عربي
Friday 27th of December 2024
0
نفر 0

المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في الكتاب والسنّة موجزاً

ولعلّ من ضرورة المذهب الاسلامي الحنيف ، والتي وردت في الكتاب العزيز في عدّة آيات ، وجاءت في السنة الشريفة في متواتر الروايات ، هى : مسألة « المهدي الموعود » (عجل الله فرجه الشريف) وبذلك اتفقت كلمة الأمّة على مختلف المذاهب والآراء في الاعتقاد بظهور المهدي (عجل الله فرجه الشريف) من آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في آخر الزمان ، ليملأ الارض قسطاً وعداً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً .

الأمر الذي يبدو ضروريّاً في عامة معتقدات أهل الملّة ، لم يشذّ منها إلاّ مكابر أومعاند .

والمصنَّفات والتآليف في اثبات ظهوره (عجل الله فرجه الشريف) وانه من ولد فاطمة ( سلام الله عليها ) كثيرة ومتنوّعة ، جادت بها قرائح ارباب القلم النزيه من علماء الفريقين .
المهدي في القرآن :

جلّ ما ورد بشأن المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في القرآن الكريم ، هى من دلالة باطن الآية الذي هو تأويلها دون تنزيلها .

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ما في القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن »

سُئل الإمام ابو جعفر محمد بن على الباقر (عليه السلام) عن ذلك ، فقال : « ظهرُها تنزيلها وبطنها تأويلها » .

والبطن والتأويل ، عبارة عن المفهوم العام المنتزع عن الآية ، بعد إلغاء الخصوصيّات المكتنفة ، لتصبح الآية صالحة للإنطباق على موارد مشابهة لمورد النزول ، على مرّ الأيّام . الأمر الذي ضمن للقرآن بقاءه وشموله مع الخلود .

نعم ان للقرآن دلالة بحسب ظاهره ، مما يرتبط وشأن نزول الآية . ودلالة اخرى عامة صالحة للانطباق على الموارد المشابهة حسبما يأتى من زمان . وبذلك أصبح القرآن حيّاً مع الأبد ، وكان شفاء للناس ودواءً لأدوائهم في مختلف الازمان والعصور .

فمن الآيات التى ورد تأويلا بشأن المهدي (عجل الله فرجه الشريف) قوله تعالى : (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمَّة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض) هذه الآية نزلت بشأن قصّة فرعون وموسى وبنى اسرائيل .

ولكنّها عامة ، إنها سنة الله جرت في الخلق ، أنّ الله تعالى سوف يأخذ بيد المستضعفين ليرفعهم على المستكبرين ، ويورثهم ارضهم وديارهم .

ففي حديث مفضَّل بن عُمَر ، قال : سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول : انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نظر الى علىّ والحسن والحسين عليهم السلام فبكى ، وقال : أنتم المستضعفون بعدى .

قال المفضَّل : قلت : ما معنى ذلك ؟ قال : معناه أنكم الأئمة بعدى ، انّ الله عزّ وجلّ يقول : (ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) قال (عليه السلام) : فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة .

وفي نهج البلاغة : « لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها . وتلا عقيب ذلك : (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) .

الشماس : مصدر شمس الفرس ، اذا منع من ظهره .

والضروس : الناقة السيّئة الخلق تعضّ حالبها ، عطفا على ولدها .

قال ابن ابي الحديد : والأمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب الذي يملك الارض في آخر الزمان . واصحابنا يقولون : إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك ، ولا يلزم ان يكون موجوداً . بل يكفى في صحة هذا الكلام أنه يخلق في آخر الوقت .

قلت ، فقد اتفقت الكلمة بأن في الآية وعداً بإمام يملك الارض ويستولى على البلاد ، قبل ان تقوم الساعة . إنما الاختلاف في أنه موجود الآن أم سوف يولد لوقته . لكنه من ولد على (عليه السلام) على أىّ حال .

وفي سورة الأنبياء (21 : 105) : (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادى الصالحون) .

