4 - الله هو الخالق وحديث الأدلة:
بعد أن عرفنا شيئاً من نظرية أزلية المادة والصدفة وحديث الاحتمالات توصلنا إلى أن الإنسان المؤمن لابد أن يمتلك القناعة بمبدإه كي يتمسك به كلياً وإلاَّ تبقى المسألة عقدة مترسخة في باطن الإنسان هذه العقدة تنفجر سلباً في حالات العسرة والضيق لأنها تفتقد الأرضية المطلوبة لغرض توفير القناعة التامة ولذلك لابد أن نبحث بحريّةٍ واطمئنان هذه القضية المهمة لنوفر لأنفسنا الحل السليم لهذه العقدة ومن هنا يعرِّفُ بعض الأساتذة العقيدة بالعقدة الكامنة في شعور الإنسان متى ما توصل إليها مطمئناً صادقاً انجلت عقدته ومثله مثل الإنسان إذا ضيع شيئاً عزيزاً عليه فيبحث عنه بحثاً دقيقاً فمتى ما وجده تنتهي عقدته ويستريح ضميره ووجدانه فانحلال العقدة بوجود الهدف الذي كان ضائعاً، حينها تتحول العقدة إلى عقيدة يؤمن بها الإنسان فقد قال سبحانه:
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). [سورة الرعد: الآية 28].
فحالة التمسك بالعقيدة والمبدأ منشأُها القناعة بهذه الأفكار والمعتقدات ونحن يمكننا أن نستدل على وجود الخالق المدبر المهيمن عن طريق وجودنا مرةً وعن دليل خارج عن وجودنا مرةً أخرى حيث نرى عظمة الإبداع والتدبر وسنن هذا الكون الفسيح.
وبداهة أن الأثر يدل على المؤثر والمصنوع يدل على الصانع والدقة في الأثر والنظام في المصنوع يدلان على قدرة الخالق وعظمته كما أنك حينما تشاهد بناءً متواضعاً من طابق أرضي واحد ليس فيه إلاَّ باب واحد وغرفتان ولواحق بسيطة للبيت تقول لابد من بانٍ ومصمم لهذا البناء المتواضع وكذلك حينما تشاهد ناطحات السحاب ذات المصاعد الكهربائية فترى الدقة في التشييد والتنسيق ما بين الطوابق والسلالم الكهربائية فلابد أن تقول أن هنالك عقولاً هندسية واعية أنتجت هذا العمران الضخم وعليه لا نمنح صفة العقل الهندسي المتطور للبيت المتواضع الأول كما نمنحه لمصممي ناطحات السحب وهكذا فمن خلال عظمة الخلقة والإبداع التي نراها في داخلنا ودقة الأنظمة الكونية خارجنا نتوصل إلى معرفة الذات الإلهية المقدسة والمدبرة لهذا الوجود والمتصفة بكل صفات الكمال والجمال والجلال.
وقبل أن نتطرق لحديث الأدلة نلفت انتباه القارئ الكريم إلى مسألة مهمة وهي هل إن الله سبحانه علة العلل في إيجاد الأشياء والوجودات؟ أم أنه ليس كذلك. والعلة إما أن تكون علة تامة أو علة ناقصة فإذا قلنا بأن الله سبحانه هو العلة الناقصة فالمفروض وجود غير الله لإيجاد بقية العلل ولإيجاد الكون وأما إذا قلنا علة تامة لازم هذا أن تكون الموجودات قديمة بقدم الله لأن المعلول لا يفارق علته أبداً، والحال نحن أثبتنا عملياً ووجدانياً وعلمياً بأننا لم نكن موجودين سابقاً فؤُجِدْنا في الكون فيما بعد وهكذا الوجودات المستقبلية حالياً هي عدم ولكنها ستوجد في المستقبل بمعنى نحن لسنا قدماء كما يريد ذلك الفرض على ما يذهب إليه بعض الفلاسفة.
