القراءة (6).
إنّ اعتقاد الصدوق ببعض أقسام التفويض ، وكونه عنده وعند غيره على قسمين : تفو يض مشروع ، وتفو يض محرّم ، يرشدنا إلى لزوم دراسة موضوع التفو يض أكثر ممّا مضى ، وما الذي يعنيه الصدوق من التفويض وهل حقّا إنّه يرتبط بالشهادة الثالثة؟ فلو كانت الشهادة بالولاية في معناها العام من التفو يض ، كان علينا القول بأنّ جميع فقهاء الإمامية ومنهم الشيخ الصدوق من المفوّضة أو الغلاة ، وهذا ما لا يجرؤُ على قوله أحد بل هو مستحيل منطقيا.
وأن رواية الشيخ الصدوق لأخبارٍ دالّة على وجود الشـهادة بالولاية بعد تكبيرة الإحرام ، وحين دعاء التوجّه إلى الصلاة (7) ، وفي قنوت الصلاة (8) ، وفي التشهد (9) ، وفي تعقيبات صلاة الزوال (10) ، كلها تؤكّد بأنّ الشهادة الثالثة من الذكر المحبوب الوارد في الشريعة ، وهو يدعونا أن نحتمل مرة أخرى علاوة على ما سبق أن نصّ الفقيه في الأذان قد صدر عنه تقيةً ، أو أنّه عنى المفوضة بالخصوص لزيادتهم أخبارا موضوعة دالّة على وجوبها. بل قد يكون مجموع الأمرين في بعض الأحيان ؛ لشهادة الشيخ بأنه والمذهب يعيشان ظروف التقية حتّى ظهور القائم ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كان يرى قدس‌سره ـ وهذا هو الحقّ ـ الوقوف بوجه الكذّابين الوضّاعين الذين يريدون تشويه صورة المذهب وحقيقته من خلال الأذان وغيره.
ويقوى احتمال التقية حينما تقف على أخذه الرواية عن كثير من أعلام العامّة وقراءته عليهم بعض رواياته متجنّباً مشايخه من الشيعة ، فقد شدّ الرحال إلى مختلف الحواضر العلمية آنذاك كبغداد ، والكوفة ، والريّ ، وخراسان ، ونيسابور ، ومرو الروذ ، وهمذان ، واستراباد ، وجرجان ومكة ، والمدينة ، لتحمّل الحديث عنهم.
وقد خرج بالفعل إلى ما وراء النهر ومرّ بـ « سمرقند » ، وسمع بها من أبي أسد ، وعبد الصمد بن عبد الشهيد ، وعبدوس بن علي الجرجاني في سنة 368 هـ (11) ، و « ايلاق » ، وسمع فيها من أبي نصر محمد بن الحسن الكرخي الكاتب ، وأبي الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري في سنة 368 هـ (12) ، و « فرغانة » ، وسمع فيها من أبي أحمد ، محمد بن جعفر بن بندار الشافعي ، وتميم بن عبد اللّه‌ بن تميم القرشي (13) ، وغيرهما.
وكان بين مشايخه ومن روى عنهم من النواصب ، فقد روى الصدوق عن أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبيّ ، أبي نصر في كتاب العلل ، والمعاني ، والعيون ، وقال فيه : ما لقيت انصب منه ، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول : « اللهم صل على محمد » فردا ، ويمتنع من الصلاة على آله (14).
وقد كتب كتابه « من لا يحضره الفقيه » في بلخ (15) ، وقد أحصى المحدّث النوري في خاتمة مستدركه أسماء مشايخه ، وقد تجاوز عددهم عن المائتين (16).
وفي مثل تلك الظروف والرحلات والمشاهدات ، نستطيع استقراب أن تكون جملته الأخيرة : « وإنما ذكرت لتُعرف ذلك بهذه الز يـادة المتهمون بالتفو يض المدلّسون أنفسهم في جملتنا » قيلت تقيةً ، لأن الشيخ كان يرى بعض الشيعة يجهرون بالشهادة الثالثة ، وهو ما لا يرتضيه غالب العامّة ، وهم الأغلبية في جميع البلدان ، فأراد الشيخ بجملته السابقة الحفاظ على أرواح البقية الباقية منهم ، من خلال البراءة من القائلين بالشهادة الثالثة ونفي هذا القول من جملة الشيعة ظاهرا ، وقد مرّ تنبيهنا على أنّ الشيخ الصدوق قد لوّح في عبارته في الفقيه إلى وجود قسمين يشهدون بالشهادة الثالثة ، فقسم مفوّضة ملعونون بسبب الوضع ، وقسم ثان غير وضّاعين بل متّهمون فقط ، ولا معنى لذلك من هذه الجهة غير التقية على الأرجح.
رابعا : إنّ رواة خبر الشـهادة الثالثة في المعراج ، وكون اسم عليّ عليه السلام مكتوبا على ساق العرش ، وأنّ نوره عليه السلام كان مع الأنوار ، وأنّ اللّه‌ أخذ الميثاق على ولايته في عالم الذرّ ، وما يماثلها من الروايات ، كان راووها وناقلوها يعتقدون برجحانها ، ويأتون بها في أذانهم لوحدة الملاك الملحوظ بينها وبين الأذان وهو دليل الشعارية الذي استند عليه بعض الفقهاء ، لكنّ الشيخ الصدوق ; وغيره من المنكرين لفعل المفوّضة ، اكتفوا بالاتّهام دون بيان أدلّتهم ، مع أنّهم كانوا في مقام الاستدلال ، فلو صحّ اتّهام التفو يض كان عليهم أن يأتوا باسم راوٍ واحد من المفوّضة كان يؤذّن بهذا الأذان. نعم قد يقال بأنّ الشيخ قالها عن حسٍّ وهو كاف في الجواب عن هذا ، وهذا لم يثبت ؛ لاعتماده كثيرا على اقوال مشايخه والذي اثبت التحقيق خطائهم في بعض القرارات هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى : من المعـلوم درائيا عند جميع المسلمين ـ وخصوصا عند العامّة ـ أنّ الجرح لا قيمة له إذا عارض التعديل إلاّ إذا كان جرحا مفسّرا ، وذلك ببيان ملابسات الخبر.
وطبق هذه القاعدة الدرائية نقول : إنّ الشيخ الصدوق اتّهم رواة الشهادة الثالثة بالتفو يض ، وهو جرح مجمل غير مفسّر ، لتعدد معاني التفويض ـ عنده ـ ولعدم ثبوت كون هذا الفعل هو عمل المفوضة الغلاة. وبما أنّه غير مفسّر فلنا ترك ما قاله شيخنا الصدوق ; ، لأ نّه مبنيّ على اجتهاد تفرّد به وحده وهو مجمل غير مفسّر ، ولأنّ شهادته ; لا تكون بالنسبة لنا عن حسٍّ في مثل هذه الموارد ، لأ نّنا لا نعلم كيفيّة وصوله إلى تلك القناعة ، وهل قالها لِما رآه وعرفه ، أم اتّباعا لمشايخه المحدّثين وعلى رأسهم ابن الوليد؟ فلو كان الثاني فقد قال بهذا القول بدون فحص ودليل بل تقليدا لشيخه الثقة ، والذي صرّح مرارا بأ نّه لا يتعدّى كلامهم.
وبذلك فتكون شهادته حدسية لا حسية ، فلا تكون حجّة علينا ، وخصوصا مع تشدّد ابن الوليد وباقي مشايخه ، وكذلك إذا تأكّد لدينا أنّه مقلّد لمشايخه في الصحيح والضعيف ، وهذا ما رأيناه في كثير من الأمور ، منها ما مر عليك في « منهج القمّيين والبغداديين » من اتّباعه لابن الوليد في القول بأنّ محمد بن موسى الهمداني هو الذي وضع أصل زيد الزرّاد وزيد النرسي ، فقد يكون الشيخ الصدوق هنا قد اعتمد على مقولة هؤلاء المشايخ واتّهم القائلين بالشهادة بالولاية بالوضع.
أمّا لو قلنا بأ نّه ; عنى القائلين بالجزئية ـ الواضعين حديثا في ذلك ـ فكلامه صحيح.
