عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

زيارة عاشوراء سنداً ومكانةً

 

 

مقدّمات تمهيدية

ولنقدّم قبل دراسة السند أُموراً تضفي على الموضوع جلاء ووضوحاً:

1. الحديث المعتبر عند القدماء

إنّ الحديث بين القدماء كان ثنائيّ التقسيم وهو بين معتبر وغير معتبر، فما أيّدته القرائن  فمعتبر يصحّ الركون إليه والاحتجاج به، وأمّا  ما لم تؤيّده القرائن فغير معتبر، لا يحتجّ به. وأمّا القرائن فهي:

1. وجود الحديث في كثير من الأُصول الأربعمائة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة (سلام اللّه عليهم).

2. تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة، أو وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار.

3. اندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة المعصومين، فأثنوا على مؤلّفيها، ككتاب عبيد اللّه الحلبي الذي عرض على الصادق(عليه السلام)، وكتابي يونس بن عبدالرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكري(عليه السلام).

4. أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم، الوثوق بها، والاعتماد عليها، سواء أكان المؤلّف من الإمامية، ككتاب الصلاة لحريز بن عبداللّه السجستاني، وكتب ابني سعيد بن الحسين الأهوازي، وعلي بن مهزيار; أم من غير الإمامية، ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد اللّه السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

ولذلك نرى أنّهم حكموا بصحّة أحاديث بعض الرواة وإن لم يكونوا من الإمامية، كعلي بن محمد بن رياح وغيره لوجود القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم.([5])

هذه نماذج من القرائن المفيدة للوثوق، وهناك قرائن أُخرى مفيدة له طوينا عنها الكلام روماً للاختصار.

هذا هو ديدن القدماء، وأمّا المتأخرون فقد عدلوا عن التقسيم الثنائي إلى التقسيم الرباعي بتقسيم الحديث إلى: صحيح، وموثّق، وحسن، وضعيف. والداعي لهذا التقسيم هو أنّ القرائن المورثة للاطمئنان بصدور الحديث آلت إلى القلّة والندرة حسب مرور الزمان; وأوجب ضياع الأُصول والمصنّفات المؤلّفة بيد الثقات، اللجوءَ إلى التقسيم الرباعي الذي يبتني على ملاحظة السند وأحوال الراوي.

ويترتّب على ما ذكرنا: أنّه إذا أكّدت القرائن صدور الخبر عن المعصوم فهو حديث صحيح في مصطلح القدماء، وإن لم يكن كذلك في مصطلح المتأخّرين، ولكنّهم ـ أيضاً ـ غير آبين عن العمل بمثله.

2. الحجّة هو الخبر الموثوق بصدوره

هل الحجّة هو قول الثقة وخبره، أو أنّ الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره؟ قولان:

أصحّهما هو الثاني وأنّ الاعتماد  على وثاقة الراوي لأجل كونها مفيدةً للوثوق بصدور الحديث، ولذلك لو لم تثبت وثاقة الراوي ولكن دلّت القرائن على صدق الخبر، يكون حجّة عند العقلاء وبالتالي عند الشرع الذي أمضى سيرة العقلاء في هذا المضمار.

إنّ الأُصوليين وإن  ركّزوا على حجّية قول الثقة، وظاهر كلامهم أنّ الشارع كان بصدد تأسيس قاعدة هي حجّية خبر الثقة دون غيره، ولكن التحقيق أنّه لم يرد في الشرع دليل على أنّ الشارع بصدد تأسيس قاعدة باسم حجّية قول الثقة. أمّا الآيات فدلالتها على الكبرى(حجّية قول الثقة) مخدوشة كما هو واضح لمن راجع الكتب الأُصولية.([6])

وأمّا الروايات فالجميع بصدد بيان الصغرى حيث تعلق السؤال بها وأنّ فلاناً هل هو ثقة أو لا؟ وليس فيها ما يشير إلى تأسيس كبرى شرعية باسم حجية خبر الثقة، ولذلك نرى أنّ الراوي يسأل الإمام ويقول: أفيونس بن عبدالرحمن ثقة، آخذ منه  ما احتاج إليه من معالم ديني؟!([7]) أو يقول الإمام: العمري وابنه ثقتان ما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان.([8])

وعلى هذا فالدليل الوحيد على حجّية الخبر الواحد هو سيرة العقلاء في معاشهم ومعادهم، ومن المعلوم أنّ السيرة جرت على الاعتماد على الخبر الموثوق بصدوره، وأنّ وثاقة الراوي من القرائن المفيدة لصدوره، ولذلك لو ثبتت وثاقة الراوي ولكن القرائن شهدت على عدم الصدور يترك قوله ويعذّر بأحد الأعذار.

