مات أو هلك؟ في أى واد سلك؟ قلت: جعلت فداك ثم يكون ماذا؟ قال: لا يظهر إلا بالسيف ".
20 - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا حميد بن زياد الكوفي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن زائدة بن قدامة، عن عبدالكريم قال: " ذكر عند أبي عبدالله(عليه السلام) القائم، فقال: أنى يكون ذلك ولم يستدر الفلك حتى يقال: مات أو هلك، في أي واد سلك، فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم".
وهذه الاحاديث دالة على ما قد آلت إليه أحوال الطوائف المنتسبة إلى التشيع ممن خالف الشرذمة المستقيمة على إمامة الخلف بن الحسن بن على(عليه السلام) لان الجمهور منهم من يقول في الخلف: أين هو؟ وأنى يكون هذا؟ وإلى متى يغيب؟ وكم يعيش هذا؟ وله الآن نيف وثمانون سنة، فمنهم من يذهب إلى أنه ميت؟ ومنهم من ينكر ولادته ويجحد وجوده بواحدة(1) ويستهزء بالمصدق به، ومنهم من يستبعد المدة ويستطيل الامد ولايري أن الله في قدرته ونافذ سلطانه وماضي أمره وتدبيره قادر على أن يمد لوليه في العمر كأفضل ما مده ويمده لاحد من أهل عصره وغير أهل عصره، ويظهر بعد مضي هذه المدة وأكثر منها، فقد رأينا كثيرا من أهل زماننا ممن عمر مائة سنة وزيادة عليها وهو تام القوة، مجتمع العقل فكيف ينكر لحجة الله أن يعمره أكثر من ذلك، وأن يجعل ذلك من أكبر آياته التي أفرده بها من بين أهله لانه حجته الكبرى التى يظهر دينه على كل الاديان، و يغسل بها الارجاس والادران(2).
كأنه لم يقرأ في هذا القرآن قصة موسى في ولادته وما جرى على النساء والصبيان بسببه من القتل والذبح حتى هلك في ذلك الخلق الكثير تحرزا من واقع قضاء الله ونافذ أمره، حتى كونه الله عزوجل على رغم
___________________________________
(1) بواحدة يعنى ينكر أصل وجوده رأسا.
(2) الارجاس جمع رجس وهو بمعنى القذر، والعمل القبيح.
وفى بعض النسخ " الانجاس " وهو جمع نجس، والادران جمع درن وهو الوسخ.
(*)
[158]
أعدائه وجعل الطالب له المفني لامثاله من الاطفال بالقتل والذبح بسببه هو الكافل له والمربي، وكان من قصته في نشوئه وبلوغه وهربه في ذلك الزمان الطويل ما قد نبأ ناالله في كتابه، حتى حضر الوقت الذي أذن الله عزوجل في ظهوره، فظهرت سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنته تبديلا، فاعتبروا يا أولى الابصار و اثبتوا أيها الشيعة الاخيار على ما دلكم الله عليه وأرشدكم إليه، واشكروه على ما أنعم به عليكم وأفردكم بالحظوة فيه فإنه أهل الحمد والشكر.
(فصل)
1 - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسن بن حازم، قال: حدثنا عبيس بن هشام الناشري، عن عبدالله بن جبلة، عن فضيل [الصائغ]، عن محمد بن مسلم الثقفي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " إذا فقد الناس الامام مكثوا سنينا لايدرون أيا من أي، ثم يظهر الله عزوجل لهم صاحبهم ".
2 - وبه، عن عبدالله بن جبلة، عن علي بن الحارث بن المغيرة، عن أبيه قال: " قلت لابى عبدالله(عليه السلام): يكون فترة لا يعرف المسلمون فيها إمامهم؟ فقال: يقال ذلك، قلت: فكيف نصنع؟ قال: إذا كان ذلك فتمسكوا بالامر الاول حتى يبين لكم الآخر ".
3 - وبه، عن عبدالله بن جبلة، عن محمد بن منصور الصيقل، عن أبيه منصور قال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): " إذا أصبحت وأمسيت يوما لا ترى فيه إماما من آل محمد فأحبب من كنت تحب، وأبغض من كنت تبغض(1)، ووال من كنت توالى وانتظر الفرج صباحا ومساء ".
