بعد أنَّ توفي نبي الاسلام آنقسم المسلمون الى فريقين: فريق قال: إنَّ النّبي صلى الله عليه وآله لم يعين خليفة بعده، وأنَّه أوكل ذلك الى الاُمة كي تختار بنفسها قائداً لها. هذا الفريق هم "أهل السّنة".
الفريق الآخر قال: إنَّ خليفة الرسول صلى الله عليه وآله يجب أنْ يكون معصوماً مثله من الخطأ والاثم، عالماً، قادراً على قيادة الاُمة قيادة معنوية ومادية، والحفاظ على مبادىء الاسلام الأصيلة وادامتها.
يقول هؤلاء إنَّ مثل هذا الخليفة يجب أن يعيّنه الله عن طريق رسوله، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد فعل ذلك، وعين علياً عليه السلام خليفة له. وهؤلاء هم "الامامية" أو "الشّيعة".
إنَّ هدفنا من هذه البحوث المكثفة هو أنْ نتابع هذه القضية على هدى الادلة العقلية والتاريخية والآيات القرآنية والسنة النبوية.
ولكن قبل الدخول في الموضوع لابدّ من الاشارة الى بضع نقاط:
1- هل البحث في هذا الموضوع يثير الخلاف؟
بعض الناس ما أنْ يطرق سمعهم الكلام على الامامة حتى ينبرون فوراً قائلين إنَّ الظرف اليوم لا يسمح بذلك. فاليوم هو يوم وحدة المسلمين، بينما الكلام عن خليفة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله سيكون مدعاة للتفرقة و تشتت الكلمة، أو أنَّ لنا اليوم أعداء مشتركين يجب أنْ نوجه اهتمامنا اليهم: الصهيونية والاستعمار الغربي والشرقي. وعليه يجب أنْ نتجنب المسائل المختلف فيها.
غير أنَّ هذا الطّراز من التفكير خطأ محض، للاسباب التالية: أولاً: إنَّ ما يسبب الخلاف والتشتت يدخل ضمن البحوث المتعصبة غير المنطقية المثيرة للاحقاد.
أمّا البحث المنطقي الاستدلالي البعيد عن التعصب واللجاجة والخصام، والذي يجري في جو من الود الحميم، فإنَّه فضلاً عن كونه لا يسبب التفرقة فإنَّه يقلل مسافة الانفصال ويقوي نقاط الالتقاء المشتركة.
إنِّني في سفراتي المتكررة لزيارة بيت الله الحرام بمكة، ومن مباحثاتي مع علماء أهل السنة، كنت أحس، كما كانوا هم أيضاً يحسون، بأنَّ هذه المباحثات فضلاً عن كونها ليس لها أي أثر سيء على علائقنا، فانَّها أبعث على التفاهم وحسن الظن، والتقارب وازالة ما قد يكون في بعض الصدور من ضغينة. المهم أنَّ هذه البحوث تنير الكثير من نقاط الالتقاء فيما بيننا، ممّا يمكن لنا أنْ نستند اليها في مواجهة أعداءنا المشتركين.
ينقسم أهل السّنة أنفسهم الى أربعة طوائف:الحنفية والحنابلة، والشافعية، والمالكية، ومع ذلك فان هذا الانقسام لم يتسبب في تفرقتهم، وإذا ما اعتبروا فقه الشّيعة، على الاقل مذهباً فقهياً خامساً، فإنَّ الكثير من العقد والتشتت تزول من الوجود، كما حدث فعلاً بعد أنْ خطا مفتي أهل السنة الكبير شيخ الازهر الشيخ شلتوت، تلك الخطوة المهمّة باعلانه المذهب الشيعي مذهباً اسلامياً رسمياً،فكان بذلك عوناً كبيراً ومؤثراً في عملية التفاهم الاسلامي، وانعقدت بينه وبين المرحوم آية الله البروجردي، مرجع عالم التشيع الكبير، أواصر الصداقة.
ثانياً: إنَّنا نعتقد أنَّ الاسلام قد تبلور في المذهب الشيعي أكثر من أي مذهب آخر. وفي الوقت الذي يحترم مذهب الشيعة المذاهب الاسلامية، فإنَّنا نعتقد أنَّ المذهب الشيعي أقدر على تعريف الاسلام الصادق بجميع أبعاده، وعلى حلّ القضايا المتعلقة بالحكومة الاسلامية.
فلماذا لا نعلّم أبناءنا هذا المذهب والمنطق؟ بل إنَّنا إنْ لم نفعل نرتكب خيانة في حقّهم!