وقد عرفت أنّ محور الحجّية عند القدماء هو شهادة القرائن الداخلية أو الخارجية على صدور الرواية، واقترانه بقرائن يجعله موثوق الصدور.

3. الشهرة العملية جابرة لضعف السند

اعلم أنّ الشهرة تنقسم إلى: روائية، وعملية، وفتوائيّة.

الشهرة الروائية: عبارة عن اشتهار نقل الرواية بين الرواة وأرباب الحديث ونقلها في الكتب، سواء عَمِلَ بها الفقهاء أم لم يعملوا.

والشهرة العملية: عبارة عن اشتهار العمل بالرواية والاستناد إليها في مقام الفتوى، كاستناد الفقهاء على النبويّ: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»، أو قوله(صلى الله عليه وآله):«الناس مسلّطون على أموالهم» والروايتان وإن لم تنقلا في جوامعنا الحديثية ولكن الفقهاء عملوا بها، فالشهرة العملية بين الفقهاء تعرب عن وجود قرائن محتفّة بالرواية سبّبت حصول الاطمئنان بصدورها.

وبذلك يعلم أنّ الشهرة الروائية إنّما تفيد إذا كان النقل مقروناً بالعمل، وأمّا النقل المجرد عن العمل فهو كاسر للحجية ويورث الظن بعدم  صحة الحديث.

والشهرة الفتوائية : عبارة عن مجرّد اشتهار الفتوى في مسألة، سواء لم تكن على وفقها رواية أو كانت الفتوى على خلافها فهل مثل هذه الشهرة حجّة أو لا؟ فيها تفاصيل أوضحناها في محاضراتنا الأُصولية .

والمقصود في المقام هو إثبات أنّ الشهرة العملية بمعنى اعتماد العلماء على الرواية بالعمل بها جابر لضعف السند ـ على فرض وجوده ـ و يورث الاطمئنان بصدورها.

والشاهد على ذلك مقبولة عمر بن حنظلة([9])، فقد سئل الإمامَ عن الخبرين المتعارضين اللّذين رواهما العدلان. قال ابن حنظلة: فقلت: فإنّهما  عدلان، مرضيان عند أصحابنا لا يفضّل واحد منهما على صاحبه؟ قال: فقال: «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به، المجمعَ عليه عند أصحابك فيُؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، إنّما الأُمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيُتبع، وأمر بيّن غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى اللّه وإلى رسوله.([10])

وجه الدلالة:

1. انّ المراد من «المجمع عليه» ليس ما اتّفق الكلّ على روايته، بل المراد ما اشتهرتْ روايتُه بين الأصحاب، في مقابل الشاذّ الذي ليس كذلك، ويدل على ذلك قول الإمام (عليه السلام)  : «يُترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك».

2. المراد من اشتهار الرواية بين الأصحاب، هو اشتهارها مع العمل بها والإفتاء بمضمونها، إذ هو الذي يصلح لأن يكون ممّا لا ريب فيه، وإلاّ فلو رووها ولم يعملوا بمضمونها، بل أفتوا على خلافه، ففي مثلها كلّ الريب.

3. المراد كون  المجمع عليه «ممّا لا ريب» هو نفي الريب على وجه الإطلاق كقوله سبحانه:(ذلِك الْكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ)([11])، بشهادة أنّ النكرة وقعت في سياق النفي وهو يفيد العموم، وإذا كانت الرواية المشهورة المعمول بها ممّا لا ريب فيه، تكون الرواية الشاذة المعرض عنها، ممّا لا ريب في بطلانها، وذلك بحكم العقل لا بالدلالة اللفظية، فإنّه إذا كان أحد طرفي القضية ممّا لا ريب في صحّته وقطعَ الإنسان بصحّته يكون الطرف الآخر مقطوع البطلان، وإلاّ يلزم اجتماع اليقين بالصحّة، مع الشك فيها، مثلاً إذا كانت عدالة زيد ممّا لا ريب فيها، يكون مخالفها ـ فسقه ـ ممّا لا ريب في بطلانه.

ومن ذلك يعلم أنّ الخبر المشهور  داخل في القسم الأوّل من التثليث الوارد في الحديث أيْ بيّن الرشد، والخبر الشاذ داخل في القسم الثاني أيْ بيّن الغي، لا في القسم الثالث أيْ مشكل يرد حكمه إلى اللّه ورسوله.