إن الشيخ الصـدوق اتُّهم بالتقصير لقوله : بأنّ من لم يقل بسهو النبي فهو من الغلاة ، أو قوله بأنّ من قال بأنّ للنبيّ صلی الله عليه وآله وسلم الزيادة في العبادات فهو من الغلاة ، في حين لم نر أحدا من علماء الشيعة يوافقه في كلامه ، وقد اعترضوا على اعتقاده.
وقد حكى بعض المعاصرين عن الشيخ الصدوق انه لم يقل بجزئية الصلاة على النبي وآله في التشهّد ، لأ نّه لم يروِ في الفقيه في باب « التشهد وآدابه وأدعيته » (17) ما يدل على ذلك ، خلافا لغالب المذاهب الإسلامية القائلين بجزئيّتها.

لكنا لا نقبل هذا الكلام ، لأمور :

أوّلاً : لأنّ الشيخ ; لم يعتمد تلك الرواية ؛ لقوله ; : « وروي عن زرارة » وهو يؤكّد عدم اعتماده عليها.
وثانيا : لأنّ وجود جملة « سلام على الأئمّة الراشدين المهديين » هو معنى آخر للصلاة على النبيّ وآله.
وثالثا : لأنّ الشيخ روى في كتاب الصوم « باب الفطـرة » عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي بصير وزرارة ، قالا : قال أبو عبد اللّه‌ : كما أنّ الصلاة على النبيّ من تمام الصلاة ... ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله ... (18) وهو يعني جزئيتها ، لكنه اتى بها في غير بابها.
والحاصل : فمن يقف على تاريخ الشيعة وما لاقوه من الخلفاء يعرف جواب كثير من الملابسات دون أدنى تأمل ، إذ أنّ المقتضي كان موجودا للتأذين بالشهادة الثالثة ، لكن المانع هو الآخر كان موجودا ، نعم لا دليل على امكان اعتبارها جزءا ومن أصل الأذان ، لأنّ الأذان أمرٌ توقيفيّ ، فلا تجوز الزيادة فيه أو النقصان منه.
خامسا : المشهور شهرة عظيمة عند الطائفة عدم اعتقاد جزئية الشهادة الثالثة ولا أنّها من فصول الأذان ، لكن هذا لا يعني عدم جواز الإتيان بها من باب التيمّن والتبّرك ، ومن باب رجاء المطلوبية ، والمحبوبية النفسية ، والقربة المطلقة وغير ذلك ، فلماذا ينسب إلى الشيخ الصدوق ; بأ نّه يتّهم جميع القائلين بها بالتفويض والبدعة ، مع احتمال أن يكونوا قد أتوا بها من باب القربة المطلقة ولمحبوبيتها الذاتية ، وخصوصا حينما وقفَ الشيخ الصدوق نفسه على اختلاف الصيغ فيها ، وأماكن ورودها ، تارة بعد الحيعلة الثالثة ، واُخرى بعد الشهادة الثانية.
ولماذا يريد البعض أن يستفيد من كلام الشيخ الصدوق الحرمة ولا يحتمل قوله ; بالجواز حسبما وضحناه في النقاط السابقة.
إنّ اختلاف العبارات يؤكّد أنّهم كانوا لا يأتون بها على نحو الشطرية ، وبذلك فلا يتصوّر في الأمر إلاّ احتمالان : أحدهما أنّه عنى المفوّضة الذين قالوا بجزئيتها فقط لقوله «وذلك ليس من اصل الأذان» ، أو أنّه ; قالها تقيّةً للحفاظ على البقية الباقية من الشيعة ، لا بالمعنى المعروف عن التقيّة وهو موافقة العامة ، بل بالمعنى الذي قاله صاحب الحدائق في المقدّمة الأولى من كتابه ، أي أنّ التقية قد تكون من الشيعة حتى لا يجتمع رأيهم على شيء واحد ، ولكي يسخفهم ويسحقهم الحكام ، وبه سيبقى التشيّع سالما من كلّ محاولات اغتياله.
سادسا : يمكن لقائلٍ أن يقول على سبيل البحث والإلمام بأطرافه : إنّ المراجع لكتاب ( حجـية الإجماع ) للشيخ أسد اللّه‌ الدزفولي (19) وفي آخر كتاب ( الأنوار النعمانية ) للسيد نعمة اللّه‌ الجزائري ، وكتاب ( التنبيه على غرائب الفقيه ) للصيمري ، وغيرها ، يقف على مسائل كثيرة أخطأ الصدوق ; في استنباطها ، فهو لا يختلف عن غيره من الفقهاء والمحدّثين ، قد يخطأ وقد يصيب ، وقد يعدل عما أفتى به ، فالعلماء يقبلون بروايته ولا يقبلون باجتهاده ودرايته ، خصوصا إن خالف المتواتر والسيرة القطعية وما عليه دليل من الكتاب والسنة.
فما قاله الشـيخ الصدوق « والمفوّضة لعنهم اللّه‌ قد وضعوا ... » ليس من البديهيات الشرعية ، والمسلّمات الإسلامية حتى يلزمنا القبول به ، بل إنّه من النظريات القابلة للقبول والرد.
قال الشيخ عبدالنبي العراقي بعد أن ذكر إعراض الصدوق عمّا ذكره من الأخبار : لم يقل أحد من الإمامية ، حجيّة الخبر هو عمل الصدوق أو عدم ارتضائه ، فليس لعمله ولا لإعراضه دخل في مسألة حجية الخبر الواحد ، على مسالكهم العديدة ، فإنَّ له فتاوى نادرة كثيرة لم يوافقه أحد من الفقهاء فيها (20).
وخصوصا حينما ترى غالب الفقهاء يقولون بجواز الإتيان بها إن لم تكن على نحو الجزئيه ، وقد جرت سيرتهم على ذلك من قديم الزمان إلى يومنا هذا.
هذا ، وقد مرّ عليك أنّ علماء بغداد كانوا لا يرتضون بعض اعتقادات الشـيخ الصدوق ; ومقرّرات شيوخه من أهل قمّ لاختلاف مباني الطرفين ، فقد طعن ابن الغضائري على الصدوق وشيخه لطعنهما في أصلي زيد الزراد وزيد النرسي ، وقولهما بأنّ أصليهما موضوعان من قبل محمد بن موسى الهمداني (21).
وكذا النجاشي ، فقد روى عن شـيخه أبي العباس بن نوح طعنه في الصدوق ؛ لاستثنائه روايات محمد بن أحمد الأشعري من روايات محمد ابن عيسى بن عبيد ، تبعا لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد (22).
ما نريد قوله هنا : هو أنّ الكلمات الآنفة لا تقتضـي طعنا في الصدوق ; ولا في علمه ، لأنّ الكثير من العلماء قد يسوقهم اجتهادهم الى الخطأ ، غاية ما في الأمر أنّ على الباحث أن لا يتناسى كلّ ما له علاقة بالبحث حتى يكون موضوعيا ، وبالتالي فهذه النقطة تؤخذ بنظر الاعتبار للوقوف على نزعة الصدوق ; في الفتوى وفي الأخبار ، لاحتمال أنّ لها دخلاً علميا في مناقشة ما نحن بصدده ، وهذا ما تقتضيه أمانة البحث العلمي ، ومهما كان الأمر فالملاحظ أنّ أغلب علماء الطائفة ـ إن لم نقل كلّهم ـ قد خالفوه في تلك المسائل ، وهو ممّا يؤكد بأ نّه كغيره من المجتهـدين يخطئُ ويصيب ، وليس في قوله ما يلزم الآخرين.
سابعا : لا ملازمة بين التـأذين بالشهادة الثالثة والتفويض ، كما أنّ إجهار العامة بالشهادتين والحيعلتين في الأذان لا يدلّ على أنّها من وضعهم ، فقول المفوّضة بالشهادة الثالثة ليس دليلاً على أنّه قد شرّع من قبلهم ، فقد يكونون محقيّن في هذه المفردة ، وآخذِين بأمر شرعي ورد فيه الدليل ـ غيرالأخبار الموضوعة التي عناها الصدوق ؛ إن سُلِّمَ أنّها من وضعهم ـ كالعمومات الدالة على محبوبيتها الذاتية العامة ، ولا يمكننا ترك عمل مشروعٍ لمجرّد عمل المفوضة أو العامة به ـ أو وضعها أخبارا فيه ـ وبذلك يكون المعمول به هو أمر شرعي استُقي من النصّ ، والمفوّضة والعامّة ليسوا إلا عاملين به.
