إن مفهوم العبادة من المفاهیم الواضحة کالماء والأرض لکن مع وضوح مفهومهما ربما یصعب التعبیر عن حقیقتهما فی قالب الألفاظ .
وهکذا مفهوم العبادة من المفاهیم الواضحة مفهوما ومصداقا ، ولکن ربما یصعب تحدیدها تحدیدا منطقیا یکون جامعا للأفراد ومانعا للأغیار مع وضوح مصادیقها غالبا . فخضوع العاشق الولهان للمعشوق ، أو الجندی لرئیسه ، وشد الرحال إلى زیارة کبار الشخصیات کلها خضوع وخشوع ولیست بعبادة .
والرجوع إلى اللغة لا یسمن ولا یغنی من جوع ، لأن أصحاب المعاجم لم یکونوا بصدد تحدید مفهوم العبادة حتى یتخذ عندما ذکروه مقیاسا وتعریفا جامعا ومانعا . فإنهم فسروه بالخضوع والتذلل وما شابههما .
یقول ابن منظور فی لسان العرب : أصل العبودیة الخضوع والتذلل .
ویقول الراغب فی المفردات : العبودیة : التذلل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غایة التذلل .
وفی القاموس المحیط : العبادة : الطاعة . إلى غیر ذلک من التعاریف المتقاربة .
ومن المعلوم أن هذه تعاریف بالمعنى الأعم ، إذ لیس مجرد الخضوع والتذلل ولا غایتهما حدا للعبادة ، فإن حب العاشق للمعشوق لا یعد عبادة له ، کما أن تقبیل المصحف الکریم لیس عبادة للکتاب ، وأوضح من ذلک أن سجود الملائکة لآدم ، کقوله سبحانه : * ( فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبَى ) * ( 1 ) وسجود النبی یعقوب " علیه السلام " وزوجه وأولاده لیوسف " علیه السلام " ، کما فی قوله سبحانه : * ( وَرَفَعَ أَبَوَیْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا ) * ( 2 ) لم یک عبادة للمسجود له ، أعنی آدم أبا البشر ولا النبی یوسف " علیه السلام " .
وقد بلغ خضوع الصحابة للنبی " صلى الله علیه وآله وسلم " بمکان أنهم کانوا یتبرکون بفضل وضوئه وشعر رأسه ، والإناء الذی یشرب منه الماء ، والمنبر الذی کان یجلس علیه ، ومن الواضح أن هذا النوع من التبرک غایة الخضوع منهم للنبی " صلى الله علیه وآله وسلم " ومع ذلک لم یبلغ حد العبادة ولم یصفهم أحد بأنهم کانوا یألهون النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " ویعبدونه کل ذلک یجرنا إلى أن نقوم بتعریفها حتى یعم جمیع المصادیق ویمنع عن دخول غیرها .
والطریق الواضح لحل هذه المعضلة هو الوقوف على مقومات العبادة وإمعان النظر فی العبادات الصحیحة التی قام بها المسلمون على مر العصور ، وفی العبادات والطقوس الباطلة التی کانت تمارس من قبل الوثنیین فی الجاهلیة والعصر الحاضر حتى نقف على الخصوصیات المکنونة فی عمل الجمیع والتی على ضوئها تطلق علیها عبادة ، إذا فتحلیل أعمالهم والوقوف على المیزات الموجودة فیها والخصوصیات الکامنة یوقفنا أولا على حقیقة العبادة ، ویرسم لنا ثانیا تعریفا جامعا ومانعا على نحو یکون مقیاسا لتمییز العبادة عن غیرها .
وإلیک تحلیلها : لا شک أن الجامع بین جمیع أقسام العبادات صحیحها وباطلها هو الخضوع للمعبود سواء أکان مستحقا له کالله سبحانه أو غیر مستحق له کالأصنام والأوثان أو الأجرام السماویة من النجم والقمر والشمس والأرواح والمثل النوریة المجردة ، فالعبادة فی جمیع تلک المراحل تتمتع بالخضوع وهو عمل قائم بالجوارح کالرأس والید وغیرهما ، فالعابد یخضع بجل جوارحه أو بشئ منها أمام المعبود وهذا أمر لا سترة فیه .
ولکن هناک خصوصیة أخرى موجودة فی الجمیع وهو أمر قائم بالضمیر والقلب ولعله الأساس لإضفاء العبادة على العمل الجارحی ، وهی عبارة عن اعتقاد خاص بالمعبود الذی یکون مبدأ للخضوع الظاهری .