ثمّ إنّ المراد من قوله(عليه السلام): «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه»، ـ كما مرّ ـ هو شهرة الخبر بين الأصحاب مع العمل به لا ما أجمع على صدوره من المعصوم، لأنّ الراوي افترض أنّ الخبرين رواهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على  صاحبه، فلو كان أحد الخبرين ممّا أجمع الأصحاب عليه فلا معنى لفرض المذكور ـ أعني: رواية العدلين المرضيين الخبرين المتعارضين ـ ففرض المخالف دليل على أنّ المراد هو الشهرة لا المجمع عليه حسب اصطلاح الأُصوليين.

ثمّ إنّ تقديم الخبر المشهور بالمعنى المذكور ليس إلاّ لأجل كونه مثيراً للاطمئنان بالصدور، وقد عرفت أنّه هو الموضوع لحجّية الخبر.

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ زيارة عاشوراء وردت بأسانيد خمسة مع اختلاف في درجات اعتبارها، لكن المجموع من حيث المجموع مع القرائن التي ستوافيك في دراسة الأسانيد يورث الاطمئنان بصدورها، وأنّ التعبّد بها تعبّد مع الحجة ، ويُثاب الزائر حسب ما ورد في الرواية.

إنّ دراسة أسانيد الزيارة على ضوء القواعد الرجالية وإن كان أمراً متيناً ولكن الاقتصار عليها والغضّ عن القرائن الكثيرة الدالّة على صحّة الرواية أمر لا يمكن الإغماض عنه، وسيوافيك في ثنايا البحث القرائن التي ربما تورث وثاقة الراوي أو صحّة الرواية.

4. رجال الغضائري و قيمته العلمية

إنّ كتاب الضعفاء المنسوب إلى الغضائري ـ أعني: الحسين بن عبيد اللّه،  أو إلى ابنه أحمد بن الحسين ـ لم تثبت صحة انتسابه إلى واحد منهما، فكيف يمكن الاعتماد على مثل هذا الكتاب؟! لأنّ الكتاب كان مفقوداً طيلة قرون والغضائري من رجال القرن الرابع وأوائل الخامس وقد توفّي عام 411هـ، وهكذا ابنه فهو من رجال القرن الخامس، وانقطع أثر الكتاب عنهما غير قرنين،  إلى أن وقف عليه السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسيني الحلّي (المتوفّى سنة 673هـ) ،  وعلى ذلك  كيف يمكن الاعتماد عليه؟!

أضف إلى ذلك: إنّ القرائن تدلّ  على عدم ثبوت النسبة، وقد أوضح حالها السيد الخوئي في كتاب «معجم رجال الحديث»([12])، فمن أراد التفصيل فليرجع إليه، كما أوضحنا حاله في كتابنا «كليات في علم الرجال».([13])

هذا ونظير ذلك تضعيف القمّيين قسماً كبيراً من الرواة حيث إنّ جرحهم لم يكن مستنداً إلى سماع من عادل، إلى عادل بل كانوا يعرضون الروايات المروية عن لفيف من الرواة على عقائدهم الخاصّة، فإذا رأوا في الرواية شيئاً من الارتفاع والغلوّ يرمونه بالغلوّ ووضع الحديث. يقول المحقّق البهبهاني: «اعلم أنّ الظاهر أنّ كثيراً من القدماء لا سيّما القمّيّين منهم والغضائري ـ كانوا يعتقدون للأئمّة(عليهم السلام)منزلة  خاصّة من الرفعة والجلالة، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها، وكانوا يعدّون التعدّي ارتفاعاً وغلوّاً حسب معتقدهم، حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض الّذي اختلف فيه  ـ كما سنذكر ـ أو المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خـوارق العـادات عنهم، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقـائص، وإظهار كثير قدرة لهم، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض (جعلوا كلّ ذلك) ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به، لا سيّما لأجل أنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين.

وبالجملة ، الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأُصولية أيضاً فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً أو غير ذلك، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده، أو لا هذا و لا ذاك. وربّما كان منشأ جرحهم بالأُمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما أشرنا آنفاً ـ أو ادّعاء أرباب المذاهب كونه منهم أو روايتهم عنه، وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه، إلى غير ذلك، فعلى هذا ربّما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأُمور المذكورة، إلى أن قال:

ثمّ اعلم أنّه (أحمد بن محمد بن عيسى) والغضائري ربّما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعد ما نسباه إلى الغلوّ وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه».([14])

5. مفاد الخبر الضعيف

إذا أُريد  من الخبر الصحيح ما اتّصل إلى  المعصوم بعدل إمامي، ومن الحسن ما رواه الإمامي الممدوح من غير نص على عدالته، وأُريد من الموثّق ما رواه من نُصّ على توثيقه مع عدم سلامة عقيدته، فيكون الضعيف ما يقابل الثلاثة، وفي الوقت نفسه قد يكون مطابقاً للواقع أو أكثر مطابقة من الثلاثة، ولكنّه حسب المعايير ليس بحجّة.

