عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

العقاعد الکلام 4

 الايضاح الامر بين الامرين بالتمثيل :

قد اشتهر ان المثال يقرب من وجه ويبعد من الف , وقد استمدالمحققون لتبيين مكانة فعل الفاعل الى اللّه سبحانه بتمثيلين .

التمثيل الاول :

اذا اشـرقت الشمس على موجود صيقلي كالمرآة وانعكس النور منها على الجدار, فنور الجدار ليس مـن الـمرآة بالاصالة وبالذات , ولا من الشمس بلا واسطة , اذ ربما تشرق الشمس والجدار مظلم , بل هـو مـن الـمـرآة والـشـمـس مـعا, فالشمس مستقلة بالافاضة منورة بالذات دون الاخرى , والنور الـمـفـاض مـن الـشـمس غير محدود وانما يتحدد بالمرآة , فالحد للمرآة اولا وبالذات , وللنور ثانيا وبالعرض .
وان شـئت قلت : النور المفاض من الشمس غير محدود,وانما جا الحد من قالبها الذي اشرقت عليه وهي المرآة المحدودة بالذات , والمفاض هو نفس النور دون حدوده وكلماتنزل يتحدد بحدود اكثر ويـعرضه النقص والعدم , فيصح ان يقال النور من الشمس , والحدود والنقائص من المرآة ومع ذلك لولا الشمس واشراقها لم يكن حد ولا ضعف , فيصح ان يقال : كل من عند الشمس .
فـنـور الـوجـود البازغ من افق عالم الغيب كله ظل نور الانوارومظهر ارادته وعلمه وقدرته وحوله وقـوتـه , والـحـدودوالتعينات والشرور كلها من لوازم الذات الممكنة وحدودامكانها, او من تصادم الماديات وتزاحم الطبائع .

التمثيل الثاني :