والمراد من الزبور : زبور داود ، جاء في سورة النساء (4 : 163)والإسراء (17 : 55) : (وآتينا داود زبوراً).

وهو: كتاب المزامير ، الوارد ضمن كتاب العهد القديم . جاء فيه : « كُفّ عن الغضب واترك السُّخط ، ولا تَفَرْ لفعل الشّر ، لان عاملى الشرّ يُقطعون » (8 ـ 9).

« والذين ينتظرون الربّ هم يرثون الأرض » .

« اما الوُدَعاء فيرثون الأرض ويتلذّذون في كثرة السلامة » .

« لان المباركين منه يرثون الارض ، والملعونين منه يُقطعون » .

« الصدّيقون يرثون الأرض ويسكنونها الى الأبد » .

وهكذا جاء في سورة النور (24 : 55) : (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً).

وهذا الوعد بالتمكين في الأرض بصورة مستوعبة ومستمرة مع الأبد ، لم يتحقق للامّة المسلمة في اى وقت ، سوى أنه وعد حتم يتحقق بظهور المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) .

وجاء بشأن عيسى بن مريم ورجوعه الى الدنيا في آخر الزمان واتباعه للامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) قوله تعالى : (ولما ضُرِب ابن مريم مثلاً اذا قومُكَ منه يصدّون . وقالوا ءَآلهتنا خير أم هو ما ضربُوه لك إلاّ جَدلاً بل هم قوم خَصِمون . إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبنى اسرائيل) الى قوله : (وإنّه لعِلْمٌ للسّاعة ، فلا تمترُنّ بها واتّبعونِ هذا صراط مستقيم)

قال ابن حجر الهيثمى : قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين : انّ هذه الآية نزلت في المهدي (عجل الله فرجه الشريف) .

قال : وستأتى الأحاديث المصرّحة بأنه من اهل بيت النبوى . ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلى عليهم السلام وان الله ليخرج منهما كثيراً طيّباً ، وان يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة . وسرّ ذلك انه ( صلى الله عليه وآله ) اعاذها وذرّيتها من الشيطان الرجيم ، ودعا لعلى بمثل ذلك . . .

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وامامكم منكم »

قوله تعالى : (وانه لَعِلْمٌ للساعة ...) اى من علائم الساعة ، حيث نزوله في آخر الزمان .

المهدي في الحديث :


جاء في مسند الامام احمد بن حنبل (ج 1 ، ص 376) بالاسناد الى الصحابى الكبير عبد الله بن مسعود عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لا تقوم الساعة حتى يلى رجل من اهل بيتى ، يواطئ إسمه إسمى » .

وهكذا رواه ابو داود في السنن (كتاب المهدي ، ج 4 ، ص 106) برقم (4282).

والترمذى في جامعه (ج 4 ، ص 505) برقم (2231).

وروى ابو داود في السنن (ج 4 ، ص 106) عن امّ المؤمنين امّ سلمة ، قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « المهدي من عترتى من ولد فاطمة » .

وروى ابن ماجه في سننه (ج 2 ، ص 519) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « المهدي منّا اهل البيت » .

وقال : « المهدي من ولد فاطمة » .

وهكذا روى الحاكم في المستدرك (ج 4 ، ص 557) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم . وحديث « من اهل بيتي » صحيح على شرط الشيخين . قال : وروى : « رجل من عترتى » ص 558 .

واخرج ابو نعيم الأصبهانى في صفة المهدي (عجل الله فرجه الشريف) باسناده الى حذيفة بن اليمان ، قال : خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما هو كائن ، ثم قال ، « لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدى اسمه اسمى . فقام سلمان الفارسى ، فقال : يا رسول الله ، من اى ولدك ؟ قال : هو من وَلَدى هذا ، وضرب بيده على الحسين (عليه السلام) » .

