عربي
Tuesday 9th of July 2024
0
نفر 0

طلب الشفاعة من أولیاء الله

 

إنّ « الشفاعة » كلمة معروفة بیننا جمیعا، و هي تتردّد علی ألسنتنا في وقتها المناسب ، فمثلا: إذا دار الحدیث عن إنسان ارتكب جریمة و حكمت علیه الحكمة بالإعدام أو السجن أو غیرهما، ثم تدّخل إنسان آخر و توسّط له و أنقذه ممّا حكم علیه عندها نقول: إنّ فلانا « تشفّع » لفلان.

 

معنی الشفاعة

« الشفاعة » مشتقة من مادة الشفع ــ بمعنی الزوج ــ و یقابله : الوتر ــ بمعنی الفرد ــ و السبب في إطلاق الشفاعة عل الوساطة و « الشفیع » علی الوسیط هو أنّ جهود الوسیط و مساعیه تزدوج مع عوامل الإنقاذ والجهود و المساعي الأخری الموجودة في المشفوع له، فنتقذ المذنب أو المتهم من ورطته.

إنّ شفاعة أولیاء الله للمذنبین تأتي بسبب قرب هؤلاء من الله تعالی ، و مكانتهم و جاههم عنده سبحانه، فهم یشفعون ــ بإذن لله و ضمن شروط خاصة ــ للمذنبین و المجرمین كي یغفر الله لهم أو یقضی حوائجهم.

وبعبارة أخری: إن الشفاعة إعانة من أولیاء الله ــ بإذن الله ــ لأشخاص لم یقطعوا روابطهم المعنویة مع الله وأولیائه، بالرغم من أنّهم مذنبون، هذا تعریف دقیق یجب الإنتباه الیه دائما.

وبتعیبر ثالث: أنّ الشفاعة هي إعانة موجودة عال لموجود دان، بشرط أن تكون في الداني القابلیة و الإستعداد لشمول الشفاعة له، من حیث صلاحیّته للتكامل و الرقي إلی مرتبة عالیة و درجة سامیة، وتحوّله إلی انسان صالح نزیه.

بعد هذه التعاریف المتعدّدة نقول: إنّ التاریخ الإسلامي یثبت أنّ المسلمین منذ عهد رسول الله (ص) وما بعده كانوا یطلبون الشفاعة من أولیاء الله الصالحین، سواء في حیاتهم أو بعد وفاتهم، ولم یعتبر أحد من علماء الإسلام بأنّ هذه الشفاعة معارضة للمبادئ و الأصول الإسلامیة.

حتی جاء ابن تیمیّة ــ في القرن الثامن الهجري ــ بأفكار شاذّة وآراء سقیمة، فاستنكر كثیرا من سنن المسلمین.

و بعده بثلاثة قرون جاء محمد بن عبدالوهاب النجدي، فرفع رایة الخلاف مع المسلمین وأحدث الفتنة والشقاق بینهم، وأحیاء مبتدعات ابن تیمیّة بأشدّ مما كان علیه.

إنّ الوهابیة تعتقد بالشفاعة ــ من حیث المبدأ ــ و لكن نقطة الخلاف بینها و بین المسلمین هي أنّها تحرّم الشفاعة بأولیاء الله في الدنیا، وقد عبّر الوهّابیون عن عقیدتهم هذه بعبارات قاسیة متضمّنة للإهانة و الإستخفاف بالأنبیاء و الأولیاء ونحن نتورّع حتی ذكر تلك العبارات.

ومما یقولون في الشفاعة: إنّ نبيّ الإسلام (ص) وسائر الأنبیاء و الأولیاء و الملائكة، لهم حق الشفاعة في الآخرة فقط، لكن طلب الشفاعة یجب أن یكون من الله لا منهم، بأن یقال:

« اللهم شفع نبّینا محمّدا فینا یوم القیامة. أو: اللهم شفع عبادك الصالحین. أو ملائكتك أو نحو ذلك مما یطلب من الله لا منهم، فلا یقال: یا رسول الله ــ أو ــ یا وليّ الله أسألك الشفاعة أو غیرها ممّا لا یقدر علیه إلا الله، فإدا طلبت ذلك في أیام البرزخ كان من أقسام الشرك». (1)

وهكذا تري الوهّابیین یرمون المسلمین بالشرك، لأنهم یسألون الشفاعة من النبي (ص) وأولیاء الله الصالحین في الدنیا و الآخرة.

