عندما نعود إلى المعتقدات الإسلامية والقرآنية، نجد أن نظرتنا للإنسان الأول تصدر من رؤية تضعه في مكان يكون فيه أكثر تكاملا من كثير ممن بعده، بل هو أكثر تكاملا حتى من الإنسان المعاصر.
ففي اللحظة التي وطئ فيها ذاك الإنسان عالم الوجود، كان يحمل معه عنوان خلافة الله. وبتعبير آخر: جاء ذلك الإنسان في مرتبة النبوة.
وفي ضوء المنطق الديني، تستحق هذه النقطة التأمل، لماذا جاء الإنسان الأول على الأرض نبيا وحجة لله، في حين أن هذا المسار يخضع لقناعة ترى أن النبوة تنبثق كثمرة للخط العادي في مسير التكامل، لذا يجب أن يوجد الكيان الإنساني بادئ الأمر، ثم يقطع شوطه نحو الرقي والكمال بعد مراحل يطويها، وبعدئذ يُصار إلى انتخاب أحد أفراده للنبوة والرسالة.
وموضع التأمل هو هذا التفارق بين التصور الآنف لانبثاق النبوة والنبي، وما عليه المعتقد الإسلامي - القرآني من أن الإنسان الأول جاء إلى الوجود وهو حجّة ونبيّ.
القرآن الكريم يضع الإنسان الأول ذاك في مقام شامخ جداً، وهو يقول فيه:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)1.
عندما نعود إلى المعتقدات الإسلامية والقرآنية، نجد أن نظرتنا للإنسان الأول تصدر من رؤية تضعه في مكان يكون فيه أكثر تكاملا من كثير ممن بعده، بل هو أكثر تكاملا حتى من الإنسان المعاصر.
لقد ورد بشأن الإنسان الأول تعبير: (ونفختُ فيه من روحي )، وهو يشعر بدخالة عنصر علوي في التركيب الوجودي لهذا الكائن، غير العناصر المادية. أي أن بنية هذا الموجود تختص بشيء من عند الله، بالإضافة إلى ما ينطوي عليه من موقع الخلافة المشار إليه في قوله تعالى: ( إني جاعل في الأرض خليفة ).
وبهذا تنطوي الرؤية القرآنية على معطىً عظيم إزاء الإنسان، بحيث حمل الإنسان الأول، الذي وطئت قدماه هذا العالم، عنوان حجّة الله، ونبي الله، والموجود الذي له صلة بعالم الغيب وارتباط مع السماء.
والكلام الصادر عن أئمتنا - حول الإمامة- يرتكز إلى هذا المبدأ في أصالة الإنسان، وذلك في المعنى الذي يدل على أن الإنسان الأول في خط الخليقة حمل المواصفات المشار إليها آنفا، وسيأتي الإنسان الأخير على الخط، متحليا بالخصائص ذاتها. وبين الإنسان الأخير لن يخلو العالم الإنساني أبدا من كائن بشري من هذا الطراز، يحمل روح ( إني جاعل في الأرض خليفة ).
هذا في الأساس، هو المحور في قضية الإمامة.
والكلام الصادر عن أئمتنا - حول الإمامة- يرتكز إلى هذا المبدأ في أصالة الإنسان، وذلك في المعنى الذي يدل على أن الإنسان الأول في خط الخليقة حمل المواصفات المشار إليها آنفا، وسيأتي الإنسان الأخير على الخط، متحليا بالخصائص ذاتها.
يتفرّع على الأصل الآنف أن يكون سائر أفراد النوع الإنساني وكأنهم في وجودهم فرع لوجود ذلك الإنسان، بحيث إن لم يوجد مثل ذلك الإنسان، فلن يكون متاحا - أبدا - وجود بقيّة أفراد النوع البشري.
مثل هذا الإنسان يعبر عنه"حجّة الله"، وهو المعنيُّ بالقول:"اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة" الوارد في نهج البلاغة2، وفي كتب كثيرة أخرى.
لقد سمعت من المرحوم السيد البروجرودي أن هذه الجملة هي جزء من كلام تحدث به الإمام علي عليه السلام في البصرة، وهي مما تواتر نقله بين الشيعة والسنة. بيدَ أني لا أتذكر ما إذا كنت اطلعت على هذه الملاحظة في مكان آخر أم لا، وفي الواقع لم أسعَ لتقصّي الموضوع.
على أيّ حال، ورد هذا التعبير للإمام في سياق حديثه المعروف إلى كميل.
الامامة،الشيخ مرتضى مطهري، المترجم:جواد علي كسّار
----------------------------------------------
الهوامش:
1- البقرة:30-31
2- نهج البلاغة، الحكمة رقم139 طبعة فيض الإسلام
source : تبیان