عربي
Saturday 2nd of November 2024
0
نفر 0

اسباب نشؤ البدع ( البـدايـات )

الفصل الثالث

1 ـ السذاجة والجهل والتسامح في امر الدين .
2 ـ النظرة البترا للدين .
3 ـ السؤال عن المعضلات والخوض في المخطورات .
4 ـ اتباع الاهوا.

اسباب نشؤ البدع

( البـدايـات ).
هناك عوامل عديدة ادت الى ظهور ( البدع ) في حياة المسلمين , وقد بدات ظاهرة الابتداع بالنشؤ والترعرع , ومن ثم الاتساع في اوائل عهد الرسالة الاسلامية ,ومنذ بدايات التشريع , واخذت ( البدع ) تتزايد وتتنوع كلما ابتعد الانسان عن هذاالعصر , وكلما جنحت حياته نحو السعة والتعقيد .
وكـان للتحديات التي واجهها الاسلام على مر العصور , والسياسيات اللادينية الحاكمة , وما مر به الـمسلمون من ظروف تاريخية معقدة .. الدور الكبير في نشؤ ( البدع )وازدياد حدتها , وتناميها , في جسد الكيان الاسلامي الكبير.
والذي يلاحظه المتامل في فصول التاريخ الاسلامي الاولى ان ظاهرة الابتداع حينما ولدت في حياة الـمـسـلـمين ولدت وهي بسيطة وساذجة , تحمل الطابع البدائي ,والاسلوب العفوي , والاندفاع الـسـطحي , ولا سيما تلك التي نشات في حياة الرسول الاكرم (ص ) , ولكن هذه الظواهر وبعد ان ارتحل رسول اللّه (ص ) الى المليك الاعلى بدات تتخذ طابعا كيفيا مؤثرا , واسلوبا تخريبيا خطيرا , وخـصـوصـا تـلـك ( البدع ) و ( المحدثات ) التي يقف وراها قصد التشويه والتحريف , وقلب الحقائق والموازين الشرعية الثابتة ,والتي تنشا عن اتباع الاهوا , والانقياد مع الباطل , والصد عن صراط اللّه المستقيم ,والهدي النبوي القويم .
وقـد وردت الاشارة في القرآن الكريم الى ان الامة الاسلامية ستمر بهذا المخاض ,وتوضع على مـحك الفتنة , وموازين الاختبار , بعد وفاة الرسول الاكرم (ص ) , حيث يقول اللّه عزوجل : ( وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افئن مات او قتل انقلبتم على اع قابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر اللّه شيئا وسيجزي اللّه الشاكرين ) ((179)) .
ولـم يـكن النبي الاكرم (ص ) ليترك التعبير عما كان يقراه في صفحات الغيب , ومايراه على جبين الـمستقبل القريب , مما سيؤول اليه امر الامة الاسلامية من التشتت والتفرق والتمزيق , بعد رحيله الـى الرفيق الاعلى , فقد كان (ص ) يحذر المسلمين بين الحين والاخر من مغبة الوقوع في متاهات الـبـدع والاهوا , والانحراف عن الطريق الحق ,والصراط المستقيم , الى حيث السبل المتشتتة , والمسالك الضالة .
روي عن ابن مسعود انه قال :
(( خـط رسول اللّه (ص ) خطا بيده ثم قال : هذا سبيل اللّه مستقيما , ثم خط خطوطاعن يمين ذلك وعـن شـماله ثم قال : وهذه السبل , ليس من سبيل الا عليه شيطان يدعواليه , ثم قرا : ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ((180)) ) ((181)) .
ويـبـين النبي الاكرم (ص ) لامته انهم سيمرون من بعده بفتن مظلمة , ومخاضات عسيرة , تنجرف معها طبقات كثيرة من المسلمين , فهو يقول :

(( يوشك الامم ان تداعى عليكم كما تداعى الاكلة الى قصعتها , فقال قائل : من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بـل انـتـم يومئذ كثير , ولكنكم غثا كغثا السيل , ولينزعن اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم , ولـيـقـذفـن فـي قلوبكم الوهن , قيل : وما الوهن يا رسول اللّه ؟قال : حب الدنيا وكراهية الموت )) ((182)) .
وقـال (ص ) : (( بـادروا بـالاعـمال فتنا كقطع الليل المظلم , يصبح الرجل مؤمناويمسي كافرا , ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا , يبيع دينه بعرض من الدنيا )) ((183)) .
وعن عبداللّه بن عمرو بن العاص عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( اذا فـتحت عليكم فارس والروم اي قوم انتم , قال عبد الرحمن بن عوف : نقول كما امرنا اللّه , قـال رسول اللّه (ص ) : او غير ذلك , تتنافسون , ثم تتحاسدون , ثم تتدابرون , ثم تتباغضون , او نحو ذلك , ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين , فتجعلون بعضهم على رقاب بعض )) ((184)) .
وعن افتراق الامة الاسلامية وتمزقها واتباعها سنن الامم الماضية من التيه والضلال والانحراف , يتحدث الرسول الاكرم (ص ) قائلا:
(( كـل مـا كـان فـي الامم السالفة , فانه يكون في هذه الامه مثله , حذو النعل بالنعل ,والقذة بالقذة )) ((185)) .
