فارسی
شنبه 22 دى 1403 - السبت 10 رجب 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه
0
نفر 0

دعاوه فى یوم عرفه

دعاوه ‌فى‌ يوم عرفه
 
 ايحاءات يوم عرفه:
 
 (عرفه) موقع ‌من‌ مواقع مناسك الحج، حيث يقف حجاج بيت الله الحرام ‌فى‌ اليوم التاسع ‌من‌ شهر ذى الحجه ليتعبدوا لله فيه، ‌و‌ ليسالوه قضاء حوائجهم ‌و‌ تدبير امورهم ‌و‌ غفران ذنوبهم، ‌و‌ ليقتربوا منه بافكارهم ‌و‌ ارواحهم ‌و‌ اعمالهم ليحصلوا- بذلك- على رضاه.
 ‌و‌ ‌هو‌ اليوم الذى يقف فيه الناس ليتاملوا ‌فى‌ ماضيهم ‌و‌ حاضرهم ‌و‌ مستقبلهم من حيث علاقه هذه المواقع هذه المواقع الزمنيه بحركه المسووليه ‌فى‌ علاقتهم بالله ‌من‌ حيث الهم الكبير للانسان، لانه ‌هو‌ الذى يمثل حقيقه المصير الحاسم ‌فى‌ الدار الاخره (يوم يقوم الناس لرب العالمين) (المطففين: 6) (يوم تاتى كل نفس تجادل عن نفسها) (النحل: 111) مما يفرض على الانسان ‌ان‌ يدخل ‌فى‌ حساب مع النفس ‌فى‌ اجواء الروح المنفتحه على الله.
 ‌و‌ لعل ‌فى‌ تشريع الوقوف ‌فى‌ عرفه ‌فى‌ الحج ‌من‌ دون ‌ان‌ يكلفه باى عمل ‌من‌ الاعمال بالمعنى المادى الالزامى، نوعا ‌من‌ الايحاء بان الله يريد للانسان ‌فى‌ حركته ‌فى‌ الزمن ‌ان‌ يقف وقفه متامله ‌فى‌ حساباته ‌فى‌ عمره المتحرك ‌فى‌ ‌خط‌ المسووليه، لينظر دائما ‌و‌ ليسال نفسه- ‌فى‌ معنى التقوى- ‌ما‌ قدمت لغد، على هدى قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ‌و‌ لتنظر نفس ‌ما‌ قدمت لغد ‌و‌ اتقوا الله ‌ان‌ الله خبير بما تعملون) (الحشر: 18)، لان ذلك ‌هو‌ الذى يجعله ‌و‌ اعيا لنفسه ذاكرا لربه ‌و‌ لموقعه ‌من‌ ربه، لانه اذا ابتعد عن الحسابات الذاتيه ‌و‌ عن ذكر الله فانه يبتعد عن وعى ذاته (و ‌لا‌ تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك ‌هم‌ الفاسقون) (الحشر: 19).
 ‌و‌ هكذا يكون الوقوف ‌فى‌ موقف المحاسبه ‌و‌ الدراسه للذات- ‌فى‌ حسابات حركتها ‌فى‌ العمل ‌فى‌ ‌خط‌ الطاعه- عملا ايمانيا بعيدا عن كل التفاصيل.
 
 المفاهيم الاساسيه للدعاء:
 
 ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ الحديث ‌ان‌ هذا اليوم ‌هو‌ «يوم دعاء ‌و‌ مساله»، باعتبار ‌ان‌ الدعاء يمثل كل تطلعات المومن ‌فى‌ مناجاته لله ‌فى‌ تعبيره عن اخلاص ايمانه ‌فى‌ توحيده ‌و‌ حمده ‌و‌ شكره ‌و‌ تعداد آلائه ‌و‌ ذكر صفاته ‌و‌ اسمائه الحسنى، ‌و‌ ‌فى‌ حاجاته الروحيه ‌فى‌ تقويته على الطاعه ‌و‌ اضعافه عن المعصيه، ‌و‌ تعميق ايمانه ‌و‌ غفران ذنوبه، ‌و‌ ‌فى‌ قضاء حاجاته الماديه ‌فى‌ شوون حياته العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ بذلك كان يجمع التعبير عن الايمان ‌و‌ المساله، كان هذا الدعاء- ‌فى‌ الصحيفه السجاديه- دراسه ابتهاليه لكل مفردات الايمان ‌فى‌ توحيد الله، ‌فى‌ مظاهر توحيده ‌فى‌ خلقه، ‌و‌ ‌فى‌ تقديره ‌و‌ تدبيره للامور بكل استقلال ‌من‌ دون شريك ‌و‌ ‌لا‌ معين، ‌و‌ ‌فى‌ سعه علمه ‌و‌ قدرته، ‌و‌ ‌فى‌ كل صفاته العليا ‌و‌ اسمائه الحسنى، ‌و‌ قصور العقل مهما امتد ‌فى‌ التفكير ‌و‌ المعرفه، عن الاحاطه بذاته ‌و‌ مدى صفاته، لانه الرب الذى ‌لا‌ يحده ‌حد‌ ‌و‌ ‌لا‌ يقترب منه مثال، ‌و‌ ‌لا‌ يماثله شى ء، فهو البادى ء الذى اخترع الوجود كله، ‌و‌ ابتدع كل ‌ما‌ فيه ‌من‌ اسرار العظمه ‌و‌ حسن الصنع، مما يفرض على الانسان ‌ان‌ يسبحه ‌فى‌ ذلك كله، ‌و‌ هكذا امتد الدعاء ‌فى‌ مفردات التسبيح لكل مفردات العظمه، ‌و‌ ‌ان‌ يحمده بكل خصال الحمد..
 ‌و‌ يطلق الدعاء الصلاه على النبى حامل الرساله الداعيه الى الله ‌و‌ المبلغ عنه ‌و‌ المجاهد ‌فى‌ سبيله، ‌و‌ على آله الذين اقتفوا اثره، ‌و‌ حملوا رسالته، ‌و‌ ساروا ‌فى‌ خطه.. ‌و‌ هكذا انطلق الدعاء ليوكد دور الامام ‌فى‌ الامه باعتبار ‌ان‌ يوم عرفه ‌هو‌ اليوم الذى يتمثل فيه مظهر الامه الواحده تحت ظل قيادتها الواحده، مما يجعل الداعى يفكر ‌فى‌ ابتهالاته الى الله ‌فى‌ امام الامه ليحفظه ‌و‌ يحميه ‌من‌ كيد الاعداء، ‌و‌ يقوى سلطانه، ‌و‌ يشد ازره ‌و‌ يقوى عضده، ‌و‌ يرعاه بعينه التى ‌لا‌ تنام، ‌و‌ ينصره بملائكته، ‌و‌ يمده بجنده، ‌و‌ يقيم ‌به‌ كتابه ‌و‌ حدوده ‌و‌ شرائعه ‌و‌ سنن رسوله، ‌و‌ يحيى ‌به‌ ‌ما‌ اماته الظالمون ‌من‌ معالم الدين، ‌و‌ يجلو ‌به‌ صدا الجور عن الطريقه المثلى، ‌و‌ يهيى ء له ‌من‌ امره رشدا، ‌و‌ يجعل امته سامعه مطيعه له، ساعيه الى رضاه.
 ثم ينطلق الدعاء الى الحديث عن يوم عرفه الذى جعل الله له الشرف ‌و‌ الكرامه ‌و‌ العظمه الروحيه بما نشر فيه ‌من‌ الرحمه، ‌و‌ ‌من‌ فيه بالعفو، ‌و‌ اجزل فيه العطيه، ‌و‌ تفضل ‌به‌ على خلقه.
 ثم يبدا الاعتراف الخاشع ‌فى‌ تقديم الانسان نفسه لربه بصفه العبد الذى افاض الله عليه النعم، ‌و‌ شق له درب الهدايه، ‌و‌ وفقه للالتزام بالحق ‌و‌ للاعتصام بحبله، ‌و‌ لكنه عصى امره ‌و‌ نهيه ‌من‌ خلال الهوى الذى سيطر عليه ‌و‌ النفس الاماره بالسوء بفعل تزيين الشيطان له ‌فى‌ مقارفه المعصيه، ‌و‌ ‌ها‌ ‌هو‌ قد جاء، ‌و‌ ‌هو‌ واع لكل ‌ما‌ ينتظره ‌من‌ جزاء العقوبه راجيا للعفو، منتظرا له ‌من‌ خلال الثقه بتجاوزه ‌من‌ ربه، لان العفو ‌لا‌ يتعاظم الله لانه الرحمن الرحيم، متوسلا ‌فى‌ يوم عرفه يوم المغفره ‌و‌ الرحمه، ‌ان‌ يمنحه الله عفوه ‌و‌ رضوانه كما عفا عن عباده الخاطئين، ‌و‌ يعطيه ‌ما‌ اعطى عباده الصالحين الذين يلتقى بهم ‌فى‌ توحيد الله اذا لم يلتق معهم ‌فى‌ الطاعه لاوامره.
 ثم تتتابع الاعترافات الخاشعه الذليله بالاسلوب الذى يعبر فيه الانسان الخاطى ء بالانسحاق امام الله ‌و‌ الذوبان ‌فى‌ محبته، معددا كل خطاياه ‌و‌ انحرافاته، طالبا منه ‌ان‌ يتغمده بما يتغمد ‌به‌ التائبين، ‌و‌ ‌لا‌ يواخذه بما يواخذ ‌به‌ الخاطئين، ‌و‌ ‌ان‌ ينبهه ‌من‌ رقده الغافلين.
 ‌و‌ تتنوع الاساليب فيه ‌فى‌ الاستعطاف ‌و‌ التوسل ‌و‌ الابتهال بمختلف المفردات المتضمنه للتمنيات التى يعيشها الانسان ‌فى‌ تفكيره، بما ينتظره ‌من‌ الله سبحانه ‌فى‌ خلاص نفسه بكل الوسائل التى يوفقه الله اليها للحصول على محبته ، ‌و‌ الوصول الى موقع رضوانه، ليكون الانسان الذى يقف موقف الامن ‌فى‌ يوم القيامه ‌من‌ خلال ‌ما‌ يحياه ‌من‌ حياه طيبه، ‌و‌ يموت ميته طيبه بحيث يسعى نوره بين يديه ‌و‌ عن يمينه.
 ثم يتحرك الدعاء ‌فى‌ ‌ما‌ يحبه الانسان لنفسه ‌فى‌ حياته مما يفيض ‌به‌ عليه ربه ، ليكون الذليل بين يديه، ‌و‌ العزيز عند خلقه، ‌و‌ ليعيش الضعه ‌فى‌ خلوته به، ‌و‌ الرفعه بين عباده، ‌و‌ الغنى عن عباده، ‌و‌ الفقر اليه، ‌و‌ الخلاص ‌من‌ شماته الاعداء ‌و‌ ‌من‌ حلول البلاء ‌و‌ ‌من‌ الذل ‌و‌ العناء، ‌و‌ النجاه ‌من‌ كل فتنه ‌و‌ سوء، ‌و‌ السلامه ‌من‌ فضيحه الاخره بعد نجاته ‌من‌ فضيحه الدنيا، ‌و‌ ‌من‌ قساوه القلب، ليكون الانسان مع الله ‌فى‌ كل حركه ‌فى‌ العمل ‌من‌ اجل رضوانه.
 ‌و‌ تتتابع الطلبات ‌فى‌ هذا اليوم الذى يفيض الله فيه رحمته على عباده ‌فى‌ حظوظ الرضوان، فلا يرجع صفرا ‌من‌ فيوضات الله، بالرغم مما اسلف فيه ‌من‌ المعاصى،
 