وأخبرنا محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن على العطار، عن جعفر بن محمد، عن منصور عمن ذكره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) مثله(2).
___________________________________
(1) أى كونوا على ما أنتم عليه.
(2) الكافى ج 1 ص 342 مع اختلاف في اللفظ.
(*)
[159]
4 - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى ; والحسن بن ظريف جميعا، عن حماد بن عيسى، عن عبدالله بن سنان قال: " دخلت أنا وأبي على أبى عبدالله(عليه السلام) فقال: كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدي ولا علما يري، فلا ينجو من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق، فقال أبي: هذا والله البلاء فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ؟ قال: إذا كان ذلك - و لن تدركه - فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الامر ".
5 - وبه، عن محمد بن عيسى ; والحسن بن ظريف، عن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: " قلت له: إنا نروى بأن صاحب هذا الامر يفقد زمانا فكيف نصنع عند ذلك؟ قال: تمسكوا بالامر الاول الذي أنتم عليه حتى يبين لكم ".
6 - محمد بن همام بإسناده يرفعه إلى أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة(1) يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم، قلت: فما السبطة؟ قال: الفترة، قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال: كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم ".
7 - وبه، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " كيف أنتم إذا وقعت السبطة بين المسجدين(2) فيأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها واختلفت الشيعة بينهم وسمى بعضهم بعضا كذابين، ويتفل بعضهم في وجوه بعض، فقلت: ما عند ذلك من خير، قال: الخير كله عند ذلك - يقوله ثلاثا - يريد قرب الفرج ".
حدثنا محمد بن يعقوب الكليني - رحمه الله - عن عدة من رجاله، عن أحمد بن
___________________________________
(1) في القاموس: أسبط: سكت فرقا - أى خوفا - وبالارض: لصق وامتد من الضرب، وفى نومه غمض، وعن الامر تغابي، وانبسط ووقع فلم يقدر أن يتحرك.و تقدم أن يأرز بمعنى ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض.
(2) الظاهر كون المراد بالمسجدين مسجد الحرام ومسجد النبى صلى الله عليه وآله أو الكوفة والسهلة والاول أظهر.
(*)
[160]
محمد، عن الحسن بن على الوشاء، عن علي بن الحسن(1)، عن أبان بن تغلب قال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): " كيف أنت إذا وقعت البطشة - وذكر مثله بلفظه "(2).
8 - حدثنا أحمد بن هوذة الباهلي أبوسليمان، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال: حدثنا عبدالله بن حماد الانصاري، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " يا أبان يصيب العلم سبطة، يأرز العلم بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها، قلت: فما السبطة؟ قال: دون الفترة، فبينماهم كذلك إذ طلع لهم نجمهم، فقلت: جعلت فداك فكيفنصنع وكيف يكون ما بين ذلك؟ فقال لي:(3) ما أنتم عليه حتى يأتيكم الله بصاحبها ".
هذه الروايات التي قدجاءت متواترة تشهد بصحة الغيبة وباختفاء العلم، و المراد بالعلم الحجة للعالم، وهي مشتملة على أمر الائمة(عليه السلام) للشيعة بأن يكونوا فيها على ماكانوا عليه لا يزولون ولا ينتقلون بل يثبتون ولا يتحولون ويكونون متوقعين لما وعدوا به، وهم معذورون في أن لا يروا حجتهم وإمام زمانهم في أيام الغيبة، و يضيق عليهم في كل عصر وزمان قبله أن لا يعرفوه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور عليهم الفحص(4) والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أوالاشادة بذكره(5)، فضلا عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا: إياكم والتنويه، و كونوا على ما أنتم عليه وإياكم والشك، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين(عليه السلام) من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها يطالبون بالارشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه، ويقترحون إظهاره لهم(6)، وينكرون غيبته لانهم بمعزل
___________________________________
(1) هو على بن الحسن الطاطرى الواقفى الموثق.كما في المرآة، وفى بعض النسخ " على بن الحسين ".
(2) البطشة: الاخذ بالعنف، والسطوة.
(3) كذا وفيه سقط، والسقط ظاهرا " كونوا على " بقرينة ما تقدم وما يأتى.
(4) المحظور - بالحاء المهملة والظاء المعجمة -: الممنوع.