قد نقل عن رسول اللّه (ص ) ((من عرف نفسه فقد عرف ربه ))ولعل الامعان في قوى النفس ظاهرية كـانت او باطنية يبين لنامكانة افعال العباد الى الباري تعالى , لان قوى النفس قائمة بها,فاذا قامت الـقـوى بـالـفعل والادراك يصح نسبتهما الى القوى كمايصح نسبتهما الى النفس فاذا راى بالبصر وسمع بالسمع ,فالافعال كلها فعل للنفس بالذات وللقوى بالتبع فلا يصح سلبهاعن النفس , لكونها بالبصر تبصر وبالسمع تسمع , ولا سلبها عن القوى لكونها قائمة بها ومظاهر لها.
يـقـول صـدر الـمتالهين : الابصار مثلا فعل الباصرة بلا شك ,لانه احضار الصورة المبصرة او انفعال البصر بها
((31)) , وكذلك السماع فعل السمع لانه احضار الهيئة المسموعة او انفعال السمع بها, فلا يـمـكـن شـي مـنـهما الا بانفعال جسماني فكل منهما فعل النفس بلا شك لانها السميعة البصيرة بالحقيقة ((32)) .
وانت اذا كنت من اهل الكمال والمعرفة تقف على ان تعلق نور الوجود المنبسط على الماهيات بنور الانـوار وفـنـائه فـيـه ,اشد من تعلق قوى النفس وفنائها فيها, لان النفس ذات ماهية وحدود وهما تـصححان الغيرية بينها وبين قواها, ومع ذلك ترى النسبة حقيقة واين هو عن الموجود المنزه عن الـتعين والحد, المبرا عن شوائب الكثرة والغيرية , والتضاد والتباين الذي نقل عن امير المؤمنين (ع ) قوله المعروف : ((داخل في الاشيا لا بالممازجة , خارج عنها لا بالمباينة ))
((33)) .
ايضاح :
قـد اتـضح بما ذكرنا ان حقيقة الامر بين الامرين تلك الحقيقة الربانية التي جات في الذكر الحكيم بالتصريح تارة والتلويح اخرى وجرت على السنة ائمة اهل البيت (ع ).
مـثـلا تجد انه سبحانه : نسب التوفي تارة الى نفسه ويقول : (اللّه يتوفى الانفس حين موتها)
((34)) واخـرى الـى مـلـك الـمـوت ويـقـول :(قـل يـتـوفـاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الي ربكم تـرجـعـون ) ((35)) وثـالـثـة الـى الـمـلائكة ويقول : (فكيف اذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم ) ((36)) .
ومـثـله امر الضلالة , فتارة ينسبها الى نفسه ويقول : (كذلك يضل اللّه الكافرين )
((37)) واخرى الى ابـلـيـس ويـقول : (انه عدومضل مبين ) ((38)) وثالثة الى العباد ويقول : (واضلهم السامري ) ((39)) والنسب كلها صحيحة وما هذا الا لكون امرالتوفي منزلة بين المنزلتين , وهو مصحح لعامة النسب .
ومـمـا يشير الى انه منبع كل كمال على الاطلاق حتى الكمال الموجود في الممكن قوله سبحانه : (الـحـمـد للّه رب الـعـالـمـيـن ) حـيـث قـصر المحامد عليه حتى ان حمد غيره لكماله , حمد للّه تبارك وتعالى , فلولا ان كل كمال وجمال له عز وجل بالذات لما صح هذا الحصر.
ويـشير الى المنزلة الوسطى بقوله : (واياك نستعين ) بمعنى نحن عابدون وفاعلون بعونك وحولك وقوتك .
هذه نزر من الايات التي تبين مكانة افعال الانسان بالنسبة الى البارئ , واما الروايات ففيها تصريحات وتـلـويـحـات , وقدجمع المحقق البارع الداماد ما يناهر اثنين وتسعين حديثا في الايقاظ الرابع من قبساته , ونحن نقتصر على عدة روايات منها:
1 روى الـكليني عن محمد بن ابي عبد اللّه
((40)) عن سهل بن زياد, ((41)) عن احمد بن ابي نصر الـثـقـة الـجـلـيـل قال : قلت لابي الحسن الرضا(ع ): ان بعض اصحابنا يقول بالجبر وبعضهم يقول بالاستطاعة .
قـال :((فقال لي : اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم , قال علي بن الحسين : قال اللّه عز وجل : يا بن آدم بـمـشـيئتي كنت انت الذي تشا, وبقوتي اديت الي فرائضي , وبنعمتي قويت على معصيتي , جعلتك سـمـيـعـا بصيرا, ما اصابك من حسنة فمن اللّه ,وما اصابك من سيئة فمن نفسك , وذلك اني اولى بحسناتك منك , وانت اولى بسيئاتك مني , وذلك اني لا اسال عما افعل وهم يسالون , قد نظمت لك كل شي تريد)) ((42)).
هذه الرواية هي المقياس لتفسير جميع الاحاديث الواردة في هذا المقام .
2 وبـهـذا المضمون ما رواه الوشا عن ابي الحسن الرضا(ع )قال سالته فقلت : ان اللّه فوض الامر الى الـعباد؟ قال : اللّه اعز من ذلك , قلت : فاجبرهم على المعاصي ؟(( قال : اللّه اعدل واحكم من ذلك )), ثـم قـال :(( قـال اللّه عـز وجل : يا بن آدم انا اولى بحسناتك منك , وانت اولى بسيئاتك مني , عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك )) ((43)).
3 روى هـشـام بـن سالم عن ابي عبد اللّه (ع ) قال :(( ان اللّه اكرم من ان يكلف الناس ما لا يطيقون , واللّه اعز من ان يكون في سلطانه ما لا يريد )) ((44)).
4 روى حـفص بن قرط عن ابي عبد اللّه (ع ) قال : قال رسول اللّه (ص ):(( من زعم ان اللّه تعالى يامر بـالـسـؤ والـفـحشا فقدكذب على اللّه , ومن زعم ان الخير والشر بغير مشيئة اللّه فقداخرج اللّه من سلطانه )) ((45)).

شبهات وحلول

قد ظهر وجه الحقيقة وانكشف الفجر الصادق من بين ظلمات مدلهمة , غير ان ثمة شبهات نذكرها تباعا مع حلولها.