ولا يدفعنا هذا الاحتمال لتوهّم اعتماد أخبار المفوّضة لعنهم اللّه‌ في الشهادة الثالثة ؛ إذ لا يسوغ شرعا الاعتماد عليهم في شيء ، كلُّ ما في الأمر هو أنّ الشيخ الطوسي قدس‌سره وصف تلك الأخبار بالشذوذ ، وليس الوضع كما جزم الصدوق قدس‌سره بذلك ، ومعنى الشاذ ان للخبر قابلية ان يكون صحيحا ، وهذا يفتح بابا شرعيا لاحتمال أنّ يكون بعض ما عند المفوّضة ليس من وضعهم بل مستقىً عن غيرهم.
وقد أثبتنا سابقا بأنّ الشـهادة بالولاية بمعناها الكنائيّ المطويّ في فصل : « حي على خير العمل » كانت سيرة لبعض الشيعة على عهد رسول اللّه‌ ثم من بعده ، حتى وصل الأمر إلى آل بويه الذين كانوا يقولون بها ـ كناية أو تصريحا في بعض الأحيان ـ ولا يمنعون من الجهر بها في بغداد ، والريّ ، وشمال العراق (23) ، فنسأل شيخنا الصدوق : هل أنّ آل بو يه ـ الذين يعرفهم جيدا ـ هم من المفوّضة؟
الجواب قطعا يأتي بالنفي ، وهو يقوّي ما احتملناه من صدور النص عن الصدوق إمّا تقية بالمعنى الذي قاله الشيخ يوسف البحراني ، وإمّا أن يكون مقصوده المفوّضة الواضعين لتلك الأخبار فقط ؛ لأنّ المشهور عند فقهاء الإمامية في حجيّة الخبر هو حجيّة المضمون وموافقته للكتاب والسنة ، وهي عندهم مقدّمة على صحّة الصدور ، ويكتفون في الموافقة بالموافقة الإجمالية للكتاب والسنة ، وهي حاصلة هنا.
فإذا تبيّن ذلك نقول : بأنّ مضـمون الشهادة بالولاية مطابق لأصول المذهب ، لكونها من أُصول الإيمان ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بولايتهم ، وقد قررّنا سابقا (24) بأن الأذان هو إعلام لأُصول العقيدة من التوحيد ، والنبوة ، والإمامة بحسب أدلّة الاقتران الماضية ، وحسنة ابن أبي عمر عن الكاظم سلام اللّه‌ عليه الداعية إلى الحثّ عليها ، وغير ذلك من الأدلة التي حثّت على ذكر عليّ مطلقا وفي كل حال ، فنحن نأتي بها مؤكّدين بأنّها ليست جزءً.
وبعد كلّ ذلك فلا يمكن لأحد أن ينكر وجود الموافقة الإجمالية وحتى التفصيلية ـ في بعض الأحيان ـ فيها ، لأنّ الروايات التي نقلناها عن الباقر ، والصادق ، والكاظم ، وحتى الرضا : عن الحيعلة الثالثة وعلل الأذان ، كلّها نصوص تؤكّد وجود معنى الولاية في الأذان ، وقد سُمِحَ من قِبَلِهِم : بتفسيرها كما فُسِّرت الآيات القرآنية مع شأن نزولها على عهد الصحابة.
ثامنا : قال الصدوق في باب معرفة الأئمّـة من كتابه ( الهداية في الأُصول والفروع ) عند حديثه عن المهدي عليه السلام : « وهو الذي يظهر اللّه‌ عزّ وجلّ به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وإنّه هو الذي يفتح اللّه‌ عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها حتى لا يبقى في الأرض مكان إلاّ ينادي فيه بالأذان ، ويكون الدّين كلّه للّه‌ » (25) ، فممّا يمكن أن يفهم من هذه الجملة ، وبقرينة المهدي : « يقوم بأمر جديد وسنّة جديدة » (26) أنّ الأذان في عهده عليه السلام سيكون غير الأذان المعمول عليه الآن ، لأنّ الشيعة آنذاك يخرجون من بوتقة التقية ويتعاملون مع الأحكام بواقعية ، ولعلّ صلاة عيسى بن مريم خلف المهدي عليه السلام يرشدنا إلى إمامته في ذلك الزمان ، فقد يكون الأذان في ذلك الزمان مصرّحا بذكر علي عليه السلام بغضّ النظر عن جزئيته أو مجرّد ذكره للتبرك.
فلو صحّ هذا ، يمكن تاكيد دعوى احتمال كون الشهادة بالولاية موجودة في القرار الإلهي من بدء الخلقة إلى آخرها في أرضها وسمائها ، وجائز الإتيان بها مع الأذان إن سنحت الظروف. اقول بهذه النقطة على نحو الفرض والاحتمال لا القطع واليقين.
تاسعا : إنّ الشيخ الصدوق قد عاصر تأسيس بعض الدول الشـيعية ، كالدولة العبيدية = الفاطمية في مصر ، وآل بويه في العراق ، والحمدانية في الشام ، وقبلها الديالمة في إيران ، وإنّه قد وقف على أعمال هذه الدول ، وسعيهم لتحكيم منهج الإمام عليّ في الأحكام وإعادة الـدين إلى مجراه الصحيح ، وقد مرّ عليك ما عمله الداعي الكبير لمّا استقر في آمل سنة 250 ه‍ من الجهر بالبسملة في الصلاة ، وجعل التكبير على الميت خمسا ، مع إعادة حيّ على خير العمل إلى الأذان الصحيح ، وموضوع الشهادة بالولاية جاء في سياق عملهم الاصلاحي لتطبيق الشريعة ، وإليك هذا النص وما بعده عن العبيديين والحمدانيين.
قال محمد بن علي بن حماد ( ت 628 ه‍ ) في كتابه أخبار بني عبيد = أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم : ... وكان مما أحدث عبيداللّه‌ [ مؤسس الدوله العبيدية المتوفىّ 322 هـ ] أن قطع صلاة التراويح في شهر رمضان ، وأمر بصيام يومين قبله [ للاختلاف الموجود بين النهجين في ثبوت الهلال ] ، وقنت في صلاة(27)
الجمعة قبل الركوع ، وجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح « الصلاة خير من النوم » وزاد : « حي على خير العمل » « محمد وعلي خير البشر » ، ونصّ الأذان طول مدّة بني عبيد بعد التكبير والتشهدين : حي على الصلاة ، حي على الفلاح مرتين ، حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر مرتين ، لا إله إلاّ اللّه‌ مرة (28).
وكتب المقريزي عن المعـزّ لدين اللّه‌ : أنه لمّا دخل مصر أمر في رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر : « خير الناس بعد رسول اللّه‌ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » (29).
وقال قبل ذلك عن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب : وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمد بن أسعد الجوياني النسابة.
ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه : « حي على خير العمل ومحمد وعلي خير البشر » إلى أيّام نور الدين محمود ، فلمّا فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالجلاو ية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها الدروس ... (30) إلى آخر الخبر.
وجاء في زبدة الحلب في تاريخ حلب ، لابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المتوفى سنة 660 ه‍ : واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب وجدّد الحلبيون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة الأسوار في سنة سبع وستين [ وثلاثمائة ] ، وغيّر سعد الأذان بحلب ، وزاد فيه : « حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر » ، وقيل : إنّه فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة ، وقيل : ثمان وخمسين (31).
وقال التنوخي المتوفَّى 384 هـ : أخبرني أبو الفرج الاصفهاني ( المتوفَّى 356 هـ ) ، قال : سمعت رجلاً من القطيعة [ أو القطعية] يؤذن : اللّه‌ أكبر ، اللّه‌ أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‌ ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‌ ، أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‌ ، محمّد وعلي خير البشر فمن أبى فقد كفر ، ومن رضي فقد شكر ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، اللّه‌ أكبر ، اللّه‌ أكبر ، لا إله إلاّ اللّه ‌ ....