وعنه (ص ) في قوله تعالى : ( لتركبن طبقا عن طبق ) ((186)) انه قال :
(( حالا بعد حال , لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل , والقذة بالقذة , لاتخطئون طريقهم ولا يـخـطـا , شـبـر بـشبر , وذراع بذراع , وباع بباع , حتى انه لو كان قبلكم دخل جحر ضب لـدخلتموه , قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول اللّه ؟ قال : فمن اعني ؟لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة , فيكون اول ما تنقضون من دينكم الامانة , وآخره الصلاة )) ((187)) .
ونلاحظ ان النبي الاكرم (ص ) مبالغة في ايضاح معالم الطريق الحق امام المسلمين ,وتحديد الرؤية الدقيقة التي لا تسمح بالشك والتوقف والترديد , ينص على الفرقة الناجية من هذه الفتن والمدلهمات , ويشخص الرائد الاول لمسيرة النجاة , فيقول (ص ):
(( يـا عـلي مثلك في امتي مثل المسيح عيسى بن مريم , افترق قومه ثلاث فرق , فرقة مؤمنون به وهـم الـحواريون , وفرقة عادوه وهم اليهود , وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن الايمان , وان امتي سـتـفترق فيك ثلاث فرق , فرقة شيعتك وهم المؤمنون , وفرقة اعداؤك وهم الناكثون , وفرقة غـلـوا فـيك وهم الجاحدون السابقون , فانت يا علي وشيعتك في الجنة , ومحبو شيعتك في الجنة , والغالي فيك في النار )) ((188)) .
وذكر علي (ع ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( افـتـرقـت اليهود على احدى وسبعين فرقة , سبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة , وهـي الـتي اتبعت وصيه , وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ,فاحدى وسبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنة , وهي التي اتبعت وصيه , وستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة , اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة , وهي التي اتبعت وصيي , ـ يقول علي (ع ) ـ وضرب بيده على منكبي ثم قال :
اثـنـان وسـبـعون فرقة حلت عقد الاله فيك , وواحدة في الجنة , وهي التي اتخذت محبتك , وهم شيعتك )) ((189)) .
ويـذكـر الـنـبـي الاكرم (ص ) مسميات صريحة للانشقاقات البارزة , والمحدثات الخطيرة التي ستحصل من بعده , تكريسا لمفهوم الفرقة الناجية , وبلورة ابعادها ومعالمهابكل تفصيل , وايغالا في الـقـا الـحـجة البالغة على المسلمين , فنراه (ص ) في مواضع متعددة يسمي الناكثين , والقاسطين , والمارقين , وغير هؤلا من فرق الضلال الاخرى , فقدروي .
(( ان رجلا اتى النبي (ص ) يوم حنين , وهو يقسم تبرا فقال : يا محمد اعدل اذا لـم اعـدل ؟ كـتـاب اللّه وهـم اعداؤه , يقراون كتاب اللّه ولا يحل حناجرهم ,محلقة رؤوسهم , فاذا خرجوا فاضربوا رقابهم )) ((190)) .
وجا في ( شرح النهج ) لابن ابي الحديد عن علي (ع ):
(( ان رسـول اللّه (ص ) قـال لـه : ان اللّه قـد كـتـب عـليك جهاد المفتونين , كما كتب علي جهاد المشركين , قال : فقلت : يا رسول اللّه , ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد ؟قال (ص ):
قوم يشهدون ان لا اله الا اللّه واني رسول اللّه , وهم مخالفون للسنة .
فقلت : يا رسول اللّه , فعلام اقاتلهم وهم يشهدون كما اشهد ؟ قال (ص ):
على الاحداث في الدين , ومخالفة الامر.
فقلت : يا رسول اللّه , انك كنت وعدتني الشهادة فاسال اللّه ان يجعلها لي بين يديك , قال (ص ):
فـمن يقاتل الناكثين , والقاسطين , والمارقين ؟ اما اني وعدتك الشهادة ,وستستشهد , تضرب على هذه فتخضب هذه , فكيف صبرك اذن ؟.
قلت : يا رسول اللّه ليس ذا بموطن صبر , هذا موطن شكر , قال (ص ):
اجل اصبت , فاعد للخصومة , فانك مخاصم .
فقلت : يا رسول اللّه لو بينت لي قليلا ان امتي ستفتن من بعدي , فتتاول القرآن , وتعمل بالراي , وتستحل الخمربالنبيذ , والسحت بالهدية , والربا بالبيع , وتحرف الكتاب عن مواضعه , وتغلب كلمة الضلال , فكن جليس بيتك حتى تقلدها , فـاذا قلدتها , جاشت عليك الصدور , وقلبت لك الامور , تقاتل حينئذ على تاويل القرآن , كما قاتلت على تنزيله , فليست حالهم الثانية بدون حالهم الاولى .
فـقلت : يا رسول اللّه فباي المنازل انزل هؤلا المفتونين من بعدك ؟ ابمنزلة فتنة ,ام بمنزلة ردة ؟ فقال (ص ):
بمنزلة فتنة يعمهون فيها الى ان يدركهم العدل .