روى الصدوق في عيون اخبار الرضا بإسناده الى التميمى عن الإمام على بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « لا تقوم السّاعة حتى يقوم القائم الحق منّا ، وذلك حين يأذن الله عزّ وجل له . . ومن تبعه نجا ، ومن تخلّف عنه هلك . . أللهَ اللهَ عبادَ الله ، فأتوه ولو على الثلج ، فانه خليفة الله عز وجل وخليفتى » .

وايضاً بنفس الإسناد عن الرضا عن آبائه عن على (عليه السلام) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمر أمتى رجل من ولد الحسين ، يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً »

وروى في الإكمال باسناده الى هشام بن سالم عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « القائم من ولدى اسمه اسمى ، وكنيته كنيتى ، وشمائله شمائلى ، وسنته سنتى ، يقيم الناس على ملّتى وشريعتى ، ويدعوهم الى كتاب الله عزّ وجلّ . من أطاعه أطاعنى ، ومن عصاه عصانى ، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرنى ، ومن كذّبه فقد كذّبنى ، ومن صدّقه فقد صدّقنى » .

المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هو الإمام الثاني عشر :


قد ورد متواتراً عن النبى ( صلى الله عليه وآله ) :« انّ الأئمة اثنا عشر على عدد نقباء بنى اسرائيل كلهم من قريش » .

فقد أخرج الترمذى في جامعه (ج 4 ، ص 501) وابو داود في سننه (ج 4 ، ص 106) عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :« لا يزال هذا الدين قائماً او عزيزاً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش »

وفي صحيح البخاري كتاب الاحكام (ج 9 ، ص 101) ، باسناده الى جابر بن سَمُرَة قال : سمعت النبى ( صلى الله عليه وآله ) يقول : « يكون اثنا عشر اميراً ... فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبى : انه قال ، كلهم من قريش » .

وفي صحيح مسلم كتاب الامارة (ج 6 ، ص 3) باسناده الى جابر بن سمرة ، قال : دخلت مع ابى على النبى ( صلى الله عليه وآله ) فسمعته يقول : « إنّ هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة . ثم تكلم بكلام خَفي عَلىَّ ، فقلت لابى ، ما قال؟ قال : قال : كلهم من قريش » .

وهكذا رواه احمد في سنده (ج 5 ، ص 90 و92) و(ص 89) ، و(ص 94)و(ص 99 و108) والترمذى في صحيحه (ج 2 ، ص 35) وفي الصواعق المحرقة لابن حجر ، (ص 113).

وفي المستدرك على الصحيحين (ج 4 ، ص 501) باسناده الى مسروق بن الأجدع قال : كنا جلوساً ليلة عند عبد الله بن مسعود يقرئنا القرآن ، فسأله رجل ، فقال : يا ابا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبد الله : ما سألنى عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك . قال : سألناه فقال ( صلى الله عليه وآله ) : اثنا عشر ، عدّة نقباء بنى اسرائيل .

ورواه احمد في المسند (ج 1 ، ص 389 و406) ومثله المتقى الهندى في كنز العمال (ج 3 ، ص 205).
ثم ، من هؤلاء الأئمة الاثنا عشر ، الذين هم خلفاء الرسول مَن بعده ؟

وللاجابة على هذا السؤال ، نجد حديثاً رواه ابو نعيم في حليته ، يوضّح انهم من عترته : روى باسناده الى ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « من سرّه ان يحيى حياتى ، ويموت مماتى ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربى ، فليوال عليّاً من بعدى وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدى ، فإنّهم عترتى ، خلقوا من طينتى ، رزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتى ، القاطعين فيهم صلتى ، لا أنا لهم الله شفاعتى »

قال ابو نعيم تعقيباً على ذلك :

« فالمحققون بموالاة العترة الطيّبة ، هم الذبل الشفاه ، المفترشو الجباه ، الأذلاّء في نفوسهم الفُناة ، المفارقون لمؤثرى الدنيا من الطغاة ، هم الذين خلعوا الراحات ، وزهدوا في لذيد الشهوات ، انواع الأطعمة والوان الأشربة ، فدرجوا على منهاج المرسلين والأولياء من الصّديقين ، ورفضوا الزائل الفاني ، ورغبوا في الزائد الباقى ، في جوار المنعم المفضال ، ومولى الأيادى والنوال » .