فلو كان معنى أن الله علة تامة يقودنا - كما يذهب البعض - إلى قدم الوجودات بقدم الله على مستوى وجود الشركاء له سبحانه فنحن نرفض هذا المعنى ونرفض الانقياد مع هذا البعض وراء النتيجة الساذجة. وكذلك أن الله سبحانه ليس علة ناقصة للزوم اشتراك غير الله مع الله لتتكون العلة التامة المسببة للوجود والخلق والإبداع.
من كل ذلك نستنتج أن الله سبحانه ليس علة تامة - كما تذهب النتيجة السابقة التي تُوصِلنا إلى قدم الموجودات وإلى أن علية الله تعني سلب القدرة عنه فكلما تحققت العلة التامة يتحقق المعلول دون اختيار العلة التامة ودون السيطرة على هذا الإنتاج وبالتالي سلب القدرة منه (سبحانه). بل العكس فإنّ الله تعالى هو مختار يفعل ما يريد فقد قال عز وجل:
(إنَّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). [سورة يس: الآية 82].
فكان الله ولم يكن معه شيء ثم خلق الأشياء ثم يميت الخلائق وهو على كل شيء قدير بعيداً عن كونه (عز وجل) علة تامة أو ناقصة على النتائج التي نخرج بها.
والآن نحاول أن نسلط الضوء على الأدلة:
أولاً: حديث وجودنا:
يقول القرآن المجيد: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفةَ علقةً فخلقنا العلقةَ مضغةً فخلقنا المضغةَ عظاماً فكسونا العظامَ لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين). [سورة المؤمنون: الآيات 12 - 14].
ويقول سبحانه في آيةٍ أخرى: (هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم). [سورة آل عمران: الآية 6].
ويقول أيضاً: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون). [سورة الملك: الآية 23].
الإنسان بأجهزته ومظهره وخلاياه وغدده يعد أكبر معمل منظَّم ومنتج في العالم حيث يؤدي واجباته على أحسن ما يرام وفيه أسرار ترى العلم راكعاً أمامها.
يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). [سورة التين: الآية 4].
فإضافة إلى أنه جهاز معقد في غاية التعقيد فإن أجهزته تتداخل وظيفياً فيما بينها فجهاز يخدم جهازاً آخراً بشكلٍ منسق ودقيق ومن المؤكد أن الأجهزة تقع تحت تأثيرات الحالة النفسية وبالعكس فالشعور واللاشعور النفسي يتبادلان مع أجهزة الإنسان وإفرازات غدده في كافة الأجهزة المختلفة ضمن تنظيم دقيق فكل عضو له وظيفته المعينه يؤديها لصالح الإنسان العام في النمو والبناء ولنستمع إلى أقوال بعض العلماء في هذا الصدد يقول (مورسون) العالم الطبيعي (خذوا جسم الإنسان فإنكم ستجدون فيه من الخلايا بعدد عشرة ملايين مليار خلية وهذا هو العدد المتوسط للخلايا في جسم شاب في مقتبل العمر)(5).
أما في كتاب (الطب محراب الإيمان) يذكر أن هناك ثلاثة عشر ألف مليون خلية عصبية أي 13 مليارد خلية عصبية في الجهاز العصبي وحده والخلية بحد ذاتها بناء محيّر مدهش وهذه كلها تعمل بشكل دقيق محكم متناسق متعاون لتأدية الأغراض الحيوية والفكرية وأن هناك 750 مليون سنخ رئوي يعمل لتصفية الدم وذلك بإمرار غاز الأوكسجين من الخارج إلى الدم الأسود الوارد من البطين الأيمن من القلب وهناك الكِلْية وهي الجهاز المنقّي للدم من الجهة الثانية وفيها واحات صغيرة جداً لا ترى إلاَّ بالمجهر حيث يتفرع الشريان الذي يغذّي الكلية إلى فروع دقيقة جداً حتى يصل إلى تفريع شعري لا يرى إلاّ بالمجهر يلتف حول نفسه ليشكل ما يعرف بالكبد وفيها يمر الدم ببطءٍ شديد ويتصفى بالرشح في الكلية قرابة 200 لتراً من الدم يومياً ويعود ليمتص مرة أخرى بواسطة الأنابيب الكلوية التي يمر منها قرابة 198 ليتراً وهذه الكبب يصل عددها إلى المليون في الكلية الواحدة تقوم بتصفية مئات الألتار من الدم يومياً وإن الروعة تكمن في الغدد وفي البناء وفي كيفية العمل وفي الروعة الهائلة لتخليص الإنسان من السموم التي تدخل جسمه)(6).