الشبهة الاولى : الارادة ليست اختيارية :

ان اخـتـيارية الفعل , بمسبوقيتها بالارادة الحاصلة في ضمن مقدمات غير انا ننقل الكلام الى نفس الارادة فـهـل اخـتياريتهابارادة ثانية فثالثة ولا ينتهي الى حد فلازمه التسلسل , او ينتهي الى ارادة غير مسبوقة بارادة اخرى وهو اما ارادة الواجب تعالى ,او ارادة نفس الانسان الحاصلة بلا سبق ارادة , فـيـصـبـح الانـسان مجبورا في فعله لان المفروض ان الارادت التي انتهت اليهاسائر الارادات غير مسبوقة بارادة اخرى ؟.
وقد اجيب عن الاشكال باجوبة غير مقنعة , واليك بيانهاواحدا تلو الاخر:

الاول للسيد المحقق الداماد:

وقـد اجـاب عـنـه السيد المحقق الداماد ونقله صدر المتالهين في الاسفار وهذا لفظه : اذا انساقت الـعـلل والاسباب المترتبة المتادية بالانسان الى ان يتصور فعلا ويعتقد فيه خيرا ما, انبعث له تشوق الـيـه لا مـحالة , فاذا تاكد هيجان الشوق واستتم نصاب اجماعه , تم قوام الارادة المستوجبة اهتزاز العضلات والاعضاالادوية , فان تلك الهيئة الارادية حالة شوقية اجمالية للنفس ,بحيث اذا ما قيست الـى الـفـعـل نـفـسه , وكان هو الملتفت اليه بالذات , كانت هي شوقا اليه وارادة له , واذا قيست الى ارادة الـفعل وكان الملتفت اليه هي نفسها لا نفس الفعل , كانت هي شوقا وارادة بالنسبة الى الارادة من غير شوق آخر وارادة اخرى جديدة , وكذلك الامر في ارادة الارادة , وارادة ارادة الارادة الى سائر الـمـراتـب التي في استطاعة العقل ان يلتفت اليها بالذات ,ويلاحظها على التفصيل , فكل من تلك الارادات المفصلة يكون بالارادة وهي باسرها مضمنة في تلك الحالة الشوقية الارادية والترتب بينها بـالـتـقـدم والتاخر عند التفصيل ليس يصادم اتحادها في تلك الحالة الاجمالية بهيئتها الوحدانية , فـان ذلـك انما يمتنع في الكمية الاتصالية والهوية الامتدادية لاغير,فلذلك بان ان المسافة الاينية تـسـتـحيل ان تنحل الى متقدمات ومتاخرات بالذات هي اجزا تلك المسافة وابعاضها, بل انمايصح تحليلها الى اجزائها وابعاضها المتقدمة والمتاخرة بالمكان )) ((46)) .
يـلاحـظ عليه : ان المعلم الثالث مع ماله من العظمة والجلالة اشتبه عليه الامر, ومنشا الاشتباه هو الـخـلط بين الحقائق والاعتباريات , فان الارادة والعلم بالشي والعلم بذواتنا صفات وجودية لابد لها من علة موجدة حتى يستند كل اليها, وحينئذفالعلة التي اوجدت الارادة في انفسنا اما ارادة اخرى غـيـر مـنتهية الى حد يلزم التسلسل , او كانت منتهية الى ارادة غير مسبوقة بارادة اخرى من ارادة الـواجـب او الـمـمـكـن فـيـلـزم الاضطرار ولايمكن ان تكون علة الارادة نفسها بالضرورة ونظير ذلك ,اللزوم بين العلة والمعلول فهو امر حقيقي يقوم بعلة .
نعم اذا لاحظنا العلم بالعلم او لزوم اللزوم , بحيث صارالعلم الاول طرفا ومعلوما بهذا اللحاظ وخرج الـلزوم الاول عن الوسطية وصار موضوعا, فيعتبر علم آخر ولزوم ثان بينها وبين الموضوع وينقطع بـانـقـطـاع الاعـتـبـار, وهـذا مـا يـقـال مـن ان الـتسلسل في الامور الاعتبارية غير مضر لقوامه بالاعتباروينتفي بانتفائه , وكم له من نظير مثل موجودية الموجودوامكان الممكن وغيرها.
والـعجب انه قاس المقام بالنية مع ان الضرورة قاضية بعدم لزوم ان تكون نفس النية منوية فهي لا تحتاج الى نية اخرى , بخلاف الارادة اذ هي محتاجة الى اخرى حتى لا يلزم الاضطرار اوالالجا.
وقد اورد عليه صدر المتالهين وجوها ثلاثة ناخذ منهاالوجه الاخير حيث قال : ان لنا ان ناخذ جميع الارادات بحيث لايشذ عنها شي منها ونطلب ان علتها اي شي هي , فان كانت ارادة اخرى لزم كون شـي واحـد خـارجـا وداخـلا بـالـنسبة الى شي واحد بعينه هو مجموع الارادات وذلك محال , وان كان شيئا آخر لزم الجبر في الارادة
((47)) .
قلت : نظير هذا ما يقال في ابطال التسلسل من ان السلسلة غير المتناهية المترتبة على نحو الترتب الـعـلـي والـمـعـلـولي كلهاروابط ومعاني حرفية , فهذه الموجودات المتسلسلة وان كان لايمكن الاحاطة بها بالاشارة الحسية غير انه يمكن بالاشارة العقلية ولو بعنوان المشير, فنقول :
الـسـلـسلة غير المتناهية المحكوم عليها بالفقر والحاجة لا يمكن ان يدخل فرد منها في الوجود الا بـالافاضة عليه من جانب الغني بالذات , اذ الفقير الفاقد لجميع شؤونه حتى وجود ذاته لا يمكنه ان يكون معطيا ومغنيا سوا كان واحدا او كثيرا, متناهيا او غيرمتناه .