لان التوحيد الذى يحمله ‌فى‌ عقله ‌و‌ روحه ‌و‌ قلبه ‌هو‌ القربى التى يتقرب بها اليه، ‌و‌ لانه الاساس الذى ترتكز عليه علاقته بربه، هذا مع الانفتاح على الله ‌من‌ الطريق الذى اراد للانسان ‌ان‌ يسلكه ليصل اليه، ‌و‌ التذلل الذى يعيش معه الاخلاص ‌فى‌ العبوديه، ‌و‌ الرجاء الكبير ‌به‌ الذى يجعله يحلق ‌فى‌ آفاق الامل ‌و‌ الثقه بالله بعيدا عن كل تكبر ‌و‌ تجبر ‌و‌ استطاله ‌و‌ استعلاء..
 ‌و‌ تتعدد الاعترافات بما عاشه الانسان ‌فى‌ مفردات حياته التى ابتعد بها عن ربه بفعل النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ ينفتح له ‌من‌ خلال ذلك اكثر ‌من‌ باب للدعاء ‌و‌ الرجاء ‌و‌ التوبه ‌و‌ الانابه ‌و‌ حركه القرب الى الله حتى يبسط كل حياته بين يديه ليطلب منه ‌ان‌ يمنحه فيها ‌و‌ منها الكثير الكثير، مما يجعل دنياه ‌فى‌ ‌خط‌ الطاعه ‌و‌ الاستقامه ‌فى‌ درب التوحيد، ‌و‌ يفتح له ‌فى‌ آخرته ابواب الفوز بالجنه ‌و‌ الرضوان ‌و‌ سعاده الروح ‌فى‌ آفاق النعيم، ليبقى ‌فى‌ ذلك كله ‌فى‌ رعايه الله ‌و‌ عنايته ‌و‌ لطفه ‌و‌ رحمته، فيفتح قلبه لمعرفته، ‌و‌ لسانه لذكره، ‌و‌ حركته لطاعته، ‌و‌ ليغنيه عن كل خلقه، ‌و‌ يبعده عن الحاجه الى الفاسقين، ‌و‌ يجنبه الانحراف ‌فى‌ حياته بنصره الظالمين ‌و‌ السير معهم ‌فى‌ اضعاف دين الله ‌و‌ ظلم عباده.
 ‌ان‌ قيمه هذا الدعاء انه يمثل جوله واسعه ‌فى‌ رحاب العلاقه الانسانيه ‌فى‌ موقع العبوديه لله ‌و‌ ‌فى‌ مقام الربوبيه، ليطرح الانسان امام ربه كل تطلعاته ‌و‌ امانيه ‌و‌ كل اوضاعه ‌و‌ اموره، ليكون انسان الله القريب اليه ‌فى‌ كل اقواله ‌و‌ افعاله ‌و‌ مواقفه ‌و‌ مواقعه ‌فى‌ كل الامور، ‌و‌ لذلك فانه يمثل ‌و‌ ثيقه روحيه شامله مملوءه بالتكبير ‌و‌ التهليل ‌و‌ التحميد ‌و‌ التسبيح ‌و‌ الصلاه على الرسول محمد (ص) ‌و‌ اهل بيته، ‌و‌ كل حاجات الانسان ‌فى‌ حياته ‌و‌ ‌فى‌ الواقع الداخلى لنفسه، ‌و‌ ‌فى‌ الواقع الخارجى لحياته، مما يحقق له السعاده ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره ‌من‌ خلال الله سبحانه.
 الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع السماوات ‌و‌ الارض ذا الجلال ‌و‌ الاكرام رب الارباب ‌و‌ اله كل مالوه ‌و‌ خالق كل مخلوق، ‌و‌ وارث كل شى ء، ليس كمثله شى ء ‌و‌ ‌لا‌ يعزب عنه علم شى ء ‌و‌ ‌هو‌ بكل شى ء محيط ‌و‌ ‌هو‌ على كل شى ء رقيب .
 

 الحمد لله رب الارباب...
 
