عربي
Monday 23rd of December 2024
0
نفر 0

عقيدتنا في معجزة الانبياء

15 ـ

نعتقد: انه تعالى اذ ينصب لخلقه هاديا ورسولا لا بد ان يعرفهم بشخصه ,ويرشدهم اليه بالخصوص عـلـى وجه التعيين , وذلك منحصر بان ينصب على رسالته دليلا وحجة يقيمها لهم ((70)) , اتماما للطف , واستكمالاللرحمة .
وذلـك الـدليل لا بد ان يكون من نوع لا يصدر الا من خالق الكائنات ,ومدبر الموجودات ـ اي فوق مـسـتوى مقدور البشر ـ فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي , ليكون معرفا به , ومرشدا اليه , وذلـك الـدلـيل هو المسمى بالمعجز او المعجزة , لانه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته والاتيان بمثله .
وكـما انه لا بد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لاقامة الحجة عليهم , فلابد ان تكون تلك المعجزة ظاهرة الاعجاز بين الناس على وجه يعجز عنهاالعلماء واهل الفن في وقته , فضلا عن غيرهم من سائر الناس , مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوة منه , لتكون دليلا على مدعاه , وحجة بين يديه , فـاذاعـجـز عنها امثال اولئك علم انها فوق مقدور البشر , وخارقة للعادة , فيعلم ان صاحبها فوق مستوى البشر , بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبر الكائنات .
واذا تم ذلك لشخص , من ظهورالمعجز الخارق للعادة , وادعى ـ مع ذلك ـ النبوة والرسالة , يكون حـيـنـئذ موضعا لتصديق الناس بدعواه , والايمان برسالته , والخضوع لقوله وامره , فيؤمن به من يؤمن , ويكفر به من يكفر .
ولاجـل هذا وجدنا ان معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون , فكانت معجزة مـوسـى عليه السلام هي العصا التي تلقف السحروما يافكون , اذ كان السحر في عصره فنا شائعا , فـلـمـا جاءت العصا بطل ما كانوايعملون , وعلموا انها فوق مقدروهم , واعلى من فنهم , وانها مما يعجز عن مثله البشر , ويتضاءل عندها الفن والعلم
((71)) .
وكـذلـك كانت معجزة عيسى عليه السلام , وهي ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى , اذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس , وفيه علماء واطباء لهم المكانة العليا , فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسى عليه السلام
((72)) .
ومـعـجزة نبينا الخالدة هي القرآن الكريم , المعجز ببلاغته وفصاحته , في وقت كان فن البلاغة معروفا . وكان البلغاء هم المقدمين عند الناس بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم , فجاء القرآن كالصاعقة , اذلـهـم وادهشهم , وافهمهم انهم لا قبل لهم به , فخنعوا له مهطعين عندما عجزوا عن مجاراته , وقصروا عن اللحاق بعبارة ))
((73)) .

, ثم تحداهم ان ياتوا ((74)) ويـدل عـلى عجزهم انه تحداهم باتيان عشر سور مثله فلم يقدروا بـسـورة مـن مـثـله ((75)) فنكصوا , ولما علمنا عجزهم عن مجاراته آمع تحديه لهم , وعلمنا لـجوءهم الى المقاومة بالسنان دون اللسان ـ علمنا ان القرآن من نوع المعجز , وقد جاء به محمد بن عبداللّه مقرونا بدعوى الرسالة .فعلمنا انه رسول اللّه , جاء بالحق وصدق به , صلى اللّه عليه وآله .