(5) أشاد بذكره: رفعه بالثناء عليه.
(6) الاقتراح السؤال بعنف من غير ضرورة أو السؤال بطريق التحكم.
(*)
[161]
عن العلم(1) وأهل المعرفة مسلمون لما أمروا به، ممتثلون له، صابرون على ما ندبوا إلى الصبر عليه، وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله، والتصديق لاولياء الله، والامتثال لامرهم، والانتهاء عما نهوا عنه، حذرون ما حذر الله في كتابه من مخالفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والائمة الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم(2) " و لقوله: " أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولى الامرمنكم "(3) ولقوله: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين "(4).
وفى قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبدالله بن سنان - " كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علما يرى " دلالة على ما جرى و شهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الامام(عليه السلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم وانقطاع نظامهم، لان السفير بين الامام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم، فلما تمت المحنة على الخلق ارتفعت الاعلام ولا ترى حتى يظهر صاحب الحق(عليه السلام) ووقعت الحيرة التى ذكرت وآذننا بها أولياء الله.
وصح أمر الغيبة الثانية التى يأتى شرحها وتأويلها فيما يأتى من الاحاديث بعد هذا الفصل، نسأل الله أن يزيدنا بصيرة وهدى، ويوفقنا لما يرضيه برحمته.
(فصل)
- 1 - أخبرنا محمد بن همام، عن بعض رجاله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه عن رجل، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " أقرب ما يكون هذاه العصابة من الله وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله، فحجب عنهم ولم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه وهم في ذلك يعلمون ويوقنون أنه لم تبطل حجة الله
___________________________________
(1) بمعزل عنه أى مجانب له، بعيد عنه.
(2) النور: 63.
(3) النساء: 57.
(4) المائدة: 92.
(*)
[162]
ولا ميثاقه، فعندها توقعوا الفرج صباحا ومساء(1) فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته فلم يظهر لهم، وقد علم الله عزوجل أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته طرفة عين عنهم، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس "(2).
2 - حدثنا محمد بن يعقوب الكلينى، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن محمد بن خالد، عمن حدثه، عن المفضل بن عمر ; قال الكليني: و حدثنا محمد بن يحيى، عن عبدالله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " أقرب ما يكون العباد من الله عز وجل وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله عزوجل ولم يظهر لهم، ولم يعلموا [ب] مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحا ومساء، فإن أشد ما يكون غضب الله عزوجل على أعدائه إذا افتقدوا حجة الله فلم يظهر لهم(3)، وقد علم الله أن أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته [عنهم] طرفة عين، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس ".
___________________________________
(1) " أقرب ما يكون " الظاهر كون " ما " مصدرية و " كان " تامة، و " من " صلة لاقرب، والمعنى أقرب أحوال كونهم من الله وأرضاها عنهم حين افتقدوا حجتهم.ذلك لكون الايمان عليهم أشد والشبه عليهم أكثر وأقوى، والدعوة إلى الباطل أوفر وأبسط، والثبات على مر الحق أصعب وأمنع.لاسيما أذا امتد زمان الغيبة، " فعندها " أى عند حصول ذلك." فتوقعوا الفرج صباحا ومساء " كناية عن جميع الاوقات ليلا ونهارا.
قوله " فان أشد ما يكون غضب الله " في بعض نسخ الحديث " وان " وهو أظهر وما في المتن أيضا بمعنى الواو أو للتعقيب الذكرى، وكون الفاء للتعليل في غاية البعد وان أمكن توجيهه بوجوه.
(2) أى لا يكون ظهور الامام الا اذا فسد الزمان غاية الفساد، ويحتمل أن يكون ذلك اشارة إلى أن الغضب في الغيبة مختص بالشرار تأكيدا لمامر.(المرآة).
(3) في الكافى " اذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم ".
(*)
[163]
وهذا ثناء الصادق(عليه السلام) على أوليائه في حال الغيبة بقوله: أرضى ما يكون الله عنهم إذا افتقدوا حجة الله وحجب عنهم وهم مع ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله، ووصفه أنهم لا يرتابون ولو علم الله أنهم يرتابون لم يغيب حجته طرفة عين، والحمد لله الذي جعلنا من الموقنين غير المرتابين ولا الشاكين ولا الشاذين عن الجادة البيضاء إلى [البليات و] طرق الضلال المؤدية إلى الردي والعمى، مدا يقضى حقه ويمتري مزيده.
