عقيدة بعضهم في النبي صلى الله عليه وآله
هذه هي عقيدتنا بالنبي الكريم، وأما عقيدة البعض فهي الهبوط به إلى أدنى من مستوى الاِنسان العادي، والاِستهانة به ونسبة الكذب واللهو والنسيان والهذيان إليه، وهذا والله لا ينطبق على نبيّنا، الذي: ( وما ينطق عن الهوى ) (24) ، والذي وجوده رحمة إلآهية ممتدة ظلالها على الخلائق إلى يوم الحشر.
قال أحد الحاضرين ـ وكان شخصاً هادئاً نسبياًـ بلهجة تنم عن الشكوى والتذمّر: نحن أيضاً نعتقد بمثل هذه الصفات للرسول صلى الله عليه وآله ، ولا نقول في وصفه بهذا الهراء أبداً، ولكن هل لك أن تخبرنا من أين جئت بهذا الكلام؟ فمن ذا الذي يصف الرسول صلى الله عليه وآله ـ والعياذ بالله ـ بالجهل؟
قلت: من المؤسف أن الوقت ضيّق، وليس أمامي سوى الاِشارة إلى بعض الموارد، إن النبي عندكم يأتيه النسيان أثناء الصلاة فيصلي ركعتين بدل الاَربع! (25) يث وينام في المسجد، وبعد إلاستيقاظ يصلّي بلا وضوء (26).
ويسب شخصاً من غير ذنب أو جريرة ارتكبها (27). ويُجنب في شهر رمضان ، ويقضي صلاة الفجر (28) ، وأن النسيان يستولي عليه إلى حد ينسى حتّى القرآن، وأنه سمع في أحد الاَيام رجلاً يقرأ القرآن في المسجد، فيقول: رحمه الله ذكرني بآيات كنت قد حذفتها من هذه السورة وتلك!!
(ورويتم أنه) يهذي من شدّة المرض إلى حد يقول فيه عمر بن الخطاب: إنه يهجر، فقد قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله :« ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يهجر » (29).
والاَكثر من هذا أنكم تصفون النبي بأنه شخص لا يمنعه الحياء من أن يقول لرجل سأله عمن يجامع ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ ـ : اِني لاَفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (30).
قسماً بالله نحن لا نرتضي لمثل الرسول صلى الله عليه وآله أن يكون إنساناً عادياً ، فما بالك بتلك المرتبة الرفيعة.
فجأة تعالت صيحات الاِحتجاج: ما هذا الكلام الذي تقوله؟ ومتى كانت لنا مثل هذه المعتقدات؟ إنّك بقولك هذا تسيء إلى الرسول صلى الله عليه وآله و...؟
قلت: إهدأوا، فإني لا أسيء إلى الرسول، بل إن عمر بن الخطاب خليفة المسلمين هو الذي وصفه بالهجر، أن صحيحي مسلم والبخاري هما اللذان يتحدثان عنه بمثل هذا الكلام، فأمامكم خياران إما التخلي عن صحاحكم وإما الاِعتراف بسوء موقفكم أزاء الرسول صلى الله عليه وآله.
أليس هذا البخاري هو الذي نقل عن عائشة أنها قالت: « إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان ، والنبي عليه السلام متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبي صلى الله عليه وآله عن وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فانها أيام عيد.... » (31).
أنتم تصفون الرسول ـ والعياذ بالله ـ بعدم الحياء، فقد ورد عن عائشة أنها قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي ، كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة » (32).
وكتبكم حافلة بمثل هذه الاِفتراءات على الرسول! فهل تريدون دعوة الناس إلى الاِسلام وإلى القرآن بمثل هذا الرسول؟ أي تفكير هذا؟ وما هذا السلوك الخاطىء حيال أكمل إنسان على الاَرض؟
دق جرس الدرس ـ وللاَسف ـ قبل أن أنهي كلامي، وقد رأيتهم بهتوا والكلمات قد جفّت على شفاههم فصاروا يتمنون من الله أن ينتهي كلامي بأي نحو ممكن وينفضّ اللقاء، ولكن بقي في نفسي شيء إلى اليوم وهو أنني لم استطع التنفيس أكثر عمّا في قلبي (33).
____________
(1) روي عن حمّاد بن عثمان انّه سأل الاِمام الصادق عليه السلام عن مصحف فاطمة عليها السلام ؟ فقال عليه السلام : إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزَّ وجلَّ ، فأرسل إليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي ، فأعلمته فجعل يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً ، ثمَّ قال : أما إنّه ليس من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون. بصائر الدرجات : ج 3 ص 177 ح 18 ب 14 ، وعنه بحار الاَنوار : ج 43 ص 80 ح 68.
وقد صرّح أهل البيت عليهم السلام بأنّه لا يوجد فيه شيء من القرآن الكريم ، وإنّما فيه ما يخصهم من الاَخبار وما يجري عليهم ، وعلم ما كان وما يكون. فلاحظ ما رواه أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار (المتوفى سنة 290 هـ ) في البصائر عن بعض الرواة ، وإليك بعضها على سبيل المثال :
ح 1 ـ الحسين بن أبي العلاء عن الاِمام الصادق عليه السلام يقول : عندي الجفر الاَبيض ـ إلى أن قال ـ : ومصحف فاطمة ما أزعم انّ فيه قرآناً...