16 ـ عقيدتنا في عصمة الانبياء

ونـعـتقد: ان الانبياء معصومون قاطبة , وكذلك الائمة عليهم جميعاالتحيات الزاكيات , وخالفنا في ذلك بعض المسلمين , فلم يوجبواالعصمة في الانبياء ((76)) , فضلا عن الائمة .
والـعصمة : هي التنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها , وعن الخطا والنسيان
((77)) , وان لم يمتنع عقلا على النبي ان يصدر منه ذلك , بل يجب ان يكون منزها حتى عما ينافي المروءة , كالتبذل بين الناس من اكل في الطريق او ضحك عال , وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام .
والـدلـيـل على وجوب العصمة , انه لو جاز ان يفعل النبي المعصية , اويخطا وينسى , وصدر منه شي ء من هذا القبيل , فاما ان يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصيانا او خطا او لا يجب , فان وجب اتـبـاعـه فـقـد جوزنا فعل المعاصي برخصة من اللّه تعالى , بل اوجبنا ذلك
((78)) , وهذا باطل بضرورة الدين والعقل .
وان لم يجب اتباعه فذلك ينافي النبوة التي لا بد ان تقترن بوجوب الطاعة ابدا .
عـلى ان كل شي ء يقع منه من فعل او قول فنحن نحتمل فيه المعصية اوالخطا , فلا يجب اتباعه في شـي ء من الاشياء , فتذهب فائدة البعثة , بل يصبح النبي كسائر الناس , ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك الـقـيـمـة الـعـالـيـة الـتي يعتمدعليها دائما , كما لا تبقى طاعة حتمية لاوامره , ولا ثقة مطلقة باقواله وافعاله
((79)) .
وهذا الدليل على العصمة يجري عينا في الامام , لان المفروض فيه انه منصوب من اللّه تعالى لهداية البشر خليفة للنبي , على ما سياتي في فصل الامامة .

17 ـ عقيدتنا في صفات النبي

ونـعتقد: ان النبي ـ كما يجب ان يكون معصوما ـ يجب ان يكون متصفاباكمل الصفات الخلقية والعقلية وافضلها , من نحو: الشجاعة , والسياسة ,والتدبير , والصبر , والفطنة , والذكاء , حتى لا يدانيه بشر سواه فيها , لانه لولاذلك لما صح ان تكون له الرئاسة العامة على جميع الخلق , ولا قوة ادارة العالم كله .
كـمـا يـجب ان يكون طاهر المولد امينا صادقا منزها عن الرذائل قبل بعثته ايضا , لكي تطمئن اليه القلوب , وتركن اليه النفوس , بل لكي يستحق هذا المقام الالهي العظيم .

18 ـ عقيدتنا في الانبياء وكتبهم

نـؤمـن عـلى الاجمال بان جميع الانبياء والمرسلين على حق , كما نؤمن بعصمتهم وطهارتهم , واما انـكـار نـبوتهم , او سبهم , او الاستهزاء بهم فهو من الكفر والزندقة , لان ذلك يستلزم انكار نبينا الذي اخبر عنهم وصدقهم ((80)) .
امـا المعروفة اسماؤهم وشرائعهم , كدم ونوح وابراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى وسائر من ذكرهم القرآن الكريم باعيانهم , فيجب الايمان بهم على الخصوص
((81)) , ومن انكر واحدا منهم فقد انكر الجميع , وانكر نبوة نبينابالخصوص .
وكذلك يجب الايمان بكتبهم وما نزل عليهم .
واما التوراة والانجيل الموجودان الان بين ايدي الناس , فقد ثبت انهمامحرفان عما اءنزلا بسبب ما حـدث فـيهما من التغيير والتبديل , والزيادات والاضافات بعد زماني موسى وعيسى عليهما السلام بـتـلاعـب ذوي الاهـواءوالاطماع , بل الموجود منهما اكثره ـ او كله ـ موضوع بعد زمانهما من الاتباع والاشياع .

