عن الاِمام الباقر عليه السلام : « من قسم له الرفق قسم له الايمان » (1)، هذا يعني أن الرفق يفضي إلى الاِيمان .
وعن الاِمام الباقر عليه السلام : « لكلِّ شيء قفل ، وقفل الاِيمان الرفق » (2) فمن كان رفيقاً بنفسه وبالناس وبالحيوان كان قلبه منفتحاً للاِيمان .
نتائج عدم الرفق بالنفس :
إنَّ قصة البقرة في القرآن قصة طريفة تحكي سهولة التشريع الاِلهي ، وتشديد الاِنسان على نفسه فيما يضعه من قيود وضوابط لم يكن ملزم بها من قبل ربه ، فبنو إسرائيل بعد أن ضيّقوا على أنفسهم ضيّق الله عليهم ، أولم يطلب منهم إلاّ ذبح بقرة نكرة غير معرّفة بوصف معين كما هو منطوق الآية الشريفة ( وإذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ إنَّ اللهَ يأمُرُكُم أن تَذبَحُوا بَقَرَةً: البقرة 67) فهو سبحانه لم يعرّفها بالالف واللام ليسهل عليهم التكليف وليتحقق مراده بذبح أي بقرة أرادوا ذبحها ، وتحل مشكلتهم تلك بمعرفة الجاني الذي قتل أحد مشايخهم الاثرياء بضربه ببعضها ليحيا ويشخّص لهم القاتل وينتهي الخلاف المتأزم بينهم .
إلاّ أنهم مارسوا اللجاجة وماطلوا كثيراً في أداء التكليف ، متّهمين موسى عليه السلام بالهزو فيهم ، إذ قالوا : ( أتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أعُوذُ بِاللهِ أن أكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ :البقرة 67) ؛ لاَن الهزو يناسب الجُهّال وهو كليم الله ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَنَا مَا هِيَ :البقرة 68) ظناً منهم أنها ذات خصوصية فريدة في أوصافها قال : (إنّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا فَارضٌ وَلا بِكرٌ :البقرة 68) أي ليست مسنة ولا صغيرة وإنّما هي ( عَوَانٌ بَينَ ذَلِكَ ) أي متوسطة ( فَافعَلُوا مَا تُؤمَرُونَ: البقرة68) في ذبح هكذا بقرة ولا تماطلوا ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَنَا مَا لَونُهَا ) متكلفين البحث فيما ليس مطلوباً منهم ومشددين على أنفسهم بما لم يشدد به عليهم ( قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ صَفرَاءُ فَاقِعٌ لَونُهَا تَسُرُّ النَاظِرِينَ :البقرة69) غير أنّهم لم يقفوا عند هذا الحد من اللجاجة والمماطلة فيذبحوا بقرة صفراء متوسطة العمر ، وما أكثر البقر الذي يتمتع بهذه المواصفات ، فلم يريحوا أنفسهم ولا نبيهم من عناء البحث والتدقيق بل نراهم اندفعوا في أسئلتهم التي تعقّد عليهم الاَمر ( قَالُوا ادعُ لَنَا رَبَّك يُبَيّن لَنَا مَا هِيَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَينَا ) ؟!! ( وإنَّا إن شَاءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ :البقرة70) يالهم من حمقى لا يرفقون بأنفسهم ولا يتأدبون مع نبيهم ، إذ لم يسكتوا عما سكت عنه ، ويالهم من متكبرين في نفوسهم والفاظهم إذ لم يقولوا ادعُ لنا ربنا وإنّما قالوا ادعُ لنا ربك ؟!!
ومثل هذا الطرح يدلل على ضعف الاِيمان وغلظة الجَنان ، ولعل المقصود من قولهم ( وإنّا إن شَآءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) يعني إلى التصديق العملي بأوامرك وتنفيذها ، قال : ( إنّه يَقُولُ إنّها بَقَرَةٌ لا ذَلولٌ ) بين يدي مالكها ، طبعها النفور وعدم الانصياع ، صعباء لا تنقاد . فهي متمردة على العمل لا ( تُثِيرُ الاَرضَ :البقرة71)أي لا تستخدم في حراثة الاَرض كغيرها من البقر الذلول الذي ذُلّل بين يدي صاحبه ( وَلا تَسقِي الحَرثَ ) إذ هي ترفض العمل كغيرها في إدارة الناعور ( مُسَلَّمَةٌ ) من العيوب الجسدية ( لا شِيَةَ فِيهَا ) لونها أصفر بالكامل حتى قرنها وظلفها . وهكذا شدّد الله عليهم بتشديدهم على أنفسهم ( قَالُوا الآنَ جِئتَ بِالحَقِّ ) أي بالوصف الشامل الكامل ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفعَلُونَ :البقرة71) للجاجتهم وقد أتعبتهم هذه المواصفات وأبهضهم ثمنها ، إذ لم تكن هناك إلاّ بقرة واحدة تتمتع بهذه الاَوصاف النادرة ، ولم يعثروا عليها إلاّ بشق الاَنفس ، فلو رفقوا بأنفسهم لرفق الله بهم ، ولكنّهم ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم .
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال : « لولا أنّ بني إسرائيل قالوا : ( وإنّا إن شَاءَ اللهُ لَـمُهتَدُونَ ) ما اُعطوا أبداً ، ولو أنّهم اعترضوا بقرةً من البقر فذبحوها لاَجزأت عنهم ، ولكنّهم شدّدوا فشدّد الله عليهم » (3).
وعن الاِمام علي عليه السلام : « لكلِّ دين خلق وخلق الاِيمان الرفق » (4).
فالرفق إذن خلق الاِيمان وهذا يعني إنّك لا تجد مؤمناً حقاً إلاّ وتجده رفيقاً وسهلاً ليّناً عطوفاً رؤوفاً ، ولا تجد متمتعاً بهذه الخصال إلاّ ووجدته سهل الانقياد إلى الاِيمان .
اللّهم أعنا على أن نرفق بأنفسنا وبمن حولنا ولا تحرمنا رفقك ولطفك يا أرحم الراحمين .
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المصدر:
(1) الكافي 2 : 118 | 2 باب الرفق .
(2) الكافي 2 : 118 | 1 باب الرفق .
(3) الميزان في تفسير القرآن 1 : 104 . والكشاف ، للزمخشري 1 : 151 . وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير 1 : 115 .
(4) غرر الحكم : 542 | 32 ، ط دار الكتاب الاسلامي .
source : tebyan