إذا عرفت ذلك فإذا كانت هناك أخبار ضعاف تهدف إلى أمر خاص لا يمكن العدول عنها بحجّة ضعفها، لأنّ لكلّ خبر تأثيراً في حصول الوثوق  في نفس الإنسان، فإذا كثر السبب يزداد الوثوق في نفس الإنسان.

وعلى ضوء ما ذكرنا فلو فرضنا ضعف أسانيد زيارة عاشوراء ـ وهو فرض  غير صحيح كما سيوافيك ـ  فهذه الأسانيد الخمسة مع ما في طيّاتها من شخصيات لا يشق غبارهم، قد اعتنوا بروايتها، يكون المجموع من حيث المجموع مورثاً للوثوق، فالتسرّع  بردّ الزيارة بحجّة أنّ الأسانيد ضعاف في غير محلّه، صغرى وكبرى.

6. التسامح في أدلّة السنن

قد اشتهرت بين الأصحاب مسألة التسامح في أدلّة السنن، ويراد بها أنّه لا يعتبر في ثبوتها ما يشترط في ثبوت غيرها، ومنها كون الراوي ثقة ضابطاً، بل يكفي ورودها ولو عن طريق ضعيف. والمسألة معنونة في كلمات الفريقين ويعبر أهل السنّة عن هذه المسألة بقولهم: العمل بالخبر الضعيف في فضائل الأعمال، وقد ألمع إليها:

1. الشهيد الأوّل(734ـ 786هـ) في الذكرى.

2. ابن فهد الحلي(المتوفّى 841هـ) في عدة الداعي.

3. الشهيد الثاني (المتوفّى 966هـ) في درايته.

4. بهاء الدين العاملي (المتوفّى 1030هـ) في أربعينه.

5. الشيخ الأنصاري(المتوفّى 1281هـ) في  رسالته المستقلة في هذا الموضوع.

روى الكليني بسند صحيح عن ابن أبي عمير،  عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه(عليه السلام)قال: «مَن سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه  كان له، وإن لم يكن على ما بلغه» .([15])

وقد استرسل العلماء في الكلام في مفاد هذه الرواية ونظائرها وأنّها هل تضفي على العمل حكم الاستحباب، أو لا تثبت سوى ترتّب الثواب؟ ونحن لا نريد الخوض في ذلك، فقد أوضحنا الكلام في مفاد الروايات في محاضراتنا الأُصولية.([16])

وليس الهـدف مـن هذه الروايات هو حثّ الناس على نقل الخبر الضعيف ونشره بين الناس، بل الغرض هو حفظ الآثار النبوية حتى لا تترك لأجل كون السند ضعيفاً.

فلو فرضنا فرضاً غير صحيح ضعف أسانيد زيارة عاشوراء، فللشيعي المتحرّق قلبه على مصائب الحسين(عليه السلام) أن يقرأ الزيارة لأجل الحصول على الثواب الموجود في الرواية.

هذا بعض ما يمكن أن يقال، وأنت إذا لاحظت هذه المقدّمات وما سيوافيك من دراسة أسناد الزيارة، يظهر لك أنّ زيارة عاشوراء زيارة معتبرة صدرت عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)بقلب حزين يندّد بسياسة الجور والظلم التي مارسها بنو أُميّة ضد أهل البيت(عليهم السلام)وأنّها تبقى مشرقة عبر العصور والقرون.

إذا عرفت ذلك فلنبحث في أسانيد زيارة عاشوراء ودراستها، ورتّبنا البحث في فصلين:

الأوّل: زيارة عاشوراء بأسانيدها الثلاثة عند الشيخ الطوسي((قدس سره)ره)(385ـ 460هـ).

الثاني: زيارة عاشوراء التي رواها ابن قولويه((قدس سره)ره)(المتوفّى 369هـ) بطريقين.

ولعلّ الباحث يَعثر على غير ما ذكرنا من الطرق.


    
الفصل الأوّل

 الأسانيد الثلاثة للشيخ الطوسي

لزيارة عاشوراء


 إنّ استحباب زيارة سيد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السلام)في اليوم العاشر  من محرم الحرام ممّا أصفق عليه علماء الطائفة الإمامية عبْر القرون، واتّفاقهم هذا من أتقن الأدلّة على صحّتها وصدورهاعن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .

إنّ زيارة سيد الشهداء في العاشر من محرم الحرام وردت بطرق خمسة: رواها شيخ الطائفة بطرق ثلاثة، غير أنّ السند الأوّل يختصّ ببيان ثواب الزيارة دون النصّ المعروف، والأخيرين  طريقان لنفس النصّ، ويعلم ذلك بالإمعان في ما نقله الشيخ في هذا المضمار.

ورواها ابن قولويه بطريقين، فتكون الطرق إليها خمسة. وسنتعرض في هذا الفصل لدراسة أسانيد الشيخ الطوسي(رحمه الله).

السند الأوّل ([17])

قال الشيخ الطوسي: روى محمد  بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه(عقبة بن قيس بن سمعان)، عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال: «مَن زار الحسين بن علي (عليهما السلام)في يوم عاشوراء من محرم الحرام حتّى يظلّ عنده باكياً لقي اللّه عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ غزوة وحجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزا  مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)ومع الأئمة الراشدين».

قال: قلت جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال: «إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتله وصلّى من بعدُ ركعتين، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس، ثمّ ليندب الحسين (عليه السلام)ويبكيه، ويأمر مَن في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعزِّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين (عليه السلام)، وأنا  الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه تعالى جميع ذلك».

قلت: جعلت فداك أنت الضامن ذلك لهم والزعيم؟!

قال: «أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك».

قلت: فكيف يُعزّي بعضنا بعضاً؟

قال:« تقولون: أعظم اللّه أُجورنا بمصابنا بالحسين(عليه السلام)وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد (عليهم السلام) ، وإن استطعت  أن لا تَنْتَشِر يومك في حاجة فافعل فإنّه يوم نحس لا يُقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً، ولا يدَّخرن أحدكم لمنزله فيه شيئاً فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادّخره ، ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه تعالى لهم أجر ثواب ألف حجّة وألف عمرة وألف غزوة كلّها مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصي وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة».([18])

إلى هنا تمّ سند الشيخ إلى بيان ثواب زيارة الحسين يوم عاشوراء  دون أن يذكر فيه نصّ خاص للزيارة، بل اقتصرت الرواية  على نيل الثواب، كما جاء فيها: البروز إلى الصحراء  و الصعود إلى السطح المرتفع والإيماء إليه بالسلام والاجتهاد في الدعاء على قاتله...، وليس فيها أي أثر من الزيارة الخاصة التي نحن بصدد تقويم سندها.

وإليك دراسة سندها:

أقول: قد أخذ  الشيخ الرواية   من كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع، ونقل سنده إلى كتابه في الفهرست بالنحو التالي:

ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن علي بن إبراهيم،عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع.([19])

وعلى هذا فالشيخ يروي ثواب زيارة الحسين (عليه السلام)في يوم عاشوراء عن المشايخ التالية:

1. ابن أبي جيد.

2. محمد بن الحسن بن الوليد.

3. علي بن إبراهيم.

4.  إبراهيم بن هاشم.

5. محمد بن إسماعيل بن بزيع.

6.  صالح بن عقبة.

7. عقبة بن قيس.

8. عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) .

وإليك دراسة أحوالهم:

1. ابن أبي جيد

علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد المكنّى بأبي الحسين، وهو من مشايخ النجاشي والشيخ، ومشايخ النجاشي كلّهم ثقات.

2.  محمد بن الحسن بن الوليد

محمد بن الحسن بن الوليد(المتوفّى عام 343هـ) وهو من مشايخ الطائفة وأجلاّئها، غني عن الوصف والبيان ، ويصدر عنه الشيخ الصدوق  في التعديل والتجريح.

3. علي بن إبراهيم القمي

علي بن إبراهيم وهو شيخ الكليني الذي كان  حيّاً عام 307هـ ، وهو من مشايخ الطائفة الذين لا يُشق غبارهم.

4. إبراهيم بن هاشم

إبراهيم بن هاشم، الذي ادّعى ابن طاووس الإجماع على وثاقته، ويبلغ عدد رواياته 6414 رواية في الكتب الأربعة، وليس له نظير في رواة الشيعة.

5.محمد بن إسماعيل بن بزيع

محمد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب أبي الحسن الأوّل والرضا والجواد (عليهم السلام) ، يقول الشيخ في رجاله: ثقة صحيح كوفي.([20]) ويقول النجاشي: من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل.([21])

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أصول العقیدة الإسلامیة وأرکانها
لماذا اعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير
قلب المؤمن عرش الله
الثبات على المبدأ
الفتور المعنوي بعد المواسم العبادية
فضل التبليغ وأهدافه
الزهراء عليها السلام وعلاقتها بالتوحيد
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
الخروج من القبر
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية

 
user comment