وروى باسناده الى مجاهد قال : « شيعة علىّ الحُلَماء العُلَماء الذبل الشفاه الأخيار الذين يعرفون بالرهبانية من اثر العبادة » .

وعن على بن الحسين (عليه السلام) قال : « شيعتنا الزبل الشفاه ، والإمام منا من دعا الى طاعة الله » .

واذا كانت الأئمة من بعده ( صلى الله عليه وآله ) من عترته ، فهم الأئمة من ولد فاطمة الذين اعترفت الأمة بامامتهم ، وعلمهم وفضلهم .

اولهم بعد الامام امير المؤمنين (عليه السلام) الامام الحسن ثم الامام الحسين ، ثم على بن الحسين ، ثم محمد بن على الباقر ، ثم جعفر بن محمد الصادق ، ثم موسى بن جعفر الكاظم ، ثم على بن موسى الرضا ، ثم محمد بن على الجواد ، ثم على بن محمد الهادى ثم الحسن بن على العسكري . وآخرهم . وهو الامام المنتظر ، هو المهدي القائم (عجل الله فرجه الشريف) . والتعبير بالعترة ، تغليب ، حيث احد عشر منهم من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكلهم من ولد على (عليه السلام) فكان هو اولهم وآخرهم المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) .

ولا سبيل الى معرفة الأئمة الاثنى عشر ، الذين نوّه عنهم الرسول الاعظم ، سوى الأئمة الذين انتسبت اليهم الأمامية الإثنا عشرية .

فلا تزال هذه العقيدة (الاعتقاد بالائمة الاثنى عشر) هي العقيدة الثابتة ، المعتمدة على نصّ الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) .

ولولا أنّ المهدي هو الامام الثانى عشر ، لم يكن للأحاديث المأثورة بهذا الشأن مفهوم معقول .

فالعقيدة التى رسمتها الشيعة الاثنا عشرية نظراً لوجود المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وبقائه طول الغيبة هى العقيدة المنطبقة على صحيح الروايات المأثورة عن الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) .

وهكذا ذكر الامام محيى الدين ابن العربي نسب الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وانه ابن الامام الحسن العسكرى وذكر آباءه الى على وفاطمة واحداً بعد واحد .

قال الشيخ العارف عبد الوهاب الشعراني : « انّ المهدي (عجل الله فرجه الشريف) من اولاد الامام الحسن العسكري (عليه السلام) ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين وهو باق الى ان يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام) فيكون عمره الى وقتنا هذا (وهو سنة 958) ، 706 سنين » .

قال : هكذا اخبرنى الشيخ حسن العراقى المدفون فوق كدم الريش المطلّ على بِركة الرطل بمصر المحروسة على الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ، حين اجتمع به . ووافقه على ذلك شيخنا سيدي على الخواص رحمهما الله تعالى .

قال : وعبارة الشيخ محيي الدين :

« واعلموا انه لابدّ من خروج المهدي (عليه السلام) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً ، فيملؤها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يكن من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلى ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ولد فاطمة ، جدّه الحسين بن علي بن ابي طالب ، ووالده الحسن العسكري ابن الامام علي النقي ابن الامام محمد التقي ابن الامام علي الرضا ابن الامام موسى الكاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين على ابن الامام الحسين ابن الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) .

يواطئ اسمه اسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخَلْق وينزل عنه في الخُلق . ثم يذكر اوصافه وعدله بين الناس »

هذا . ولكن يد الخيانة حرفت من نصّ الفتوحات هنا فشوهت الكلام أردأ تشويه . راجع .