فقلت : يا رسول اللّه , ايدركهم العدل منا , ام من غيرنا ؟ قال (ص ):
بـل مـنا , بنا فتح اللّه , وبنا يختم , وبنا الف اللّه بين القلوب بعد الشرك , وبنا يؤلف بين القلوب بعد الفتنة .
فقلت : الحمد للّه على ما وهب لنا من فضله )) ((191)) .
وعن قيس بن ابي حازم قال :
(( قـال عـلـي لـلـزبـيـر : اما تذكر يوم كنت انا وانت في سقيفة قوم من الانصار , فقال لك رسول اللّه (ص ) اتـحـبـه ؟ فـقـلـت : ومـا يـمـنـعني , قال : اما انك ستخرج عليه , وتقاتله وانت ظالم )) ((192)) .
وجا في ( مسند احمد ) عن قيس انه قال :
(( لـما اقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا , نبحت الكلاب , قالت : اي ما هذا ؟قالوا : ما الحواب قـالـت : مـا اظنني الا اني راجعة , فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح اللّه عـزوجـل ذات بينهم , قالت : ان رسول اللّه (ص ) قال لها ذات يوم : كيف باحداكن تنبح عليها كلاب الحواب )) ((193)) .
وعن رسول اللّه (ص ) ايضا انه قال لعلي (ع ):
(( انه سيكون بينك وبين عائشة امر , فاذا كان كذلك فارددها الى مامنها )) ((194)) .
وعن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (ص ) لازواجه :
(( ايتكن صاحبة الجمل الازب , تقتل حولها قتلى كثيرة , تنجو بعد ما كادت )) ((195)) .
وعن حذيفة عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( ارايـتكم لو حدثتكم انكم تاخذون كتابكم فتحرقونه وتلقونه في الحشوش صدقتموني ؟ قالوا :
سـبـحـان اللّه سبحان اللّه صدقتموني ؟ قالوا : سبحان اللّه ((196)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( ويح ابن سمية ((197)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( من لقي الحرورية فليقتلهم )) ((198)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( من قتله الحرورية فهو شهيد )) ((199)) .
وعن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
(( .. عهد النبي (ص ) ان اقاتل الناكثين , والقاسطين , والمارقين )) ((200)) .
وعن انس قال :
(( اشهد اني سمعت رسول اللّه يقول : ان قوما يتعمقون في الدين يمرقون منه , كمايمرق السهم من الرمية )) ((201)) .
وعن ابي ايوب الانصاري قال :
(( ان رسول اللّه عهد الينا ان نقاتل مع علي الناكثين , فقد قاتلناهم , وعهد الينا ان نقاتل معه القاسطين , فـهـذا وجهنا اليهم ـ يعني معاوية واصحابه ـ وعهد الينا ان نقاتل مع علي المارقين , فلم ارهم بعد )) ((202)) .
وقال ( ابن ابي الحديد ) في ( شرح النهج ):
(( قـد تـظافرت الاخبار حتى بلغت حد التواتر بما وعد اللّه تعالى قاتلي الخوارج من الثواب على لسان رسوله (ص ) )) ((203)) .
اذن فبداية وقوع الفتن والمحدثات رافقت بدايات التشريع الاسلامي زمانا ,وكانت بذورها موجودة فـي فـتـرة وجود النبي الاكرم (ص ) بين ظهراني الامة , الا ان بعض الدعوات والاصوات لم يكن بامكانها الجهر بمربها وطموحاتها المقاطعة لشريعة الاسلام ومبادئه ومبانيه , باعتبار الحصانة التي كـان يـمـتـلـكها التشريع الاسلامي آنذاك بوجود شخص الرسول الاكرم (ص ) , اذ انه كان يمثل الـمحور الذي تلتف حوله الامة الاسلامية بشكل عام , من دون ان يتجرا احد ـ ايا كان ـ من ان يعلن اي مظهر من مظاهر الخلاف , وان يصرح بدعوة من هذا القبيل .
ولـم يـكن من السهل اكتشاف تلك الطبقات المبطنة من قبل المسلمين , وظهوردخائل نفوسهم للملا الـعـام , لانهم كانون يتسترون في الظاهر بالاسلام , ويحتمون بعنوانه العام , الذي اتخذوه وسيلة لـلتمر على الشريعة المقدسة من قرب , واضمار المنازلة معهابعد غياب صاحب الرسالة (ص ) عن ساحة الصراع المبيت .
وكان ان لقي الاسلام اعنف ضربة تاريخية لثوابته ومبادئه على ايدي بعض تلك المجاميع التي كانت تعيش حول الرسول الاكرم (ص ) , وتنتظم ضمن طبقة اصحابه ومرافقيه (ص ).
وقـد سـاهـمت بعض تلك المجاميع مساهمة كبيرة في تاجيج جذوة الفتن والمحدثات الاولى , التي اصـبـحـت بعد ذلك اساسا ومصدرا لكل الوان التحريف والفساد التي اصيب بها الاسلام في منطلقاته ومواقعه اللاحقة كافة .
وفي نفس الوقت نجد ان هناك طبقة كبيرة من الصحابة وقفت بوجه البدع والمحدثات مواقف رسالية خالدة , اخذ يرددها التاريخ بفخر واعتزاز.