كل هذه النصوص تؤكد تخالف المنهجين في كثير من المفردات الفقهية وأن الأمر لم يختص بالشهاة الثالثة ومحبوبيتها ، والحيعلة الثالثة وشرعيتها ، فالأمر أكبر من ذلك ، فخط يدعو إلى الاصالة ، وخط يوجد فيه التحريف.
عاشرا : ثبت علميا وتاريخيا تخالف منهج الحكام مع منهج أهل البيت في كثير من الأحكام الشرعية ، وأن العلويين عندما كان يحكمون كانوا يسعون لتطبيق ما عرفوه عن ابائهم من سنة رسول اللّه‌ بالطرق الصحيحة ، وقد مر عليك قبل قليل ان عبيداللّه‌ مؤسس الدولة الفاطمية أمر بقطع صلاة التراويح في شهر رمضان وأمر بالجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، والقنوت في صلاة الجمعة قبل الركوع واسقط من اذان الصبح الصلاة خير من النوم ، وزاد حي على خير العمل مع تفسيرها محمد وعلي خير البشر لورودها في الروايات الصحيحة عند أهل البيت عليهم السلام:
وقد كان هذا عمل الحكومات الشيعية الاخرى ، فالبعض حرّم شرب الفقاع ، وأكل السمك الذي لا قشر له ، وجوّز لبس السواد في محرم والاحتفال بعيد الغدير والاخر ـ نظرا لظروفه ـ امكنه تطبيق اُمور اخرى إلى غيرها من عشرات المسائل.
والشهادة الثالثة وما جاء في تفسير معنى ( حيّ على خير العمل ) لا يمكن إفرادها عن اخواتها ، فمن المؤكد أن تكون هناك أدلّة عليها عند هؤلاء وقد وصلت للشيخ الصدوق ، لكن النزاع السياسي بين العباسيين والعلو يين لم يكن يسمح بنشرها ، لأنّ الشهادة الثالثة تعني بطلان شرعية حكوماتهم ، وهذا ما فهموه من الروايات وما كانت تأتي به الشيعة ، وهو ما فهمه اسلافهم كعمر من الحيعلة الثالثة ، لأن اعتقاد كون ولاء الإمام علي خير العمل يساوي بطلان خلافة الاخرين ، وبما أن الشيخ الصدوق كان يعيش تحت وطاة العباسيين فمن غير البعيد أن يبرر الشهادة بالولاية بالوضع خوفا على نفسه وعلى المذهب لئلا يقتل الشيعة بحجة التآمر مع الدول الشيعية القائمة آنذاك.

تلخص من كلّ ما سبق واتّضح :

أنّ الشيخ الصدوق لا يقصد في هجومه كل من أتى بالشهادة الثالثة في أذانه حتّى لو أتى بها بقصد القربة المطلقة ورجحانها الذاتي العامّ أو بعنوان التفسيرية ، بل عنى فقط المفوّضة الملعونين بسبب الوضع ، والقائلين بالجزئية تبعا للأخبار الموضوعة ، إذ عرفت بأنّ الشهادة الثالثة كان عملاً لسيرة مجموعة ايمانية تابعة لآل البيت ، أتى بها العبيديون في مصر ، والحمدانيون في الشام ، والبويهيون في العراق ، وغيرهم في الريّ ، وقم ، وشمال العراق ، ممّا يؤكد استمرار سيرة المتشرّعة في التأذين بها إلى عهده ، وأنّهم لم يأتوا بها عن هوى ورأي ، بل لما وقفوا عليه من دليل في روايات أهل البيت عند الإمامية الاثني عشرية ، والزيدية ، والإسماعيلية ، وهذا ليس ببدعة وادخال في الدين ما ليس منه فلا سبيل إلاّ أن نقول بأنّ تهجمه قد يكون جاء تقية ، للحفاظ على أرواح الشيعة آنذاك.
وبذلك فقد اتضّح لنا أنّ الشيخ الصدوق ; لم يعني بكلامه نفي محبوبية الشهادة بالولاية ، بل كان بصدد نفي جزئيتها ردّا على المفوّضة القائلين بها ؛ لأن قوله : « زادوا في الأذان » و « ليس ذلك من أصل الأذان » يفهم منه أنه ; يريد أن ينفي جزئيتها المستندة على الأخبار الموضوعة ، لا محبوبيتها ، لأنّ محبوبيتها العامّة ـ لا في خصوص الأذان ـ من المسلّمات الشرعية التي لا ينكرها الشيخ ولا غيره من الشيعة ، بل حتى في الأذان لما جاء في حسنة ابن أبي عمير المتقدمة عن الإمام الكاظم والتي رواها الشيخ في التوحيد ومعاني الأخبار ، وللشيخ روايات كثيرة دالّة على محبوبيّتها في كتبه الحديثية ، وقد أكّد عليها بقوله : « لا شك أنّ عليّا ولي اللّه‌ ، وأنّه أمير المؤمنين ، وأنّ محمدا وآله خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان » (32).
وبهذا فقد ثبت سقم من يدعي أن الشيخ الصدوق ; عنى كل زيادة في الأذان سواء جاءت بقصد الجزئية أو بقصد القربة المطلقة ، نعم صحيح ان الشيخ الصدوق أشار إلى جانب تاركا الجانب الآخر منه ، لكن هذا لا يعني عدم قبوله بالتفصيل بين الامرين لأ نّه حقيقة ثابتة عند جميع الفقهاء وقد افتوا على طبقه ، ولو تاملت في فتاوي من جاء بعده بدءا من السيّد المرتضى والشيخ الطوسي وابن البراج وغيرهم لرايتهم يفرقون بين الجزئية والمحبوبية ، والشيخ الصدوق لا تختلف فتاواه عنهم حسبما بيناه ، إلاّ أنّه وجه سهامه إلى القائلين بالجزئية في زمانه تاركا الكلام عن الاتين بها بقصد القربة المطلقة ، لقوله : « المدلسون انفسهم في جملتنا ».
وعليه فالشيخ الصدوق ; لا يعني الذين ذكروها إعظاما لأمير المؤمنين ، أو دفعا لاتّهام المتهمين للشيعة ـ في تلك العصور وحتّى من بعدهم ـ بأ نّهم : يقولون بألوهية الإمام عليّ ، أو أنّهم يدّعون خيانة الأمين جبرئيل في مأموريته ، وأنه كان مكلّفا في إنزل الوحي على علي بن أبي طالب ، لكنه ـ والعياذ باللّه‌ ـ خان ونزل على محمد صلی الله عليه وآله وسلم ، إلى غيرها من التّهم الموجّهة جُزافا إلى الشيعة.
فلو أتى الشيعي بالشهادة الثالثة لكي ينفي هذه التهم عنه ، وليقول : بأنّ اللّه‌ هو الإله الذي نعبده ولا نشرك به ، وأنّ محمدا هو الرسول الذي جاء من عنده ، وأنّ الإمام عليا ليس إلاّ وليّ للّه‌ وحجّته على عباده.
فإنّ الشيخ لا يمانع من ذلك ؛ لأن الأدلّة الشرعيّة هي مع القائل بها ، ولا نرى مانعا من أن يأتي المكلّف بالشهادة الثالثة لهذا الغرض.
وبهذا ، فنحن نوافق الصدوق في هجومه على الذين يأتون بها على نحو الجزئية ـ استنادا للأخبار الموضوعة ـ وفي الوقت نفسه لا نتردّد في أنّ الشيخ الصدوق على منوال جميع الأصحاب قائل بمحبوبيتها الذاتية العامّة ؛ لأنّ ذلك لا بأس به بالنظر للمعايير الفقهية والحديثية العامّة.
وباعتقادي أنّ الشيخ كان يرى رجحان الإتيان بها في الأذان لعموم الأدلة التي كانت عنده لكنْ لا بقصد الجزئية. ولعلّه قد فهم من المفوّضة أنّهم كانوا يأتون بها على نحو الجزئية ، ولأجله تهجّم عليهم.