والمتلخص من هذه الاحاديث : أن الأئمة الذين يحكمون الأمة بإمامتهم العادله ، سواء أكانوا ظاهرين ام مستورين ، اثنا عشر إماماً من ولد على وفاطمة ، هم عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

واذ قد عرفنا احد عشر منهم ، باعيانهم واشخاصهم كانوا بين اظهر المسلمين ، سادة علماء يأتم بهم المسلمون عبر حياتهم المجيدة . وقد تواصلت حياتهم لمدة قرنين ونصفاً .

اذن بقى علينا ان نعرف الامام الثانى عشر ، الذي هو آخر الائمة الاثنى عشر .

وليس سوى المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ، ولابدّ أن تستمر إمامته منذ فارق الإمام الحادى عشر الحياة ، وهو سنة (260 هـ) الى ما بقى من الزمان .

« اذ لا تخلو الأرض من حجّة » .

وقد صرّح النبى الكريم ، بان الائمة اثنا عشر ، فلابد من طول امامة الامام الثانى عشر . وقد قال ( صلى الله عليه وآله ) : « بنا فتح الله دينه وبنا يختم » .

اخرج ابو نعيم وغيره من الحفاظ باسنادهم الى الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قال : قلت يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أمنّا المهدي أم من غيرنا ؟

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : « بل منّا ، يختم الله به الدين ، كما فتحه بنا »

وقد ولد (عجل الله فرجه الشريف) : عام 255 ، وهو حى لا يزال في ستار الغيب .
فقد تحصّل من مقدمات ثلاث :

الاولى : أنّ الأئمة من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر اماماً .

الثانية : أنّ امامتهم متواصلة ، حسب ظاهر التعبير .

الثالثة : أنّ البدء بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) والختم بالمهدي (عجل الله فرجه الشريف) .

تحصّل من هذه المقدمات الثلاث ، انه لابدّ من وجود الامام الثانى عشر حين وفاة الامام الحادى عشر ، ولابدّ من بقائه واستمرار وجوده عبر الزمان ، لئلا تبقى الأرض بلا حجة .

إذن فوجوده (عجل الله فرجه الشريف) في هذا الزمان ، وبقاؤه مع طول العهد مما دلّت عليه الاثار النبويّة ، واقتضته ضرورة الدين .

ولادة المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ومبدأ إمامته :


ولد المهدي الحجة من الحسن العسكرى بسامراء العراق ليلة الجمعة ، الخامس عشر من شهر شعبان المعظم سنة مأتين وخمسة وخمسين من الهجرة . وهو حىّ لا يزال . فكان عمره الشريف لحد الآن ( وهو سنة 1421 هـ . ق ) قد بلغ الفاً ومائة واثنين وتسعين عاماً .

أما إمامته فكانت بعد وفاة ابيه عام 260 هـ حيث بلغ عمره الشريف خمس سنين .

وللامام محيى الدين ابن العربى ، بشأن ولادة المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ، كلام غريب :

قال : « وللولاية المحمديّة المخصوصة بهذا الشرع المنزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) ختم خاص . . . وقد ولد في زماننا ورأيته ايضاً واجتمعت به ، ورايت العلامة الختميّة التى فيه ، فلا ولىّ بعده الاّ وهو راجع اليه ، كما لا نبيّ بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) الا وهو راجع اليه » .

قال : « وأما ختم الولاية المحمديّة فهى لرجل من العرب من أكرمها أصلاً ويداً ، وهو في زماننا اليوم موجود عرّفت به سنة خمس وتسعين وخمسمأة . ورأيت العلامة التى له ، قد اخفاها الحقّ فيه عن عيون عباده وكشفها لى بمدينه « فاس » حتى رأيت خاتم الولاية منه ، وهو خاتم النبوّة المطلقة لا يسلمها كثير من الناس » .
ابن العربى يرى عصمة المهدي (عجل الله فرجه الشريف) :

يقول : المهدي حجة الله على اهل زمانه ، وهى درجة الأنبياء ، التى تقع بها المشاركة ، قال تعالى : (قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني)(1) اخبر بذلك عن نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) .