روى البخاري في صحيحه عن رسول اللّه (ص ) انه قال (ص ):
(( انا على حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني , فاقول امتي , فيقول :لا تدري مشوا على القهقرى )) ((204)) .
وقال (ص ):
(( انـا فرطكم على الحوض , ليرفعن الي رجال منكم , حتى اذا اهويت لاناولهم ,اختلجوا دوني , فاقول : اي رب اصحابي ((205)) .
وروت ام سلمة عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( ان من اصحابي لمن لا يراني بعد ان اموت ابدا )) ((206)) .
وروى سهل بن سعد عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( انـي فـرطـكم على الحوض , من مر علي شرب , ومن شرب لم يظما ابدا , ليردن علي اقوام , اعرفهم ويعرفوني , ثم يحال بيني وبينهم .. فاقول انهم مني , فيقال , انك لاتدري ما احدثوا بعدك , فاقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي )) ((207)) .
وعن عبداللّه بن مسعود عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( وانـي فـرطـكـم على الحوض , واني سانازع رجالا , فاغلب عليهم , فاقول : يا رب اصحابي , فيقول : انك لا تدري ما احدثوا بعدك )) ((208)) .
وقـد مـرت الامـة الاسلامية نتيجة لتلك الفتن الحالكة بمنعطفات حادة كادت ان توجه اليه الضربة الـقـاتـلـة , لو لا ما كان يتمتع به اهل البيت (ع ) وعلى راسهم اميرالمؤمنين (ع ) بالصبر والحكمة والـيقظة الدائمة , والحرص على بقا اسس التشريع الاسلامي ثابتة , ومعاملة الرئيسية محفوظة , عـلـى الرغم من ان الامة الاسلامية قدابتعدت في مسيرتها عن الكثير من الخصوصيات والتفاصيل التي تتعلق بحقوقهم (ع ).
وسوف نتعرض الى مجمل الدور الرسالي الذي تحمل اعباه اهل البيت (ع ) في اطار مواجهة ظاهرة ( الابتداع ) ومكافحتها بمختلف الوسائل والاساليب في لاحق دراستنا هذه ان شا اللّه تعالى .
والان نـنتقل الى استعراض اهم العوامل التي ادت الى نشؤ ظاهرة ( الابتداع ) في حياة المسلمين , وخصوصا تلك التي نشات في بدايات التشريع الاسلامي واصبحت اساسا تتفرع منه البدع الاخرى , وذلك ضمن النقاط التالية :

1 ـ السذاجة والجهل والتسامح في امر الدين :

الـسذاجة , والجهل , والتسامح .. ظواهر اجتماعية عامة كانت تسود مجتمع الجزيزة العربية حين بـعـثـة الـنبي الاكرم (ص ) وانبثاق فجر التشريع .. اذ لم يكن المجتمع آنذاك , وبعدان آمن بالدين الاسلامي الجديد , متحررا من جميع الرواسب والمخلفات التي تركتهاالحياة الجاهلية عليه , حيث الاعـراف والـنواميس البعيده عن القيم والاخلاق والمثل الانسانية الرفيعة التي دعى اليها الاسلام العظيم .
وكـان لـلـطـابع المادي المحض الذي ساد الحياة آنذاك , وتحكم في جميع ابعادها ,واصبح مقياسا لـلـتـفـاضـل والـقيم , قبل اطلالة الاسلام ... الاثر الكبير في قتل روح الابداع والتفكير الحر , والـنـزوع نـحـو الـعلم والمعرفة والابتكار , فانسان ذلك الوقت كان يعيش حالة الجهل المطبق , وخـصوصا بالنسبة الى العلوم والمعارف الحقة , ولا يعي ابسطالاشيا من حوله , واذا ما ادرك شيئا مـن ذلـك , فـان الـجو الجاهلي القاتم الذي يلفه ويحيطبه , يمنعه من ان ينتشل نفسه من ذلك الواقع المدلهم .
ولذا فان الاسلام بتعاليمه السماوية المشرقة , يمثل في اول ابعاده , واهم اشعاعاته ,صحوة فكرية متالقة , اكتسحت تلك الطبقات الكثيفة المظلمة من الجهل والتخلف والانحطاط , التي كانت تلبد حياة الانـسان , وتقطع طريق العلم والمعرفة عليه , ففي اللحظات الاولى لاتصال الارض بالسما , وفي بداية شوط الرسالة الاول , صدع الوحي لرسول اللّه (ص ) بالقول :
( اقرا باسم ربك الذي خلق ) ((209)) .
فـالاسـلام دعـى الـى العلم الذي يعني في احد بعديه مواكبة الحياة في نموهاوتطورها , والتطلع الـمـسـتمر لكشف اسرارها وكنوزها , واثرا الفكر البشري بمختلف المعارف العلمية والانسانية المتنوعة , التي لا تقف عند حد ولا تنتهي الى امد.