19 ـ عقيدتنا في الاسلام

نـعـتقد: ان الدين عند اللّه الاسلام ((82)) , وهو الشريعة الالهية الحقة التي هي خاتمة الشرائع واكملها , واوفقها في سعادة البشر , واجمعها لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم , وصالحة للبقاء مدى الـدهـور والـعـصـور , لا تـتـغير ولا تتبدل ,وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية .
ولما كانت خاتمة الشرائع , ولا نترقب شريعة اءخرى تصلح هذا البشرالمنغمس بالظلم والفساد , فلا بد ان ياتي يوم يقوى فيه الدين الاسلامي ,فيشمل المعمورة بعدله وقوانينه
((83)) .
ولـو طبقت الشريعة الاسلامية بقوانينها في الارض تطبيقا كاملا صحيحا ,لعم السلام بين البشر , وتـمـت السعادة لهم , وبلغوا اقصى ما يحلم به الانسان من الرفاه والعزة , والسعة والدعة , والخلق الـفـاضـل , ولانقشع الظلم من الدنيا ,وسادت المحبة والاخاء بين الناس اجمعين , ولانمحى الفقر والفاقة من صفحة الوجود .
واذا كـنا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية عند الذين يسمون انفسهم بالمسلمين , فلان الدين الاسلامي في الحقيقة لم يطبق بنصه وروحه , ابتداء من القرن الاول من عهودهم , واستمرت الحال بـنـا ـ نـحـن الـذيـن سمينا انفسنابالمسلمين ـ من سيى ء الى اسوا الى يومنا هذا , فلم يكن التمسك بالدين الاسلامي هو الذي جر على المسلمين هذا التاخر المشين , بل بالعكس ان تمردهم على تعاليمه , واسـتـهانتهم بقوانينه , وانتشار الظلم والعدوان فيهم ,من ملوكهم الى صعاليكهم ومن خاصتهم الى عـامـتـهـم , هـو الذي شل حركة تقدمهم , واضعف قوتهم , وحطم معنوياتهم , وجلب عليهم الويل والـثبور ,فاهلكهم اللّه تعالى بذنوبهم : (ذلك بان اللّه لم يك مغيرا نعمة اءنعمها على قوم حتى يغيروا مـا بـاءنـفسهم )
((84)) , تلك سنة اللّه في خلقه (انه لا يفلح المجرمون ) ((85)) (وما كان ربك لـيـهلك القرى بظلم واءهلها مصلحون ) ((86)) (وكذلك اءخذ ربك اذا اءخذ القرى وهي ظالمة ان اءخذه اءليم شديد) ((87)) .
وكـيف ينتظر من الدين ان ينتشل الامة من وهدتها وهو عندها حبر على ورق , لا يعمل باقل القليل من تعاليمه .
ان الايـمـان والامانة , والصدق والاخلاص , وحسن المعاملة والايثار , وان يحب المسلم لاخيه ما يـحـب لـنفسه , واشباهها , من اول اسس دين الاسلام ,والمسلمون قد ودعوها من قديم ايامهم الى حـيـث نـحـن الان , وكـلما تقدم بهم الزمن وجدناهم اشتاتا واحزابا وفرقا , يتكالبون على الدنيا , ويـتـطـاحنون على الخيال , ويكفر بعضهم بعضا , بالاراء غير المفهومة , او الامور التي لا تعنيهم ,فـانـشـغـلـوا عن جوهر الدين , وعن ماصالحهم ومصالح مجتمعهم بامثال النزاع في خلق القرآن , والقول بالوعيد والرجعة وان الجنة والنار مخلوقتان اوسيخلقان , ونحو هذه النزاعات التي اخذت مـنـهـم بالخناق , وكفر بها بعضهم بعضا , وهي ان دلت على شي ء فانما تدل على انحرافهم عن سنن الجادة المعبدة لهم , الى حيث الهلاك والفناء .
وزاد الانـحراف فيهم بتطاول الزمان , حتى شملهم الجهل والضلال ,وانشغلوا بالتوافه والقشور , وبالاتعاب والخرافات والاوهام , وبالحروب والمجادلات والمباهاة , فوقعوا بالاخير في هاوية لا قـعـر لـها , يوم تمكن الغرب المتيقظ ـ العدو اللدود للاسلام ـ من ان يستعمر هذه البقاع المنتسبة الـى الاسـلام , وهي في غفلتها وغفوتها , فيرمي بها في هذه الهوة السحيقة , ولا يعلم الا اللّه تعالى مداها ومنتهاها (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم واهلهامصلحون )
((88)) .
ولا سبيل للمسلمين اليوم وبعد اليوم الا ان يرجعوا الى انفسهم فيحاسبوها على تفريطهم , وينهضوا الـى تـهذيب انفسهم والاجيال الاتية بتعاليم دينهم القويمة , ليمحو الظلم والجور من بينهم , وبذلك يـتـمـكـنـون مـن ان يـنـجـوبـانـفـسـهـم مـن هذه الطامة العظمى , ولا بد بعد ذلك ان يملاوا الارض قـسطاوعدلابعدما ملئت ظلما وجورا , كما وعدهم اللّه تعالى ورسوله
((89)) ,وكماهو المترقب من دينهم الذي هو خاتمة الاديان , ولا رجاء في صلاح الدنياواصلاحها بدونه .
ولا بد من امام ينفي عن الاسلام ما علق فيه من اوهام , واءلصق فيه من بدع وضلالات , وينقذ البشر ويـنجيهم مما بلغوا اليه من فساد شامل , وظلم دائم , وعدوان مستمر , واستهانة بالقيم الاخلاقية والارواح البشرية , عجل اللّه فرجه وسهل مخرجه .

