عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

زیارة القبور علی ضوء الكتاب و السنّة

زیارة القبور علی ضوء الكتاب و السنّة

قد دفتی علماء الإسلام و فقهاء الشریعة بجواز زیارة القبور ـ و خاصّة قبور الأنبیاء و الصالحین ـ استناداً إلی مجموعة من الآیات الكریمة و الأحادیث الشریفة، و بالإضافة إلی الجواز فإنهم أفتوا باستحبابها و فضیلتها.

أمّا الوهابیّون فإنّهم ـ كما یبدو ـ لا یحرّمون أصل الزیارة ، بل یحرّمون السفر و شدّ الرحال إلی زیارة قبور الصالحین. فالبحث هنا في مرحلتین:

1. الزیارة

2. السفر للزیارة

 

زیارة القبور

ممّا لا شك فیه أنّ زیارة القبور تنطوي علی آثار أخلاقیة و تربویة هامّة، نشیر إلیهاـ مختصراً ـ فیما یلي:

إنّ مشاهدة هذا الوادي الهادیء الّذي یضمّ في أعماقه مجموعة كبیرة من الذین عاشوا في هذه الحیاة الدنیا ثمّ انتقلوا إلی الآخرة ، و هم سواء ... الغني و الفقیر ، القوي و الضعیف ، و لم یصحبوا معهم سوی ثلاث قِطَع من القماش فقط.

إنّ مشاهدة هذا المنظر یهزّ الإنسان قلباً و روحاً ، ویخفّف فیه روح الطمع و الحرص علی الدنیا و زخارفها و شهواتها، ولو نظر الإنسان إلیها بعین الإعتبار لغیّر سلوكه في هذه الحیاة ، و اعتبر لآخرته ، و راح یخاطب نفسه: إنّ هذه الحیاة المؤقتة لابدّ أن تزول ، و إنّ الفترة الّتي أعیشها لابدّ أن تنتهي و یكون مصیري إلی حفرة عمیقة ، تتراكم عليّ تلال من التراب و هناك الحساب ، إمّا ثواب و إمّا عذاب ، فلا تستحقّ هذه الحیاة المؤقتة أن یجهد الإنسان نفسه من أجل المال و الجاه و المنصب ، فیظلم هذا و یؤذي ذلك ، و یرتكب الجرائم و المنكرات.

إنّ نظرة تأمّ ل إلی هذا الوادي الساكن ترقّق القلب مهما كان قاسیاً ، و تُسمع الإنسان مهما كان صُماً، و تُفتح العیون مهما كانت حالكة، و كثیراًَ ما تدفع بالإنسان إلی إعادة النظر في سلوكه و حیاته، و الشعور بالمسؤولیات الكبیرة أمام الله تعالی و أمام الناس.

یقول الرسول الأعظم (ص).

1. « زوروا القُبُور فإنَّها تُذَكركمُ الآخرة»

بالرغم من أنّ مسألة زیارة القبور لیست بحاجة إلی إقامة الدلیل و البرهان علی صحّتها و ضرورتها، و لكننا نضظر إلی التحدّث عنها لأولئك الذین یتوقّفون فیها.

 

القرآن و زیارة القبور

إنّ الله تعالی ینهی حبیبه محمّداً (ص) عن الصلاة علی جنازة المنافق و القیام علی قبره ، فیقول سبحانه:

« و لا تُصَلِّ علی أحد منهم مات أبدا و لا تقم علی قبره إنهم كفروا بالله و رسوله و ماتوا و هم فاسقون»

فالآیة تسعی لهدم شخصیة المنافق ، و هزّ العصا في وجوه حزبه و نظائره، و النهي عن هذین الأمرین بالنسبة للمنافق و بیان انّ هذین من خصائص المؤمنین لا للمنافقین.

و الآن یجب أن ننظر في قوله تعالی:« و لا تقم علی قبره» ما معناه؟

هل المعنی هو القیام وقت الدفن فقط حیث لا یجوز ذلك للمنافق و یستحبّ للمؤمن ؟ أم المعنی أعمّ من وقت الدفن و غیره ؟

الجواب: نظر بعض المفسّرین إلی الآیة نظرة ضیّقة فقال بالقول الأوّل ، و لكنّ بعضاً آخرین ـ كالبیضاوي و غیره ـ نظروا إلیها نظرة واسعة فقالوا: إنّ النهي في « لا تقم علی قبره» هو عن الدفن و الزیارة . و التدقیق و إمعان النظر في الآیة الكریمة یسوقنا إلی هذا المعنی الأعم ، و ذلك لأنّ الآیة تتشكل من جملتین:

الأولی: « لا تُصلّ علی أحد منهممات أبدا».