ويـعـنـي الـعلم في منظار الشريعة من خلال بعده الثاني , الانفتاح على المعرفة الاسلامية , وعدم الـجـمود في تلقي احكامها ومفاهيمها , وضرورة تحريك الطاقة الفكرية الخلاقة التي اودعها اللّه تـعـالـى فـي النفس الانسانية , في مجال التاملات المشروعة , ومحاولة انتزاع الرؤى والمفاهيم والـصـياغات المتنوعة في كافة مجالات الحياة والكون , بالاعتمادعلى التراث الفكري , والثروة الـغنية التي يمتلكها الاسلام العظيم , والادراك الواعي للاحكام , والفهم المعمق للتشريع , من دون ان يـتـجـاوز العقل حدوده المشروعة , ويضع نفسه في مقابل الاحكام الالهية , او يتقهقر الى حيث التحجم والانزوا , فيشل عن الفاعلية والتاثير.
مـن هـنـا نـرى تـاكيد الشريعة واصرارها على محاربة الجهل , واعتباره العدو الاول الذي يجب مـكافحته واستئصاله من جسد الامة الاسلامية , كما نرى الحث الاكيدعلى ضرورة التعلم والتفقه في الدين , من خلال مجموعة كبيرة من النصوص الاسلامية الواردة في هذا المجال , فمن ذلك قوله تعالى :
( يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ) ((210)) .
وقوله تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكراولوا الالباب ) ((211)) .
وقد قال رسول اللّه (ص ):
(( طلب العلم فريضة على كل مسلم , الا ان اللّه يحب بغاة العلم )) ((212)) .
وعنه (ص ):
(( مـن طـلـب علما فادركه كتب اللّه له كفلين من الاجر , ومن طلب علما ولم يدركه كتب اللّه له كفلا من الاجر )) ((213)) .
وعنه (ص ):
(( مـن طـلب العلم فهو كالصائم نهاره , القائم ليله , وان بابا من العلم يتعلمه الرجل , خير له من ان يكون له ابوقبيس ذهبا , فانفقه في سبيل اللّه )) ((214)) .
وعنه (ص ):
(( مـن جـاه الـمـوت وهو يطلب العلم , ليحيي به الاسلام , كان بينه وبين الانبيادرجة واحدة في الجنة )) ((215)) .
وعنه (ص ):
(( اطلبوا العلم ولو بالصين )) ((216)) .
وعنه (ص ):
(( من سلك طريقا يلتمس به علما سهل اللّه له طريقا الى الجنة )) ((217)) .
وروي انه خرج رسول اللّه (ص ) , فاذا في المسجد مجلسان , مجلس يتفقهون ,ومجلس يدعون اللّه ويسالونه , فقال (ص ):
(( كـلا الـمجلسين الى خير , اما هؤلا فيدعون اللّه , واما هؤلا فيتعلمون ويفقهون الجاهل , هؤلا افضل بالتعليم , ارسلت لما ارسلت , ثم قعد معهم )) ((218)) .
وعن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
(( تـعـلـم الـعلم , فان تعلمه حسنة , ومدارسته تسبيح , والبحث عنه جهاد , وتعليمه لمن لا يعلمه صـدقة , وهو عند اللّه لاهله قربة , لانه معالم الحلال والحرام , وسالك بطالبه سبيل الجنة , فهو انـيس في الوحشة , وصاحب في الوحدة , وسلاح على الاعدا , وزين الاخلا , يرفع اللّه به اقواما يـجعلهم في الخير ائمة يقتدى بهم , ترمق اعمالهم , وتقبس آثارهم , وترغب الملائكة في خلتهم , يمسحونهم باجنحتهم في صلواتهم , لان العلم حياة القلوب , ونور الابصار من العمى , وقوة الابدان مـن الـضـعف , ينزل اللّه حامله منازل الابدال , ويمنحه مجالسة الاخيار في الدنيا والاخرة , بالعلم يطاع اللّه ويعبد , وبالعلم يعرف اللّه ويوحد , وبالعلم توصل الارحام , وبه يعرف الحلال والحرام , والعلم امام العقل , والعقل تابعه , يلهمه اللّه السعدا , ويحرمه الاشقيا )) ((219)) .
وعن ابي عبداللّه الصادق (ع ) انه قال :
(( عليكم بالتفقه في دين اللّه , ولا تكونوا اعرابا , فانه من لم يتفقه في دين اللّه , لم ينظر اللّه اليه يوم القيامة , ولم يزك له عملا )) ((220)) .
وعنه (ع ) ايضا انه قال :
(( لوددت ان اصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا )) ((221)) .
لـقـد شخصت الشريعة الاسلامية ان اخطر المخاطر التي تهدد كيانها انما تكمن في ان يتعامل معها الفرد المسلم من موقع الجهل واللامبالاة , ويجري على ظواهر احكامهابسذاجة واسترسال , وقد شجبت الشريعة هذا النمط من السلوك , وعدت العبادة الخالية من العلم والفقه والتفكر , عبادة خاوية جوفا , لا تفرز معطياتها , ولا تنتج ثمارهاالمرجوة من قبل التشريع .
جا عن رسول اللّه (ص ) بهذا الصدد انه قال :
(( من عمل بغير علم , كان ما يفسد اكثر مما يصلح )) ((222)) .
وعنه (ص ):
(( لا خير في عبادة لا فكر فيها , ولا في قراة لا تدبر فيها )) ((223)) .