ونحن نعتقد وكذا الشيخ قبلنا ، بأنّ هؤلاء الأئمة هم وسائط الفيض الالهي ، وقد منحهم ربّ العالمين هذه القدرة ، وليس كلّ ما يذكر لهم من منازل عالية في كتب الحديث والعقائد يستتبعه القول بالغلوّ أو التفويض ، فهم عباد مكرمون من البشر لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، وهؤلاء الأئمة قالوا عن أنفسهم : « لا ترفعوا البناء فوق طاقتنا فينهدم ، اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم » (33) وفي آخر : « لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ، ولن تبلغوا ، وإيّاكم والغلوّ كغلو النصارى فإنّي بريءُ من الغالين » (34) ، وهو مقام لا يمكن لأحد أن يصل إليه ويعرف كنهه ، فإنّ الشيخ هو الذي روى لنا صحيحا ، حديثَ : « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرَّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللّه‌ قلبه للإيمان أو مدينة حصينة » (35).
وبعد كل هذا نقول : يمكننا بناءً على كلّ ما تقدّم الأخذ بمرسلة الصدوق بعنوان أنّها تتضمّن الشهادة بالولاية وأنّها محبوبة ذاتا بنحو عامّ ، كما جزم به ; في قوله : « ولا ريب في أنّ عليّا ولي اللّه‌ حقا » ، لا بعنوان أنّها مستند للجزئية.
وكذا يمكننا اعتبار هذه الصيغ التي أتى بها الشيخ الصدوق إحدى الأدلّة على محبوبية الشهادة الثالثة في الأذان لا على نحو الجزئية ، وذلك لموافقتها مع سيرة المتشرّعة من عصر الرسول إلى عصرنا الحالي وامضاء المعصوم لها ـ أي الإمام الحجة عليه السلام ـ.
وأن أخذُنا بالصيغ التي ذكرها الصدوق يبتني على المحبوبية الذاتية القربة المطلقة ، لا بعنوان أنّها مستقاة من أخبار موضوعة وضعها المفوِّضة ، فنحن لا نقول بالجزئية كما لا يقول بها الشيخ الصدوق ; ، كما إنّنا قائلون بالمحبوبيّة الذاتية وكذلك الصدوق ; في جزمه الآنف في مرسلته ، وفي ما رواه عن ابن أبي عمير عن الكاظم الصريحة في المحبوبية.
وعليه فالأخذ بمرسلة الصدوق في الفقيه مساوِقٌ للأخذ بمرسلة القاسم بن معاوية المروية في الاحتجاج أو أقوى منها ؛ لعمل الشيعة بها ، وكذا لوجودها في شواذ الاخبار التي حكاها الشيخ الطوسي والعلاّمة ويحيى بن سعيد الحلي.
وعليه فإن نقل الصدوق وإرساله ـ وهو من القدماء المتثبّتين ـ أولى من الأخذ بمرسلة الطبرسي المتأخّر عنه بعدة قرون ، وكذا الاخذ بحسنة ابن أبي عمير عن الكاظم الحاثة على الاتيان بأمر الولاية في خصوص الأذان أولى من الاخذ بمرسلة الاحتجاج العامة في كل شيء. وان تقرير الإمام المعصوم ـ بناء على تمامية اجماع الطائفة ـ أولى من الاخذ باحاديث من بلغ وهذا ما نريد أن نلفت نظر الأعلام إليه.
وبهذا ، قد اتّضح للجميع ضرورة توضيح هكذا أمور في الشريعة ، وأنّ الفقيه لا يمكنه الحكم على ظاهر نصوص السابقين بعيدا عن الوقوف على الظروف التي كان يعيش فيها هؤلاء الفقهاء والمحدّثون والأماكن التي كانوا يسكنونها ، وهذا ما أكّدنا عليه في مقدّمة هذا المبحث.
وبه ارتفعت الإشكالية المثارة حول كلام الشيخ الصدوق في بعض الكتب من أنّه يعارض القول بالشهادة الثالثة دون توضيحهم الفرق بين الإتيان بها على نحو الجزئية أو من باب القربة المطلقة.

الشيخ المفيد ( 336 ـ 413 ه‍ )

من المعلوم أنّ الشيخ المفيد من كبار فقهاء الإمامية ومتكلّميهم ، وقد اختلف بالفعل مع الشيخ الصدوق ـ ومع غيره من علماء الإمامية ـ في مسائل ذكرها في كتابه ( تصحيح الاعتقاد ) و ( أوائل المقالات ).
والآن نتساءل : لماذا لا نراه ; يعترض على الصدوق فيما قاله في الشهادة الثالثة؟ وهل أنّ عمله هذا يعدّ تأييدا له في هذه المفردة؟ أم هناك ملابسات اُخرى يجب توضيحها؟
الجواب : نعم ، إنّ الشيخ المفيد ومعاصِرَيْه « ابن الجنيد والعماني » لم يتعرضوا إلى الشـهادة الثالثة في فتاويهم لا سلبا ولا إيجابا ، بل اكتفى المفيد في المقنعة بالقول في باب « عدد فصول الأذان والإقامة » :
والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً : الأذان ثمانية عشر فصلاً ، والإقامة سبعة عشر فصلاً (36).
وكلامه هذا يقتضي أنّه لا يتّفق مع الصدوق فيما ادّعاه في صحّة ما رواه أبو بكر الحضرمي وكليب الأسدي (37) والذي فيه تربيع التكبير وتثنية التهليل في الإقامة ، وبه تصير الإقامة عند الصدوق 20 فصلاً ، وهذا ما لا يتبنّاه المفيد في « المقنعة » ، هذا أوّلاً.
وثانيا : إنّ الشيخ المفيد قد اختلف مع شيخه الصدوق ; في المسائل الضرورية والتي تمسّ أصل العقيدة ، أمّا قول الشهادة الثالثة في الأذان فليست من أصل الأذان ، ومعنى ذلك أنّ تركها لا يضرّ بالدين بالعنوان الأوّليّ في تلك الازمان ، وهذا ممّا لا يختلف عليه جمهور الشيعة.
إنّ تبنّي المفيد لرواية غير رواية الحضرمي تؤكّد وجود روايات صحيحة أُخرى تعمل بها الشيعة الإمامية « تزيد أو تنقص » عمّا رواه الحضرمي والأسدي ، خصوصا وأنّ مذهب أكثر فقهائنا قديما وحديثا هو أنّ فصول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً.
وبعبارة اُخرى : إنّ الشيخ المفيد كان لا يريد الدخول في اُمور جزئية اجتهادية ، وخصوصا حينما لا تكون تلك الأمور شائعة ورائجة عند جميع الشيعة ، وكان ـ فيما نحتمل ـ يرى الكفاية في إتيان بعض الخلّص من الشيعة بما يدلّ على الولاية في أذانهم للمحافظة على شعاريّتها واستمرار شرعيّتها ، ولا داعي بعد ذلك للإفتاء بشيء قد يسبّب مشكلة للشيعة في وقت هم في أمسّ الحاجة فيه إلى الاستقرار.
نعني بذلك كفاية الحيعلة الثالثة للدلالة على وجود معنى الولاية في الأذان بحسب حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم عليه السلام ، ولا ضرورة للإجهار بـ « أشهد أن عليا ولي اللّه‌ » في تلك الأزمان المفعمة بالاضطرابات السياسية والعقائدية.
وثالثا : إنّ الشيخ المفيد وطبق منهجه أكد على شرعية الحيعلة الثالثة في كتاب ( الإعلام فيما اتّفقت عليه الإمامية ) ، فقال :
واتّفقت الإمامية على أنّ من ألفاظ الأذان والإقامة للصلاة : حي على خير العمل ، وأنّ من تركها متعمّدا في الإقامة والأذان من غير اضطرار فقد خالف السنّة ، وكان كتارك غيرها من حروف الأذان ، ومعهم في ذلك روايات متظافرة عن رسول اللّه‌ وعن الأئمة من عترته :
وأجمعت العامّة فيما بعد أعصار الصحابة على خلاف ذلك وأنكروا أن تكون السنة فيما ذكرناه (38).
وجملة « ومعهم في ذلك روايات متظافرة ... » و « أجمعت العامة فيما بعد أعصار الصحابة ... » لتؤكّدان اهتمامه بالثوابت العامّة عندنا ، وسعيه لتحكيمها ، مع التأكيد على الدور التحريفي للعامّة في العصور اللاحقة ، متغاضيا عن الإشارة إلى الفصول غير الواجبة والتكميلية كالشهادة الثالثة.