ح 2 ـ عن محمد بن عبد الملك عن الاِمام الصادق عليه السلام... وعندنا مصحف فاطمة أما والله ما هو بالقرآن...
ح 3 ـ عن أبي بصير عن الاِمام الصادق عليه السلام... وانّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
راجع : بصائر الدرجات : ج 3 ص 170 الخ (باب في أنّ الاَئمّة أعطوا الجفر والجامعة ومصحف فاطمة).
(2) سوف يأتي الحديث عن هذه الفرية وانّها لا أساس لها من الصحة.
(3) سورة الشورى: الآية 11.
(4) سورة الاَنعام: الآية 103.
(5 و6) سورة الاَعراف: الآية 143.
(7) صحيح البخاري ج 9 : ص 159.
(8) وفي مسند أحمد بن حنبل : ج 2 ص 323 : عن عبدالله عن أبيه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله : انّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته ، وفي كتاب ابي : وطوله ستون ذراعاً فلا أدري حدثنا به أم لا.
(9) صحيح البخاري ج 9: ص158.
(10) صحيح البخاري ج 9: ص 152 و 164 ، وقد جاء في كتاب التوحيد لاَبي بكر بن خزيمة (المتوفى سنة 311 هـ ) ص 159 قال : تبين وتوضح أن لخالقنا ـ جلا وعلا ـ يدين كلتاهما يمينان ، لا يسار لخالقنا عزّ وجلّ إذ اليسار من صفة المخلوقين ، فجل ربّنا عن أن يكون له يسار.
أقول : تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً من إن يشابه المخلوقين وأيضاً ان اثبات له يمين فهو أيضاً قد شابه المخلوقين ومن صفتهم.
(11) صحيح البخاري 9: 175.
(12) صحيح البخاري ج9: ص164.
(13) صحيح البخاري ج9: ص159.
(14) سورة الشورى: الآية 51.
(15) صحيح البخاري : ج 1 ص 78 (ك الغسل ب من اغتسل عرياناً وحده).
(16) بحار الاَنوار : ج15 ص28 ح 48 و ج 54 ص 199 ح 145 ، الفوائد المجموعة للشوكاني: ص326 ح 18 ، تذكرة الموضوعات للهندي : ص 86 ، سلسلة الاَحاديث الضعيفة للاَلباني : ج1 ص 299 ح 282 ، وجاء في السيرة الحلبية : ج 1 ص 357 ما هذا نصّه : ذكر صاحب كتاب شفاء الصدور في مختصره عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال : يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي ، ولا رفعت هذه الخضراء ، ولا بسطت هذه الغبراء ، وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله : ولا خلقت سماء ولا أرضاً ولا طولاً ولا عرضاً. وبهذا يرد على من رد على القائل في مدحه صلى الله عليه وآله :
لولاه ما كان لا فْلْكٌ ولا فَلَكٌ * كلا ولا بان تحريم وتحليل
(17) سورة النجم: الآية 8، 9.
(18) سورة الاَنبياء: الآية 107.
(19) سورة القلم: الآية 4.
(20) سورة الاَحزاب: الآية 45، 46.
(21) بحار الاَنوار ج16: ص402 ح 1 ، كشف الخفاء للعجلوني : ج 2 ص 173 ح 2017 ، تنزيه الشريعة لابن عراف : ج 1 ص 341 ، تذكرة الموضوعات للفتني : ص 86 ، الاَسرار المرفوعة للقاري : 178 و 179 ، التذكرة في الاَحاديث المشتهرة للزركشي : 172 ح 16.
(22) سورة النجم: الآية 3، 4.
(23) بحار الاَنوار ج 15: ص4 ح4.
(24) سورة النجم: الآية 3.
(25) صحيح البخاري : ج 8 ص 2 (ك الاَدب ب ما يجوز من ذكر الناس).
(26) صحيح البخاري : ج1 ص 47 (ك الوضوء ب التخفيف في الوضوء).
(27) صحيح مسلم : ج 4 ص 207 ح 88 (ك البر والصلة والاَداب ب 25 ، والجدير بالذكر انّه أورد مسلم في نفس المصدر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله (ح 87) مفاده أنّ اللعن والسبّ ليسا من خلق النبي صلى الله عليه وآله وهو : عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ، ادع على المشركين ، قال : إني لم أبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة.
(28) صحيح البخاري : ج1 ص 154 (ك مواقيت الصلاة ب الاَذان بعد ذهاب الوقت).
(29) صحيح مسلم : ج 3 ص 1259 ح 21 و 22 (ك الوصية ب 5).
(30) صحيح مسلم : ج 1 ص 272 ح 89 (ك الطهارة ب 22).
(31) صحيح البخاري : ج2 ص 20 و 29 (ك العيدين) وج 4 ص 47 و 225 ، إتحاف السادة المتقين للزبيدي : ج 6 ص 490.
(32) صحيح مسلم : ج4: ص 1866 ح 36 (ك الصحابة ب من فضائل عثمان).
(33) مذكرات المدرسة للمُهري : ص 47 ـ 58.