فالواجب علینا بیان تلک الخصوصیة الموجودة فی جمیع الأقسام وإلیک التوضیح : أما الموحدون الذین یعبدون الله تبارک وتعالى ، فخضوعهم نابع عن اعتقادهم بأنه خالق للکون والإنسان ، والمدبر للعالم الذی بیده کل شئ فی الدنیا والآخرة ، ولیس هناک أی خالق ومدبر ومالک لمصالح العباد ومصائرهم فی العاجل والآجل سواه .
أما العاجل فیعتقدون أن الخلق والتدبیر والإحیاء والإماتة و إنزال المطر والخصب والجدب وکل عندما یعد ظاهرة طبیعیة من فعله سبحانه لا من فعل غیره الذی لا یملک أی تأثیر فی مصیر الإنسان .
أما الآجل فیعتقدون أن الشفاعة ومغفرة الذنوب وغیرهما من الأمور الأخرویة بیده تعالى .
وعلى ضوء ذلک فالعبادة هو الخضوع النابع عن الاعتقاد بخالقیته ومدبریته وکون أزمة الأمور ومصیر الإنسان فی الدنیا والآخرة بیده .
هذا حال الموحدین وأما المشرکون فی عصر الرسالة وقبله وبعده فخضوعهم لمعبوداتهم کان نابعا عن اعتقاد خاص یضاد ذلک ، فاللازم هو تحصیل ذلک الاعتقاد .
یظهر من بعض الآیات أن العرب فی العصر الجاهلی کانوا موحدین فی الخالقیة ، قال تعالى : * ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَیَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِیزُ الْعَلِیمُ ) * (3) ولکنهم فی الوقت نفسه کانوا مشرکین فی التدبیر الذی نعبر عنه بالربوبیة ، فکانوا یعتقدون بأرباب ، مکان الرب الواحد ، ولکل رب شأن فی عالم الکون .
ویدل على ذلک طائفة من الآیات نذکر بعضها :
1 . إن الموحد یرى أن العزة بید الله سبحانه ومنطقه ، قوله سبحانه : * ( فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِیعًا ) * . ( 4 ) ولکن المشرک فی عصر الرسالة کان یرى أن العزة بید الأصنام والأوثان کما یحکی عن عقیدته قوله سبحانه : * ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّیَکُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) * . ( 5 )
2 . إن الموحد یرى أن النصر بید الله تبارک وتعالى ویردد على لسانه ، قوله سبحانه : * ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَکِیمِ ) * . ( 6) ولکن المشرک فی عصر الرسالة کان یعتقد بأن النصر بید الآلهة والأرباب المزیفة ، قال سبحانه : * ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ یُنصَرُونَ ) * . ( 7 )
3 . إن الموحد یؤمن بأن أمر التدبیر بید الله ، قال سبحانه : * ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ الْغَیْثَ ) * . ( 8 ) کما أن بیده الجدب والخصب قال سبحانه : * ( وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ ) * . ( 9 ) ولکن المشرک کان یستمطر بالانواء بل یستمطر بالأصنام .
یقول ابن هشام فی سیرته : کان عمرو بن لحی أول من أدخل الوثنیة إلى مکة وضواحیها ، فقد رأى فی مآب من أرض البلقاء من بقاع الشام أناسا یعبدون الأوثان وعندما سألهم عما یفعلون قائلا : ما هذه الأصنام التی أراکم تعبدونها ؟ قالوا : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم : أفلا تعطوننی منها صنما فأسیر به إلى أرض العرب فیعبدوه ؟ وهکذا استحسن طریقتهم واصطحب معه إلى مکة صنما کبیرا یقال له " هبل " ووضعه على سطح الکعبة المشرفة ودعا الناس إلى عبادته . (10 )
4 . ثم إن الموحد یرى أن غفران الذنوب والشفاعة بیده سبحانه فلیس هناک غافر للذنوب إلا الله سبحانه ولا شفیع إلا بإذنه ، یقول سبحانه : * ( فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ) * (11 )
وقوله سبحانه : * ( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَّهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) * . (12 )
وقال سبحانه : * ( وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ ) * . ( 13 )
وأما المشرک فکان یعتقد بأن الشفاعة بید الآلهة والأرباب المزیفة ، والشاهد علیه أن الآیات الماضیة نزلت ردا على عقیدة المشرکین حیث کانوا یعتقدون بأنهم مالکون مقام الشفاعة بتفویض من الله سبحانه ولأجل ذلک یؤکد على نفی تلک العقیدة فی آیات أخرى ، ویقول : * ( لا یَمْلِکُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) * (14)