فالمهدي ممّن اتبعه ، وهو( صلى الله عليه وآله ) لا يُخطئ في دعائه ، فمتّبعه لا يُخطئ ، فانه يقفو اثره ، كما قال ( صلى الله عليه وآله ) : يقفو اثرى لا يُخطئ . وهذه هى العصمة في الدعاء الى الله .

قال : المهدي رحمة ، كما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رحمة . قال تعالى : (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين). الانبياء : 21/107

قال : وانه ( صلى الله عليه وآله ) ما نصّ على امام من أئمة الدين يكون بعده ويقفو اثره لا يخطئ ، إلاّ المهدي خاصّة ، فقد شهد بعصمته في احكامه ، كما شهد الدليل العقلى بعصمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما يبلّغه عن ربّه .

وروى الصدوق في اكمال الدين باسناده الى جابر عن الامام ابى جعفر الباقر (عليه السلام) قال : « إنّ العلم بكتاب الله عزوجل وسنة نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) ينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع عن احسن نباته ، فمن بقى منكم حتى يلقاه فليقل حين يراه : السلام عليكم يا اهل بيت الرحمة والنبوّة ومعدن العلم وموضع الرسالة » .

هنا سؤالان ، اعترض بهما المخالفون

السؤال الاول : كيف يستطيع الانسان أن يُعمَّر في هذا الطول من العمر ؟

السؤال الثانى : كيف تصّح الامامة الصّبى وهو طفل لم يبلغ اشدّه ؟

أما طول العمر : فهو امر ممكن الوقوع ، حسبما جاء في القرآن الكريم بشأن نوح (عليه السلام) وفي الناس من المعمَّرين كثير .

قال تعالى : (فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً فاخذهم الطوفان وهم ظالمون)

وقد عاش بعد ذلك سنين طويلة .

وكان بامكان الإنسان اذا كان عاشاً بعيداً عن ضوضاء البلاد ، مجتنباً غوغاءها ، ان يعمّر مآت من السنين قويّاً سليماً عن الأمراض والأدواء الموجبة لقصر العمر . فان النوع الانسانى اذا لم يحمل هموماً ولم تعتوره الأمراض المختلفة ولم تنهك قواه الأطعمة التى لا يقدر على هضمها ، فكان من المعقول ان يعيش طويلاً .

وعند العلماء بالطب والأحوال الإحتماعية أنّ الإنسان قواه محدودة ، والحياة العريضة نستنفدها بسرعة ، بخلاف الحياة الساذجة ولا سيما البدائية البسيطة ، فانها تكون طويلة ، لقلة ما يستنفد من قوى الأجسام بتلك الحياة .

يقول الأطباء : سبب تعجيل الموت في الانسان العائش وسط الاجتماعات المتحضّرة ، هو عروض امراض طارئة مفاجئة ، ولا سيّما الباطنة ، ولا يحسّ بها الانسان الا بعد فترة طويلة ، اوجبت رسوخ المرض ورسوب جذوره بما لم يدع مجالاً للعلاج .

ومن ثم فلو عاش انسان في مراقبة تامة عن احواله والمواظبة على طوارئ الجسد ولا سيّما الداخلية

الامر الذي عجزت عنه الوقاية العامة لامكنه ان يعيش مآت من السنين .

وان ظاهرة الإحراق والتعويض ، في خلايا جسد الانسان ، لتومنّ عليه امكان تداوم حياته قوياً منيعاً احقاباً من الزمان ، لولا عروض طوارئ وهجوم الأمراض التى يجلب الانسان على نفسه على اثر سوء تصرّفه في الحياة .

أمّا النابهون ، المنعمون بعناية الله ، والذين حرستهم رعايته الكريمة ، فبامكانهم التعيش الى آماد طويلة .

وهذا يونس النبي (عليه السلام) جاء بشأنه : (فالتقمُه الحوت وهومُليم . فلولا انه كان من المُسبّحين . للَبِثَ في بطنه الى يوم يبعثون . فنبذناه بالعراء وهو سقيم . وانبتنا عليه شجرة من يَقطين . وارسلناه الى مائة الف اويزويدن . فآمنوا فمتعناهم الى حين).