3 - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن المفضل ; وسعدان بن إسحاق بن سعيد ; وأحمد بن الحسين(1) ومحمد بن أحمد بن الحسن القطواني جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم الجواليقي، عن يزيد الكناسي قال: سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام) يقول: " إن صاحب هذا الامر فيه شبه من يوسف(2) ابن أمة سوداء، يصلح الله له أمره في ليلة "(3).
4 - حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي، عن أحمد ابن الحسين(4)، عن أحمد بن هلال، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب، عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) يقول: " إن في صاحب هذا الامر لشبها من يوسف(5)، فقلت: فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة، فقال: ما ينكر هذا الخلق الملعون اشباه الخنازير من ذلك؟ إن إخوة يوسف كانوا عقلاء الباء اسباطا أولاد انبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه وكانوا إخوته وهو
___________________________________
(1) يعنى به أبا عبدالله القرشى الاتى ذكره.
(2) في بعض الاحاديث " سنة من يوسف ".
(3) في كمال الدين " ان في القائم سنة من يوسف " وقال العلامة المجلسى قوله: ابن أمة سوداء " يخالف كثيرا من الاخبار التى وردت في صفة امه ظاهرا الا أن يحمل على الام بالواسطة أو المربية(4) يعنى به أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان أبا عبدالله القرشى.
(5) في بعض النسخ " لسنة من يوسف ".
(*)
[164]
أخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه، وقال لهم: " أنا يوسف " فعرفوه حينئذ فما تنكر هذه الامة المتحيرة أن يكون الله عزوجل يريد في وقت من الاوقات أن يستر حجته عنهم، لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه بمكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر(1)، فما تنكر هذه الامة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف، وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الامر يتردد بينهم، ويمشى في أسواقهم، ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال له إخوته: " ءإنك لانت يوسف؟ قال: أنا يوسف ".
حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب، عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول - وذكر نحوه أو مثله -.
5 - وحدثنا على بن أحمد، عن عبيدالله بن موسى، عن عبدالله بن جبلة، عن [الحسن بن] علي بن أبي حمزة، عن أبى بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام) يقول: " في صاحب هذا الامر سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى(2) وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة قلت: وما سنة محمد(صلى الله عليه وآله)؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا هرجا(3) حتى
___________________________________
(1) أى من طريق البادية.
(2) في جل النسخ ههنا وفى جميع المواضع الاتية " شبه " وسيأتى في بيان المؤلف ذيل ح 12 ص 175 " سنة " فالظاهر ان الصواب " سنة " وصحف بشبه.
(3) في بعض النسخ " هرجا مرجا " واصل الهرج والكثرة في الشئ والاتساع أى يقتل الكفار كثيرا.
(*)
[165]
رضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة ".
فاعتبروا يا أولي الابصار - الناظرة بنور الهدى والقلوب السليمة من العمى، المشرقة بالايمان والضياء - بهذا القول قول الامامين الباقر والصادق(عليهما السلام) في الغيبة وما في القائم(عليه السلام) من سنن الانبياء(عليهم السلام) من الاستتار والخوف، وأنه ابن أمة سوداء يصلح الله له أمره في ليلة، وتأملوه حسنا فإنه يسقط معه الاباطيل والاضاليل التي ابتدعها المبتدعون الذين لم يذقهم الله حلاوة الايمان والعلم وجعلهم بنجوة منه وبمعزل عنه، وليحمد هذه الطائفة القليلة النزرة(1) الله حق حمده على ما من به عليها من الثبات على نظام الامامة وترك الشذوذ عنها كما شذ الاكثر ممن كان يعتقدها وطار يمينا وشمالا وأمكن الشيطان [ومنه و] من قياده وزمامه، يدخله في كل لون، ويخرجه من آخر حتى يورده كل غي ويصده عن كل رشد، و يكره إليه الايمان ويزين له الضلال، ويجلي في صدره قول كل من قال بعقله، وعمل على قياسه، ويوحش عنده الحق(2) واعتقاد طاعة من فرض الله طاعته كما قال عزوجل في محكم كتابه حكاية لقول إبليس لعنه الله " فبعز تك لاغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين "(3) وقوله أيضا: " ولاضلنهم ولا منينهم(4) "، وقوله: " ولاقعدن لهم صراطك المستقيم(5) " أليس أميرالمؤمنين(عليه السلام) يقول في خطبته: " أنا حبل الله المتين، وأنا الصراط المستقيم، وأنا الحجة لله على خلقه أجمعين بعد رسوله الصادق الامين(صلى الله عليه وآله وسلم) " ثم قال عزوجل حكاية لما ظنه إبليس " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين "(6).