وقال : * ( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) * (15 )
وقال : * ( وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ ) * . (16 )
کما یرى أن مغفرة الذنوب بید الآلهة والشاهد على ذلک ( وصفه سبحانه ) نفسه بأنه " غافر الذنب " . (17)
5 . إن الموحد یرى مصیره عاجلا وآجلا بیده سبحانه : وهذا هو إبراهیم الخلیل رائد التوحید یعلن عقیدته أمام الملأ من المشرکین ، یقول سبحانه حاکیا عنه : * ( الَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ * وَالَّذِی هُوَ یُطْعِمُنِی وَیَسْقِینِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ * وَالَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحْیِینِ ) * . ( 18 )
ولکن المشرک یرى کل ذلک أو أکثره بید آلهته وأربابه ، کما یعرب عنه قوله سبحانه : * ( وَمِنَ النَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللَّهِ ) * ( 19 ) ویقول تعالى حاکیا عن لسان المشرکین یوم الحشر عند ندمهم عن عبادة الآلهة ، * ( تَاللَّهِ إِن کُنَّا لَفِی ضَلالٍ مُّبِینٍ * إِذْ نُسَوِّیکُم بِرَبِّ الْعَالَمِینَ ) * . (20)
6 . إن الموحد یرى أمر التشریع والتحلیل والتحریم بیده سبحانه ، ویقول : * ( إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ) * . (21 ) ولکن المشرک یرى أن التشریع بید الأحبار والرهبان ، قال سبحانه : * ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ) * ( 22 ) فقد کانوا على اعتقاد أن الأحبار والرهبان یملکون مقام التشریع فلهم أن یحلوا الحرام أو یحرموا الحلال بأخذ شئ من حطام الدنیا .
إلى غیر ذلک مما یبین عقیدة المشرکین فی العصر الجاهلی ویکشف عن أن خضوع المشرکین لم یکن خضوعا مجردا نابعا عن الحب المجرد بل ناجما عن عقیدة خاصة فی الآلهة والأرباب ، والاعتقاد بأن أمر التدبیر بعضه أو کله بیدهم وأن مصیرهم موکول إلیهم .
نعم لم تکن عقیدتهم فی ربوبیتهم على درجة واحدة ، بل کانت تختلف حسب اختلاف الظروف والشرائط . فطائفة منهم تعتقد بسعة ربوبیة الأرباب والآلهة کما کان علیه المشرکون فی عصر إبراهیم حیث کانوا یعتقدون بربوبیة النجم والقمر والشمس للموجودات الأرضیة کما حکاه سبحانه عنهم فی عدة من الآیات ، قال سبحانه : * ( وَکَذَلِکَ نُرِی إِبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ الْمُوقِنِینَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ رَأَى کَوْکَبًا قَالَ هَذَا رَبِّی فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِینَ . . . ) * . ( 23 ) وطائفة أخرى تعتقد بضیق ربوبیة تلک الآلهة وتخصها ببعض ما یمت إلى الإنسان بصلة کاختصاصهم بحق الشفاعة والمغفرة والعزة والنصرة فی الحروب إلى غیر ذلک ، ومن أراد التفصیل فلیرجع إلى کتب الملل والنحل . ( 24 ) والذی کان یجمع المشرکین فی معسکر واحد هو اعتقادهم بمالکیة الآلهة شیئا من الربوبیة وإدارة الکون وحیاة الإنسان .
ونلفت نظر القارئ إلى بعض النماذج مما أثر عن المشرکین فی مجال عقیدتهم . قال زید بن عمرو بن نوفل الذی ترک عبادة الأصنام قبل أن یبعث النبی " صلى الله علیه وآله وسلم " حیث یحکی عن عقیدته فی الجاهلیة ویقول :
أرب واحد أم ألف رب * أدین إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جمیعا * کذلک یفصل الجلد الصبور
للا عزى أدین ولا ابنتیها * ولا صنم بنی عمرو أزور
ویقول أیضا :
إلى الملک الأعلى الذی لیس فوقه * إله ولا رب یکون مداینا ( 25 )
هذه الأشعار وسائر الکلمات المرویة قبل مبعث النبی تثبت أمرا واحدا ، وهو أن آلهتهم کانت تتمتع حسب عقیدتهم بقوة غیبیة مالکة لها مؤثرة فی الکون ومصیر الإنسان ، وأن هؤلاء آلهة وأرباب والله سبحانه إله الآلهة ورب الأرباب .
ویمکن أن نتطرق إلى المواقف التی اتخذوها أمام أصنامهم وأوثانهم من خلال استعراض الآیات التی تندد بالمشرکین وتشجب عملهم .