وعنه (ص ):
(( من خرج يطلب بابا من العلم ليرد به باطلا من حق , او ضلالا من هدى , كان كعبادة متعبد اربعين عاما )) ((224)) .
وعنه (ص ):
(( تذاكر العلم ساعة خير من قيام ليلة )) ((225)) .
وعنه (ص ):
(( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر )) ((226)) .
وعنه (ص ):
(( فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم )) ((227)) .
وعنه (ص ):
(( ركعتان يصليهما العالم , افضل من الف ركعة يصليها العابد )) ((228)) .
وعنه (ص ):
(( والـذي نـفـس مـحمد بيده , لعالم واحد اشد على ابليس من الف عابد , لان العابدلنفسه , والعالم لغيره )) ((229)) .
وعنه (ص ):
(( فـضـل الـعـالم على العابد بسبعين درجة , بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما , وذلك ان الشيطان يضع البدعة للناس , فيبصرها , العالم فينهى عنها , والعابدمقبل على عبادته , لا يتوجه لها , ولا يعرفها )) ((230)) .
وعن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
(( ركـعـتـان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل , لان العالم تاتيه الفتنة , فيخرج منها بعلمه , وتاتي الجاهل , فتنسفه نسفا )) ((231)) .
وعن الامام الباقر(ع ) انه قال :
(( عالم ينتفع بعلمه , افضل من عبادة سبعين الف عابد )) ((232)) .
فمن الواضح ان على المسلم على ضؤ التعاليم الاسلامية ان يتحرى ويفكرويعمل بوعي , ويسال عن معالم دينه , ويستزيد من العلم بشريعته , حينا بعد حين , من دون توقف او انقطاع .
وهـذا لا يـتـنـافـى طـبـعـا مـع التسليم لامر اللّه تعالى , وامر رسوله الكريم (ص ) , واهل بيته الـطـاهـريـن (ع ) , وهـذا التحري والسؤال لا يصطدم بطبيعة الحال مع وجوب الانقيادوالامتثال المطلق لتعاليم الشريعة المقدسة , والاذعان للاحكام الاسلامية المشتملة على علل وملاكات غيبية وخـفية ـ في الاغلب ـ على الانسان .. اذ ان التسليم والانقيادلاحكام الشريعة وتعاليمها , مع الوعي بفلسفة هذه الاحكام وحقائقها , يعد غاية الامتثال , ومنتهى الطاعة والتسليم لامر اللّه عزوجل , فكم هـو الفرق بين من يطاوع الشريعة في كل ما تقول عشوائيا , من دون ان يعي فلسفة انقياده لها , ومن دون ان يـدرك عـظـمـة الـتـشـريـع , واسرار احكامه واتقانه .. وبين من يطاوع الشريعة وهو مستشعرلحقيقة الامر , وعارف بخلفياته ومبانيه .
وبـسـبـب من الجهل , والتسامح , والسذاجة في امر الدين , والسطحية في تلقي الاحكام وامتثالها , والخلط بين ما هو محلل ومحرم , من دون الالتفات الى توقيفية التشريع وقدسيته , فقد ظهرت في حـيـاة الـمـسلمين بدع كثيرة في حياه النبي الاكرم (ص ) ,وبعد وفاته قريبا من عصر التشريع , وسوف نقوم بدرج نماذج لبعض هذه الحالات فيمايلي :
1 ـ روي في ( الموطا ):
(( ان رسول اللّه (ص ) راى رجلا قائما في الشمس , فقال : ما بال هذا ؟ فقالوا :نذران لا يتكلم ولا يـسـتـظـل مـن الشمس , ولا يجلس , ويصوم , فقال رسول اللّه (ص ) :مره فليتكلم , وليستظل , وليجلس , وليتم صيامه )) ((233)) .
فـمـن الواضح من خلال هذه الرواية ان هذا الرجل قد اندفع بتسامح وعفوية الى ارتكاب هذا العمل الـمـحظور , ولم يدرك حقيقة النذر المشروع , وشروطه , وضوابطه ,وموارده المسموح بها , فابتكر من وحي نفسه عملا يظن انه داخل في حيز التشريع ,والزم نفسه بتطبيقه , وتحمل آثاره .
ولا شك في ان هذا العمل يعد ادخالا لشي من خارج الدين فيه , فيكون من مصاديق الابتداع وموارده .
وبـمـا ان هذا العمل قد اشتمل على جز صحيح ومشروع , فانا نرى ان رسول اللّه (ص ) قد فصل الـنـهـي , ولم يطلق القول بعدم مشروعية العمل كله , فقد نهى (ص ) عن الامور غير المشروعة , وهـي نـذره لـلوقوف في الشمس , والقيام , وعدم التكلم , وبين صحة نذره للامر المشروع وهو الصيام , ولذا امره باتمام صيامه , لان نذر الصيام جائزمن وجهة نظر الفقه الاسلامي .
2 ـ جا في ( الاعتصام ) عن قيس بن حازم انه قال :
(( دخل رسول اللّه (ص ) على امراة من قيس يقال لها زينب , فرآها لا تتكلم ,فقال : ما لها ؟ فقيل :
حجة مصمتة , فقال لها : تكلمي فان هذا لا يحل , هذا من عمل الجاهلية )) ((234)) .