___________________________________
(1) النزرة بمعنى القليلة التافهة.
(2) يعنى ان الشيطان يوحش عنده الحق ويخوفه منه.
(3) ص: 82 و 83.
(4) النساء: 119.
(5) الاعراف: 16.
أى لاجلسن لهم ترصدا بهم.
(6) سبأ: 20.
(*)
[166]
فاستيقظوا رحمكم الله من سنة الغفلة، وانتبهوا من رقده الهوى(1)، ولا يذهبن عنكم ما يقوله الصادقون(عليهم السلام) صفحا باستماعكم إياه بغير اذن واعية وقلوب مفكرة وألباب معتبرة متدبرة لما قالوا، أحسن الله إرشاد كم وحال بين إبليس لعنه الله و بينكم حتى لا تدخلوا في جملة أهل الاستثناء من الله بقوله عزوجل: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين "(2) و [تدخلوا في] أهل الاستثناء من إبليس لعنه الله بقوله: " لاغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " والحمد لله رب العالمين.
6 - حدثنا محمد بن همام - رحمه الله - قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا عباد بن يعقوب(3)، عن يحيى بن يعلى، عن زرارة قال: سمعت أبا - عبدالله(عليه السلام) يقول: " إن للقائم(عليه السلام) غيبة قبل أن يقوم، فقلت: ولم؟ قال: يخاف - وأو مأ بيده إلى بطنه - ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، فمنهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: غائب، ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنين(4) وهو المنتظر غير أن الله يحب أن يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال زرارة: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أى شئ أعمل؟ قال: يا زرارة متى أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء: " أللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، أللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، أللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني " ثم قال: يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أو ليس الذى يقتله جيش.
___________________________________
(1) الرقدة - بالفتح -: النومة.
(2) الحجر: 42.
(3) عباد بن يعقوب هو الرواجنى المعنون في الرجال، وله كتاب أخبار المهدى.ويحيى بن يعلى هو الاسلمى المعنون في تهذيب التهذيب.
(4) في بعض النسخ " بسنتين ".
(*)
[167]
السفياني؟ قال: لا ولكن يقتله جيش بنى فلان يخرج حتى يدخل المدينة، ولا يدري الناس في أي شئ دخل، فيأخذ الغلام فيقتله فإذا قتله بغيا وعدوانا وظلما لم يمهلهم الله فعند ذلك يتوقع الفرج ".
قال محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول - وذكر مثله -.
وحدثنا محمد بن يعقوب، عن الحسين بن أحمد(1)، عن أحمد بن هلال قال: حدثنا عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين قال: قال أبوعبدالله(عليه السلام) - وذكر هذا الحديث بعينه والدعاء وقال أحمد بن هلال: سمعت هذا الحديث منذ ست وخمسين سنة(2).
7 - حدثنا محمد بن همام بإسناد له عن عبدالله بن عطاء المكى قال: قلت لابى جعفر(عليه السلام): إن شيعتك بالعراق كثيرة ووالله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟ فقال: يا عبدالله بن عطاء قد أخذت تفرش اذنيك للنوكى(3) إي والله ما أنا بصاحبكم قلت: فمن صاحبنا؟ فقال: انظروا من غيبت عن الناس ولادته، فذلك صاحبكم، إنه ليس منا أحد يشار إليه بالاصابع ويمضغ بالالسن إلا مات غيظا أو حتف أنفه "(4).
___________________________________
(1) كذا في الكافى والظاهر كونه تصحيف " الحسين بن محمد بن عامر ".