أما عن القلب فقد جاء في كتاب (الإعجاز الطبي في القرآن): القلب هو دعامة الجسم وقوام الحياة وعضلاته متصلة بعضها ببعض في مدمج خلوي لا تفصل بين خلاياه جدر خلوية كما هو معروف بين خلايا الحيوان والنبات ولعل هذا التكوين الخلقي للعضلة القلبية قد جعلها مؤهلة تماماً للعمل كوحدةٍ واحدةٍ يتواتر إيقاعها بقوة وانسجام لا إرادياً ولا دخل فيه، وهذه الحركة القلبية شديدة الإعجاز بطبيعتها. والعضلة القلبية شديدة النشاط موفورة القوة دائمة العمل دائبة الحركة لا تكلّ ولا تملّ لا تسأم ولا تهرم لا يتأثر انقباضها تأثراً بيّناً بائناً بالتخدير الكلي أو النصفي كما إنها لا تصاب بالسرطان والقلب يضخ في اليوم الواحد ما يقرب من ثمانية آلاف لتر من الدم يدفعها إلى مسافة تقدر بنحو عشرة آلاف ميل وتصل ضربات القلب السليم في اليوم الواحد إلى 115200 ضربة أو خفقة وتصل في الشهر الواحد إلى 3.456.000 من ثلاثة إلى أربعة ملايين ضربة أو خفقة.
أما عن حركة القلب فأثناء انقباض الأذين الأيمن ينبسط البُطين الأيمن وينغلق الصمام الرئوي وينفتح الصمام الثلاثي ليمر الدم من خلاله إلى البُطين الأيمن وعند انقباض البطين الأيمن ينغلق الصمام الثلاثي وينفتح الصمام الرئوي الذي يندفع الدم من خلاله للشريان الرئوي ومنه إلى الرئتين(7).
وأثناء انقباض البطين الأيسر ينغلق الصمام الرئوي وينغلق الصمام الميترالي وينفتح الصمام الأورطي حيث يندفع الدم خلاله بقوة انقباض البطين الأيسر إلى الشريان الأورطي ثم إلى جميع أجزاء الجسم.
أليس هذا بإعجاز طبي هندسي رائع بديع؟
وأما لو كشفنا عن بعض الأسرار التي كانت غامضة فيما مضى والعلم الحديث كشف عن أهميتها جديداً مثلاً غدة (تيموس) وهي غدة صغيرة في القفص الصدري وتقع فوق البلعوم وقد كانت غير معلومة الأهمية واعتبرها البعض عضواً لا فائدة فيه ولكن قد عُلم اليوم بأن للغدة دور كبير في توفير الحماية والمقاومة والدفاع لبدن ضد العناصر الأجنبية المهاجمة ويعتقد البعض ان لها تأثيراً على الفعاليات الجنسية ونمو البدن بعد البلوغ وباستئصالها تبدو الأعضاء الجنسية بحالة الخمول ويتأخر حصول البلوغ.
