مصطلح الحجاب :
إن استخدام كلمة الحجاب بمعنى ستر المرأة استخدام جديد نسبياً، فقديماً وعلى الخصوص في مصطلح الفقهاء تُستخدم كلمة "الستر" بدلاً من الحجاب.
وقد كان الأفضل أن لا تُستبدل الكلمة، وأن تُستخدم دائماً كلمة الستر إذ أن معنى الحجاب اللغوي هو "البردة" وحين تُستخدم في مورد الستر فذلك باعتبار أن جسد المرأة يكون خلف سترها، ومن هنا تخيّل جمعٌ أن الإسلام أراد أن تبقى المرأة خلف حائل ووراء البردة وتُحبس في دارها ولا تخرج منه!.
إن الستر الذي فرضه الإسلام على المرأة لا يعني أن لا تخرج المرأة من بيتها، ولم تطرح في ثقافة الإسلام مسألة حبس المرأة وسجنها في الدار، نعم كان هذا العرف سائداً في بعض الحضارات القديمة في الهند وإيران القديمة، ولكن لا وجود لهذا العرف في الإسلام.
إن الآيات القرآنية الكريمة التي ألقت الضوء هنا سواء في سورة النور أو في سورة الأحزاب، ذكرت حدود ستر المرأة وطبيعة تعاملها مع الرجال الأجانب دون أن تستخدم كلمة الحجاب، نعم هنالك آية في القرآن الكريم استخدمت كلمة الحجاب وهي خاصّة في نساء النبي(ص) لما لهنّ من مكانة خاصّة، على أيّة حال فالآية التي استّخدمت فيها كلمة الحجاب هي الآية 53 من سورة الأحزاب إذ تقول ï´؟ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجابï´¾.
الصورة الحقيقية لمسألة الحجاب
ترجع فلسفة الحجاب الإسلامي بنظرنا إلى عدّة عوامل، بعضها ذو جانب نفسي والآخر ذو جانب أسري، وبعضها ذو بعد اجتماعي وآخر يرتبط برفع مستوى المرأة واحترامها والحيلولة دون ابتذالها.
الأسباب والدوافع الإسلامية لتشريع الحجاب
أولاً ـ التوازن النفسي :
إن حرية الإختلاط بين الرجل والمرأة دون قيد أو شرط يؤدّي إلى إختلال التوازن في العلاقة ويتجه بها نحو الإنحراف الأخلاقي مما يؤدّي إلى تفسّخ الأخلاق العامّة وإلى إرتفاع نسبة الجرائم والأمراض الجنسية في المجتمع.
وقد يتساءل البعض عن علّة إختصاص حكم الستر في الإسلام بالنساء والردّ أن الميل نحو التجمّل أمر خاص بالنساء فالرجل صيد من زاوية القلوب والمرأة صائد، والمرأة صيد من زاوية الأجساد والرجل صائد.
ثانياً ـ التماسك الإجتماعي :
إن تشريع الحجاب من شأنه أن يساهم في تثبيت التماسك الإجتماعي، لأنّه يساهم في تثبيت علاقة الرجل بالمرأة في دائرة الأسرة ويمنع من جرّها إلى دائرة المحيط الإجتماعي العام بشكل فوضوي ومتفلّت وهو بذلك يمنع من تعطيل الطاقات الإجتماعية وإضعاف الطاقة الإنتاجية للمجتمع، بخلاف ما أدّت إليه ثقافة السفور المعتمدة في الغرب والتي تقوم على الإنحلال وعدم وضع القيود والضوابط التي تؤدّي إلى إضعاف وتعطيل الطاقة الإجتماعية وتعطيل قوى المرأة وحبس استعداداتها.
وهنا لا بدّ من التوضيح أنّ الإسلام عندما يفرض الستر على المرأة فهو لا يعني بذلك تعطيل وتغييب حضورها الإجتماعي والثقافي، فليس من الوارد في الإسلام أنّه على المرأة أن لا تخرج من دارها لتحصيل العلم أو للمشاركة في الحياة المهنية والإنتاجية، وإنّ ستر المرأة لمفاتنها لا يحول دون أي نشاط ثقافي أو إجتماعي أو إقتصادي تقوم به وتؤدّيه.
ثالثاً ـ رفعة المرأة وإحترامها :
إن تشريع الحجاب في الإسلام لا يُفهم بأي شكل من الأشكال إنتقاص من قيمة المرأة أو إهانة لها أو محاولة للحد من حدودها أو للنيل من مقامها ومكانتها، فعلى العكس من ذلك تماماً يُعتبر الستر والحجاب قيمةً أخلاقيةً وإنسانيةً عاليةً، بحيث تجعل من التعاطي مع المرأة قائماً على أساس الإحترام لمكانتها الإنسانية لا جسدها ومفاتنها الظاهرية، وهذا بخلاف ما قامت عليه مبادئ الحريّة والديموقراطية والحضارة الغربية التي جعلت من المرأة سلعة رخيصة ومروّجاً فاعلاً لبضائعه ومنتوجاته وبهذا تكون قد ألغت من حساباتها أيّ نظرة إحترام أو تقدير لقيمة المرأة ولعطاءاتها كشريك أساسي في الحياة الإنسانية.
وفي المحصّلة، يجدر بنا أن ندرس التشريع الإسلامي دراسة وافية ومنطقية وعقلانية، بحيث لا نطلق أحكاماً جزافية بعيدةً عن روح البحث والمعرفة وهذا ما يجب أن نسلكه في دراسة الحجاب الإسلامي كتشريع سماوي وحكم إلهي ينطلق من المصلحة العامّة للمجتمع عامّة والمكلّفات به خاصّة.