إنّ لفظة « أحد » بحكم ورودها في سیاق النفسي تفید العموم و الاستغراق لجمیع الأفراد ، و لفظة « أبداً » تفید الاستغراق الزمني ، فیكون معناها : لا تُصلّ علی أحد من المنافقین في أيّ وقت كان.

فمع الانتباه إلی هذین اللفظین نعرف ـ بوضوح ـ أنّ المراد من النهي عن الصلاة علی المیّت المنافق لیس خصوص الصلاة علی المیّت عند الدفن فقط ، لأنّها لیست قابلة للتكرار في أزمنة متعدّدة ، ولو أرید ذلك لم تكن هناك حاجة إلی لفظة « أبداً » بل المراد من الصلاة في الآیة مطلق الدعاء و الترحّم سواء أكان عند الدفن أم بعده.

فإن قال قائل : إنّ لفظة « أبداً » تأكید للاستغراق الأفرادي لا الزماني.

فالجواب بوجهین:

1. إنّ لفظة « أحد» أفادت الاستغراق و الشمول لجمیع المنافقین.

2. إنّ لفظة « أبداً» تُستعمل في اللغة العربیة للاستغراق الزماني، كما في قوله تعالی :

« ... و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً...».

فالنتیجة : أنّ المقصود هو النهي عن الترحّم علی المنافق و عن الاستغفار له ، سواء كان بالصلاة علیه أو بغیرها . سواء كان حین الدفن أم بعده .

الثانیة: « لا تقُم علی قبره».

إنّ مفهوم هذه الجملةـ مع الانتباه إلی أنّها معطوفة علی الجملة السابقةـ هو : لا تقم علی قبرأحدٍ منهم أبداً، لأنّ كلّ ما ثبت للمعطوف علیه من القیدـ أعني : « أبداً» ـ یثبت للمعطوف أیضاً، ففي هذه الحالة لا یمكن القول بدنّ المقصود من القیام علی القبر هو وقت الدفن ، و لفظة « أبداً» المقدّرة في هذه الجملة الثانیة تفید إمكانیة تكرار هذا العمل ، فهذا یدلّ علی أنّ القیام علی القبر لا یختصّ بوقت الدفن. بل یعمّه و غیره فهو حرام في حقّ المنافق و جائز في حقّ المؤمن.

فیكون معنی الآیة الكریمة: إنّ الله تعالی ینهی نبیّه (ص) عن مطلق الاستغفار و الترحّم علی المنافق ،سواء كان عند الدفن أو بعده.

و مفهوم ذلك هو أنّ هذین الأمرین یجوزان للمؤمن.

و بهذا ثبت جواز زیارة قبر المؤمن و جواز الصلاة و الدعاء علی روحه، حتّی بعد مئات السنین.

هذا بالنسبة إلی المرحلة الأولی و هي أصل الزیارة من وجهة نظر القرآن ، و أمّا بالنسبة إلیها من ناحیة الأحادیث فإلیك بیانها:

 

الأحادیث الشریفة و زیارة القبور

یستفاد من الآحادیث الشریفة ـ التي رواها أصحاب الصحاح و السّنن ـ أنّ النبي (ص) نهی عن زیارة القبور نهیاً مؤقتاً لأسباب خاصّة ، ثم رفع النهي و رغّب في الزیارة.

و لعلّ علّة النهي المؤقت هي أنّ الأموات كانوا مشركین و عبدة للأصنام ، و قد قطع الإسلام كلّ العلاقات مع الشرك و أهله، فنهی النبي (ص) عن زیارة الأموات .

و یحتمل أن تكون العلّة شیئاً آخر ، و هو أنّ المسلمین كانوا حدیثي العهد بالإسلام ، فكانوا ینوحون علی قبور موتاهم نیاحة باطلة تُخرجهم عن نطاق الشریعة ، و لمّا تمركز الإسلام في قلوبهم و أنسوا بالشریعة و الأحكام ، ألغی النبي(ص) بأمر الله تعالی النهي عن زیارة القبور ، لما فیها من الآثار الحسنة و النتائج الطیّبة ، و لهذا روی أصحاب الصحاح و السّنن أنّه (ص) قال:

1.« كنت نهیتكم عن

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

قلب المؤمن عرش الله
الثبات على المبدأ
الفتور المعنوي بعد المواسم العبادية
فضل التبليغ وأهدافه
الزهراء عليها السلام وعلاقتها بالتوحيد
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
الخروج من القبر
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية
عناصر ديمومة التشريع
من هم الصادقون في التوبة؟

 
user comment