1- معرفة الله وتقدم العلوم
لنفرض أنَّ صديقاً قدم عليك من سفر و جلب لك معه كتاباً هدية، وقال لك إنَّه كتاب ثمين لأنَّ مؤلّفه من كبار العلماء، واسع الاطلاع، ضليع في موضوعه، و يعتبر استاذاً نابغة.
وبناء على ذلك سوف لا تقرأ الكتاب قراءة عابرة، بل بالعكس، تحاول أنْ تكون دقيقاً في قراءتك الكتاب و تتمعّن في عباراته و حتى كلماته، و إذا لم تفهم عبارة منها فانك تقضي الساعات، و ربّما الايّام المتوالية، تفكر في تلك العبارة كلّما واتتك الفرصة لعلك تدرك معناها لمعرفتك أنَّ المؤلف ليس شخصاً عادياً، بل هو عالم كبير لا يكتب كلمة إلاّ بحساب.
ولكن إذا قالوا لك إنِّ الكتاب و إنْ كان جميل المظهر، إلاّ أنَّ مؤلّفه رجل قليل المعرفة، ضعيف الدّراية ولا يعتمد على أقواله. لا شك أنَّك قد لا تلقي على الكتاب سوى نظرة عابرة، و إذا طالعتك جملة غير مفهومة قلت: هذا دليل جهل المؤلف، و إنَّ الكتاب لا يستحق الوقت الذي يقضيه المرء في مطالعته.
عالم الوجود هذا أشبه بكتاب ضخم، كلّ كائن فيه يمثل كلمة أو جملة فيه. فمن وجهة نظر الانسان المؤمن بالله، تعتبر كلّ ذرّة في هذا الكون جديرة بالدراسة. أن المؤمن وهو غارق في أنوار عبادة الله يباشر بدراسة أسرار الخليقة بكل دقة وتفحص وهذا ما يساعد على تقدم العلوم الانسانية، لانَّه يعلم أنَّ خالق هذه الاجهزة والنُظُم لا يدانيه أحد في علمه وقدرته، وانَّ لكلّ عمل من أعماله حكمة وغاية، لذلك فإنَّه يتحرّى الدّقة في دراسته وأبحاثه ليتسنى له درك أسرارها.
أمّا الانسان المادي فلا يملك دافعاً يدفعه لدراسة أسرار الخليقة، لانّه يعتبر خالقها هو الطّبيعة العمياء. أمّا العلماء الماديون من المخترعين و مكتشفي العلوم الطبيعية، فانّهم غالباً ما يعترفون بوجود الله، وإنْ أطلقوا عليه اسم "الطّبيعة" التي يرون في عملها "نظاماً" و"حساباً" و"تخطيطاً".
إذن، عبادة الله وسيلة من وسائل تقدم العلوم.
2- معرفة الله والسّعي والأمل
عندما يواجه الانسان الصعاب والعوائق في حياته، وتبدو الابواب وكأنَّها قد اُغلقت في وجهه ويحس بضعفه ووحدته في مواجهة المشكلات، يهبّ ايمانه بالله الى عونه وتقوية معنوياته.
إنَّ المؤمنين بالله لايرون أنفسهم وحيدين وضعفاء، ولا ينتابهم اليأس، لانّهم يؤمنون بأنَّ قدرة الله أكبر من كلّ مشكلة، وأنَّ كلّ شيء عنده سهل يسير.
إنّهم يتدرعون بلطف الله وحمايته وعونه، وينهضون لمقارعة الخطوب والصعاب مستفيدين من كل قواهم، يدفعهم حبّ الله والأمل فيه الى الاستمرار في بذل المساعي، فيتغلبون على الصّعاب والمشاكل.
أجل، فالايمان بالله سند عظيم للانسان. الايمان بالله مدعاة للثّبات والشّجاعة.
الايمان بالله يحيي في القلوب نور الأمل دائماً ولهذا لا يقدم المؤمن على الانتحار، لأنّ الاقدام على قتل النفس إنّما هو دليل على اليأس والقنوط النّابعين من الاحساس بالهزيمة، المؤمن لا ييأس ولا ينهزم.
3- معرفة الله والشّعور بالمسؤولية
ثمّة أطباء إذا راجعهم مرضى فقراء فانَّهم فضلاً عن عدم مطالبتهم إيّاهم باُجرة العلاج والطبيب، يعطونهم ثمن الدّواء أيضاً، بل إذا أحسوا بأنَّ مريضهم في حالة خطرة قضوا الليل ساهرين الى جنبه في بيته المتواضع. هؤلاء اُناس يخشون الله ويؤمنون به.
غير أن هناك أطباء آخرين لا يتقدمون خطوة واحدة لمساعدة مريض قبل أنْ يتقاضوا أجرهم، وذلك لضعف إيمانهم .
إنَّ الانسان المؤمن مهما كانت حرفته فإنَّه يشعر بالمسؤولية، ويعرف واجبه، ويعمل الخير ويكون متسامحاً، إنَّه يشعر دائماً بوجود شرطي في أعماقه يراقب أعماله.
أمّا الانسان غير المؤمن فانه شخص أناني، عنيد، خطر، لايتحمل أية مسؤولية، ولايرى غضاضة في ظلم الآخرين والاعتداء على حقوقهم، وقلّما يقوم بأعمال صالحة.
4- معرفة الله والاطمئنان
يقول علماء النفس إن الامراض النّفسية منتشرة في أيّامنا هذه أكثر ممّا كانت في السّابق.
ويقولون إنَّ أحد عوامل هذه الامراض هو القلق ـ القلق من حوادث المستقبل، القلق من الموت، القلق من الحرب، القلق من الفقر، و القلق من الاخفاق.
ويضيف هؤلاء: إنَّ ممّا يساعد على إزالة القلق من روح الانسان هو الايمان بالله، فكلما نفذت عوامل القلق الى نفس المؤمن أبعدها الايمان بالله عنه، ذلك الله الرّحيم، الرّزاق، العالم بأحوال عباده، الذي يعينهم كلّما اتجهوا إليه في طلب العون، ويزيح عنهم دواعي القلق والخوف.
ولهذا نجد المؤمن يعمل في الحق مطمئن النفس، لامكان للقلق في نفسه. وبما أنَّ المؤمن يعمل في سبيل الله، فاذا واجه ضرراً يتوجّه الى الله يطلب منه دفع الضّرر، وهو لا تفارق الابتسامة شفتيه حتى في ساحة الوغى.
قال الله في كتابه الكريم: ?الّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلْم اُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ?(الأنعام:82)
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي.
source : .www.rasekhoon.net