20 ـ عقيدتنا في مشرع الاسلام

نـعـتقد: ان صاحب الرسالة الاسلامية هو محمد بن عبداللّه , وهو خاتم النبيين , وسيد المرسلين , وافضلهم على الاطلاق , كما انه سيد البشر جميعا , لايوازيه فاضل في فضل , ولا يدانيه احد في مـكـرمة , ولا يقاربه عاقل في عقل ,ولا يشبهه شخص في خلق , وانه لعلى خلق عظيم ((90)) .
ذلك من اول نشاة البشرالى يوم القيامة
((91)) .

21 ـ عقيدتنا في القرآن الكريم

نـعتقد: ان القرآن هو الوحي الالهي المنزل من اللّه تعالى على لسان نبيه الاكرم فيه تبيان كل شي ء , وهـو مـعجزته الخالدة التي اعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة , وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية , لايعتريه التبديل والتغيير والتحريف ((92)) .
وهذا الذي بين ايدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي , ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق او مغالط او مشتبه , وكلهم على غير هدى , فانه كلام اللّه الذي (لا ياتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه )
((93)) .
ومن دلائل اعجازه : انه كلما تقدم الزمن , وتقدمت العلوم والفنون , فهوباق على طراوته وحلاوته , وعلى سمو مقاصده وافكاره , ولا يظهر فيه خطا في نظرية علمية ثابتة , ولا يتحمل نقض حقيقة فـلـسـفـيـة يقينية , على العكس من كتب العلماء واعاظم الفلاسفة , مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومـراتبهم الفكرية , فانه يبدو بعض منها ـ على الاقل ـ تافها او نابيا او مغلوطا كلما تقدمت الابحاث الـعـلـمـيـة , وتقدمت العلوم بالنظريات المستحدثة , حتى من مثل اعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وافلاطون وارسطو الذين اعترف لهم جميع من جاءبعدهم بالابوة العلمية , والتفوق الفكري .
ونـعتقد ايضا: بوجوب احترام القرآن الكريم , وتعظيمه بالقول والعمل ,فلا يجوز تنجيس كلماته حتى الكلمة الواحدة المعتبرة جزء منه على وجه يقصد انها جزء منه على وجه يقصد انها جزء منه .
كـمـا لا يـجـوز لـمـن كـان عـلـى غـيـر طـاهـرة ان يـمـس كلماته او حروفه (لايمسه الا الـمـطـهرون )
((94)) سواء كان محدثا بالحدث الاكبر كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها , او محدثا بالحدث الاصغر حتى النوم , الا اذا اغتسل او توضاعلى التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية .
كـمـا انه لا يجوز احراقه , ولا يجوز توهينه باي ضرب من ضروب التوهين الذي يعد في عرف الـنـاس توهينا , مثل رميه , او تقذيره , او سحقه بالرجل , او وضعه في مكان مستحقر , فلو تعمد شـخـص توهينه وتحقيره ـ بفعل واحد من هذه الامور وشبهها ـ فهو معدود من المنكرين للاسلام وقدسيته ,المحكوم عليهم بالمروق عن الدين والكفر برب العالمين .

