عربي
Thursday 7th of November 2024
0
نفر 0

التسامح الشيعي وأثره في حياة شيعة الريّ

حرم عبد العظيم الحسني في الري

ينبغي أن نشير إلى أمرٍ مهم كان له نصيب وافر في المحافظة على كيان الشيعة في منطقة الريّ، وهو روح التسامح التي تحلّى بها الشيعة في تعاملهم مع باقي المذاهب ومع الحكّام السنّة المتعصّبين. وعلينا أن نعرف أن الشيعة قد دأبوا ـ كلّما عاشوا في مجتمعٍ ما إلى جوار أهل السنّة الذين يختلفون عنهم في الثقافة العقائديّة ـ على الالتزام بنوعٍ من المُسالمة وعدم إثارة نقاط الخلاف الحسّاسة التي من شأنها تعكير صفو ذلك المجتمع، وأنّ الشيعة دأبوا ـ كلّما عاشوا في مجتمع خاصّ لا يضمّ معهم غيرهم ـ على الابتعاد عن تلك السياسة. ويمكن القول على نحوٍ ما أنّ النزعتَين الأصوليّة والإخباريّة لدى الشيعة كانتا حصيلة هذين النوعَين من التعامل.

 

وكانت الشرائط الحاكمة في منطقة الريّ من النوع الأوّل؛ فقد كان الشيعة يعيشون في مجتمع ذي غالبيّة سنّيّة، ولذلك كان شيعة الريّ يلتزمون بالتسامح، وكانت التقيّة تستوجب في بعض الأحيان زيادة التسامح في التعامل.

 

ومن أفضل الشواهد في هذا المجال هو كتاب « النّقْض » لعبد الجليل الرازيّ، وهو كتاب يطفح بالشواهد الواضحة على الروحيّة الشيعيّة الأصوليّة في مسائلهم العقائديّة. وقد تحدّث الرازي في كتابه كراراً عن حُسن نظر الشيعة إلى الصحابة وإلى أزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنكر مزاعم أعداء الشيعة الذين كانوا يجهدون في رمي الشيعة بالتُّهم. وذكر عبدالجليل الرازي ـ دعماً لكلامه ـ أنّه ألّف في سنة 533 هـ كتاباً في تنزيه عائشة، وكان ذلك في عصر الأمير عبّاس الغازي، وكان تأليف الكتاب بإشارة من مُقتدى الشيعة آنذاك السيّد سعيد فخر الدين بن شمس الدين الحسينيّ وقاضي القضاة سعيد عماد الدين الحسن الاستراباديّ، ثمّ أضاف الرازي أنّ في وسع مَن يشاء أن يقرأ كتابه المذكور ليتعرّف على عقيدة الشيعة في أزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله (1).

 

ويمكن ملاحظة هذا التسامح لعبد الجليل الرازي في تعامله مع ملوك السلاجقة، فقد كان كلّما تطرّق في كتابه إلى ذِكر واحد منهم، أتبع اسمه بعبارة « رحمة الله عليه » أو « سقاه الله برحمته ».

 

وذكر الرازي بأنّ « الخواجة حسن » ـ وهو والد أبي تراب الدوريستي ـ أحد علماء الشيعة الأعلام يومذاك، كان يتردّد على الخواجة نظام المُلك، وأشار إلى أنّ الخواجة حسن أنشد في مدح الخواجة نظام المُلك قصيدة غرّاء؛ ثمّ أورد في كتابه النقض نصَّ تلك القصيدة.

 

وتجدر الإشارة إلى العلاقات الأُسريّة التي قامت بين نظام الملك وبين أحد السادة الهاشميين بالريّ؛ فقد تزوّج أحد هؤلاء السادة الأعلام ـ وهو السيّد مرتضى القمّي ـ بنت الخواجة نظام الملك (2).

