أولاً: بيان عقيدتنا في التوحيد |
حينما نريد أن ندخل حلبة الصراع مع القوى المعارضة لفكرتنا لابد أن نعرف ما هو الموضوع الذي نريد أن نقدم له الدليل وندافع عنه؟ وما هي العقيدة التي نؤمن بها؟ وما هي أسس التوحيد وعقيدة التوحيد لدينا؟ ولكي نكون على وضوحٍ تام لابد أن نستند إلى خلفية فكرية صلبة نقف عليها وندافع عنها دفاع المعتنق المبدئي الذي يعانق عقيدته بقوة ويدافع عنها، وأيضاً يدفع عنها الشبهات والاتهامات ويضحي من أجلها إذن فنحن نعتقد عقلياً بضرورة معرفة أبعاد فكرة التوحيد ولو بمستوى مناسب لهذا البحث. والدافع العقلي هذا هو المحقق لمعرفتنا تلك فمن ناحية يجب أن نقدم الشكر للخالق والمالك والمدبر الذي مهّد لنا السبيل لحسن الاستفادة من الطبيعة أمطارها وهوائها ومن الحيوانات والنباتات بل من أجهزة الإنسان الداخلية فقد قال سبحانه: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). [سورة التين: الآية 4]. وأمرنا بالنظر والاعتبار للتوصل إلى معرفته حق المعرفة ومن ناحية أخرى ندرك أن العقل يأمرنا بدفع الضرر عن أنفسنا فكل إنسان عاقل يؤمن بضرورة دفع الضرر عن النفس ومن المؤكد ان الذي لا يؤمن بالله تعالى حق الإيمان يعرّض نفسه لأكثر من ضرر وخطورة وبالفعل إنه يلقي بنفسه إلى التهلكة حيث الاضطراب النفسي والقلق في الحياة الدنيا فقد قال الله الكريم: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). [سورة الرعد: الآية 28]. وقال أيضاً: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا). [سورة طه: الآية 124]. وأما في الآخرة فالهلاك والجحيم والخسران المؤكد حيث يقول عز وجل: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). [سورة آل عمران: الآية 85]. ومن ناحية ثالثة هنالك دعوة إلهية مفتوحة للإنسان للالتزام بهذه العقيدة القائمة على أسس التوحيد ليحصل على السعادة في الدنيا والآخرة بل إلحاح في دعوته للنجاة وإلاَّ سيُحرم الإنسان من نعيم الآخرة على الأقل بل سيشقى نفسياً في الدنيا - كما مر في الآيات الكريمة - وسنوضح هذه الفكرة في حديثنا عن عدالة الله، بأن عدم التصديق بالتوحيد سيعكس سلوكاً شاذاً بعيداً تماماً عن السلوك السوي الذي يعكسه هذا المعتقد المقدس فمقابل تحقيق بعض لذائذ الدنيا غير الشرعية سيُحرم من لذات الآخرة الأبدية كما يقول سبحانه وتعالى: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم..). [سورة محمد: الآية 36]. والآن ما هي عقيدتنا في التوحيد: عقيدتنا هي: إن الله سبحانه هو الخالق المبدع المهيمن المكون المبدئ للكون والإنسان والوجود وهو الواحد الذي ليس كمثله شيء، قديم أزلي عليم حكيم عادل قدير حي غني باقٍ لا يزول، لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، بصير سميع، وغاية فكرة التوحيد انه واحد لا شريك له ولا معين له، لم يلد ولم يولد فهو الذي أوجدنا بحكمته وإبداعه لا شبيه له ولا نظير، فهو الموجِد والمميت والمحيي وهو ليس مثلنا لا بالصفات ولا بالقدرات فهو القدير والعليم لا كما نصف أحدنا بأنه قدير في أمر ما كالخطابة أو التعامل التجاري أو عارف بالنحو أو الطب فالله ليس كمثلنا ومن هنا تبدأ أزمة الإنسان في الاعتراف بوجود الله تعالى حيث أنه لا يستطيع أن يخرج من إطار شخصه فكل التصورات يتصورها شبيهة به، ونسخاً طبق أصله وكما قال الإمام الباقر (عليه السلام): (هل سمي عالماً قادراً إلا لأنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين وكلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت ولعل النمل الصغار تتوهم إن لله زبانيتين أي قرنين فإنهما كما لها وتتصور إن عدمها نقصاً له لمن لا يكونان له ولعل حال كثير من العقلاء كذلك فيما يصفون الله تعالى به سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون..)