22 ـ طريقة اثبات الاسلام والشرائع السابقة

لـو خـاصمنا احد في صحة الدين الاسلامي , نستطيع ان نخصمه باثبات المعجزة الخالدة له , وهي الـقـرآن الـكريم على ما تقدم من وجه اعجازه . وكذلك هو طريقنا لاقناع نفوسنا عند ابتداء الشك والتساؤل اللذين لا بد ان يمرا على الانسان الحر في تفكيره عند تكوين عقيدته او تثبيتها .
امـا الشرائع السابقة , كاليهودية والنصرانية , فنحن قبل التصديق بالقرآن الكريم , او عند تجريد انفسنا عن العقيدة الاسلامية , لا حجة لنا لاقناع نفوسنابصحتها , ولا لاقناع المشكك المتسائل , اذ لا مـعـجزة باقية لها كالكتاب العزيز ,وما ينقله اتباعها من الخوارق والمعاجز للانبياء السابقين فهم مـتـهـمون في نقلهم لها او حكمهم عليها , وليس في الكتب الموجودة بين ايدينا المنسوبة الى الانبياء كـالـتـوراة والانجيل ما يصلح ان يكون معجزة خالدة تصح ان تكون حجة قاطعة , ودليلا مقنعا في نفسها قبل تصديق الاسلام لها .
وانـمـا صـح لـنا ـ نحن المسلمين ـ ان نقر ونصدق بنبوة اهل الشرائع السابقة , فلانا بعد تصديقنا بالدين الاسلامي كان علينا ان نصدق بكل ما جاء به وصدقه , ومن جملة ما جاء به وصدقه نبوة جملة من الانبياء السابقين على نحوما مر ذكره
((95)) .
وعلى هذا فالمسلم في غنى عن البحث والفحص عن صحة الشريعة النصرانية وما قبلها من الشرائع الـسـابـقـة بـعـد اعتناقه الاسلام لان التصديق به تصديق بها , والايمان به ايمان بالرسل السابقين والانـبـيـاء الـمتقدمين , فلا يجب على المسلم ان يبحث عنها ويفحص عن صدق معجزات انبيائها , لان المفروض انه مسلم قد آمن بها بايمانه بالاسلام , وكفى .
نـعـم , لـو بـحـث الـشـخـص عن صحة الدين الاسلامي فلم تثبت له صحته ,وجب عليه عقلا ـ بـمـقـتـضـى وجوب المعرفة والنظر ـ ان يبحث عن صحة دين النصرانية , لانه هو آخر الاديان الـسـابـقة على الاسلام , فان فحص ولم يحصل له اليقين به ايضا وجب عليه ان ينتقل فيفحص عن آخر الاديان السابقة عليه , وهودين اليهودية حسب الفرض . . . وهكذا ينتقل في الفحص حتى يتم له اليقين بصحة دين من الاديان , او يرفضها جميعا .
وعـلى العكس فيمن نشا على اليهودية او النصرانية , فان اليهودي لا يغنيه اعتقاده بدينه عن البحث عـن صـحـة النصرانية والدين الاسلامي , بل يجب عليه النظر والمعرفة ـ بمقتضى حكم العقل ـ وكـذلـك النصراني , ليس له ان يكتفي بايمانه بالمسيح عليه السلام , بل يجب ان يبحث ويفحص عن الاسلام وصحته , ولا يعذر في القناعة بدينه من دون بحث وفحص , لان اليهودية وكذاالنصرانية لا تـنفي وجود شريعة لاحقة لها ناسخة لاحكامها , ولم يقل موسى ولاالمسيح عليهما السلام انه لا نبي بعدي
((96)) .
فكيف يجوز لهؤلاء النصارى واليهود ان يطمئنوا الى عقيدتهم , ويركنواالى دينهم قبل ان يفحصوا عـن صـحـة الـشـريـعـة اللاحقة لشريعتهم كالشريعة النصرانية بالنسبة الى اليهود , والشريعة الاسـلامـية بالنسبة الى اليهود والنصارى ,بل يجب ـ بحسب فطرة العقول ـ ان يفحصوا عن صحة هـذه الدعوى اللاحقة ,فان ثبتت لهم صحتها انتقلوا في دينهم اليها , والا صح لهم ـ في شريعة العقل آحينئذ البقاء على دينهم القديم والركون اليه .