ورابعا : إنّ الفترة التي عاش فيها المفيد في بغداد ـ وهي عاصمة الدولة العباسية السنية ـ كانت طافحة بالصراع السني الشيعي ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين كان يسعى لتحكيم موقفه الفقهيّ والسياسيّ.
ولأنّ الشيعة أخذوا يشكّلون ويؤسسون الدول ، والمفيد ; كان في مأزق حقيقي ، لأ نّه كان يعيش في بغداد عاصمة أهل السنّة آنذاك ، ومن المعلوم أنّ الذي يعيش في وسط كهذا ، لابدّ له أن يحترم آراء الآخرين ، ويكون مسالما متقيا ، وخصوصا مع علمه بأنّ له أعداء كثيرين يريدون أن يقفوا على رأي متطرف منه ـ حسب اعتقادهم ـ حتّى يمكنهم النيل منه.
جاء في البداية والنهاية : أنّ عبيد اللّه‌ بن الخفاف المعروف بابن النقيب ، سجد شكرا للّه‌ ، وجلس للتهنئة ، لمّا سمع بموت المفيد ، وقال : لا أُبالي أيّ وقت متّ بعد أن شاهدت موتَ ابن المعلم (39) ، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى فانّ الشيخ المفيد رأى الدول الشيعية في تنامٍ مستمرّ ، فعبيداللّه‌ ( المتوفّى 322 ه‍ ) قد أسّس الدولة العبيدية في مصر ، وسيف الدولة الحمداني ( المتوفّى 356 ه‍ ) أسس الدولة الحمدانية في حلب ، وقبل كلّ ذلك حَكَمَ الداعي الكبير طبرستان في إيران والبويهيّون ـ بغداد وإيران وغيرها ـ مائة وثلاث عشرة سنة ، بدءا من وفاة آخر سفراء الإمام المهدي بأربع سنوات إلى أواسط عصر الشيخ الطوسي ، أي من سنة 334 ه‍ إلى 447 ه‍ ، فإنّ وجود انشقاقات كهذه في الدولة العباسية يزيد في الطين بلّة ، ويُعقّد الأمور أكثر فأكثر على الشيخ المفيد.
لقد انتهج البويهيّون ـ أيّام حكمهم ـ سياسة التوازن بين الطوائف ، فكانوا يريدون أن يعيش الشيعة بدون تقيّة ، والآخرون يحكمون بحرّيّة ، وكان ممّا قرّر في عهد بهاء الدولة ـ وزير القادر ـ هو نظام النقابة للعلو يين ، وقد عيّن بالفعل والد الشريفين : الرضي والمرتضى لهذا المنصب (40).
لكنّ الخليفة القادر العباسي ـ الذي حكم بين سنة 381 ه‍ إلى 422 ه‍ ـ سحب هذه النقابة من والد الشريفين في سنة 394 ه‍ ، لملابسات كثيرة مذكورة في كتب التاريخ ، ساعيا لإعادة مجد الحكم السني للخلافة ، وذلك لاختلافه مع البويهيّين ، ولنشوء دول شيعية في مصر والشام ، وهذه الأعمال كانت تشدّد الأزمة بين البويهيين والعباسيين.
فأوّل عمل عمله القادر العباسي هو أن أعدّ ـ في سنة 402 هـ ـ مذكّرة موقّعة من قبل علماء بارزين من الشيعة والسنة يشكّكون فيها بنسب الخلفاء الفاطميّين في مصر ، ويفنّدون فيها الباطنية ، إلى غيرها من الاُمور التي شددت الصدام بين الفريقين (41).
وكان مما حكاه ابن الجوزي هو : ان بعض الهاشميّين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبداللّه‌ محمد بن النعمان ، المعروف بابن المعلم ، وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رباح ، وتعرّض به تعرضا امتعض منه أصحابه ، فساروا واستنفروا أهل الكرخ ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسفرايني فسبّوهما وطلبوا الفقهاء ليوقِعُوا بهم ، ونشأت من ذلك فتنة عظيمة ، واتّفق أنّه أَحضر مصحفا ذكر أنّه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف ، [ لان فيه التفسير السياقي للآيات ] فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب ، وعرض المصحف عليهم ، فأشار أبو حامد الإسفرايني والفقهاء بتحر يقه ، ففُعل ذلك بمحضرهم.
فلمّا كان شهر شعبان كُتب إلى الخليفة بأنّ رجلاً من أهل جسر النهروان حضر المشهد بالحائر ليلة النصف ودعا على من أحرق المصحف وسّبه ، فتقدم بطلبه ، فأُخِذَ فرُسِمَ قتله ، فتكلّم أهل الكرخ في هذا المقتول لأ نّه من الشيعة ، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلاّئين ... (42).
وقد علل الشيخ المفيد سبب ظهور مصحفي أُبيّ وابن مسعود [ السياقيين [ عند الناس واستتار مصحف أمير المؤمنين ، بأنّ السبب في ذلك عظم وطأة أمير المؤمنين على ملوك الزمان وخفّة وطأة أُبيّ وابن مسعود عليهم ـ إلى أن قال ـ فصل : مع أنّه لا يثبت لأُبيّ وابن مسعود وجود مصحفين منفردين ، وإنّما يذكر ذلك من طريق الظنّ وأخبار الآحاد ، وقد جاءت بكثير مما يضاف إلى أمير المؤمنين من القرّاءِ أخبارُ الآحادِ الّتي جاءت بقراءة أُبيّ وابن مسعود على ما ذكرنا (43).
وبهذا ، فلا يستبعد أن يكون الشيخ المفيد أراد أن يبتعد عن أمر هو في غنى عنه ، لأنّ الاحداث كانت تجري باتّجاه آخر ، والشيخ ; لا يريد تشديد الأزمة ، وخصوصا بعد أنّ وقف على أن بعض الشيعة في مصر ، وحلب ، وبغداد ، كانوا يأتون بـ « محمد وعلي خير البشر » بعد الحيعلة الثالثة ، والذي نقلنا خبرهما سابقا ، وأنّ الحسين المعروف بأمير بن شكنبه كان يقولها في مصر (44).
والشيخ كان لا يريد أن يبين نفسه بأ نّه يتّفق مع هؤلاء ، لأن الشهادة بالولاية من خلال جملة « حيّ على خير العمل » كانت تعني بطلان خلافة الاخرين الذين غصبوا خلافة الإمام علي الذي هو خير البرية وولايته خير العمل.
وبذلك صارت الحيعلة الثالثة شعارا سياسيا من دون النظر إلى كونها حكما شرعيا ، وعلماءُ الشيعة ـ في تلك الأزمان ـ كانوا يريدون الحفاظ على الأمور الثابتة دون تأجيج الخلاف في المختلف فيه من المسائل التي لم تكن ضرورية وإلزامية ، كالشّهادة الصريحة بولاية الإمام عليّ في الأذان.
قال المقريزي : وإنّ جوهرا ـ القائد لِعساكر المعز لدين اللّه‌ ـ لمّا دخل مصر سنة 356 ه‍ وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة ، وأذّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها بـ « حيّ على خير العمل » ، وأعلن بتفضيل علي ابن أبي طالب على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة رضوان اللّه‌ عليهم (45).
وكذا جاء في حوادث سنة 358 ه‍ من وفيات الأعيان : أُقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق ، وسار جوهر إلى جامع ابن طولون ، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ « حيّ على خير العمل » وهو أوّل ما أذّن ، ثم أذّن بعده بالجامع العتيق ، وجهر في الصلاة ببسم اللّه‌ الرحمن الرحيم (46).
وقال ابن خلّكان بعد الخبر السابق : وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقب الخطبة : اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول ، الذين أذهب اللّه‌ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللّهم صل على الأئمة الطاهرين .. (47).
فالإعلان بتفضيل عليّ على غيره ، والجهر بالصلاة عليه ـ بعد ابن عمّه ـ وعلى فاطمة وعلى الحسن والحسين ، وكذا الجهر ببسم اللّه‌ الرحمن الرحيم ، وحيّ على خير العمل ، والصلاة على الخمسة أهل الكساء ، كلّها اُمور تصحيحية تبنّاها الفاطميون. والشيعة آنذاك كانوا يهتمون بتطبيق ما هو الاهم تاركين ما هو المهم.
