عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

زيارة قبر النبي (ص ) ومراقد الائمة (ع ) :

: زيارة قبر النبي (ص ) ومراقد الائمة (ع ) :

ومـن الاسـالـيب المندوبة الاخرى لتجسيد هذا السلوك الهادف , والاشتراك مع ماتقدم في الدوافع والـمعطيات زيارة قبر النبي الاكرم (ص ) تبركا , والدعا عنده تقربا الى اللّه تعالى , وكذلك زيارة مـراقـد ائمـة اهل بيت العصمة والطهارة (ع ) , لمالهم من وجاهة , ومقام محمود عند اللّه سبحانه وتعالى .
فـاضـافـة الـى مـا ورد مـن عموميات متقدمة بشان احترام وتوقير النبي الاكرم (ص )واهل بيته الـطاهرين (ع ) , وردت الادلة الخاصة ايضا للحث على ذلك , فيكون هذا العمل منتسبا الى التشريع من هذين الطريقين معا.
فمن ذلك الحديث الذي اخرجته امة من الحفاظ وائمة الحديث عن رسول اللّه (ص )انه قال :
(( من زار قبري وجبت له شفاعتي )) ((666)) .
وعنه (ص ) :
(( من حج فزار قبري بعد وفاتي , كان كمن زارني في حياتي )) ((667)) .
وغـيـر ذلـك مـن عـشـرات الاحـاديـث الاخـرى الـمروية من طرق الفريقين , والتي ندبت الى زيارته (ص ) , والدعا عنده , والتبرك بقبره ((668)) , وكذلك اهل بيته الطاهرين (ع ) ,باعتبار الاشـتـراك فـي الـدوافع والاثار والمعطيات المترتبة على هذا الاهتمام , بينهم (ع ) وبين رسول اللّه (ص ) , لانهم يمثلون الامتداد الشرعي لموقعه الديني في الرسالة الاسلامية .
وكـتـبنا الحديثية المعتبرة مليئة بالروايات الصحيحة التي تحث على هذا السلوك ,وتوضح تعاليمه وآدابه وخصائصه التفصيلية الاخرى .
وفي الحقيقة ان قضية التبرك بثار الانبيا والاوصيا قد وردت فيها الدلالة واضحة من قبل الشريعة , وعلى راس ذلك ما ورد في قوله تعالى :
( اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه ابي يات بصيرا ) ((669)) .
فنلاحظ ان النبي يوسف (ع ) يرسل قميصه الى ابيه لكي يكون وسيلة وواسطة لارتداد البصر اليه باذن اللّه تعالى , وهذا من اظهر مصاديق التبرك , وقد قال تعالى بعدذلك :
( فلما ان جا البشير القاه على وجهه فارتد بصيرا ) ((670)) .
واما الاحاديث فهي كثيرة منها ما رواه ( البخاري ) عن ابي جحيفة انه قال :
(( خـرج عـلـينا رسول اللّه (ص ) بالهاجرة , فاتي بوضؤ , فتوضا , فجعل الناس ياخذون من فضل وضوئه , فيتمسحون به )) ((671)) .
وروى ( البخاري ) عن الجعد انه قال :
(( سـمعت السائب بن يزيد يقول ذهبت بي خالتي الى النبي (ص ) , فقالت : يا رسول اللّه ان ابن اختي وقع , فمسح راسي , ودعا لي بالبركة , ثم توضا فشربت من وضوئه )) ((672)) .
وفيه عن ( ابن سيرين ) انه قال :
(( قلت لعبيدة عندنا من شعر النبي (ص ) اصبناه من قبل انس , او من قبل اهل انس ,فقال : لان يكون عندي شعرة منه احب الى من الدنيا وما فيها )) ((673)) .
وفيه ايضا عن ( انس ) انه قال :
(( ان رسول اللّه (ص ) لما حلق راسه كان ابو طلحة اول من اخذ من شعره )) ((674)) .
وقال ( ابن حجر ) في ( الاصابة ) :