(1). فيفترض الإنسان خالقه ومبدعه كشخصه فله عينان ورجلان وأجهزة داخلية وبمعنى آخر إنه يعكس مكوناته وصفاته على ما يتصور في ذهنه مثله مثل ذلك الشخص الأعمى العاجز الذي قيل له يجب أن تأكل من هذه الفواكة وقدمت له فاكهة التفاح قال: من أولدها؟ قيل له: شجرة اسمها شجرة التفاح قال: إنه إنتاج لذيذ ولكن لي أسئلة عنها قيل له: ما هي؟ قال: أين تنام هذه الشجرة؟ وكيف تسير أهي عاجزة عن السير مثلي؟ وما هو أكلها؟ وهل يمكن أن نضيّفها في بيتنا فترةً من الزمن؟ أو نهدي لها ملابس صوفية أيام البرد؟ كي تقي نفسها وهل يمكن أن نتعرف على زوجها وأقربائها؟ وهل لها أب أو أمير يحكمها؟ وهكذا.. ومن حقنا أن نتساءل - هنا -: لماذا يسأل هذا الإنسان الأعمى والعاجز كل هذه الأسئلة التي تبدو لنا في غير محلها؟ والجواب: لأنه لا يستطيع أن يتصور نظاماً غير النظام الذي يعيشه هو وأقرانه، ولا يمكن أن يتصور وجوداً مختلفاً عنه. إذن إن الذي أوجدنا ليس مثلنا بالمكونات والصفات وصحيح قد تكون اللغة قاصرة لا تستطيع أن تجسد لنا ما نعتقد به ولكن علينا أن نميز بين قولين، فحينما نقول زيد عالم وخالقنا عالم، صحيح أن اللفظين بالشكل والصورة مشتركان في أمر واحد وهو العلم وبصيغة لفظية واحدة ولكنهما يختلفان بالمضمون قطعاً، وصحيح قولنا هذا سميع وهذا بصير ولكن ليس بنفس المفهوم الذي نطلقه على ذات الخالق سبحانه وتعالى. فهو المنزه عن التشبيه وعن النقص ولذا يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (بل كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم) كما مر معنا آنفاً. وأما الآيات الكريمة التي تجسد الله تعالى فهي من باب تقريب المعنى لذهن الإنسان ولا يمكنُ أن نؤمن بها بظواهرها مطلقاً فمثلاً قوله تعالى: (وجوه يومئذٍ ناضرة، إلى ربها ناظرة). [سورة القيامة: الآية 22 - 23]. فهل يمكن أن يذهب البعض إلى أن المسلم يوم القيامة بإمكانه أن يرى الله سبحانه بعينه؟ فهذا أمر مستحيل إذ لو كان كذلك فيكون الله جسماً مركباً محتاجاً وحادثاً وغير أزلي وهذا ليس ربّنا والحقيقة أننا ننظر وننتظر رحمته وعطفه وثوابه يوم القيامة وهذا أمر مستساغ في اللغة العربية فهو لا يقصد النظر الحسي بالتأكيد، وكذلك في الآية الكريمة (يد الله فوق أيديهم) فلا يجوز التجسيم لذاته المقدسة وإنما المسألة معنوية تدل على أن قوة الله وقدرته فوق قوتهم وقدرتهم وهكذا بقية الآيات الكريمة الظاهرة في ذلك. قال سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام): (من وصف الله فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله) يعني من وصف الله تعالى بصفة مغايرة لذاته فقد جعله مقارناً لغيره بالصفة ومن جعله مقارناً لغيره بصفته فقد ثناه إذ الموصوف وهو الله شيء والوصف شيء آخر ومن ثناه فقد جزأه أي جعله مركباً من ذات وصفه ومن قال بأنه ذا جزء لم يعرفه لأن الله واحد أحد. وقال (عليه السلام) أيضاً: (أول الدين معرفته وكمال معرفته توحيده وكمال توحيده نفي الصفات عنه) وروى الصدوق في (التوحيد) عن عروة قال: قلت للرضا (عليه السلام): خلق الله الأشياء بقدرة أم بغير قدرة، فقال: لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه أنه جعلها باقتدار عليها وقدرة ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره. وبإسناده عن الباقر (عليه السلام) إنه قال: (سميع بصير يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع...)(2). هذا هو ربنا وهذه هي عقيدتنا به.
|
1 - حق اليقين، للسيد شبر: ج 1 ص 47. 2 - حق اليقين: ج 1 ص 36. |