(2) أحمد بن هلال العبرتائى ولد سنة ثمانين ومائة، وتوفى سنة سبع وستين و مائتين، وسماعه هذا الكلام كان قبل ميلاد القائم عليه السلام بخمسين سنة تقريبا.
(3) " أخذت " من أفعال المقاربة أى شرعت، و " تفرش " خبره أى تفتح وتبسط، و " النوكى " جمع أنوك - كحمقى - جمع أحمق وزنا ومعنى، وهو مثل لكل من يقبل الكلام من كل أحد وان كان أحمق.و " اى " لتصديق الكلام السابق الدال على قبح الخروج وعدم الاذن فيه.(المرآة).
(4) يحتمل أن يكون الترديد من الراوى، أو يكون لمحض الاختلاف في العبارة أى ان شئت قل هكذا وان شئت هكذا.
(البحار)(*)
[168]
حدثنا محمد بن يعقوب الكلينى قال: حدثنا الحسين بن محمد، وغيره، عن جعفر بن محمد، عن علي بن العباس بن عامر، عن موسى بن هلال الكندي، عن عبدالله بن عطاء المكى، عن أبى جعفر(عليه السلام) - وذكر مثله -.
8 - حدثنا علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى العلوي قال: حدثني محمد ابن أحمد القلانسي بمكة سنة سبع وستين ومائتين قال: حدثنا علي بن الحسن، عن العباس بن عامر، عن موسى بن هلال، عن عبدالله بن عطاء المكى قال: خرجت حاجا من واسط، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي(عليهما السلام) فسألني عن الناس والاسعار، فقلت: تركت الناس مادين أعناقهم إليك لو خرجت لا تبعك الخلق، فقال: يا ابن عطا قد أخذت تفرش أذنيك للنوكى، لا والله ما أنا بصاحبكم ولا يشار إلى رجل منا بالاصابع ويمط إليه بالحواجب(1) إلا مات قتيلا أو حتف أنفه، قلت: وما حتف أنفه؟ قال: يموت بغيظه على فراشه، حتى يبعث الله من لا يؤبه لولادته، قلت: ومن لا يؤبه لولادته؟ فقال: انظر من لا يدري الناس أنه ولد أم لا، فذاك صاحبكم ".
9 - حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا عدة من أصحابنا، عن سعد بن عبدالله عن أيوب بن نوح قال: قلت لابى الحسن الرضا(عليه السلام): " إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الامر، وأن يسوقه الله إليك عفوا بغير سيف(2)، فقد بويع لك، وقد ضربت الدراهم باسمك، فقال: ما منا أحد اختلفت الكتب إليه واشير إليه بالاصابع(3) وسئل عن المسائل وحملت إليه الاموال إلا اغتيل(4) أو مات على فراشه حتى يبعث الله لهذا الامر غلاما منا خفى المولد والمنشأ، غير خفى في نسبه "(5).
___________________________________
(1) في الصحاح: مطه يمطه أى مده، ومط حاجبيه أى مدهما.
(2) في الصحاح: يقال أعطيته عفو المال يعنى بغير مسألة.
(3) كناية عن الشهرة.
(4) الاغتيال هو الاخذ بغتة، والقتل خديعة.ولعل المراد به الموت بالسلاح، والمراد بالموت على الفراش الموت مسموما، أو الاول أعم من الثانى، والثانى الموت غيظا من غير ظفر على العدو، و " أو " للتقسيم لا للشك.
(5) كذا في بعض النسخ والكافى، وفى بعضها " غير خفى في نفسه ".
(*)
[169]
10 - وحدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، عن يحيى بن يعلى، عن أبي مريم الانصاري، عن عبدالله بن عطاء قال: " قلت لابى جعفر الباقر(عليه السلام): أخبرني عن القائم(عليه السلام) فقال: والله ما هو أنا ولا الذي تمدون إليه أعناقكم، ولا يعرف ولادته(1)، قلت: بما يسير، قال: بما سار به رسول الله(صلى الله عليه وآله)، هدر ما قبله واستقبل ".
11 - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى، عن صالح بن محمد، عن يمان التمار قال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): " إن لصاحب هذا الامر غيبة المتمسك فيها بدينه كالخارط لشوك القتاد بيده(2) ثم أطرق مليا، ثم قال: إن لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد(3) وليتمسك بدينه ".