 ‌يا‌ رب، لك الحمد ‌فى‌ مقام ربوبيتك التى تشمل العالمين جميعا، فيلتقى الكل ‌فى‌ وحده المخلوقيه ‌و‌ ‌فى‌ وحده الربوبيه.
 انت المبدع الذى ابدعت السماء بكل عجائبها ‌و‌ الارض بكل تنوعاتها.
 ‌يا‌ ‌من‌ له الجلال ‌و‌ ‌لا‌ جلال لغيره الا ‌من‌ خلاله، ‌و‌ ‌يا‌ ‌من‌ له الاكرام فهو الذى يعطى الاكرام لخلقه... انت رب الارباب، فكل ‌من‌ يدعى الربوبيه ‌او‌ ‌من‌ تفرض له، ‌او‌ ‌من‌ يتخيل فيه ذلك، مربوب لك، فانت وحدك الرب الذى ‌لا‌ رب لك، ‌و‌ الا له لكل ‌من‌ يخضع لالوهيتك، ‌و‌ الخالق لكل مخلوق، فلا احد غيرك يشاركك ‌فى‌ خلقك، ‌و‌ انت الباقى- وحدك- بعد فناء كل شى ء، ‌و‌ لذلك كنت الوارث لكل شى ء، فلا يماثلك شى ء، الذى شمل علمك كل شى ء فلا يغيب شى ء عن علمك، ‌و‌ المحيط بهيمنتك ‌و‌ سلطتك على كل شى ء ‌و‌ الرقيب باشرافك الشامل على كل شى ء.
 

 انت الله الذى ‌لا‌ اله الا انت:
 
 ‌يا‌ رب، انا هنا، ‌و‌ ‌فى‌ عقلى ‌و‌ روحى ‌و‌ احساسى امتداد المعرفه ‌فى‌ وعى توحيدك ‌فى‌ صفاء معناه، ‌و‌ ‌فى‌ عمقه المطلق ‌فى‌ عمق سره، ‌فى‌ كل صفاتك ‌و‌ آلائك ‌و‌ آفاق عظمتك، فلا اجد ‌فى‌ عقلى غيرك عند انفتاحه عليك، ‌و‌ ‌لا‌ تعيش روحى مع سواك عندما تعيش معك، ‌و‌ ‌لا‌ يخفق احساسى ‌فى‌ كل نبضاته الا لك.
 فانت الواحد بكل معنى الوحده ‌فى‌ شموليتها ‌فى‌ كل وجه، البليغ ‌فى‌ وحدانيتك، ‌و‌ الفرد الذى ‌لا‌ يدخل رقما ‌فى‌ حسابات العدد، المتميز ‌فى‌ فردانيته عن غيره ممن تتلاحق الاعداد بعده ليكون جزاء ‌من‌ كل.
 
و انت الاحد ‌فى‌ كرمك لان كرمك ‌لا‌ يقاس ‌به‌ ‌اى‌ معنى للكرم، فهو الاعلى ‌فى‌ كل معانيه، ‌و‌ الاحد ‌فى‌ كل امتدادات العظمه ‌فى‌ مواقعها، المتميز ‌فى‌ اسرار عظمتك، ‌و‌ الكبير الذى تتصاغر كل الاشياء امامه، فلا يقف امام كبريائه كبير،
 
و العلى الذى ‌لا‌ ‌حد‌ لعلوه، المتعالى الذى ينفتح على المطلق علوه، الشديد التدبير ‌فى‌ كيده للكائدين ‌و‌ مكره للماكرين حيث يجازيهم ‌و‌ يبطل كيدهم ‌و‌ مكرهم، ‌و‌ يحطمهم بسلاحهم،
 
و انت العليم الذى ‌لا‌ منتهى لعلمه، ‌و‌ الحكيم الذى انطلق الوجود كله ‌من‌ خلال حكمته حيث اعطى الاشياء مقاديرها ‌و‌ وضعها ‌فى‌ مواضعها، ‌و‌ اودع فيها عناصر حاجاتها،
 
و انت السميع الذى احاط بكل شى ء سمعه ‌من‌ دون اداه، ‌و‌ البصير الذى شمل كل موجود بصره ‌من‌ دون عين، القديم الذى ‌لا‌ اول لاوله، الخبير بكل شى ء،
 
الكريم الذى ‌لا‌ كريم اكرم منه، ‌و‌ الدائم الذى ‌لا‌ نهايه لوجوده ‌و‌ المتميز ‌فى‌ دوامه.

و انت الواحد الذى دنا لعباده بطوله ‌و‌ عطائه ‌و‌ نعمه، فانه يدنو ‌من‌ موقع علوه فلا يتنزل ‌من‌ شانه شى ء، ‌و‌ يعلو ‌فى‌ وجوده بقدرته ‌و‌ لكن ‌من‌ دون ‌ان‌ يفصله ذلك عن خلقه ‌فى‌ رعايته لهم ‌و‌ عنايته بهم، ‌و‌ هذا ‌ما‌ عبر عنه الامام على (ع) ‌فى‌ نهج البلاغه، «علا بحوله- ‌و‌ الحول: القدره- ‌و‌ دنا بطوله- ‌و‌ الطول: العطاء-».
 
انت الذى اوجدت الاشياء ‌من‌ ‌لا‌ شى ء، فلم يكن قبلها شى ء تحتذيه ‌و‌ تتمثله ‌فى‌ ابداع وجودك، ‌و‌ انت الذى اعطيت الوجود ‌فى‌ كل موجوداته صورته، ‌و‌ لم يكن هناك- قبله- ‌اى‌ مثال سابق لايه صوره اخرى، فقد ابتدعت المبتدعات ‌و‌ اخترعتها ‌من‌ غير تقليد لاحد بل هى قدرتك ‌و‌ علمك ‌و‌ ارادتك التى كانت اساس ذلك كله.
 انت الله ‌لا‌ اله الا انت ‌فى‌ ذلك كله، فكيف ينكر المنكرون توحيدك؟
 
انت الذى قدرت كل شى ء تقديرا:
 