الثاني جواب صدر المتالهين :

و هـنـا جواب ثان ذكره صدر المتالهين وحاصله : ان المختارما يكون فعله بارادته لا ما يكون ارادته بـارادته والا لزم ان لاتكون ارادته سبحانه عين ذاته , والقادر ما يكون بحيث ان ارادالفعل صدر عنه الفعل والا فلا, لا ما يكون ان اراد الارادة للفعل فعل والا لم يفعل ((48)) .
وقـد اوضـحـه سـيـدنـا الاسـتـاذ (دام ظله ) ما هذا ملخصه : ان الارادة والعلم والحب من الصفات الحقيقية ذات الاضافة بين الانسان ومتعلقه .
ثـم ان الـمعلوم ما تعلق به العلم , والمحبوب ما تعلق به الحب لا ما تعلق بعلمه العلم وبحبه الحب , فهكذا المراد والمختار ماتعلقت به الارادة والاختيار لا ما تعلقت بارادته واختياره ,الارادة والاختيار, والـقـادر عـنـد العقلا من اذا شا صدر عنه الفعل واذا لم يشا او شا عدمه لم يصدر لا ما اذا اراد ارادة الـفعل صدر عنه , ولو كان المقياس في الاختيار هو تعلق الارادة على نظيرتها لم يصدر فعل ارادي عن المريد قط حتى الواجب .
فـان قلت : ليس النزاع في التسمية والاصطلاح حتى يندفع بماهو الميزان عند العقلا في تشخيص الفعل الاختياري عن غيره , بل هو معنوي وهو ان مبدا الفعل اعني الارادة اذا لم تكن باختيار النفس وانتخابها, بل كان رهن مقدمات غير اختيارية يصير الفعل معها اضطراريا غير اختياري ومعه لا تصح العقوبة وان سمي عندهم فعلا اختياريا.
قـلـت : ان الـبـحـث يقع تارة في تشخيص الفعل الارادي عن غيره , واخرى في تنقيح مناط صحة الـعـقوبة , وما افاده (طيب اللّه رمسه ) كاف في المقام الاول , اذ لا يشك اي ذي مسكة من ان الفعل الارادي هـو مـا تعلقت به الارادة لا ما تعلقت بارادتها ارادة ثانية , في مقابل حركة المرتعش , اذ هي صادرة عنه لا بارادة متعلقة بفعله , من غير فرق بين الواجب والممكن .
واما المقام الثاني اي تشخيص مناط صحة العقوبة وعدمها,فالمرجع في ذلك هو العقلا وفطرياتهم ومـرتـكـزاتـهـم , ولاريب ان جميع العقلا يميزون بين الحركة الارادية والحركة الارتعاشية بصحة المؤاخذة على الاولى دون الثانية , وليس ذلك الا لحكمهم بان الفعل صادر عن ارادته واختياره من دون اضطرار واجبار وما ذكر من الشبهة انما هو جدل عقيم في سوق الاعتبار.

الجواب الثالث للمحقق الخراساني :

وثـمة جواب ثالث للمحقق الخراساني اشار اليه في اوائل الجز الثاني عند البحث في التجري وقال : ((ان الاختيار (يريدمن الاختيار, الارادة ) وان لم يكن بالاختيار الا بعض مباديه ,يكون غالبا بالاختيار للتمكن من عدمه بالتامل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة ((49)).
يلاحظ عليه : ان الاشكال لا يحسم بما افاد: اذ لقائل ان يسال عن المبادئ التي ادعي انها بالاختيار, فهل الارادة المتعلقة بهامسبوقة بارادة اخرى او لا؟ فعلى الاول ينتهي الى ارادة غيرمسبوقة بارادة اخرى ولازمه الجبر والاضطرار, وعلى الثاني يلزم التسلسل .