إنَّنا على يقين تام بأنَّ النّبي صلى الله عليه وآله قد عيّن خليفته من بعده، فما الذي يحول دون تتبع هذا الموضوع على هدى الاستدلال والمنطق؟ ونحن ملزمون في امثال هذه البحوث أنْ نحذر كى لا
نجرح مشاعر الآخرين المذهبية.
ثالثاً: إنَّ أعداء الاسلام، لكي يوقعوا بين المسلمين ويفكوا وحدتهم لم يألوا جهداً في اتهام الشيعة عند أهل السنة بشتى التهم والافتراءات، كما أنَّهم لم يألوا جهداً في إتهام أهل السنة عند الشيعة كذلك، بحيث إنَّهم استطاعوا في بعض البلدان أنْ يحققوا القطيعة بينهم. إنَّنا عندما نعرض موضوع "الامامة" بالاسلوب الذي سبق ذكره، نوضح النقاط التي يستند عليها الشيعة لتوثيق رأيهم، مع أدلة من الكتاب والسنة، يتبين تماماً أنَّ كل تلك الدعاوي كانت كاذبة، وأنَّ أعداءنا المشتركين هم الذين بثوا تلك السموم.
كمثال على ذلك، لا أنسى أنَّني في إحدى زياراتي للحجاز التقيت أحد كبار رجال الدين السعوديين وجرت بيننا بحوث، فكان يقول أنَّه سمع أنَّ للشيعة قرآناً يختلف عن قرآنهم.
فاستولى علي العجب، ولكني قلت له: أخي، إنَّ التحقق من هذا الامر سهل للغاية. إنَّني أدعوك شخصياً أو من يمثلك أنْ تأتي معي، بعد انتهاء العمرة، الى ايران دون اخبار أحد. هناك ستجد في كل شارع وزقاق مسجداً، وفي كل، مسجد ستجد عدداً من المصحف الشريف، كما أنَّ القرآن موجود في بيوت جميع المسلمين. وسوف نزور أي مسجد شئت، أو نطرق باب أي منزل أردت ونطلب منهم أنْ نرى القرآن الذي يتلونه، وعندئذ يتبين إنْ كان هناك أي اختلاف، حتى في كلمة واحدة أو في حرف واحد بين ما عندنا وعندكم من كتاب الله، بل إنَّ الكثير من نسخ المصاحف الشريفة المتداولة عندنا هي من طبع الحجاز أو مصر أو سائر البلاد الاسلامية. لا شك إنَّ هذا الكلام الاخوي الصادق المنطقي تماما قد ازال من ذهن أحد الرجالات المعروفين تلك السموم العجيبة. وعليه، فإنَّ الحديث فيما يتعلق بالامامة بالاسلوب الذي ذكرناه يقوي وحدة المسلمين ويساعد على القاء الضوء على الامور ويضيق من شقة التباعد.
2- ما هي الامامة؟
"الامام" كما هو واضح من الكلمة، هو الذي يقتدى به في الاسلام ويتقدم المسلمين ويقودهم. وفي عقائد الشيعة يطلق "الامام المعصوم" على من يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في كل شيء، سوى أنَّ النّبي هو مؤسس الاسلام، والامام حافظه وحاميه، والنبي يتلقى الوحي، والامام لا يأتيه الوحي، بل يأخذ تعليماته من رسول الله صلى الله عليه وآله ويمتاز بعلم غزير خارق للعادة.
الامام المعصوم، عند الشيعة، لا يعني رأس الحكومة الاسلامية فحسب، بل هو القائد "المعنوي" و "المادي" و "الظاهري" و "الباطني" وقائد كل جوانب المجتمع الاسلامي أيضاً. وعليه تقع مسؤولية حماية العقائد والاحكام الاسلامية بدون أي خطأ أو انحراف، وهو عبد اختاره الله من بين عبيده.
إلاّ أنَّ أهل السنة لا يفسرون الامامة هكذا، وإنَّما يعتبرونه رئيس حكومة المجتمع الاسلامي. وبعبارة اُخرى أنَّهم يعتبرون الحكام في كل عصر وزمان خلفاء رسول الله وائمة المسلمين!
أما الشعب فيعتقدون بوجوب أنْ يكون في كل عصر وزمان ممثل إلهي نبيّ أو امام معصوم على هذه الارض، لكي يحرس هذا الدين الحق، ويهدي السائرين الى الله. وإذا ما غاب عن الانظار لسبب من الاسباب، عهد الى آخرين بتمثيله في تبليغ الاحكام وتشكيل الحكومة.
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية، آية الله مكارم الشيرازي ، مؤسسة البعثة، ط2. ص135-140
source : http://almaaref.org