عربي
Thursday 5th of December 2024
0
نفر 0

السجود على التربة الحسينية

السجود على التربة الحسينية

 يجمع علماء الشيعة الإمامية الإثني عشرية أن السجود يجب أن يكون على المحل الطاهر من الأرض، وعلى غير المأكول من نباتها، ولا يقول أحد من علمائهم بوجوب السجود على التربة الحسينية، وبعدم جواز السجود على غيرها من الأرض الطاهرة النقية، فالسوجد عند الشيعة على الأرض فريضة وعلى التربة الحسينية سنة وفضيلة .
 

   ومن أراد التوسع في ذلك فكتب الشيعة الإمامية الإثني عشرية تعلن للباحث عكس الإتهامات الموجهة وليس الأمر كما يدعيه المُشنَّعون أن الشيعة تسجد لغير الله، وتعبد الأوثان فإن هذا التشنيع واضح البطلان، وهؤلاء المشنعون لا يفرقون بين السجود للشيء والسجود على الشيء . فالسجود للع عز شأنه ولكن على الأرض المقدسة والتربة الطاهرة، فسجود الملائكة كان لله وبأمر من الله تكريماً لآدم .
 

   نعم، قد صار السجود على التربة الحسينية من القِدمِ شعاراً للشيعة، حيث كانت نقطة البدء لديهم فعل الصحابة، وسجود المسلمين أحياناً في زمان النبي (ص) على تربة قبر الحمزة (ع) عم النبي (ص) وأخوه من الرضاعة المستشهد في السنة الثالثة من الهجرة في الحرب التي وقعت بين المسلمين وقريش في (غزوة أحد) فعظمت مصيبته على النبي (ص) وعلى عموم المسلمين، ولا سيما حين مثَّلت به هند أم معاوية بن أبي سفيان فقطعت أعضاءه واستخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها من فمها، ولقد ناحت نساء المدينة على شهيد الإسلام عم النبي (ص) في كل مأتم ثم اتسع الأمر في تكريم المجاهد المناصر للدين الفتيِّ آنذاك، إلى أن صار المسلمون يأخذون من تراب قبره رضوان الله عليه، ليتبركون به، ويسجدون لله تعالى عليه، ويعماون المسبحات منه، وتنص المصادر أن  فاطمة بنت رسول الله (ع) جرت على ذلك، ولهلها أول من ابتدأ بهذا العمل في حياة أبيها (ص) فقد كانت لها سبحة من خيط صوف مفتل معقود، عليه عدد التكبيرات، وكانت تديرها بيدها في وقت تسبيحها وتكبيرها‑[1]‑ وحين قتل الحمزة بن عبدالمطلب استعملت تربته وعملت منها السبحة فاستعمل الناس ذلك، ولم يعارض هذا الفعل أحد، وسكوت رسول الله (ص) يعتبر اقرار منه وجواز لمن رغب فيه.
 

   ولما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، عدل بالأمر إليه فاستعمل الناس تربة قبره لما فيه من الفضل والمزية‑[2]‑ .
 

   ولست أتصور أن أحداً من المسلمين يشك فيما فعلته فاطمة (ع) فإنه مشروع وجائز، وبإذن من النبي (ص) ؛ لأن ذلك لو كان منافياً لمنع النبي (ص) كل من وجده يفعل ذلك .
 

   أما أول الساجدين على تربة الحسين (ع) من أئمة المسلمين فهو ابنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، فإنه بعد أن فرغ من دفن أبيه وأهل بيته، أخذ قبضة من التربة التي وضع عليها الجسد الطاهر، وشده في صرة وعمل منها سجدة ومسبحة، وصار يسجد عليها لله تعالى في صلواته ويعالج بعض مرضى عائلته بها، واتبعه في ذلك أهل بيته عليهم السلام، وبنو هاشم بعد ذلك .
 