أما غدة (أبي فير) فهي أعقد من تيموس وتقع داخل الدماغ وكان البعض من العلماء لا يتصور لها فائدة ولكن اليوم تبين لها التأثير على النشاطات الجنسية والبلوغ وأما اللوزتان حيث كان الأطباء يرون لا فائدة لهما ويأمرون باستئصالها كثيراً، تبين اليوم أنهما تعملان على تزويد الجسم بالكريات البيضاء ومهمتها الدفاع عن الجسم والوقوف بوجه الميكروبات فهي تشكل مراكز حِجر صحي أو حصناً منيعاً يقف في مداخل الطرق التنفسية إذ تنقي الهواء من الميكروبات. وحتى الزائدة الدودية فقد توصل البعض إلى أن الزائدة الدودية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في الدفاع ضد السرطان ويمكن أن يؤدي استئصالها عند غير الضرورة إلى ظهور السرطان ونقلاً عن مجلة (جاما) استئصال الزائدة الدودية في الأشخاص المؤهلين للابتلاء بالسرطان له تأثيرا ملحوظ في ذلك ويمكن أن يكون باعثاً على حدوثه في الجسم(8).
ولو جئنا إلى جهاز السمع عند الإنسان لوقفنا على إنجاز هائل وجبار حتى إنه وضعت نظريات تشرح لنا كيف تستقبل الأذن الصوت وكيف تحلله من خلال جهاز السمع واعضائه فنستطيع أن ندرك جهة الصوت ونميز الأصوات بعضها عن بعض وندرك البعد المكاني لهذا الصوت.
والمتتبع لهذه الحاسة يدرك عظمتها من خلال الدراسة الدقيقة لأجزائها فهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الأذن الخارجية وهي مؤلفة من صيوان الأذن (الجزء الغضروفي الخارجي) ووظيفته جمع الاهتزازات الصوتية ونقلها بأمانة إلى داخل الجهاز والجزء الثاني هو القناة الموصلة بين الصيوان والطبلة.
أما الأذن الوسطى فتنفصل عن الخارجية بغشاء رقيق (طبلة الأذن) وتتألف هذه الأذن من عظام السمع (المطرقة والسندان والركاب) وغشاء الطبلة هذا مادته من أفضل الأجسام إيصالاً للصوت فيمتاز بالرقة وهذه الميزة مفيدة للنقل لكنه معرض للتمزيق من زيادة الضغط الخارجي فاتقاءً من هذه الخطورة صار من ورائها انبوب يوصل بين الأذن الوسطى والجزء العلوي من الحلقوم ويسمى (قناة أو بوق أوستاكيوس) وهذه القناة تنظّم الضغط على الطبلة ومن خلالها يتم تفريغ الافرازات فلولاها لتراكمت الافرازات وأفسدت الأذن.
والعظيمات هذه (المطرقة والسندان والركاب) متصلة بعضها ببعض بشكلٍ هندسي متنظم تستلم الذبذبات الصوتية من الطبلة بشكلٍ فنيٍ وتسلّمها للعظم التالي ومن ثمّ يطرق نافذة القوقعة (الأذن الداخلية) مكبرة للصوت بما يعادل قوة الذبذبة الأصلية اثنين وعشرين مرة.
فلو تعطلت العظيمات عن العمل لسببٍ ما فهنالك البديل المؤقت لاستلام الصوت وهو (الكوة المستديرة) الواقعة بين الأذن الوسطى والداخلية ولم تتصل بالعظيمات تلك فهي أداة احتياطية يستفاد منها وقت الحاجة بشكلٍ أوتوماتيكي.
ثم يلاحظ أن العظام مصنوعة من أجسام صلبة جيدة لتوصيل الصوت، وأنها منفصلة عن عظام الرأس لتحتفظ بالاهتزازات من التسرب.