نحن نقبل أن نتطرّق إلی مناقشة أدلّة الوهّابیّین نبدأ أوّلا بدراسة المسألة علی ضوء القرآن الكریم و السنّة الشریفة وسیرة المسلمین، ثم نتناول أدلة الوهّابیّین بالبحث و المناقشة.

الأدلة علی جواز طلب الشفاعة في الدنیا

إنّ دلیلنا علی جواز طلب الشفاعة في الدنیا یتركب من أمرین، ومع ثبوتها یتّضح الموضوع بالكامل، أمّا الأمران فهما:

1ــ إنّ طلب الشفاعة هو طلب الدعاء بالضبط

2ــ أنّ طلب الدعاء من الصالحین أمر مستحب في الإسلام.

والیك البحث عن هذین الأمرین:

 

1ــ طلب الشفاعة هو طلب الدعاء بالضبط

أنّ شفاعة النبي (ص) وسائر الشفعاء الصالحین لیست سوی الدعاء إلی الله تعالی، إذ إنهم ــ لمنزلتهم الوجیهة عند الله وكرامتهم علیه ــ یبتهلون إلیه سبحانه بالدعاء وطلب المغفرة للمذنبین، والله تعالی یستجیب دعاء هم فیشمل عباده العاصین برحمته و مغفرته و یغسل ذنوبهم ویكفّر عنهم سیئاتهم.

إنّ طلب الدعاء من الآخ المؤمن هو أمر مستحسن و لم یتردّد في حسنه أحد من علماء الإسلام و المذاهب المتعدّدة ــ حتی الوهابیة ــ فكیف بدعاء النبّي الأولیاء الصالحین؟!

طبعا... لا یمكن القول بأنّ حقیقة الشفاعة لا تجاوز الدعاء في مواقف یوم القیامة، ولكن یمكن القول بأنّ من المعاني الواضحة للشفاعة هو الدعاء، وأنّ من یخاطب أحد أولیاء الله ویقول:«یا وجیها عند الله إشفع لنا عند الله » لا یقصد إلّا هذا المعنی.

یروي نظام الدین النیشابوري في تفسیرقوله تعالی:

« ... من یشفع شفاعة سیئة یكن له كفل منها » (2)

یروي عن مقاتل أنّه قال:

الشفاعة إلی الله إنّما هي الدّعوة لمسلم.

وقد روی عن النبي (ص) أن دعوة المرء المسلم لأخیه بظهر الغیب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلّما دعا لأخیه بخیر، قال الملك الموكل به: آمین ولك بمثل.(3)

إنّ ابن تیمیة هو من الذین یعتبرون طلب الدعاء من الإنسان الحّي صحیحا، وعلی هذا الأساس فانّ طلب الشفاعة لا یختصّ بالنبيّ وأولیاء الله، بل یجوز ذلك من كلّ مؤمن یحظی بالوجاهة والمنزلة عنده سبحانه.

والفخر الرازي هو أحد الذین یفسّرون « الشفاعة » بالدعاء و التوسل إلی الله تعالی، فقد قال ــ في تفسیرقوله سبحانه:

«ویستغفرون للذین آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة...»(4)

قال: هذه الآیة تدلّ علی حصول الشفاعة من الملائكة للمذنبین.(5)

وإذا ثبتت هذه في حقّ الملائكة فكذلك في حق الأنبیاء، لانعقاد الإجماع علی أنّه لا فرق.

وقال أیضا:

وأیضا قال تعالی لمحمّد (ص): « واستغفر لذنبك وللمؤمنین و المؤمنات» فأمر محمدا أن یذكر ــ آولاــ الإستغفار لنفسه، ثم بعده یذكر الاستغفار لغیره، وحكی عن نوح(ع) آنّه قال: « ربّ اغفر لي ولوالدیّ ولمن دخل بیتي مؤمنا وللمؤمنین و المؤمنات».(6)

إنّ هذا التوضیح من الفخر الرازی شاهد علی أنّه یری معنی الشفاعة هو دعاء الشفیع للمذنب، وطلب الشفاعة هو طلب الدعاء منه.