 ‌يا‌ رب... ‌و‌ انا اتطلع الى الوجود ‌فى‌ ظواهره الكبيره ‌و‌ الصغيره، ‌و‌ ‌فى‌ كل مفرداته المتنوعه ‌فى‌ عناصرها ‌و‌ اشكالها، فلا املك الا ‌ان‌ اتطلع اليك فاعرف- ‌من‌ خلالها- انك انت قدرتها ‌و‌ اوجدتها ‌فى‌ عمق التوازن، فاعطيت لكل موجود حاجته ‌فى‌ معنى وجوده، ‌و‌ قدرت له خصائصه ‌و‌ عناصره بمقدار معلوم على افضل حال ‌من‌ الحكمه ‌و‌ الدقه، ‌و‌ سهلت لكل شى ء وظيفته، فجعلت الشمس سراجا، ‌و‌ القمر نورا، ‌و‌ الليل لباسا، ‌و‌ النهار معاشا، فكل يسر لما خلق له.
 ‌و‌ دبرت للاشياء مما خلقت ‌و‌ ممن خلقت حركه وجودها، ‌و‌ طريقه عملها، ‌و‌ منحتها النظام الداخلى ‌و‌ الخارجى الذى يعينها على تدبر امرها بكل اتزان.
 
و انت- ‌يا‌ رب- الغنى عن كل خلقك، فانت- وحدك- الخالق الواحد الذى لم يشاركه احد ‌فى‌ خلقه لانه ‌لا‌ احد غيرك ‌فى‌ عالم الخلق، فلا شريك لك ‌فى‌ ذلك ‌و‌ ‌لا‌ معاونه لك فيه، ‌و‌ لم يكن معك احد ليشاهدك، ‌و‌ ‌لا‌ نظير لك ‌فى‌ هذه القدره المطلقه ‌فى‌ ابداع خلقك.
 
انت صاحب الاراده التى اذا تعلقت بشى ء كان وجوده حتميا ‌لا‌ مجال فيه لايه ثغره ‌من‌ العدم، ‌او‌ ‌اى‌ فاصل بين الاراده ‌و‌ الوجود: (انما امره اذا اراد شيئا ‌ان‌ يقول له ‌كن‌ فيكون) (يس: 82).
 ‌و‌ انت العدل ‌فى‌ قضائك، فلا جور ‌و‌ ‌لا‌ ظلم، لانه ‌لا‌ يحتاج الى الظلم الا الضعيف الذى ينطلق ‌من‌ خوف ‌او‌ ‌من‌ عقده ليكون الظلم وسيله امن، ‌و‌ تنفيسا عن عقده، ‌و‌ لهذا فانك اذا قضيت ‌فى‌ ‌اى‌ شان ‌من‌ شوون خلقك فهناك العدل المنفتح على الحق كله ‌و‌ على الرحمه كلها.
 ‌و‌ اذا حكمت فان حكمك ‌هو‌ الانصاف الذى يعطى لكل ذى ‌حق‌ حقه، ليجد الجميع ‌فى‌ حكمك الرضى الذى يحتوى القضيه كلها ‌من‌ جميع جوانبها.
 
يا رب، انك انت الله الذى خلق المكان فكان المكان خلقا ‌من‌ خلقه، لم يكن ثم كان بارادتك، فكيف يحويك المكان ‌و‌ انت خالقه.
 اما السلطان فما قيمه ايه سلطه لاى مخلوق ‌و‌ انت الذى اعطيت لكل صاحب سلطه سلطته بما اتيته ‌من‌ القدره، ‌و‌ انت الذى سبق كل برهان برهانه ‌و‌ اعجز كل بيان بيانه.

و انت الذى احصى الخلق كله فلم يغب عنه ‌اى‌ رقم ‌من‌ ارقام العدد، لانك احطت بكل شى ء علما، كما ذكرت ‌فى‌ كتابك: (و احصى كل شى ء عددا) (الجن: 28)، ‌و‌ انت الذى اعطى لكل موجود عمره ‌و‌ اجله ‌و‌ امده ‌فى‌ رحله الحياه الساكنه ‌و‌ المتحركه، ‌و‌ انت الذى قدر لكل شى ء قدره، فقد جعلت لكل شى ء قدرا كما ذكرت ‌فى‌ كتابك: (قد جعل الله لكل شى ء قدرا) (الطلاق: 3).
 
و انت الله الذى ‌لا‌ ‌حد‌ لافاق الغيب ‌فى‌ ‌سر‌ ذاته، ‌و‌ لعمق الحقيقه المطلقه ‌فى‌ معنى حقيقته، ‌و‌ كل فكر محدود ‌فى‌ افقه، ضيق ‌فى‌ تجربته، فكيف يمكن للكفر - ‌فى‌ كل وهمه المنفتح على الحقائق- ‌ان‌ يصل الى كنه ذاتك ‌و‌ حقيقه وجودك.
 ‌و‌ مهما انطلقت الافهام ‌فى‌ تصوراتها لصفات الكمال ‌و‌ الجلال، فانها لن تبلغ وعى الصفات المتحركه ‌فى‌ الغيب المطلق الذى ‌لا‌ يدركه الا المطلق، ‌و‌ ‌لا‌ مطلق ‌فى‌ وجوده ‌و‌ صفاته غيرك.
 ‌و‌ مهما بحثت الابصار ‌و‌ حدقت ‌فى‌ كل مواقع الارض ‌و‌ السماء فلن تدرك شيئا ‌من‌ ذلك، مما يتصل بوجودك ‌و‌ مكانك، لانك ‌لا‌ مكان لك ليقال اين ‌و‌ ‌لا‌ ظهور لك ‌فى‌ دائره الحس لتنظر بعين.
 انت الذى ‌لا‌ تحد فتكون محدودا، ‌و‌ لم تمثل فتكون موجودا، ‌و‌ لم تلد فتكون مولودا، انت الذى ‌لا‌ ‌ضد‌ معك فيعاندك، ‌و‌ ‌لا‌ عدل لك فيكاثرك، ‌و‌ ‌لا‌ ندلك فيعارضك.
 