وقد نوه الإمام جعفر الصادق (ع) لشيعته عن فضل السجود على التربة الحسينية، وقد كانت الشيعة تكاثرت في عهده عليه السلام، وصارت من كبريات طوائف المسلمين، وحملة العلم والآثار . وقد لازم السجود عليها بنفسه ولكن التربة التي كان يسجد عليها لم تكن كالأقراص الموجودة المتعارفة اليوم، بل كانت له (ع) خريطة من ديباجةٍ صفراء فيها تراب من قبر الحسين عليه السلام، فاعلم أن السجود على تربة الحسين (ع) يخرق الحجب السبع‑[3]‑ .
 

فالسجود على التربة من عظيم التواضع والتوسل بأصفياء الحق، والإمام الصادق عليه السلام كان لا يسجد إلا على تربة الحسين تذللاً لله واستكانة إليه، وقد تبعه الأئمة من بعده وشيعته امتثالاً لأمر المعصومين، ولبيانهم تضاعف الأجر والثواب في التبرك بها، والمواظبة على استعمالها، حتى صار لها ذلك الإهتمام العظيم إلى يومنا هذا، ويظهر أن صنع التربة أقراصاً وألواحاً كان متعارفاً منذ القرن الثالث الهجري، في حدود المئتين وخمسين هجرية، على صاحبها ألف صلاة وتحية . وقد وردت من الأحاديث الشريفة في فضل السجود على التربة ما يحث على فضل التبرك بها .
 

   ولعل البعض يضن أن الأحاديث الواردة في فضل التربة الحسينية وقداستها منحصرة بالشيعة وأحاديثهم عن أئمتهم، بل لها في أمهات كتب الحديث لدى علماء أهل السنة شهرة وافرة، وأخبار متضافرة متوافرة، وتشهد بمجموها أن لها في عصر رسول الله (ص) نبأ شائعاً، وذكراً واسعاً، قبل مقتل الحسين عليه السلام، بل لعل بعضها قبل أن يدرج على الأرض والنبي (ص) يخبر بما سيجري على تلك الأرض الشريفة الزكية من الدماء الطاهرة الزكية، ومقتل الحسين بن علي عليه السلام وأنصاره  [4] .
 

   وقد روى في أكثر هذه الكتب أنه دخل رسول الله (ص) والحسين (ع) في حجره، وعينا رسول الله (ص)تهرقان الدموع، وفي يده تربةً حمراء، وقال لمن سأله عنها: أتاني جبرئيل فأخبرني عن أمتي ستتقتل ابني هذا وأتاني بتربة من تربته وهي هذه  [5] .
 

   وفي طــائفة أخــرى قـال صلــى الله عليــه وآلــه وسلم : يقتل بأرض العراق وهذه تـربته  [6]  .
 

  وأنه أودع تلك التربة عند أم سلمة (زوجته) وقد قال لها: ((إذا رأيتيها وقد فاضت دماءاً فاعلمي أن الحسين قُتِل [7] .
 

   وكانت تتعهدها حتى إذا كان يوم عاشوراء، عام شهادة الحسين عليه السلام، وجدتها قد فاضت دماءاً، فعلمت بأن الحسين عليه السلام قد قد قُتل.
 

   وإذا عرفنا ما للحسين بن علي عليهم السلام من الأهمية العظمى عند الله ورسوله فالطاهر لا يختار له الله إلا المرقد الطاهر، وحسب الشيعة فخراً وطمأنينة بالسجود على التربة الطاهرة لنيل الفضل العظيم من الباري العظيم .
 

   ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة كما ورد في الحديث (إن اقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده ) [8] فمن المناسب أن يتذكر المصلي بوضع جبهته على تلك التربة الزاكيه أولئك الذين غدوا ضحايا للحق وارتفعت ارواحهم الى الملأ الاعلى، ليخشع إلى الله ويخضع ويحتقر زخارف الدنيا الزائلة. ولعلا هاذا هو المقصود من أن السجود على التربة الحسينية يخرق الحجب السبع، فيكون حينئذ سر الصعود والعروج من التراب إلى رب الأرباب، إلى غير ذلك، من لطائف الحكم ودقائق الأسرار .
 