 

في حين أصرّ مؤلف كتاب الفضائح على تصوير الشيعة بأنّهم متعصّبون في تعاملهم مع الخلفاء والصحابة وأهل السنّة، فسعى عبدالجليل الرازي في بيان نماذج من تسامح الشيعة وتحلّيهم بروح الانصاف مع مخالفيهم، فنقل في كتابه ـ ضمن ما نقل ـ حادثة حصلت مع مجد المُلك الوزير الشيعي في العهد السلجوقيّ، الذي قُتل سنة 492 هـ إثر مؤامرة اتُّهم فيها بتحريك الإسماعيليين الباطنيّين على قتل أمراء الدولة. (3)

 

فقد نَقل أنّه سمع من رئيس الشيعة وكبير السادة السيد سعيد فخر الدين شمس الإسلام الحسن رحمة الله عليه أنّه قال: صحبتُ أبي يوماً إلى مجلس مجد الدولة، فجاءه تاجران غريبان، أحدهما من حلب والآخر من بلاد ما وراء النهر، وكان التاجر الحلبيّ شيعيّاً واسمه عليّ، أما التاجر الآخر فكان سنّيّاً وكان اسمه عمر، وكان لكلاهما دَينٌ في ذمّة السلطان، فأمر مجد الدولة أن يُعطى التاجر السنّي عمر دَينه دنانير ذهبيّة من الخزانة، وأن يُعطى التاجر الحلبيّ حوالةً يقبضها آجلاً، فتعجّب أحد الخدم من ذلك وقال: أيّها السلطان، أتُعطي عُمرَ نقداً وعليّاً نسيئة ؟! فأجاب: أريد أن يعلم الناس أنْ لا تعصّب في المُلك والحُكم، وأنْ ليس من العجب أن أُحبّ عليّاً وأحرمه؛ فاستحسن الحاضرون قوله (4).

 

وقد أشار ابن الأثير في تاريخه إلى تشيّع مجد الدولة، وذكر بأنّه كان يُثني على الصحابة ولا يُجيز لأحد أن يذكرهم عنده بسوء (5).

 

وتوجد شواهد كثيرة في ديوان بدر الدين القوامي الرازي ( الذي عاش في القرن السادس الهجري ) على مثل هذا التسامح في التعامل، فقتد حذّر القوامي الرازي بشدة من التعصّب بين الشيعة والسنّة، ودعا إلى ترك العصبيّات الطائفيّة.

 

ونوّه في قصائده بأنّ الشيعة والسنّة ينتمون إلى دين واحد، وأن نبيّهم واحد، وأنّ عليهم التأسيّ ـ في نبذ العصبيّة ـ بالمهاجرين والأنصار (6).

 

وعلى الرغم من أنّ القوامي الرازي من الشيعة الاثني عشريّة، وأنّه يصرّح بالقول بنصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السّلام بالخلافة والإمامة، وأنّه يفضّل أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام على جميع الصحابة، لكنّه كان يدعو في أشعاره إلى التآخي بين المسلمين، وإلى نبذ الأحقاد والخلافات، وإلى التمسّك بمودّة أهل البيت عليهم السّلام (7).

 

ويمكن القول بأنّ أحد الأسباب التي ساعدت في بقاء الشيعة في الريّ ـ على الرغم من تعصّب الحكّام السلاجقة ـ وجود روح التسامح لدى علماء الشيعة وفقهائهم وحكّامهم.

 

---------------------------------------------------

 

الهوامش:

 

1-النقض115

 

2- تعليقات کتاب النقض264

 

3- النقض280، لباب الانساب613

 

4- النقض83-86

 

5- الکامل في التاريخ لابن الاثير290

 

6- ديوان قوامي الرازي121

 

7- ديوان قوامي الرازي 142-144

 

 

 


source : http://alollah.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العدل الإلهي والعقوبة الأُخروية
موقف ابن تيمية من مناقب علي بن أبي طالب عليه ...
مراتب وأقسام التوحید
شروط وصفات الولي
فكّر ثم فكّر ثم فكّر حتى يؤمن بك الناس وتؤمن ...
النبوة بين اللغة العربية واصطلاح علماء الإسلام
لحظةُ تأمُّل!
الموت والفناء
ظاهرة تشيع علماء السنة ومثقفيهم استوقفتني
صفات اللّه الجمالية و الجلالية

 
user comment