وقد ورد في الأحادیث الشریفة أنّ دعاء المسلم لأخیه المسلم هو شفاعة له، فعن ابن عبّاس عن رسول الله (ص) أنّه قال:

« ما من رجل مسلم یموت فیقوم علی جنازته أربعون رجلا لا یشركون بالله شیئا إلا شفّعهم الله فیه».(7)

لقد جاء في هذا الحیدث ــ تعبیر « شفّعهم الله فیه » للذین یدعون لأخیهم المسلم.

وانطلاقا من هذا الحدیث فلو أنّ رجلا أوصی في حیاته إلی أربعین رجلامن أصدقائه الأوفیاء بأن یقوموا علی جنازته بعد وفاته ویدعوا له، فهو بذلك قد طلب الشفاعة منهم وهیّّأ أسباب عباد الله لنفسه.

وقد أفرد البخاري ــ في صحیحه ــ بابا بعنوان « إذا استشفعوا إلی الإمام لیستسقي لهم، لم یردّهم » و أفرد أیضا بابا آخر بعنوان « إذا استشفع المشركون بالمسلمین عند القحط ».(8)

وتدّل الأحادیث الّتی ذكرها في هذین البابین أنّ طلب الشفاعة هو طلب الدعاء بذاته، ولایجوز تفسیر ذلك بمعنی آخر.

إلی هنا ننتهي من الاستدلال الأول، وقد ثبت أنّ طلب الشفاعة لیس إلاّ طلب الدعاء لا غیر.

والآن نبدأ البحث عن الموضوع الثاني وهو أنّ طلب الدعاء من المؤمن مستحب،فكیف من الأنبیاءوأولیاء الله تعالی؟!

 

2ــ القرآن وطلب الدعاء من الصالحین

إنّ الآیات القرآنیة تشهد بأنّ طلب النبيّ (ص) المغفرة من الله لبعض عباده مفید و نافع جدّا...یقول تعالی:

1ــ «... واستغفرلذنبك وللمؤمنین...».(9)

2ــ « ... وصلّ علیهم إنّ صلاتك سكن لهم ».(10)

فما دام دعاء النبيّ (ص) یترك هذا الأثر الكبیر و النتیجة الحسنی لمن دعا له، فما المانع من أن یطلب الإنسان من أن یدعو له، مع العلم أنّ طلب الدعاء لیس إلاّ طلب الشفاعة منه، قال تعالی:

3ــ « ... ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاسغفروا الله و استغفر لهم الرسول لوجودوا الله توابا رحیما»(11)

إنّ معنی قوله تعالی:« جاءوك » أِی: جاءوا إلی النبي وطلبوا منه الدعاء و الإستغفار لهم ، ولولا هذا لكان مجیئهم لغوا وباطلا.

إنّ تشرفهم بالحضورعند النبّی (ص) وطلبهم الدعاء و الإستغفار منه دلیل علی حودث ردّ فعل نفوسهم ، وحصول تغییر یمهّد الأرضیة المناسبة لاستجابة الدعاء.

4ــ یروي القرآن الكریم عن أولاد یعقوب (ع) أنهم طلبوا من أبیهم أن یستغفر الله لهم، فلبّی النبيّ یعقوب طلبهم،ووفی بوعده، قال تعالی:

« قالوا یا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئین* قال سوف أستغفر لكم ربّي...».(12) إنّ كلّ هذه الآیات تدلّ علی أنّ طلب الدعاء من الأنبیاء و الصالحین ـــ الذي هو طلب الشفاعة أیضا ــ لا یتنافي مع الأحكام الشرعیة والقواعد و الموازین الإسلامیة.

أیّها القارئ الكریم: هناك أحادیث كثیرة بشأن طلب الدعاء من الأولیاء الصالحین، وقد صرفنا النظر عن ذكرها مراعاة للإختصار.