(( كـل مـولـود ولـد فـي حياة النبي (ص ) يحكم بانـه رآه , وذلك لتوفر دواعي احضارالانصار اولادهم عند النبي (ص ) للتحنيك والتبرك , حتى قيل : لما افتتحت مكة جعل اهل المدينة ياتون الى النبي (ص ) بصبيانهم , ليمسح على رؤوسهم , ويدعو لهم بالبركة )) ((675)) .
وجا في ( مسند احمد ) عن ( عائشة ) انها قالت :
(( كان رسول اللّه (ص ) يؤتى بالصبيان فيحنكهم ويبرك عليهم )) ((676)) .
وجا في ( اسد الغابة ) :
(( ان بـلالا راى الـنـبـي (ص ) في منامه وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟ ما آن لك ان تزونا ؟ فانتبه حزينا , فركب الى المدينة , فاتى قبر النبي (ص ) , وجعل يبكي عنده , ويتمرغ عليه , فاقبل الحسن والحسين , فجعل يقبلهما ويضمهما )) ((677)) .
وفي ( البخاري ) عن ابي جحفة قال :
(( خـرج رسول اللّه (ص ) بالهاجرة الى البطحا , فتوضا , ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين الى ان قال وقام الناس فجعلوا ياخذون يديه فيمسحون بها وجوههم ,قال : فاخذت بيده فوضعتها على وجهي , فاذا هي ابرد من الثلج , واطيب رائحة من المسك )) ((678)) .
وورد في ( الطبقات الكبرى ) :
(( عن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عبدالقارئ انـه نظر الى ابن عمر وقد وضع يده على مقعد المنبر حيث كان النبي يجلس عليه , ثم وضعها على وجهه )) ((679)) .
وروي عن علي امير المؤمنين (ع ) انـه قال :
(( قدم علينا اعرابي بعد ما دفنا رسول اللّه (ص ) بثلاثة ايام , وحثى من ترابه على راسه , وقال : يا رسول اللّه ( ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاوك ) ((680)) وقدظلمت وجئتك تستغفر لي , فنودي من القبر , قد غ فر لك )) ((681)) .
ولـكنا نرى ايضا على الرغم من عمق انتساب هذا العمل للدين , وقوة ارتباطه بالتشريع قد نعت من قـبـل الـكثيرين بالابتداع , وحاول البعض ان يصور زيارة مراقداهل البيت (ع ) , والدعا عندها , والـتبرك بها , عبادة لاصحاب هذه القبور , بهتانا وزوراوافتراا , وقلبا للحقائق , والتفافا حولها , مع ان الذي يطالع ويطلع على لغة الزيارة التي يلهج بها اتباع منهج اهل البيت (ع ) لهؤلا الابرار(ع ) , يـلـمس الادب الرسالي الرفيع ,والروح التوحيدية الخالصة التي تطفح بوضوح من بين جنبات هذه المقاطع الاسلامية الموروثة عن اهل البيت (ع ) انفسهم بنحو غالب .
فلننظر الى ما يقوله ( الفوزان ) حول هذا الموضوع :
(( ولـكن التحريم يتفاوت بحسب نوعيه البدعة , فمنها ما هو كفر صراح , كالطواف بالقبور تقربا الـى اصـحابها , وتقديم الذبائح والنذور لها , ودعا اصحابها , والاستغاثة بهم ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبنا على القبور , والصلاة والدعا عندها )) ((682)) .
ونحن لا نريد هنا ان نتبنى الاجابة على ذكره ( الفوزان ) وما يذكره غيره من المغرضين من طعن وتـجـريـح لاتـباع مذهب اهل البيت (ع ) في خصوص الموارد التي ذكرها ,لانا قلنا بان لمثل هذه الاجابات التفصيلية موضعها الخاص من كتب ومصنفات علمائناالمتقدمين والمتاخرين .
ولـكـنـنا نعجب حقا لهذه اللغة الرخيصة التي لا تنسجم مع الاعراف , والاخلاق ,والمنطق العلمي الـسـليم , ونعجب من هذا التسامح المفرط في تكفير الطوائف الاسلامية ,والغا عقائد الملايين من الـموحدين من ابنا الاسلام بكلمة واحدة لا يعرف هؤلاالمتحجرون من مفردات الثقافة الاسلامية الـمـترامية سواها , وهي كلمة ( بدعة ) , فكل امر لا ينسجم مع اهوائهم وميولهم الخاصة اطلقوا عليه هذا اللفظ , ونعتوه بهذا الوصف .
وفي الواقع ان ما يقوله ( الفوزان ) اليوم و ما يقوله غيره من الوهابيين , هو ترديدو تكرار لما قاله اسـتـاذهـم ( ابن تيمية ) الذي نظر لهذا الامر في مصنفاته المختلفة , وشكل بذلك باعثا على زرع التفرقة بين المسلمين , وشق عصا وحدتهم وتماسكهم .