ولا ينكر الشيخ المفيد ولا غيره من فقهائنا بأنّ الصلاة على محمّد وآله قد جاءت في التشهّد ، والتسليم ، وخطبة صلاة الجمعة ، وفي غيرها من عشرات الموارد التي سنذكرها لاحقا إن شاء اللّه‌ تعالى ، فكان اعتقاد فقهاء الإمامية هو أنّ عمل هؤلاء كافٍ للحفاظ على الشـرعية في مثل هذه الأمور.
وقد مرّ عليك سابقا بأنّ الشيعة ـ في سنة 347 هـ ـ زادوا في حلب « حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر » (48) ، وضربوا على دنانيرهم : « لا اله إلاّ اللّه‌ ، محمد رسول اللّه‌ ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فاطمة الزهراء ، الحسن ، الحسين ، جبرئيل » (49).
نعم إنّ أعمالاً كهذه في مصر والشام وغيرها كانت تثير حفيظة العباسيين في بغداد وغيرها من البقاع التي كانت تحت سلطنتهم ، فمن المنطقيّ جدّا أن يترك الشيخ المفيد ذِكْرَ الشهادة بالولاية لعليّ تخفيفا لحدّة النزاع الدائر آنذاك ؛ لما فيها من حساسية مذهبية ؛ ولأ نّها ليست جزءا واجبا في الأذان تلزمه الإتيان بها في كل الظروف.
قال الذهبي : إنّ الرافضة شمخت بأنفها في مصر ، والحجاز ، والشام ، والمغرب بالدولة العبيدية ، وبالعراق والجزيرة والعجم ببني بويه ... وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ « حي على خير العمل » (50).
وقال ابن كثير : ... استقرّت يد الفاطميّين على دمشق في سنة 360 هـ وأذّن فيها وفي نواحيها بـ « حي على خير العمل » أكثر من مائة سنة ، وكتب لعنة الشيخين على أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد .. (51).
ومر عليك أيضا ما حكاه أبو الفرج الاصفهاني المتوفى 356 عن أذان رجل من القطيعة في بغداد ، وفيه : أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‌ ، محمد وعلي خير البشر.
والآن استمع لما يحكيه ناصر خسرو المروزيّ الملّقب بالحجّة المتوفّى سنة 450 ه‍ عما شاهده في رحلته إلى اليمامة سنة 394 ه‍ ، وحديثه عن أحوال مدينتها ، قال : ...
وأُمراؤها علويّون منذ القديم ، ولم ينتزع أحد هذه الولاية منهم ... ومذهبهم الزيدية ، ويقولون في الإقامة : « محمد وعلي خير البشر » ، و « حي على خير العمل » (52).
ومما تقدّم نعتقد أنّ الشيخ المفيد لم يكن من القائلين بجزئية الشهادة الثالثة في الأذان ـ كالصدوق ; ـ وإن كان يرى جواز الإتيان بالشهادة بالولاية في مفتتح الصلاة ، وقنوت الوتر ، والتسليم للروايات الصحيحة الواردة فيها.
وقال الشيخ محمد رضا النجفي ، جد الشيخ محمد طه نجف في العدة النجفية شرح اللمعة الدمشقية : الذي يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنّما هو التقية ، ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطرّد.
وحكي عن السيد الميرزا إبراهيم الاصطهباناتي أنّه قال : إنّها جزء واقعا لولا الظروف التي لم تسمح ببيان ذلك.
وقال السيّد علي مدد القائني : أنّ العارف بأساليب كلام المعصومين : لا يفوته الجزم بأنّ غرض الإمام الصادق الإشارة إلى جزئية الشهادة الثالثة في الأذان الذي يكرّره الإنسان في اليوم والليلة ، ولكن لمّا أوصد سلطان الضلال الأبواب على الأئمة ـ كما تشهد به جدران الحبوس وقعر السجون المظلمة ـ لم يجد الإمام بدّا من اختيار هذا النحو من البيان لعلمه بتاثير كلامه في نفوس الشيعة وقيامهم بما يأمرهم به في كلّ الأحوال ، وأهمُّها الأذانُ.
وقال المرحوم السيّد عبدالاعلى السبزواري في « مهذب الاحكام » 6 : 21 معلقا على كلام السيّد اليزدي في العروة بقوله : لعدم التعرض لها في النصوص الواردة في كيفية الأذان والإقامة ولكن الظاهر أنّه لوجود المانع لا لعدم المقتضي ويكفي في اصل الرجحان جملة من الأخبار ـ ثم ذكر مرسلة الاحتجاج وخبر سنان بن طريف وما جاء في أول الوضوء من الشهادة بالولاية لعلي ، وقال : إلى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع الواردة في الموارد المتفرقة التي يستفاد من مجموعها تلازم تشريع الشهادات الثلاث مع استظهار جمع ويتقوّى هذا الاحتمال حينما نعلم أنّ الشيخ المفيد يجيز الكلام في الأذان ؛ لقوله في المقنعة : وإن عرض للمؤذّن حاجة يحتاج إلى الاستعانة عليها بكلام ليس من الأذان فليتكلّم به ، ثمّ يصله من حيث انتهى إليه ما لم يمتـدّ به الزمان ، ولا يجوز أن يتكلّم في الإقامة مع الاختيار (53).
وقال قدس‌سره في المقنعة أيضا : وليفتتح الصلاة ... ويقول : وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ، ودين محمـد ، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وما أنا من المشـركين.
وقال أيضا : ويستحبّ أن يقنت في الوتر بهذا القنوت ـ وهو طو يل نقتطف منه بعض الجمل ـ : اللّهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك وآله الطاهرين ، أفضل ما صلّيت على أحد من خلقك ، اللّهم صلّ على أمير المؤمنين ووصيّ رسول رب العالمين ، اللّهم صلّ على الحسن والحسين سبطي الرحمة وإمامي الهدى ، وصلّ على الأئمة من ولد الحسين : علي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي ابن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والخلف الحجة : ، اللّهم اجعله الإمام المنتظر القائم الذي به ينتصر ، اللّهمّ انصره نصرا عزيزا و ...
من الاساطين كالشهيد والشيخ والعلاّمة رجحانه في الأذان ، وهذا المقدار يكفي بعد التسامح في ادلة السنن وهم يتسامحون في الحكم بالاستحباب في جملة من الموارد باقل قليل من ذلك كما لا يخفى ، قد صارت الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة من شعار الإمامية خلفا عن سلف من العلماء وطريق الاحتياط الاتيان بها رجاءً ـ ثم ذكر بحثا مشبعا عن معنى الخلافة وكيفية جعلها انظر صفحة 22 إلى 28 من كتابه.
وقال أيضا : فليقل في التشهّد والسلام الأخير : بسم اللّه‌ وباللّه‌ والحمد للّه‌ ... أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‌ وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ ، وأنّ محمدا نعم الرسول ، وأنّ الجنة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه‌ يبعث من في القبور ، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّدا وآل محمد ، وتحنّن على محمد وآل محمد ، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، السلام عليك أيُّها النبّي ورحمة اللّه‌ وبركاته. ويومئُ بوجهه إلى القبلة ويقول : السلام على الأئمّة الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه‌ الصالحين (54).
وعلى ضوء ما تقدّم قد يترجّح القول بمحبوبية الشهادة الثالثة في الأذان عند الشيخ المفيد قدس‌سره ، وذلك لوجودها في التشهّد والتسليم وافتتاح الصلاة ، وللعمومات الموجودة في الشريعة ، ولأنّ ذكر عليّ عبادة لا يخلّ بالأذان ، ولكون الشيعة لا يأتون بها على نحو الجزئية ، كلّ ذلك مع معرفتك بالظروف التي كانت تحيط به ;.
ويمكننا بلا ترديد أن نحتمل احتمالاً معقولاً بأنّ الشيخ المفيد يفتي بجواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ولذلك قرينتان ، بل دليلان.