   يقول الأستاذ عباس محمود العقاد في فضل أرض كربلاء المقدسة : أنها حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزورها غيرهم للنظر والمشاهدة، ولو أعطيت حقها من التنزيه والتخليد الحق، لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبنى نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة، لأننا لا نذكر بقعة من هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت بإسم كربلاء بعد مصرع أبي الشهداء [9] فأرض كربلاء كانت قبل الإسلام نواويس ومساجد ومرافق للإمم الغابرة، كما يشعر بهي كلام الحسين بن علي عليه السلام، في إحدى خطبه المشهورة حيث قال :(وكأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) [10] .
 

   إن تربة كربلاء بضمها أكمل فرد في الإنسانية بعد جده وأبيه وأخيه، و أجمع ذات لأحسن ما يمكن من مزايا العبقرية في الطبيعة البشرية، يحق لها أن تكون أطهر بقعة في الأرض، كيف به الحسين وقد قال جده (ص) (حسين مني وأنا من حسين) [11] .
 

   وإذا كان الأفضل السجود على الأرض المقدسة، فأي بقعة من بقاع الأرض أفضل وأطهر من تلك التربة التي ضمت جسده الشريف ؟؟ فما ذاك إلا لأنها أكرم البقع مادةً وأطهر عنصراً وأصفى جوهراً من سائر البقع،كيف وقد انضم شرفها الجوهري إلى طيبها العنصري، ولما تسامت الروح والمادة، وتساوت الحقيقة والصور، صرت هي أشرف البقع في الأرض بالضرورة.
 

   أضف إلى ذلك أن السجود على التربة الحسينية أسلم من حيث النظافة والنزاهة، من السجود على الأراضي وما يطرح عليها من الفرش والبواري والحصر الملوثة بالغبار غالباً. وإذا كانت الشيعة لا توجب السجود على التربة الحسينية وتعتبر السجود عليها سنة وفضيلة ةتجوز السجود على الأرض العادية فهذا لا يحوج أبناء الأمة إلى التهكم والتشنيع ببعضهم البعض، ولقد صدق ابن خلدون في قوله (أصل البغضاء هو سوء التفاهم) . اذا تبادل الجميع عرض معتقده، لأن من عرف الناس بنفسه عرفوه، ومن انزوى عنهم جهلوه.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] الأرض والتربة الحسينية للمرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
2 -  نفس المصدر السابق .
[3] - المراد بالحجب السبع: (الحاءات السبع من الرذائل التي تحجب النفس عن الاستضاءة بأنوار الحق وهي "الحقد والحسد والحرص والحدة والحماقة والحيلة والحقارة" .
[4] - كتاب السيوطي، باب أخبار النبي بقتل الحسين .
[5] - الكافي: في باب السجود والتسبيح والدعاء .
[6] - الأرض والتربة الحسينية للمرحوم كاشف الغطاء .
[7] - نفس المصدر السابق .
[8] - الأرض والتربة البحسينية للمرحوم كاشف الغطاء .
[9] - كتاب أبو الشهداء للعقاد ص 154.
[10]- نفس المصدر السابق .
[11] - الأرض والتربة الحسينية لكاشف الغطاء .


source : الشيخ الدكتور علي محمد العصفور
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اليوم الآخر في القرآن الكريم
موقف ابن تيمية من حديث الغدير ق (3)
مساءلة منكر ونكير
مفهوم الإنتظار
الأمل في الحياة
موقف الفكر الشيعي من الحركات الباطنية
موسى عليه السلام وبنو إسرائيل
اقامة المتم ومجالس العزا
تضارب متون الاحاديث الثلاثة
البداء

 
user comment