3ــ الأحادیث النبویة و سیرة الصحابة:

روی الترمذي ــ في صحیحه ــ أنه قال:

« سألت النبيّ أن یشفع لي یوم القیامة فقال: أنا فاعل، قلت: فأین أطلبك؟ قال: علی الصراط».(13)

ویأتي سواد بن قارب إلی رسول الله (ص) ویطلب منه الشفاعة في أبیات أنشدهن...ومنها:

فكن لي شفیعا یوم لا ذو شفاعة بمغن فتیلا عن سواد بن قارب (14)

وجاء في التاریخ: أنّ رجلا اسمه « تبّع » كان قبل النبّي (ص) بأكثر من ألف سنة، وكان قد بلغه أنّ نبّي آخر الزمان سوف یظهر من مكة، فكتب كتابا و دفعه إلی بعض أقربائه، كي یسلموه إلی رسول الله (ص) و ذكر فیه إسلامه و إیمانه وأنّه من أمة رسول الله، وجاء فیه:

« فإن لم أدركك فاسفع لي یوم القیامة ولاتنسني».

ومات الرجل وكان الكتاب ینتقل من واحد لآخر حتّی بعث النبيّ (ص) فلما وصل الكتاب بیده قال ــ ثلاث مرات ــ

« مرحبا بالآخ الصالح ».(15)

فإذا كان طلب الشفاعة شركا بالله، لما عبّر النبيّ (ص) عن تبّع بــ« الأخ الصالح» ولما قال ثلاثا:«مرحبا».

هذه بعذ الأحادیث الّتي تثبت جواز طلب الدعاء والشفاعة من رسول الله (ص) في حیاته الكریمة.

 

4ــ طلب الشفاعة بعد الموت

ویستفاد من مجموعة من الروایات أنّ الصحابة كانوا یطلبون الشفاعة من رسول الله (ص) بعد وفاته، وإلیك بعض النماذج:

1ـ قال ابن عبّاس: لمّا فرغ أمیرالمؤمنین (ع) من تغسیل النبيّ (ص) قال:

« بأبي انت و امي... طبت حیّا و طبت میّتا... واذكرنا عند ربّك».(16)

2ــ ویروی أنّه لما توفّي رسول الله (ص) كشف أبوبكر عن وجهه ثمّ أقبل علیه فقبّله ثمّ قال:

«بأبي أنت و أمي أمّا الموتة التي كتب الله علیك فقد ذقتها،ثمّ لن تصیبك بعده موتة أبدا».(17)

إنّ هاتین الروایتین ــ وأمثالهما ــ تدلّ علی أنّه لا فرق بین طلب الشفاعة من الشفیع في حیاته و بعد وفاته، وقد كان الصحابة یطلبون الدعاء من النبيّ (ص) بعد وفاته، فلو كان طلب الدعاء منه صحیحا بعد وفاته فأنّ طلب الشفاعة ــ الذي هو نوع من طلب الدعاء ــ سیكون صحیحا أیضا.

والخلاصة: بالإستناد إلی ما سبق من الآیات و الروایات و سیرة المسلمین ــ علی مرّ العصور و القرون ــ یعتبر جواز طلب الشفاعة أمرا بدیهیّا لا یترك أیّ مجال للشك فیه أبدا.


(1) الهدیة السنیة، الرسالة الثانیة:42

(2) النساء 85

(3) صحیح مسلم :8/86،دارالفكر، بیروت

(4) (غافر 7)

(5)لأنّ في نهایة الایة قوله تعالی : « وقِهِم عذابَ الجَحیم»

(6) (تفسیر الفخر الرازی:7/33ـ34)

(7) (صحیح مسلم 3/54)

(8) (صحیح البخاري:2/37،باب الإستسقاء)

(9) (محمّد:19)

(10) (التوبة:103)

(11) (النساء:64)

(12) (یوسف:97ـ 98)

(13) (سنن الترمذی:4/42،باب ما جاء في شأن الصراط)

(14) (الدررالسّنیة لزیني دحلان:29)

(15) (المناقب لابن شهر آشوب:1/16؛بحارالأنوار:15/224)

(16) (نهج البلاغة:رقم الخطبة:230)

(17) (السیرة النبویة:2/655ــ656)

 


source : www.alimamali.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النبوة بين اللغة العربية واصطلاح علماء الإسلام
علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
العودة
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 1
الإخلاص والتوسل بالأسباب الطبيعية
بواعث إنكار المعاد وشبهات المنكرين
التقيّة وأحكامها
الأخوة في القرآن الكريم
نظرية الصدفة في خلق العالم:
بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...

 
user comment