فـنـلاحـظ هنا ايضا ان هذه الحالة تشبه الحالة السابقة , اذ ان هذه المراة قد ابتدعت من عند نفسها عملا دخيلا على التشريع , وتصورت انه عمل مشروع تريد التقرب به الى اللّه تعالى , وكان ذلك بسبب الجهل , وعدم الاطلاع على حدود الدين وتعالميه بدقة ,فنهاها النبي الاكرم (ص ) عن ذلك , وعد سلوكها هذا من عمل الجاهلية .
3 ـ روي عن انس انه قال :
(( راى رسـول اللّه (ص ) رجلا يهادي بين ابنين له , فقال : ما هذا ؟ فقالوا : يا رسول اللّه , نذر ان يحج ماشيا , فقال (ص ) ان اللّه لغني عن تعذيبه نفسه , فليركب )) ((235)) .
وهـذه الـحادثة ناشئة من الجهل بامور التشريع ايضا , ومتولدة من عدم ادراك احكام الفقه الاسلامي بـالـشـكـل الـصحيح , وهذا الجهل يشكل النواة الاولى لنشؤ البدع ,والخروج الى حيث الاجتهاد الشخصي في مقابل النص الشرعي , والسلوك الخاطئ الوارد الى الدين من خارج حدوده .
ولـذا نـرى ان رسـول اللّه (ص ) بـادر الى معالجة هذا الموقف , ونبه الى ان هذا العمل عمل غير مشروع بصورته الحالية التي توجب مشقة النفس وتعذيبها , وان كان اصل مشروعية الحج مشيا على الاقدام ثابت ومقر من قبل الاسلام , وللانسان ان ينذر ذلك ,ولكن لا الى الدرجة التي تؤدي بالمكلف الى المشقة والحرج .
4 ـ روي عن رجل من اهل البادية عن ابيه عن جده :
(( انه حج مع ذي قرابة له مقترنا به , فرآه النبي (ص ) فقال : ما هذا ؟ قال : انه نذر.
فامر(ص ) بالقران ان يقطع )) ((236)) .
وهـذه ظـاهـرة دخـيلة على التشريع ايضا , وهي ان يقترن شخصان بقران يربطهمامعا , ويؤديان مـنـاسك الحج بهذه الصورة , واغلب الظن ان هذه الظاهر نشات من حالة العفوية والسذاجة والجهل باحكام الشريعة الاسلامية ايضا.
وكان موقف الرسول الاكرم (ص ) تجاه هذه الحادثة موقفا حاسما , اذ بعد ان سال عن الامر , وتبين له انه قد بني على اساس خاطئ وتصور موهوم , امر بقطع القران الذي يربط بين الرجلين .
5 ـ قال جابر بن عبداللّه :
(( ان رسول اللّه (ص ) كان في سفر , فراى رجلا عليه زحام قد ظلل عليه ,فقال (ص ) : ما هذا ؟ قالوا : صائم ((237)) .
ومـن خـلال هـذه الـحـادثـة نـدرك ان رسول اللّه (ص ) هو الذي كان يتحرى ويبادرالى السؤال والاسـتـفـسار عن مختلف الظواهر التي قد تمس تعاليم الشريعة الاسلامية ,وتتجاوز حدودها , وعـنـدما يرى (ص ) ان هذا الشخص قد احدث امرا لا وجود له في الشريعة , بل وارتكب ما ورد الـنـهي بشانه , معتقدا ان ذلك يقربه الى اللّه تعالى , ويصب في طريق طاعته وعبادته , وجه (ص ) المسلمين الى عدم مشروعية هذا العمل , وعدم صحة الصيام في السفر.
6 ـ عن معاوية السلمي قال :
(( صـلـيت مع النبي (ص ) , فعطس رجل من القوم , فقلت : يرحمك اللّه , فرماني القوم بابصارهم , فقلت : واثكل امياه انهم يصمتوني , لكني سكت فـلـمـا قـضى النبي الصلاة ـ بابي هو وامي , ما شتمني , ولا كهرني , ولا ضربني ـفقال : ان هذه الـصـلاة لا يـصـلـح فـيـهـا شي من كلام الناس هذا )) ((238)) .
ولعل هذه الحادثة تكشف لنا بوضوح كامل عن طبيعة التفكير الساذج الذي كان يحمله بعض المسلمين آنذاك , والطريقة السطحية والعفوية التي يتعاملون بها مع الامورالتشريعية التوقيفية , التي لا يصح فيها الزيادة ولا النقصان , وخصوصا مثل الصلاة التي تمثل عمود الدين واساسه .
فـنـرى مـن خـلال الحديث المذكور ان هذا الشخص الذي جا يصلي خلف رسول اللّه (ص ) قد بدا بـالـحـديـث والـحـوار مع بقية المصلين , من غير ان يكثرث بما اوجبه اللّه تعالى في هذه العبادة التوقيفية من تعاليم وحدود , لابد من الالتزام بها ومراعاتها , والتي من اهمها ان يقتصر المصلي على اذكـارهـا وافـعـالها المخصوصة , ولا يتجاوز ذلك الى حيث الامور غير المشروعة , ولكن هذا الرجل كان يتعامل مع الصلاة وكانه متحرر من كل الزام شرعي .