1 . * ( إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُکُمْ ) * . ( 26 )
2 . * ( قُلِ ادْعُواْ الَّذِینَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنکُمْ وَلاَ تَحْوِیلاً ) * . ( 27 )
3 . * ( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ یَنفَعُکَ وَلاَ یَضُرُّکَ ) * . ( 28 )
4 . * ( إِن تَدْعُوهُمْ لا یَسْمَعُوا دُعَاءَکُمْ ) * . ( 29 )
5 . * ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِی هُوَ جُندٌ لَّکُمْ یَنصُرُکُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْکَافِرُونَ إِلاَّ فِی غُرُورٍ ) * . ( 30 )
6 . * ( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا یَسْتَطِیعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا یُصْحَبُونَ ) * . ( 31 ) إلى غیر ذلک من الآیات المنددة بعمل المشرکین حیث تجد أنه سبحانه یرشدهم إلى الحقیقة الناصعة ویبطل عقیدتهم المزیفة بالحجج التالیة :
أ . إنهم * ( عِبَادٌ أَمْثَالُکُمْ ) * فلا ربوبیة لهم کلا أو بعضا .
ب . * ( فَلاَ یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ ) * فلا ربوبیة لهم حتى یکشفوا الضر عنکم .
ج . لا ینفعون ولا یضرون ، ولا یسمعون فکیف تعبدونهم ؟ کل ذلک یکشف عن أن المخاطبین کانوا على اعتقاد راسخ بأن للآلهة قدرة غیبیة فوق الإنسان وأن زمام کشف الضر بأیدیهم فینفعون ویضرون .
إلى هنا تبین أن حقیقة العبادة قائمة بأمرین :
الأول : یرجع إلى جوارح الإنسان المشعرة بالتعظیم والخضوع .
الثانی : یرجع إلى عقیدة الخاضع فی حق المخضوع له بنحو من الأنحاء من کونه خالقا أو ربا أو من بیده مصیر الإنسان کلا أو جزءا فلا تتحقق مفهوم العبادة إلا بتحققهما .
نعم یبقى هنا سؤال وهو أن العرب فی العصر الجاهلی لو کانوا معتقدین بربوبیة الآلهة ، فلماذا یحکی عنهم القرآن بأن عبادتهم کانت لأجل التقرب بعبادتهم إلى الله فقط لا غیر ، قال سبحانه : * ( أَلا لِلَّهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِیَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِیُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ ) * . ( 32 ) حیث یحکی عنهم سبحانه قولهم : * ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِیُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) * أی یقولون : نحن لا نعدهم مؤثرین فی حیاتنا ومصیرنا وإنما نعبدهم لنتقرب بعبادتهم إلى الله .
والجواب : أنه لا شک حسب ما مر من الآیات أنهم کانوا یتخذونهم آلهة وأربابا وکانوا یستمطرون ویعتزون بهم إلى غیر ذلک من صفات الآلهة ، ومع ذلک کیف یمکن أن تحصر عبادتهم فی طلب التقرب إلى الله ، وهذا یدلنا إلى القول بأنهم کانوا یقولون فی ألسنتهم ما لیس فی قلوبهم ولذلک نرى أنه سبحانه یقول فی ذیل الآیة * ( إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ ) * مشیرا إلى أنهم کاذبین فی ذلک المدعى وإنما یعبدونهم لغایات دنیویة ، وهو اکتساب العزة والنصرة والخصب والنعمة والشفاء والشفاعة . وحیث إنه طال الکلام فی هذا الفصل الذی تناولنا فیه بیان مقومات العبادة نحیل تعریفها إلى الفصل اللاحق .
المصادر :
1- الحجر / 30 - 31 .
2- یوسف / 100 .
3- الزخرف / 9 .
4- فاطر / 10 .
5- مریم / 81 .
6- آل عمران / 126 .
7- یس / 74 .
8- لقمان / 34 .
9- البقرة / 155 .
10- انظر السیرة النبویة : 1 / 76 - 77 .
11- آل عمران / 135 .
12- الزمر / 44 .
13- الزخرف / 86 .
14- مریم / 87 .
15- سبأ / 23 .
16- الزخرف / 86 .
17- راجع غافر / 3 .
18- الشعراء / 78 - 81 .
19- البقرة / 165 .
20- الشعراء / 97 - 98 .
21- یوسف / 40 .
22- التوبة / 31 .
23- الأنعام / 75 - 80 .
24- الشهرستانی : الملل والنحل : 2 / 244 .
25- الآلوسی : بلوغ الإرب : 2 / 249 .
26- الأعراف / 194 .
27- الإسراء / 56 .
28- یونس / 106 .
29- فاطر / 14 .
30- الملک / 20 .
31- الأنبیاء / 43 .
32- الزمر / 3 .
source : .www.rasekhoon.net