أسناد حديث الثّقلين
من الأحاديث المشهورة والمعروفة بين علماء السّنة والشّيعة هو "حديث الثّقلين".
هذا الحديث ينقله عدد كبير من الصّحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة، ويقول بعض كبار العلماء أنَّ رواة هذا الحديث لا يقلّون عن ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله1.
كما أورده عدد كبير من المفسرين والمحدثين في كتبهم، بحيث لا يمكن الشك في كونه من الاحاديث المتواترة.
يشير العالم الكبير السّيد هاشم البحراني في كتابه "غاية المرام" الى هذا الحديث ويسنده الى 39 سنداً من علماء أهل السنة، و 80 سنداً من علماء الشيعة. أمّا مير حامد حسين العالم الهندي الكبير، فقد تعمق في تتبع هذا الحديث، فوجده مذكوراً عند مئتي عالم من علماء أهل السنة، وقد جمع بحوثه حول هذا الحديث في ستة مجلدات ضخام!
ومن بين الصحابة المشهورين الذين ذكروا هذا الحديث:
"أبو سعيد الخدرى" و"أبو ذر الغفاري" و"زيدبن أرقم" و"زيد بن ثابت" و"أبو رافع" و"جبير بن مطعم" و"حذيفة" و"ضمرة الأسلمي" و"جابر بن عبد الله الأنصارى" و"أم سلمة" وغيرهم.
أصل الحديث كما يرويه أبو ذر الغفارى، هو:
"لما صدر النّبي صلى الله عليه وآله من حجّة الوداع قال على المنبر: يا أيّها الناس إنّي مسؤول وإنكم مسؤولون... إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"2.
هذا الحديث روته مصادر أهل السنة المعتبرة، مثل "صحيح الترمذي" و"النسائي" و"مسند احمد"و "كنز العمال" و"مستدرك الحاكم" وغيرهم.
جاء في بعض الرّوايات تعبير "الثّقلين" وجاء في روايات اخرى تعبير "الخليفتين"، وليس بين هذين من حيث المفهوم فرق كبير.
واللافت للنظر في هذا أنَّ الكثير من الاحاديث الاسلامية المختلفة تقول أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد كرر هذا الكلام على الناس مرّات عديدة: ففي رواية "جابر بن عبد الله الأنصاري" نقرأ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قاله في يوم عرفة من أيّام الحج.
والراوي "عبد الله بن حنطب" يقول أنَّه قاله في "الجحفة" وهو مكان بين مكة والمدينة حيث يحرم الحجاج منه.
وتقول "أم سلمة" إنَّه قاله في غدير خم.
وجاء في روايات اُخرى إنّه قاله فى اواخر أيّامه المباركة وهو على فراش المرض.
وفي رواية اُخرى إنَّه قاله من على المنبر في المدينة3.
ونقرأ في "الصواعق المحرقة" للعالم السّني الكبير "ابن حجر": أنَّ النّبي صلى الله عليه وآله أخذ بيد علي ورفعها وقال:
"علي مع القرآن والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"4.
وهكذا يتبين أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد أكد هذا المفهوم مرّات عديدة باعتباره مبدأ اساساً، إذ كان ينتهز كلّ فرصة مواتية لبيان هذه الحقيقة المصيرية البناءة لكيلا يطويها النسيان.
محتوى حديث الثقلين
هنا لابدّ من ملاحظة عدّة نقاط
1- الاشارة الى القرآن والعترة كثقلين أو كخليفتين، تدل على أنَّ الواجب على المسلمين التمسّك بهما دائماً، وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما جاء في الحديث الشريف: نص الحديث:
"ما أنَّ تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً". فإنَّ الأمر يزداد توكيداً وثبوتاً.
2- قرن "القرآن الكريم " بـ "العترة الاطهارة" متجاوزين دليل على أنَّه مثلما أنَّ القرآن لن تناله يد التحريف أبداً ويبقى مصوناً من كل تحريف، كذلك تكون عترة رسول الله صلى الله عليه وآله في مقام العصمة.
3- جاء في بعض الروايات إن الله يوم القيامة يحاسب الناس على ارتباطهم بهذين التذكارين العظيمين.
4- لاشك إنَّنا مهما يكن تفسيرنا للعترة وأهل البيت عليهم السلام، فإنَّ علياً عليه السلام يكون من أبرز مصاديقها، إذ أنَّ كثيراً من الرّوايات تقول إنَّه لم يفترق عن القرآن، ولا القرآن افترق عنه.
وهنالك روايات اُخرى تقول إنَّه عند نزول آية المباهلة، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام، قائلا: "هؤلاء أهل بيتي"5.
5- على الرّغم من أنَّ المسائل الخاصة بيوم القيامة ليست واضحة لنا نحن الذين نعيش محصورين بين جدران هذا العالم، إلاّ أنَّ ما يستفاد من الروايات ينبىء بأن "حوض الكوثر" نهر خاص في الجنة ذو مميزات كثيرة ويختص بالمؤمنين الصادقين وبالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وأئمة اهل البيت عليهم السلام وأتباعهم.
يتضح من كل ما قلناه ان مرجع الأمة وقائدها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو علي عليه السلام، والأئمّة من بعده من أهل هذا البيت عليهم السلام.
حديث سفينة نوح
من التعبيرات اللافتة للانتباه والواردة في كتب أهل السنة والشيعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله هو حديث "سفينة نوح" المعروف.
في هذا الحديث يقول أبو ذر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ألا إنَّ مثل أهلي بيتي فيكم مَثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"6.
هذا الحديث من الاحاديث المشهورة التي توجب على الناس اتباع علي عليه السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعده.
فاذا عرفنا أنَّ سفينة نوح كانت ملجأ ووسيلة النجاة من ذلك الطوفان العظيم الذي شمل العالم، اتضحت لنا هذه الحقيقة، وهي أنَّه إذا هبت الأعاصير والطوفانات بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فما على الاُمّة الاّ أنْ تتمسك بأذيال الولاء لأهل البيت عليهم السلام، اذ لا سبيل لها الى النجاة بغيرهم.
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص187-193
1- السيرة الحلبية، ج 33، ص 308.
2- نقلاً عن ينابيع المودة، ص 37، المنقول من جامع الترمذي.
3- المراجعات، ص 42.
4- الصواعق المحرقة، ص 75.
5- مشكاة المصابيح، ص 568، طـ دلهي، الرياض النضرة، ج 2، ص 248 (نقلا عن مسلم والترمذي).
6- مستدرك الحاكم، ج 3، ص 151.
source : http://almaaref.org