انت الذى ابتدا ‌و‌ اخترع ‌و‌ احسن صنع ‌ما‌ صنع:
 
 ‌يا‌ رب، كيف اتصورك ‌فى‌ حدود التصورات التى تتحرك ‌فى‌ عقلى ‌فى‌ حركه الفكر التصورى ‌فى‌ داخله، ‌و‌ ليس لك صوره محدده تحدد ابعادك ‌فى‌ طبيعتها ‌و‌ ‌فى‌ نهايتها، لان ذلك ‌هو‌ خصوصيه المحدوديه ‌فى‌ حدود الامتداد ‌فى‌ ‌خط‌ النهايه، ‌و‌ ‌فى‌ عنصر الجسميه، ‌و‌ ‌هو‌ ‌سر‌ الماده ‌فى‌ حدودها الحسيه.
 ‌و‌ قد جاء عن الامام على ‌بن‌ موسى الرضا (ع)، ‌ان‌ رجلا قال له: حده؟- ‌و‌ ‌هو‌ يشير الى الله سبحانه- قال: «لا ‌حد‌ له، قال: ‌و‌ لم؟ قال: لان كل محدود منتاه الى حد، ‌و‌ اذا احتمل التحديد احتمل الزياده، ‌و‌ اذا احتمل الزياده احتمل النقصان، فهو غير محدود ‌و‌ ‌لا‌ متزايد ‌و‌ ‌لا‌ متناقص ‌و‌ ‌لا‌ متجزى ء ‌و‌ ‌لا‌ متوهم». ‌و‌ هكذا اتعقلك ‌فى‌ معنى المطلق الذى يتعقل الانسان منه امتداده ‌فى‌ عالم اللانهايه ‌فى‌ مثل التصور ‌فى‌ آفاق الضباب الذى يوحى بالشى ء ‌من‌ دون ‌ان‌ يدخل ‌فى‌ طبيعه الشى ء ‌فى‌ سره.
 ‌و‌ اذا كان هناك ‌من‌ يريد ‌ان‌ يتصورك ‌فى‌ صوره المثال الذى ينفتح ‌به‌ العقل على الشى ء ‌من‌ خلال مثاله، ليكون لك ‌فى‌ الصوره معنى الوجود الذهنى الذى يحدد ملامح الشى ء ‌فى‌ تفاصيله، ‌او‌ معنى الوجود الحسى الذى ينفتح على اجزاء الشى ء ‌و‌ عناصره.
 ‌و‌ اذا كان هناك ‌من‌ هولاء ‌من‌ يتمثلونك، فانهم ‌لا‌ يعرفون سرك البعيد عن ‌اى‌ معنى مادى، فليس لك مثال يتمثلونك ‌به‌ لتكون موجودا ‌فى‌ نطاق تخيلاتهم ‌و‌ اوهامهم، فانت- وحدك- ‌سر‌ الوحدانيه ‌فى‌ الوجود الحتمى الذى ‌لا‌ يشاركه وجود آخر ‌فى‌ معناه. ‌و‌ ‌فى‌ الخط الفكرى ‌من‌ ذلك لم يكن لك ولد- باى معنى للولديه- لانك لست ماده تتجزا ‌او‌ تنتج شيئا آخر بمعنى عضوى، فانت الخالق بارادتك كل موجود غيرك، ‌و‌ اذا لم يكن لك ولد لاستحاله ذلك ‌فى‌ معنى الالوهيه المطلقه فلن تكون- ‌فى‌ فرضيه الاوهام- مولودا، لان الولاده تعنى الحاجه الى شى ء آخر ‌فى‌ وجوده، كما ‌ان‌ مساله الوالديه تنفتح على مساله المولوديه، لان الطبيعه التى تفرض احدهما تفرض الاخر ‌فى‌ ‌سر‌ الوجود المادى الذى يجتذب ‌فى‌ الخصوصيه الوجوديه التى لم تصنع بطريقه الخلق المباشر- كما ‌هو‌ آدم- لان فرضيه الاله الواجب الوجود الثابته بالبرهان تنفى ذلك...
 ‌ان‌ وجودك- ‌يا‌ رب- ليس له ‌اى‌ شكل ‌او‌ صوره ‌او‌ مضمون ‌فى‌ هذا الوجود المتنوع الذى ‌هو‌ ‌من‌ نتاج وجودك ‌فى‌ ارادتك التى تنتج كل مفرداته، ‌و‌ لذلك فلا يمكن ‌ان‌ يقاس ‌به‌ ‌اى‌ وجود آخر، مما يجعل خصائص تلك الوجودات بعيده- حتى ‌فى‌ الصوره- عن وجودك، سبحانك ‌يا‌ الله.