على انـا نجد ان نفس ( ابن تيمية ) يتناقض مع نفسه , حين تفرض الحقائق نفسهاعلى كتاباته , ولا يجد من ذلك بدا ومخرجا , فعلى الرغم من ان مصنفاته تطفح بالتشنيع والنيل من اتباع مذهب اهل (ع ) , ومـؤاخـذتهم بعنف على ما يمارسونه من زيارة لمراقد اهل البيت (ع ) , وتبرك بثارهم المقدسة , وتوسل الى اللّه تعالى بجاههم العظيم , نجد انه يصرح باصل مشروعية الاتيان للمشاهد في ( اقتضا الصراط المستقيم ) حيث يقول :
(( قال سندي الخواتيمي : سالنا ابا عبداللّه عن الرجل ياتي بهذه المشاهد ويذهب اليها : ترى ذلك ؟ قال : اما على حديث ابن ام مكتوم انه سال النبي (ص ) ان يصلي في بيته حتى يتخذ ذلك مصلى , وعلى مـا كـان يـفعل ابن عمر رضي اللّه عنهما , يتبع مواضع النبي (ص ) واثره , فليس بذلك باس ان ياتي الرجل المشاهد , الا ان الناس قد افرطوا في هذا جدا واكثروا فيه .
وكذلك نقل عنه احمد بن القاسم ولفظه : سئل عن الرجل ياتي هذه المشاهد التي بالمدينة وغيرها , يـذهـب الـيـها ؟ قال : اما على حديث ابن ام مكتوم انه سال النبي (ص ) ان ياتيه فيصلي في بيته حتى يتخذه مسجدا , وعلى ما كان يفعله ابن عمر , يتبع مواضع سيرالنبي (ص ) , وفعله حتى رؤي يصب في موضع ما , فسئل عن ذلك ؟ فقال : رايت رسول اللّه (ص ) يصب ههنا ما , قال اما على هذا فلا باس )) ((683)) .
فهذا الكلام الذي ينقله عن الامام ( احمد بن حنبل ) , يدل بشكل واضح وصريح على اصل مشروعية اتيان المشاهد , والتبرك بثار النبي الاكرم (ص ).
ويقول في موضع آخر في نفس الموضوع :
(( فـكـما ان تطوع الصلاة فرادى وجماعة مشروع من غير ان يتخذ جماعة عامة متكررة تشبه المشروع : من الجمعة , والعيدين , والصلوات الخمس , فكذلك تطوع القراة والذكر والدعا جماعة وفرادى , وتطوع قصد بعض المشاهد , ونحو ذلك كله من نوع واحد )) ((684)) .
فاذا كان اتيان المشاهد مشروعا , والتبرك ايضا مشروعا , فلماذا هذا التهجم على الموحدين من ابنا الاسلام , ونعت عملهم بالابتداع ؟ ولماذا تحميل هذا العمل المشروع عناوين اخرى لا واقع لها من الاسـاس ؟ ولـمـاذا لا يحمل عمل المسلمين على الصحة وفقا لتلك العموميات التي ندبت الى تبجيل النبي الاكرم (ص ) , واهل بيته (ع ) ,وتوقيرهم , ونصرتهم احيا واموات ؟.
ولـكـن الـعجب العجاب ان نفس ما لم يكن يسمح به ( ابن تيمية ) من تبرك بالاموات , ونفس ما كان يعتبر فاعله مشركا وخارجا عن الدين قد حصل بشانه بعدالموت , ولكن احدا من خواصه ومريديه والمدافعين عن عقائده المضللة ومبانيه لم ينبس ببنت شفة , ولم يقل بان هذا الامر مشمول بالابتداع , عدا ما اظهره محقق كتاب ( العقودالدرية ) عند هذا الموضع من امتعاض باهت وسريع .
فقد ورد في الكتاب المذكور بلهجة الاطرا والثنا على ( ابن تيمية ) بعد موته :
(( وحـضـر جمع الى القلعة , فاذن لهم في الدخول , وجلس جماعة قبل الغسل ,وقراوا القرآن , وتبركوا برؤيته وتقبيله , ثم انصرفوا.
وحـضـر جـماعة من النسا , ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن والقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم للتبرك .
وشرب جماعة الما الذي فضل من غسله , واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به .
وقـيل : ان الطاقية التي كانت على راسه دفع فيها خمسمائة درهم , وقيل : الخيطالذي فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل , دفع فيه مائة وخمسون درهما )).
ثم يضيف قائلا :
(( وتردد الناس الى قبره اياما كثيرة ليلا ونهارا , ورؤيت له منامات كثيرة صالحة )) ((685)) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصول العقیدة الإسلامیة وأرکانها
لماذا اعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير
قلب المؤمن عرش الله
الثبات على المبدأ
الفتور المعنوي بعد المواسم العبادية
فضل التبليغ وأهدافه
الزهراء عليها السلام وعلاقتها بالتوحيد
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
الخروج من القبر
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية

 
user comment