الجواب الرابع للمحقق الحائري :

ان شـيـخ مـشـايـخنا العلا مة الحائري قد دفع الشبهة بوجه آخروقال : ((انما يلزم التسلسل لو قلنا بانحصار سبب الارادة في الارادة ولا نقول به , بل ندعي انها قد توجد بالجهة الموجودة في المتعلق , اعـني : المراد, وقد توجد بالجهة الموجودة في نفسها فيكفي في تحققها احد الامرين , وما كان من قـبيل الاول لا يحتاج الى ارادة اخرى وما كان من قبيل الثاني حاله حال سائرالافعال التي يقصدها الـفـاعـل بـمـلاحـظة الجهة الموجودة فيها ـالى ان قال : ـ والدليل على ان الارادة قد تتحقق في مصلحة في نفسها هو الوجدان , لانا نرى امكان ان يقصد الانسان , البقا في المكان الخاص عشرة ايام بـمـلاحـظـة ان صـحـة الصوم والصلاة التامتين تتوقف على القصد المذكور, مع العلم بعدم كون هذاالاثر مترتبا على نفس البقا واقعا, ونظير ذلك غير عزيز ((50)).
يـلاحـظ عـليه : ان الاشكال بعد باق , اذ لقائل ان يسال عن تعلق الارادة على ايجاد الارادة فهل هي مسبوقة بارادة اخرى وهكذافيتسلسل او لا؟ فيلزم الجبر.

الجواب الخامس :

ما هو المشهور بين المحصلين .
ان اخـتـيـاريـة كـل شـي بالارادة واما اختياريتها, فبذاتها اذ كل ما بالعرض لابد وان ينتهي الى ما بالذات , فكما ان كل موجودموجود بالوجود والوجود بنفسه , فهكذا الارادة .
ولا يخفى ان الاشكال بعد باق .
تـوضيحه : ان القائل خلط بين الجهات التقييدية والتعليلية ,فان مرادهم من قولهم : الوجود موجود بنفسه , هو انه لا يحتاج الى ضم حيثية تقييدية ورا وجود موضوعه نظيره حمل الابيض على البياض الـذي لا يـحـتـاج الـى ضـم ضـميمة وراوجود الموضوع , بخلاف قولنا: الجسم ابيض فان الحمل رهـن وجـود حـيـثـية تقييدية ورا الموضوع , ويسمى الاول المحمول بالصميمة والثاني المحمول بالضميمة .
وفـي الـوقـت نـفـسـه ان الـبياض وان كان مستغنيا عن الحيثية التقييدية ولكنه غير مستغن عن الـحـيـثـيـة الـتـعـلـيـلـيـة وعـلـى ضؤذلك , فحصول الارادة في صقع الذهن غير مستغن عن الـحيثية التعليلية فعندئذ فاما ان تحدث في النفس بارادة سابقة عليهااولا, وعلى الثاني تكون امرا غـيـر اخـتـيـاري لـعـدم مـسـبـوقيتهابارادة اخرى وعلى الاول , اما ان لا تنتهي سلسلة الارادات فيلزم التسلسل , واما ان تنتهي فيلزم الجبر ثم يعود الاشكال ويطرح نفسه من جديد.

الجواب السادس ما اجاب به سيدنا الاستاذ

وحـاصـل ما افاده : ان الارادة تصدر عن النفس بلا توسطشي آخر, فانها فاعلة بالتجلي الذي يكون تصور الفاعل كافيافي الايجاد والابداع ولا يتخلف عنه , هذا من جانب , ومن جانب آخر ان النفس من الـفـواعـل الالـهـيـة وكـل فـاعـل الـهـي يـجـدكـمالات فعله في مقام الذات فاذا كان الاختيار والانـتخاب موجودا في مقام الفعل فهو موجود في مرتبة الذات على نحوالاجمال والبساطة لنفس الـقـاعـدة , فيكون معنى ذلك ان النفس واجدة في مقام ذاتها وحاق وجودها كمالات فعلها, اعني : الـعلم والاختيار والارادة , بنحو اتم واشرف , فان وجود هذه الثلاثة فى اقسام الفعل امر بديهي فلابد ان تكون موجودة في مقام الذات , لما اشرنا اليه من القاعدة .
وعـلـى ضؤ ذلك فالنفس مختارة بالذات وفي ظل هذاالاختيار تصدر الارادة منها, فيكون الانسان في ارادته مختارافي ظل الاختيار الذاتي للنفس .

