حقائق مجهولة في كتب المسلمين
- جاء في كتب المسلمين على نحو التواتر والشُّهرة والتسالم قولُ رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّي تاركٌ فيكمُ الثقلَين، ما إن تمسّكتُم بِهِما لن تَضِلُّوا بعدي: كتاب اللهِ حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيَّ الحوض ».
ونعلم جميعاً أنّ العترة الطاهرة من أهل بيت الرسالة صلوات الله عليهم هم القرآنُ الناطق، ومثالُ السُّنّةِ النبويّة الصادق، فلمّا ابتعد الناس عن صدر الإسلام وتغرّبوا قليلاً عن القرآن وأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله بدأ التحريف والانحراف، وظهرتِ الاتّجاهات الهجينة والغريبة، ثمّ كان التنازع الذي دفع بعض الجاهليين إلى إقامة المجاز، فقُتل الآلاف في بعض الهجمات الهمجيّة على مدينتَي كربلاء والنجف مثلاً بدعوى أنّ أهلَيهِما من أهل البِدَع؛ لأنّهم يوقّرون عترة النبيّ صلّى الله عليه وآله، ويُؤدّون بعضَ مراسيم المودّة لأهل البيت عليهم السلام، ويمارسون التبرّك بالآثار الشريفة للرسول والرسالة، لا غير!!
* * *
- حكَمَ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي في كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة ج 1 ص 5 ) بأنّ كلَّ مولودٍ وُلِد في حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله يكون قد رآه؛ وذلك ـ برأيه ـ لتوفّر دواعي إحضار الأنصار أولادَهم عند رسول الله للتحنيك والتبرّك.
- وفي ( الاستيعاب ) لابن عبدالبَرّ، و ( أُسد الغابة في معرفة الصحابة ) لابن الأثير، و ( مسند أحمد بن حنبل ).. نُقل أنّه لمّا فتح الله تعالى على يد رسول الله صلّى الله عليه وآله مكّة، جعل أهلُها يأتون إلى النبيّ بصبيانهم ليمسح على رؤوسهم بيده المباركة، ويدعوَ لهم بالبركة.
هذا عملُ الصحابة، أمّا رسول الله صلّى الله عليه وآله فكان يُقرّهم عليه ولا يُنكر عليهم ذلك أبداً، فدخل هذا الأمر في سُنن النبيّ صلّى الله عليه وآله، مُنْضَماً إلى أقواله وأفعاله. ولو كان التبرّك شِركاً لما جَرَت ومَضَت واستمرّت عليه سيرة الصحابة الأوائل، ولَمّا أقرّهم عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد ذكرت مصادر المسلمين هذا الموضوع بأخبارٍ جمّةٍ وفيرة، منها:
المستدرك للحاكم النيسابوري الشافعي 479:4، صحيح مسلم 1691:3، كنز العمّال للمتّقي الهندي 94:7، السيرة الحلبيّة للحلبي 142:2، السيرة النبويّة لابن دحلان 225:2، صحيح البخاري وصحيح النسائي والترمذي وابن ماجه، وغير هذه المصادر.
- كذلك ذكرت مراجع المسلمين عشرات الأشخاص الذين حنّكهم رسول الله صلّى الله عليه وآله بيده الشريفة تبرّكاً، أو أذاقهم مِن لعابه الطاهر المبارك، أو مسح على رؤوسهم بأنامله الرحيمة.. كان منهم: عبدالله بن عبّاس بن عبدالمطّلب، والإمام عليّ ابن أبي طالب والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام، والنعمان بن بشير، وعُبادةُ بن سعد، وعبدالله بن مسعود.. وآخَرون كثيرون، كما جاء في ( المناقب ص 42 ) رواية مؤلّفه الخوارزميّ الحنفيّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله مَسحَ العَرَق المتصبّب على وجه عليٍّ عليه السلام ثمّ مسح به وجهه الشريف صلّى الله عليه وآله.
* * *
- وفي كتب التاريخ والحديث والسيرة قسمٌ آخَر من الروايات، يحكي لنا بوضوحٍ تبرّكَ الصحابة الأوائل بفضل ماء وضوء النبيّ صلّى الله عليه وآله، فكانوا يمسحون به، بل كانوا يتنافسون عليه ويتزاحمون، بحيث عَجِب أبو سفيان مِن فعلِهم ذاك صباحَ فتح مكّة، كما عجب عروة بن مسعود الثقفيّ مِن ذلك في صلح الحديبيّة، فعاد يقول لأهل مكّة يصف بعض أحوال الرسول صلّى الله عليه وآله: وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وَضُوئه.