أما الأذن الداخلية فهي مؤلفة من عدة دهاليز وأقنية وسلالم وتسمى (التيه) وأوله دهليز بيضوي الشكل متصل بغشاء (الكوة البيضاء) وفي الدهليز أنبوب حلزوني يحتوي على محور مركزي على شكل عمودي وتلفه قناة محيطة بالمحور مرتين ونصف وفي القناة (هذه) صفيحة رقيقة بعضها عظمي وبعضها غشائي وهي تشطر القناة المحيطة بالمحور إلى شطرين وفي داخل القناة جهازان:
أحدهما: يتصل بغشاء الكوة البيضوية ليستلم الاهتزازات عن طريق العظام ويسمى بـ (السلم الدهليزي).
والثاني: يتصل بغشاء الكوة المستديرة ليستلم الاهتزازات عن غير طريق العظام ويسمى (بالسلم الطبلي) وهناك يقع عضو (كورتي) وهو التركيب المتخصص بالتحسس وذلك في غور القوقعة (القناة المحيطة) وعلى القسم الأعلى من عضو كورتي توجد أربعة صفوف من الخلايا الشعرية وهذه الصفوف تحتوي على تركيب جلاتيني يسمى بالغشاء الغطائي وتنقسم هذه الصفوف بتراكيب تشبه العصي إلى صف داخلي وثلاثة صفوف خارجية وتحت الخلايا الشعرية تتفرع نهايات الألياف العصبية السمعية التي يقدر عددها بثلاثين ألف نهاية ويقول ذوو الاختصاص (ولا يعلم على جهة اليقين كيف يتأتى لعضو (كورتي) أن يحوّل الذبذبات إلى دفعات عصبية)(9).
ولا يسعني هاهنا إلاَّ أن أردد وأطيل النظر في كلمات مولانا أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في هذا الصدد فيقول: (.. وما الذي نرى من خلقك ونعجب له من قدرتك نصفه من عظيم سلطانك وما تغيّب عنا منه وقصرت أبصارنا عنه وانتهت عقولنا دونه وحالت ستور الغيب بيننا وبينه أعظم..)(10) اكتفي بهذا القدر من النماذج في الاستدلال من وجودنا وداخلنا وأما في استدلالنا من خارج أنفسنا فيمكن القول فيه:
إن ما نراه من دقة ونظام وعظمة لهذا الكون المليء بالأسرار والأعاجيب يكفي أن يوصلنا إلى وجود المدبر المبدع الخالق وعظمته. ففي الأفلاك والبحار والحيوانات والنباتات بل في كل شيء يخطر ببالنا تتجسد عظمة الخالق فيه ودقة نظامه وتدبيره مما يبهر الإنسان على مستوى المعرفة والعلم والبداهة بحيث لا يستطيع أحد أن يجيب حينما يسئل عن المبدع والمدبر والخالق إلا أن يقول الله تبارك وتعالى وفي هذا المجال يقول القرآن المجيد:
(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنّى يؤفكون). [سورة العنكبوت: الآية 61].
وفعلاً لو فكر الإنسان فيما يجري حوله من قوانين ونظم تيقّن بوجود الخالق والمدير والمدبر:
(أفلاك ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت. فذكر إنما أنت مذكر). [سورة الغاشية: الآيات 17 - 21].
يقول سيدنا الإمام علي (عليه السلام): (... ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وفلق له السمع والبصر وسوَّى له العظم والبشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبت على أرضها وصبت على رزقها تنقل الحبة إلى حجرها وتعدها في مستقرها تجمع من حرّها لبردها وفي ورودها لصدرها مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها لا يغفلها المنان ولا يحرمها الديّان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس ولو فكرت في مجاري أكلها في علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجباً ولقيت من وصفها تعباً. فتعالى الذي أقامها على قوائمها وبناها على دعائمها لم يشاركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الأدلة إلاَّ على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شيء وغامض اختلاف كل حي وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلاَّ سواء وكذلك السماء والهواء والرياح والماء فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات... فالويل لمن جحد المقدر وانكر المدبر... وهل يكون بناء من غير بانٍ أو جناية من غير جان)(11).