الأُولى : إنّ الشهادة الثالثة كان يؤذَّن بها في عهده في الشام ، وبغداد ، ومصر ، واليمامة ، وهذا فعل مبتلىً به ينبغي على الفقيه تناوله في رسالته العملية ، لكن الشيخ المفيد سكت عنه ، وكُلُّنا يعلم بأنّ الرسائل العملية لا تسكت في الغالب عن حاجيات المؤمنين إلاّ أن تكون من أوضح الواضحات عند عموم المكلفين أو أنّها غير مبتلى بها أساسا ، أو لأن الظروف لا تسمح ببيانها ، وهذا معناه أنّ التأذين بالولاية كان جوازه الشرعيّ من أوضح الواضحات حيث لا يمكن القول بأنّها غير مبتلى بها. نعم يمكن القول بأن المفيد كان في غنى ان يشغل نفسه باُمور جائز تركها ، وعلى كلا التقديرين فإن عدم ذكره ، له مخرج معقول ، وملخص الكلام ان موقفه لا يعني موافقته للشيخ الصدوق ;
والقرينة الثانية للدلالة على الجواز هي قول السيّد المرتضى بجوازها بعد أن سُئل عنها ـ كما سيأتي ـ إذ لم نعرف موقف السيّد المرتضى في الشهادة بالولاية في الأذان وأنّه الجواز إلاّ بعد أنّ سُئل من قبل أهل الموصل ـ الّذين لم يكونوا يشكّون بجوازها وأنّ جوازها كانت عندهم من أوضح الواضحات ـ لذلك لم يسألوه عن مشروعيتها بل سالوه عن وجوبها ، والسيّد أرجعهم إلى الواضح عندهم وهو الجواز وأفتى به دون الوجوب ، ومعنى هذا الكلام ان أهل الموصل لو لم يسألوه لما وصلتنا فتواه ; بالجواز ، حال الشيخ المفيد مثل حال السيّد المرتضى ، فلو سُئِلَ لأجاب بالجواز خاصّة ، لأنّه معتقد أغلب الشيعة في ذاك العصر.

الشريف المرتضى 355 ه‍ ـ 436 هـ

قد اتّضح من عبارة الصدوق الآنفة ، وممّا حكيناه من سيرة المتشرّعة في تلك الفترة وما بعدها أنّ الشيعة في حمص ، وبغداد ، ومصر ، وحلب ، واليمامة ، والشام ، كانوا يؤذّنون بالشهادة الثالثة بعد الحيعلة الثالثة أو بعد الشهادة الثانية ، بصيغ متفاوتة دالة على الولاية ، وكان جامعها المشترك أنّ محمّدا وعليّا هما خير البشر ، لأنّ الخيريّة الملحوظة في خير العمل هي عنوان لإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين عليّ أمير المؤمنين ، والذي هو نفس رسول اللّه‌ ، وأخوه ، ووصيّه ، وخليفته من بعده ، وهو خير البشر وخير البريّة حسب تعبير الروايات المتظافرة عن المعصومين وخصوصا النبي صلی الله عليه وآله وسلم الموجودة في كتب الفريقين.
المصادر :
1- الامالي : 701 / ح 956.
2- الكافي 1 : 441 / ح 8 ، من باب مولد النبي صلی الله عليه وآله وسلم ووفاته.
3- بحار الانوار 25 : 349 / الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 1 : 41 / ح 82.
4- الحشر : 7.
5- اعتقادات الصدوق : 101 / باب الاعتقاد في نفي الغلّو والتفو يض.
6- من لا يحضره الفقيه 1 : 201 / ح 605 / باب فرض الصلاة.
7- المقنع : 93 ، من لا يحضره الفقيه 1 : 302 ـ 304 / ح 916. وانظر فقه الرضا المنسوب لوالد الصدوق : 105.
8- الفقيه 1 : 493 / ح 1415.
9- فقه الرضا ، المنسوب لوالد الصدوق : 108.
10- المقنع : 96 ، الفقيه 1 : 319 / ح 944.
11- الخصال : 45 ، 220 ، عيون أخبار الرضا 1 : 12 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 65.
12- الخصال : 208 ، عيون أخبار الرضا 1 : 155 ، اكمال الدين واتمام النعمة : 292.
13- الخصال : 28 ، 268 ، التوحيد: 353.
14- عيون أخبار الرضا 1 : 312 ح 3 ، معجم رجال الحديث 1 : 70.
15- معاني الاخبار : 205 / ح 1 ، الخصال : 311 / ح 87 ، التوحيد : 96 / ح 1 .
16- خاتمة المستدرك 5 : 466 ـ 488 / فصل في ذكر مشايخ الصدوق.
17- الفقيه 1 : 300 / ح 944 .
18- الفقيه 2 : 183 / ح 2085.
19- كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع : 209 .
20- الهداية : 39.
21- رجال ابن الغضائري : 61 / ت 52 و 53 ، خلاصة الأقوال : 347 / ت 4 ، نقد الرجال 2 : 284 / ت 2129 .
22- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : 348 / ت 939.
23- كتاب (آل بويه واوضاع زمان ايشان) باللغة الفارسية لعلي اصغر فقيهي : 458.
24- مبحث ( حي على خير العمل الشرعية الشعارية ) صفحة 149 ـ 160.
25- الهداية للصدوق : 42.
26- كتاب الغيبة للنعماني : 235 / الباب 11 / ح 22.
27- توفي وشيخنا الصدوق في اوائل شبابه ، لأ نّه ; ولد في سنة 306 ه‍ وتوفي 381 ه‍ على الارجح.
28- أخبار بني عبيد : 50.
29- المواعظ والاعتبار 2 : 340 ـ 341.
30- المواعظ والاعتبار 2 : 271 ـ 272.
31- زبدة الحلب في تاريخ حلب 1 : 159 ـ 160 تحقيق سامي الدهان ، ط المعهد الفرنسي.
32- من لا يحضره الفقيه 1 : 290.
33- بصائر الدرجات : 261 / ح 22.
34- تفسير الإمام العسكري : 50 ، الاحتجاج للطبرسي 2 : 233 ، بحار الأنوار 25 : 273 ـ 274 / ح 20 .
35- الامالي : 52 / ح 6 ، الخصال : 208 / ح 27 ، معاني الاخبار : 188 / ح 1 .
36- المقنعة : 100.
37- من لا يحضره الفقيه 1 : 290 / ح 897.
38- الإعلام : 22 ، تحقيق : الشيخ محمد الحسون.
39- البداية والنهاية 12 : 18 ، تاريخ بغداد 10 : 282 / ت 5553 ، النجوم الزاهرة 4 : 261.
40- الكامل في التاريخ 8 : 30.
41- الكامل في التاريخ 7 : 448.
42- المنتظم 7 : 237 أحداث سنة 398 ه‍.
43- المسائل العكبرية : 119 المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد / ج 6.
44- المواعظ والاعتبار = خطط المقريزي 2 : 271 ـ 272 ، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 : 2702.
45- المواعظ والاعتبار = خطط المقريزي 2 : 340.
46- وفيات الاعيان 1 : 375 ت 145 ، وانظر اخبار بني عبيد : 85.
47- وفيات الاعيان 1 : 379 ، تاريخ الخلفاء : 402.
48- خطط المقريزي 2 : 271 ـ 272.
49- أعيان الشيعة 8 : 269. وقد يكون في هذا إشارة إلى قصة أصحاب الكساء.
50- سير أعلام النبلاء 15 : 160 ، وانظر 17 : 507.
51- البداية والنهاية 11 : 267.
52- سفرنامه ناصر خسرو : 142.
53- المقنعة : 98 / الباب السابع «الأذان والإقامة».
54- المقنعة : 104 و130 و113/ الباب التاسع «كيفية الصلاة وصفتها».


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أعمــــال ماقبــل النـــوم
المُناظرة الثانية والسبعون /مناظرة أبي جعفر ...
تصوّر الموجود المطلق
الکلم الطیب والفحش والسب والقذف
ضرورة النبوّة
لُزُوم عِصمَةِ الاِمام
من هم آكلة لحم الخنزير وما هو مصيرهم في الكتاب ...
كرامة القرآن وكرامة الانسان
نظَراتٌ.. في التَقيّة 4
ما جاء في ذكر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ...

 
user comment