الخطّ الفاصل بين الشرك والتوحيد
وفي قوله تعالى «تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم» فكرة دقيقة، وأشارة لطيفة الى الخطّ الفاصل بين الشرك والتوحيد؛ فالمشركون كانوا يزعمون أنّ في الكون قوىً فاعلة غير الله سبحانه وتعالى؛ أي أنّهم كانوا يزعمون أنّ هناك حالة من الانفصام والتناقض بين الملائكة، وبين الله تعالى شأنه، ولذلك فإنّ فكرة الشفاعة عندهم كانت تنبع من هذه الزاوية. فكانوا يتوهّمون أنّ الملائكة تحتمّ على الله تقدّست أسماؤه الشفاعة، فإذا اذنبوا ذنباً لا يرضى الخالق عنه، فإنّ الملائكة تفرض على الله تعالى أن يغفر لهم ذنوبهم!
أمّا الإسلام؛ فيرى أنّ الملائكة عبادٌ لله لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون - كما قال القرآن - وهذه هي عقيدتنا في الأنبياء عليهم السلام أيضاً، فهم عظماء ولكنّهم عبيد الله أمام الله. وهذه العقيدة هي الحدّ الفاصل بين الشرك والتوحيد. فلنا الحق في أن نعتقد بالإنسان أنه مؤمن وعالم ومجاهد.. ولكن ليس لنا الحق مطلقاً في أن نعتقد أنّه متّصل اتصالاً مباشراً بالله سبحانه وتعالى. فالعبد مهما ارتفع، ومهما تقرّب الى الله، فانه لا يستطيع أن يصل إليه، لانّ الله خالق وهو مخلوق، والمسافة بين الخالق والمخلوق تبقى موجودة دائماً. ولذلك فإنّ القرآن الكريم لم يطرح مطلقاً مفهوم (الاتّصال المباشر بالله)، بل طرح مفهوم (التقرّب) لكي يبقى الخالق خالقاً، والمخلوق مخلوقاً.
ويقول تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم» فعلينـا أن نتوقّف عند مثل هذا التعبير «بِإِذْنِ رَبِّهِم»، فالملائكة لا تسبق ربّها بالقول، بل هي وسائل. فالتوجّه الأوّل يجب أن يكون الى ربّ هذه الملائكة، لا إلى الملائكة نفسها.
أمّا بالنسبة إلى عبارة «سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ». فالسلام يعمّ أرجاء هذه الليلة، وأيّ سلام أعظم من إرسال الله عز وجل ملائكته إلى الانسان، هذا العبد المحدود، الموجود الضعيف، المخلوق من عجل، الهلوع... يبعث الله له سلاماً، ويرسل له الملائكة والروح، ولكنّ الشقيّ من يحوّل هذا السلام الى عذاب، فيسلّم عليه ربّه ولا يجيبه، ويدعوه الى ضيافته فلا يقبل دعوته!!
source : sibtayn