وهكذا ورد بشأن عيسى المسيح (عليه السلام) : (وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم وانّ الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً . بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزاً حكيماً . وان من اهل الكتاب الا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً).

قوله : (ليؤمنَنَّ به قبل موته). يدل على انه لم يمت موته الطبيعي . وانما يموت بعد نزوله من السماء عند ظهور المهدي الموعود (عجل الله فرجه الشريف) .

وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ان عيسى بن مريم لم يمت وانه راجع اليكم قبل يوم القيامة » .

قال الطبرسي : وقد صحّ عن النبى ( صلى الله عليه وآله ) انه قال : « كيف انتم اذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم يعنى المهدي (عجل الله فرجه الشريف) »

قال ، رواه النجاري ومسلم في الصحيح .

وأمّا الإمامة قبل بلوغ الأشدّ . فلا غرو بعد وقوع مثله في انبياء عظام :

متمثلا بقولة الشاعر متّبعاً غوايته : ما آن للسرداب ان يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا فعلى عقولكم العفاءُ فإنّكم ثلثتم الضقاء والغيلانا .

(الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص 100)

قال تعالى بشأن يحيى (عليه السلام) : (يا يحيى خذ الكتاب بقوّة وآتيناه الحكم صبيّاً).

وقال بشأن عيسى بن مريم (عليه السلام) : (فاشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيّاً . قال انى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيّاً . وجعلنى مباركاً اينما كنت واوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً)

(ختامُه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) .

هنا نكتة دقيقة لابدّ من التنبّه لها : هي ضرورة وجود الحجة في الأرض ليكون إماماً للناس واسوة في كافّة شؤونهم . « من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة » .

او« من مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة » . او« من مات وليس عليه طاعة امام فميتته ميتة جاهلية » . وامثالها من تعابير ، صحت عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فيجب على مسلم صالح أن يعتقد بطاعة امام زمانه اماماً معصوماً من الخطأ والخطل ، كما كان رسول الله معصوماً . لانه اسوة ، ولا ينبغى للأسوة أن يخطأ او يزلّ .

وهذا ما ذهب اليه الإمامية في معتقدهم بضرورة وجود الامام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) .

ونكتة أدقّ : هى ضرورة وجود واسطة الفيض ، وإلاّ لساخت الارض بأهلها . انهم عليهم السلام ابواب رحمته تعالى ومنابع بركاته الى الخلايق .

(يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة).

(اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربّهم الوسيلة).

روى الصدوق باسناده الى سليمان بن جعفر قال : سألت الرضا (عليه السلام) فقلت : تخلو الارض من حجة ؟ فقال :« لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها » .

وعن الامام ابى جعفر الباقر (عليه السلام) :« لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت باهلها ، ولعذبهم الله بأشد عذابه . ان الله تبارك وتعالى جعلنا حجة في أرضه ، وأماناً في الأرض لاهلها ، لن يزالوا في أمان من ان تسيخ بهم الارض ما دمنا بين أظهرهم » .

اذن فكما أنهم (عليهم السلام) وسائط رحمته تعالى في إفاضة شريعة الحق ، كذلك هم وسائط بركات السماء والأرض . وهذا باب عريض لا يدخله الا ذو حظّ عظيم .

هذا ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيّبين .


ــــــــــــــ

(1) يوسف : 12 / 108 .


source : الشیعه
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السجود على التربة الحسينية
لذة العبادة والمناجاة وتاثيرها في التكامل
الصور الفعلیة فی التقیة
الابتداع في تفسير البدعة
المناظرة التاسعة/سماحة الشيخ مصطفى الطائي
أدلّة جمع القرآن القرآن في زمان الرسول ...
الشيخ عبد الحسين البغدادي
الشفاعة عند الشيعة الإمامية
استدراك خائب
الاسلام دين الفطرة

 
user comment