امـا الـمسلم ـ كما قلنا ـ فانه اذا اعتقد بالاسلام لا يجب عليه الفحص , لاعن الاديان السابقة على ديـنه , ولا عن اللاحقة التي تدعى , اما السابقة فلان المفروض انه مصدق بها , فلماذا يطلب الدليل عليها؟ وانما فقط قد حكم له بانها منسوخة بشريعته الاسلامية , فلا يجب عليه العمل باحكامها ولا بكتبها .
واما اللاحقة , فلان نبي الاسلام محمدا صلى اللّه عليه وآله قال : ((لا نبي بعدي ))
((97)) وهو الـصـادق الامـين كما هو المفروض (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ) ((98)) فلماذا يطلب الدليل على صحة دعوى النبوة المتاخرة ان ادعاها مدع ؟ نـعـم , عـلى المسلم ـ بعد تباعد الزمان عن صاحب الرسالة , واختلاف المذاهب والاراء , وتشعب الـفـرق والنحل ـ ان يسلك الطريق الذي يثق فيه انه يوصله الى معرفة الاحكام المنزلة على محمد صاحب الرسالة , لان المسلم مكلف بالعمل بجميع الاحكام المنزلة في الشريعة كما انزلت .
ولـكن كيف يعرف انها الاحكام المنزلة كما انزلت , والمسلمون مختلفون , والطوائف متفرقة , فلا الصلاة واحدة , ولا العبادات متفقة , ولاالاعمال في جميع المعاملات على وتيرة واحدة يـصـنـع ؟ بـايـة طـريـقـة مـن الـصلاة ـ اذن ـ يصلي ؟ وباية شاكلة من الاراء يعمل في عباداته ومـعـامـلاته كالنكاح , والطلاق , والميراث , والبيع , والشراء , واقامة الحدود والديات , وماالى ذلك ؟ ولا يجوز له ان يقلد الاباء , ويستكين الى ما عليه اهله واصحابه , بل لابدان يتيقن بينه وبين نفسه , وبينه وبين اللّه تعالى , فانه لا مجاملة هنا ولا مداهنة ,ولا تحيز ولا تعصب .
نـعم , لا بد ان يتيقن بانه قد اخذ بامثل الطرق التي يعتقد فيها بفراغ ذمته بينه وبين اللّه من التكاليف المفروضة عليه منه تعالى , ويعتقد انه لا عقاب عليه ولا عتاب منه تعالى باتباعها واخذ الاحكام منها . ولا يـجـوز ان تاخذه في اللّه لومة لائم (اءيحسب الانسن اءن يترك سدى )
((99)) (بل الانسن على نفسه بصيرة ) ((100)) (ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا) ((101)) .
واول مـا يقع التساؤل فيما بينه وبين نفسه انه هل ياخذ بطريقة آل البيت او ياخذ بطريقة غيرهم ؟ واذا اخـذ بطريقة آل البيت , فهل الطريقة الصحيحة طريقة الامامية الاثني عشرية او طريقة من سـواهـم مـن الفرق الاخرى ؟ ثم اذااخذ بطريقة اهل السنة فمن يقلد , من المذاهب الاربعة او من غـيرهم من المذاهب المندرسة ؟ هكذا يقع التساؤل لمن اعطي الحرية في التفكيروالاختيار , حتى يلتجى ء من الحق الى ركن وثيق .
ولاجـل هـذا وجب علينا ـ بعد هذا ـ ان نبحث عن الامامة , وان نبحث عمايتبعها في عقيدة الامامية الاثني عشرية

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حقيقة الايمان الحب والبغض في الله
هل البيعة أساس الحكم؟
بيان الاسباب في قدوم الحسين الكوفة وقتاله
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
الله ومنطق العلوم التجربية
شرح قول الإمام وفيك انطوى العالم الأكبر
سِمات الأنبياء :العصمة عن الذنوب
المُناظرة الثانية والعشرون /مناظرة الاِمام ...
فلسفة الحجاب في الإسلام
انقسام الأمة والقيادة

 
user comment