ان ارادتك- ‌يا‌ رب- هى تلك الاراده الحره المطلقه التى ‌لا‌ يملك احد، مهما كانت قوته، ‌ان‌ يعاندها ‌او‌ يضادها، لانه ‌لا‌ يوجد هناك ‌ضد‌ يملك دور العناد، ‌و‌ ‌لا‌ يوجد ‌فى‌ كل هذا الوجود ‌اى‌ وجود معادل لوجودك ‌فى‌ القوه ‌و‌ الوزن ‌و‌ الاراده ليتحرك ‌فى‌ موقع المغالبه على اساس الكثره ‌فى‌ مواجهه الوجود الواحد، ‌و‌ ليس لك مثل يماثلك ‌فى‌ القوه ليعارضك ‌فى‌ التكوين الوجودى مما اردت ‌و‌ قضيت، كما يفعل الند ‌فى‌ مواجهه نده ‌فى‌ حاله الخلاف ‌و‌ امكانات المعارضه.
 
انت- ‌يا‌ رب- الذى ابتدا الوجود ‌فى‌ ايجاده، ‌و‌ اخترع الاشياء ‌من‌ اللاشى ء، ‌و‌ لم يكن هناك موجد غيرك، فانت الذى استحدثت الوجود ‌و‌ ابتدعته ‌من‌ عمق ارادتك، فاتقنته بحكمتك ‌و‌ اودعته كل العناصر الذاتيه التى تسير بالموجود ليحقق غايته ‌فى‌ نظام الوجود كله.

سبحانك، ‌فى‌ كل معانى التنزيه ‌فى‌ التسبيح، فليس هناك ‌اى‌ شان يقترب ‌من‌ شانك، لان شانك ‌هو‌ اجل شان، ‌و‌ ليس هناك موقع للعلو ‌و‌ الرفعه ‌و‌ السمو يرتفع الى موقعك ‌فى‌ كل شى ء ‌من‌ صفات الجمال ‌و‌ الجلال، ‌و‌ ليس هناك ‌فى‌ الحجه على قضايا الحق التى تحدد الفواصل بين الحق ‌و‌ الباطل، اظهر ‌من‌ الحجه التى ينطلق بها برهانك الذى ‌لا‌ ياتيه الباطل ‌من‌ بين يديه ‌و‌ ‌لا‌ ‌من‌ خلفه.
 
ان التسبيح المنطلق ‌من‌ اعماق الاحساس بعظمتك الممتده ‌فى‌ مظاهر الوجود كله ، يفرض نفسه على عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ كل حياتى، لان لطفك ‌هو‌ ‌فى‌ رفقك بعبادك، ‌و‌ ايصالهم الى كل ‌ما‌ يحقق لهم الخير كله ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره ‌و‌ يهيى ء لهم كل ‌ما‌ يصلح امورهم، ‌و‌ يبتعد بهم عن الفساد ‌فى‌ ذلك كله، ‌من‌ خلال علمه بدقائق الاشياء التى تمثل كل ‌ما‌ يختزنه الوجود ‌من‌ خير ‌او‌ شر، لتجنبهم سلبيات ذلك كله، ‌و‌ ليعيشوا اللطف الدقيق الخفى ‌فى‌ آفاق رحمتك.
 ‌و‌ لان رافتك فاقت ‌فى‌ حنانها كل رافه، ‌و‌ لان حكمتك- ‌فى‌ اتقان الخلق تدبيره ‌و‌ رعايه اسرار المصالح ‌و‌ المفاسد فيه- لم تقترب اليها- ‌فى‌ موقعها المميز- كل حكمه ‌فى‌ كل معرفه تفتح للحكمه ابوابها على الحياه ‌و‌ الانسان.
 
و لانك المالك لكل شى ء الذى اتسع ملكه ‌فى‌ سعه الوجود كله، فانت الذى تعطى كل شى ء ملكه ‌و‌ قوته ‌و‌ منعته، فلا منعه اعلى ‌من‌ منعتك، ‌و‌ لانك الجواد الذى لم يضق جوده باى موقع ‌من‌ مواقع الحاجه بل اتسع لكل مخلوقاته بما افاض عليها ‌من‌ عطاياه، ‌و‌ لانك الرفيع ‌فى‌ اعلى آفاق السمو ‌و‌ الشرف ‌و‌ الرفعه، فلا رفيع امام رفعته.
 انت صاحب البهاء المتميز بكمالك ‌و‌ جلالك ‌و‌ عزتك ‌و‌ عظمتك، ‌و‌ صاحب الكبرياء الذى ارتفع ‌فى‌ منازل الكبر ‌فى‌ اعلى المواقع، ‌و‌ صاحب الحمد الذى يسبح كل شى ء بحمده ‌و‌ ‌لا‌ حمد لسواه الا ‌من‌ خلال حمده.
 

 سبحانك باهر الايات ‌و‌ فاطر السماوات:
 