كما كان الصحابة يتبرّكون من الآبار التي شَرِب منها النبيّ صلّى الله عليه وآله في المدينة، ويتبرّكون بسُؤرهِ الشريف وفضل طعامه وبالإناء الذي غَمسَ فيه يده المباركة. بل كان خَدَمُ أهل المدينة يأتون إليه بأوانيهم إذا صلّى الغداة ليُدخل فيها يده، فيستشفون بعد ذلك بالماء الذي مجّ فيه أو لامَسَه.
- كتب البخاري في ( صحيحه 59:1 ) عن أبي جُحَيفة قال: أتيتُ النبيّ صلّى الله عليه وآله فرأيتُ بلالاً أخذ وَضوءَ النبيّ والناسُ يتبادرون الوَضوء، فَمَن أصاب شيئاً تمسّح به، ومَن لم يُصِب منه شيئاً أخذ مِن بَلَلِ يدِ صاحبه. وفي روايةٍ أخرى: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله بالهاجرة فأُتي بوَضوءٍ فتوضّأ، فجعَلَ الناسُ يأخذون مِن فضل وضوئه ويتمسّحون به.
ومثل هذه الروايات نجده في: دلائل النبوّة للبيهقي 183:1، وصحيح مسلم 360:1، والمغازي للواقدي 816:2، والطبقات الكبرى لابن سعد 184:1 ـ القسم الثاني، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القُربى لمحبّ الدين الطبريّ الشافعي ص 33.. وغيرها.
* * *
- وهنالك من الأخبار الكثيرة ما تحكي لنا تبرّك الصحابة الأوائل بِشَعر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبجملة آثاره الشريفة.. بعد هذا هل يجوز للبعض أن يتّهم الصحابة بالشِّرك لتبرّكهم ذاك ؟! وها هي كتب المسلمين وافرةً تنقل عشرات الروايات في موضع التبرّك، مثل: فتح الباري لابن حجر العسقلاني 59:11، وسنن أبي داود 203:2، والسنن الكبرى للبيهقي 25:1، ومسند أحمد 208:3، وصحيح مسلم 947:3.. وغيرها كثير.
- وقد جاء في ( السيرة النبويّة ) لابن هشام ج 2 ص 144، و ( كنز العمّال 14:2 )، و ( البداية والنهاية ) لابن كثير ج 3 ص 201، وغيرها من المراجع الحديثيّة والتاريخيّة والسيرتيّة الكثيرة، أنّ أبا أيّوب الأنصاريّ قال: كنّا نضع ( للنبيّ ) العَشاء، ثمّ نبعثُ، فإذا ردّ علينا فضلَه تيمّمت أنا وأمّ أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة.
ومَن سَبَر غور الروايات في كتب المسلمين وجد الصحابة قد تبرّكوا بجميع آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله، بل حتّى بالأماكن التي صلّى فيها، ومشى عليها، وبسائر ما يتعلّق به من آله وذَويه، قال السمهودي الشافعيّ في ( وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ): كان أهل البيت يتبرّكون بِحَجرٍ في بيت فاطمة الزهراء عليها السلام، قيل: إنّ فاطمة وَلَدتْ على ذلك الحجر الحسنَ والحسين عليهما السلام، أو كانت تصلّي عليه.
* * *
- وبعد رحيل المصطفى صلّى الله عليه وآله، أخذ الصحابة يستشفعون بقبره الطاهر الزاكي، يَفِدون عليه ولا أحدَ يستنكر عليهم ذلك.
كتب المتّقي الهندي في ( كنز العمّال 249:2 ): ـ عن عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: « قَدِم علينا أعرابيٌّ بعدما دَفَنّا رسولَ الله صلّى الله عليه وآله بثلاثة أيّام، فرمى بنفسه على قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وحثا مِن ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله، قلتَ فسَمِعنا قولَك، ووَعَيتَ عن الله سبحانه فَوَعَينا عنك، وكان فيما أنزل عليك: ولو أنّهم إذْ ظَلَموا أنفسَهُم جاؤوكَ فآستَغفُروا اللهَ وآستَغْفَرَ لَهمُ الرسُولُ لَوَجدوا اللهَ تَوّاباً رحيماً [ النساء:64 ]، وقد ظَلَمتُ وجئتُ تَستغفرُ لي. فنُوديَ من القبر: قد غُفِر لك ».
- وفي ( سُنن الدارمي 43:1 ) و ( وفاء الوفا 549:2 ) عن أوس بن عبدالله قال: قحطَ أهلُ المدينة قحطاً شديداً، فشَكَوا ذلك إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبيّ صلّى