ومـن الـطبيعي ان هذا الامر اذا لم يعالج ولم يستاصل منذ البدايات , فانه سوف يكون منشا لدخول ما ليس من الدين فيه , واختلاط المحللات بالمحرمات , وهو يعني الابتداع .
ولذا نرى ان رسول اللّه (ص ) قد بادر الى معالجة الموقف واستدراكه بهدؤ كامل ,وتوجيه رسالي مـثـالـي رفـيـع , فـوجه الرجل الى حيث الالتزام بالحدود المشروعة للصلاة والتقيد بها , وعدم الخروج من ذلك الى حيث التصرفات المحرمة والمبطلة لها.
7 ـ ذكر ابن سيرين :
(( ان النبي (ص ) خرج فلقيه حذيفة , فحاد عنه , فاغتسل ثم جا , فقال (ص )مالك ؟ قال : يا رسول اللّه كنت جنبا ((239)) .
فـبدافع من الجهل هنا نرى ان هذا الصحابي يبتدع من عند نفسه حكما خاصا ,ليس له اي اساس في التشريع , فيدرك النبي الاكرم (ص ) ذلك منه , ويامره بالعودة الى حيث تعاليم السنة الناصعه وترك مـا ظـن انـه مـن الـمحظورات الشرعية , ولو استمر هذاالصحابي على ما كان عليه من الاعتقاد بنجاسة الجنب , لكان ذلك يعني تشريع وتاسيس حكم جديد في مقابل التشريع الالهي الثابت .
8 ـ روى ( ابن وضاح ) عن ابي اسحاق انه قال :
(( ان الـنـاس نـودي فـيهم بعد نومة : انه من صلى في المسجد الاعظم دخل الجنة ,فانطلق النسا والرجال حتى امتلا المسجد قياما يصلون , قال ابو اسحاق : ان امي وجدتي فيهم .
فـاتـي بـن مسعود فقيل له : ادرك الناس , فقال : ما لهم , قيل : نودي فيهم بعد نومة انه من صلى في المسجد الاعظم دخل الجنة .
فخرج ابن مسعود يشير بثوبه : ويلكم اخرجوا لا تعذبوا , انما هي نفخة من الشيطان , انه لم ينزل كتابا بعد نبيكم , ولا ينزل بعد نبيكم .
فـخـرجوا , وجلسنا الى عبداللّه فقال : ان الشيطان اذا اراد ان يوقع الكذب , انطلق فتمثل رجلا , فيلقى آخر فيقول له : اما بلغك الخبر ؟ فيقول الرجل : وما ذاك , فيقول : كان من الامر كذا وكذا , فـانطلق فحدث اصحابك , قال : فينطلق الاخر فيقول : لقد لقينارجلا اني لا اتوهمه اعرف وجه , زعم انه كان من الامر كذا وكذا , وما هو الا الشيطان )) ((240)) .
فـعلى تقدير صحة هذه الرواية نجد ان الاعداد الكبيرة من الناس قد انجرفت مع دعاية لا اساس لها بدافع من الجهل ايضا , وعدم التمعن في اصول الشريعة واحكامها ,والسير على نهجها بوعي .
ومـن غـيـر شـك ان هـذا الانجراف العفوي , والمبادرة الى ذلك العمل المزعوم , تعدمن مصاديق الابتداع ومن الموارد التي دخلت الى الدين عن طريق التسامح والجهل واللامبالاة .
9 ـ ما روي في ( الاعتصام ) عن الزبير بن بكار انه قال :
(( سـمعت مالك ابن انس وقد اتاه رجل فقال : يا ابا عبداللّه من اين احرم ؟ قال :من ذي الحليفة , من حيث احرم رسول اللّه (ص ) , فقال : اني اريد ان احرم من المسجدمن عند القبر , قال : لا تفعل فاني اخشى عليك الفتنة .
قـال واي فتنة هذه ؟ انما هي اميال ازيدها قـصر عنها رسول اللّه (ص ) ؟ اني سمعت اللّه يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة اويصيبهم عذاب اليم ((241)) ) ((242)) .
وفي الحقيقة ان توجيه مالك بن انس لهذا الرجل لم يبتعد عن الصواب , فان الرجل يرى ان الامر لا يـعـدو ان يـكـون قضيه ذوقية , يستطيع ان يزيد منها او ينقص مايشا الـمـبـرر المشروع , وينتحل لها العذر , لانه يريد ان يتطوع باكثر من المطلوب قبيل الابتداع المحرم الذي ينشا عن حالة الجهل والتسامح في امر الدين .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ثقافة الحب الحاضر الغائب في مجتمعنا
إثبات الأشاعرة لرؤيته تعالى في الآخرة
من هم آكلة لحم الخنزير وما هو مصيرهم في الكتاب ...
المُناظرة الثاني والخمسون /مناظرة السيد محمد ...
قاعدة التسليط
البَضْعة الزكيّة
محبة الرسول واله صلى الله عليه وآله
سؤال القبرفي کلام امير المؤمنين
إبراهيم عليه السلام أول الموحدين
مما يهوِّن هول المحشر

 
user comment