أما الذي نراه في الكتب الحديثة حول عظمة الخالق وتدبيره فهو كثير فلنقف على بعضه فقد جاء في كتاب (الله والعلم الحديث): (هذا الأوكسجين الذي إذا زاد زيادة طفيفة لسبّب فــناء العـــالم بمـــا يسبـــّبه من اخــــتلال في كثافــــة الهواء... فتتهاوى الكواكب والأجرام)(12).
علماً بأن نسبة الأوكسجين في الهواء 21 % فلو صارت النسبة 30% مثلاً لاختلّ النظام في الحياة وتبدّلت موازين الاحتراق لأن الأوكسجين يساعد على الاشتعال ففي هذه النسبة المفترضة يساعد على الاشتعال بشكلٍ غير طبيعي مما يسبب الحرائق الفادحة في كل مكان وان الكون بنجومه المختلفة الأحجام التي لا حصر لها والتي تندفع في جميع الاتجاهات كأنها شظايا قنبلة متفجرة في صورة لا يكاد المرء أن يتخيلها حتى يدركه البهر)(13).
ويقول أنشتاين - العالم المعروف - (وكما أن الساعة اليدوية لابد لها من صانع صنعها أو مخترع اخترعها كذلك الطبيعة لابد لها من مبدعٍ قدير ابتدعها بقدرته وأنشأها بحكمته وهو الخالق العظيم).
ونرى الكون الرحب بما في فضائه الفسيح من كواكب وأفلاك تسير ضمن خطة دقيقة كلٌ قد عرف طريقه ومسلكه وقانونه وبعبارة أخرى كتلٌ من الأنظمة والدساتير والموازنات في الحركة والتأثير والجاذبية المتوازنة بصناعة دقيقة جداً في المسيرة والتحرك.
يقول عزّ من قائل في محكم كتابه العزيز: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون). [سورة يس: الآية 40].
وفي آية أخرى: (والسماء رفعها ووضع الميزان). [سورة الرحمن: الآية 7].
فمثلاً يذكر علماء الطبيعة والفلك إن قطر الشمس 864.000 ميل وهذه الشمس شرارة في مجرة درب التبانة (مجموعتنا الشمسية تعتبر جزءاً منها) وتتخلل نجوم هذه المجرة وكواكبها كميات كبيرة جداً من الغاز معظمه هيدروجين وغبار وربما كانت كتلة الغاز والغبار المنتشرة في المجرة تعادل كتل النجوم كلها(14).
ومجرتنا يحددون قطرها نحو 100.000 سنة ضوئية(15).
وفي بعض التقارير العلمية أكثر من ذلك وهذه مجرتنا ليست وحدها في الفضاء ويؤكد قسم من التقارير العلمية انه قد تم كشف على الأقل عشرة بلايين مجرة أخرى وهذا يعتمد على قوة الجهاز الكاشف ولدى بعض التقارير إن عدد المجرات مئة ألف مليون مجرة(16).
يقول الله سبحانه: (والسماء بنيناها بأييدٍ وإنّا لموسعون). [سورة الذاريات: الآية 47].
وفي دائرة المعارف قولٌ للعالِم نيوتن هو (كيف تكونت أجسام الحيوانات بهذه الصياغة البديعة ولأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة هل يعقل أن تصنع العين الباصرة بدون علم بأصول الإبصار ونواميسه والأذن بدون إلمام بقوانين الصوت... وهذه الكائنات كلها في قيامها على أبدع الأشكال وأكملها ألا تدل على وجود إله منزّه عن الجسمانية حي حكيم)(17).
وبهذا نكون قد وضحنا الأدلة من داخل الإنسان في بيان جزءٍ من أجهزته وأوضحنا أيضاً بعض الأدلة من خارج الإنسان وحديث الأدلة حديث شيق أدعو المؤمنين لمطالعته في مختلف الكتب المعنية.