هذا اجمال ما افاده (دام ظله ) واليك تفصيله :

1 ان الافـعـال الـصـادرة عـن الـنـفـس تـنقسم الى : تكويني ونفسي , وان شئت قلت : الى تسبيبي ومـبـاشـري , فـالاول منهما مايصدر عنها لا بلة , كالخياطة والكتابة واحداث البنا الى غيرذلك من الامـور الـمـوجـودة خـارج لوح النفس , ففي هذه المواردكل من المقدمة وذيها, مسبوق بالتصور والـتـصـديـق والشوق المؤكد (في اغلب الموارد) فاذا تمت المقدمات يجد الانسان في ذهنه العزم والجزم والتصميم , وعند ذلك , تنقاد الاعضاوتتوجه نحو القيام بالفعل .
ان النفس في مجال هذا النوع من العمل فاعلة للحركة فبحركة العضلات تتحقق الافعال التكوينية التسبيبية من الخياطة والكتابة .
والـثـانـي مـنـهما ما يصدر عنه بلا آلة او بلة غير جسمانية , وان شئت قلت : ما يصدر عنها بخلا قية النفس وايجادها في صقعهاكصاحب ملكة علم الفقه او النحو, فاذا سئل عن عدة مسائل تاتي الاجوبة فـي الـذهن تباعا, واحدة تلو الاخرى , ونظيرهاخلق الصور البديعة الهندسية المقدارية , لمن زاول هندسة البنا وصار ذا ملكة فيها.
وهذا النوع من افعال النفس , اختيارية لها, وان لم يكن هناك تصور ولا تصديق , ولا شوق , ولا ارادة , وسيوافيك وجهه ومثلها الارادة , فانها فعل مباشري للنفس , وليست مسبوقة بمقدمات الارادة اصلا.
2 ان النفس في هذا النوع من الافعال , فاعلة بالتجلي وليست فاعلة بالعناية , والفاعل بالتجلي جامع لـكـمـالات فـعـلـه فـي مقام الذات على نحو الاجمال والايجاد, فالاجوبة العلمية والصور البديعة , والاخـتـيـار الملموس لكل انسان قبل التصميم والجزم , وحتى نفس الارادة ونظائرها موجودة في مـقـام الـذات لـكـن لا على نحو التفصيل , بل على سبيل الاجمال , فتكون النفس في مقابل الذات مـريـدة ومـخـتارة بالذات بشهادة وجودهما في مقام الفعل , ويكون هذا هو الملاك في كون القسم الـثـانـي فـعـلا اختياريا واراديا, لا سبق ارادة تفصيلية عليه فبالاختيار الذاتي تنشا الارادة والجزم والتصميم .
وتـعـلـم حـال الـنـفس اذا قيست الى الواجب عز اسمه , فانه سبحانه خلق الكون وما فيه لا بارادته الـتفصيلية والا يلزم ان تكون الذات محلا للحوادث , بل بارادة اجمالية او اختيار ذاتي , هماعين ذاته سـبـحـانه وان لم ينكشف لنا كنههما, فكما ان الملاك لكون فعله اختياريا هو كونه موجودا مختارا بالذات , باختيارهو عين ذاته , فهكذا النفس فهي مختارة في ايجاد القسم الثاني من الافعال باختيار ذاتي هو عين ذاتها.
والذي يحل العقدة , ويزيل الشبهة من راسها هو نفي كون شي واحد (مسبوقية الشي بالارادة ) ملاكا مـنـحصرا للاختيار,بل الملاك احد الامرين , اما مسبوقية الفعل بالاختيار, او كونه صادرا عن فاعل مختار ومريد بالذات , ولاجل ذلك صارت النفس مثلا للّه سبحانه وان كان سبحانه منزها عن المثل والند.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دواء القلوب
المُناظرة العشرون /مناظرة الاِمام الكاظم عليه ...
محكمة الآخرة
الجبر والاختيار
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 3
صفات الخالق وخصائصه
آراء الحكماء في المعاد الجسماني
المناظرة الحادية عشر/سماحة الشيخ مصطفى الطائي
أسباب النزول بين العموم والخصوص
الصفات الذاتية الثبوتية

 
user comment