 ‌يا‌ رب، ‌و‌ يبقى التسبيح الخاشع ‌فى‌ آفاق المعرفه بك يرتفع بالتعظيم ‌و‌ التنزيه ‌و‌ التمجيد لك، فكيف ‌لا‌ ينطلق لسانى بالتسبيح ‌و‌ انا اراك ‌فى‌ عطائك لكل عبادك- ‌و‌ انا منهم- تبسط لهم كل الوان الخير التى تحول الحرمان الى جده، ‌و‌ الفقر الى غنى، ‌و‌ الجوع الى شبع، ‌و‌ الشقاء الى سعاده، فينعمون بذلك كله فيسبحونك تسبيح الاحساس بالنعمه ‌فى‌ امتداد العظمه.
 ‌و‌ اذا كان عبادك يسبحونك للنعم الماديه التى تبنى لهم حياتهم ‌فى‌ انفسهم ‌و‌ اهلهم ‌و‌ اموالهم ‌و‌ اوضاعهم، فانهم يسبحونك بالهدايه الرضيه المطمئنه التى عرفوها، مما اودعت ‌فى‌ عقولهم ‌من‌ الوحى ‌و‌ حركه الفكر، ‌و‌ مما حركته ‌فى‌ الحياه ‌من‌ وسائل المعرفه، ‌و‌ ‌ما‌ انزلته على رسلك ‌من‌ حقائق الغيب ‌و‌ الشهاده ‌فى‌ وحيك، فانت الذى هداهم للايمان بك ‌و‌ بتوحيدك ‌و‌ للسير ‌فى‌ ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ اتجاه التوحيد ‌فى‌ العقيده ‌و‌ العباده ‌و‌ الطاعه.
 فانت المرجع ‌فى‌ الدين ‌و‌ الدنيا، ‌و‌ الملجاء لعبادك ‌فى‌ كل ‌ما‌ يحتاجونه ‌فى‌ خصائص الحاجات الصغيره ‌و‌ الكبيره ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 
يا رب، انت وحدك المهيمن على الخلق كله ‌و‌ الامر كله، فقد خضع لك كل مخلوق مما جرى ‌فى‌ علمك ‌من‌ كل اصنافه ‌و‌ انواعه، ‌و‌ خشع الجميع لكل مواقع العظمه ‌فى‌ العمق ‌و‌ ‌فى‌ السطح ممن عاشوا العبوديه لك، لانهم مملو كون لك، واقعون تحت تصرفك ‌و‌ تدبيرك، خاضعون لك ‌فى‌ كل حركه القضاء ‌و‌ القدر المتحركه ‌فى‌ نظام الكون ‌و‌ الانسان، منقادون لحكمك ‌فى‌ التكوين ‌و‌ التسليم لكل ‌ما‌ تريده ‌فى‌ ذلك كله، فكيف ‌لا‌ يسبحونك- ‌يا‌ رب- ‌و‌ كيف ‌لا‌ ينطلق الصراخ بالمحبه ‌فى‌ كلمه التعظيم ‌و‌ التنزيه، سبحانك ‌يا‌ رب!.
 
سبحانك ‌لا‌ تدرك بالحس لانك فوق الحس كله، فقد ارتفعت ذاتك عن عالم المحسوس، ‌و‌ ‌لا‌ يمكن ‌ان‌ تمس بيد ‌او‌ بغير يد ليتعرف اليك ‌من‌ يريد اختبار شى ء ‌من‌ ذاتك، لان ذلك شان الماده ‌و‌ المحدود، ‌و‌ انت فوق الماده ‌و‌ خارج المحدود، ‌و‌ ‌لا‌ يمكن لاحد ‌ان‌ يخدعك ‌او‌ يمكر بك، فانت الرب الذى ‌لا‌ تخفى عليه خافيه ‌فى‌ الارض ‌و‌ السماء، لانك تكتشف كل ‌ما‌ يتحرك ‌به‌ الاخرون مما يريدون ‌ان‌ يخفوه ايهاما بغيره، ‌و‌ ‌لا‌ يمكن ‌ان‌ تنحى عن ‌اى‌ موقع تريده ‌او‌ تبعد عنه، لانك المحيط بكل شى ء، فلا يملك احد ‌ان‌ يخطط لذلك ‌من‌ دون علمك.
 ‌و‌ ‌لا‌ مجال ‌لا‌ ‌حد‌ ‌ان‌ ينازعك ‌و‌ يخاصمك ‌و‌ يجادلك ‌و‌ يناظرك ‌و‌ يحاجك ‌فى‌ ‌اى‌ شى ء ، ليقيم الحجه عليك، ‌او‌ يخادعك بما قد يزعم البعض ‌من‌ انه يخادعك ‌او‌ يماكرك ليصرفك عما تقصده بتدبيرك، ‌و‌ هذا كله ‌هو‌ الذى يبعث التسبيح ‌من‌ عمق العقل ‌و‌ الروح تعظيما لربوبيتك.
 
يا رب، ‌ان‌ الطريق الذى رسمته ‌من‌ اجل تحقيق ارادتك ‌فى‌ مصلحه الانسان، هى الارض الصلبه المستويه التى ‌لا‌ انحراف فيها ‌و‌ ‌لا‌ اهتزاز، فلا مجال للعثار فيها.
 ‌و‌ ‌ان‌ الامر الذى انفذته ‌و‌ وجهت اليه، كله هدى ‌و‌ خير يهدى ‌من‌ اتبعه سبيل الرشاد.
 ‌و‌ انت الحى الذى ‌لا‌ زوال له، الصمد الذى يقصده الخلائق ‌فى‌ الحاجات ‌و‌ المهمات، فلا يقضى دونك امر مهما كان صغيرا ‌او‌ كبيرا.

و انت الرب الذى اذا قال فان قوله يمثل الحكم المبرم الذى ‌لا‌ راد له، ‌و‌ اذا قضى كان قضاءه الذى ‌لا‌ يمكن ‌ان‌ يتخلف ‌او‌ يهتز، بل يبقى ‌فى‌ نطاق الحتميه الثابته التى ‌لا‌ تهتز ‌و‌ ‌لا‌ تتزلزل، اما اراداتك فانها العزم الذى يمثل الفعل الوجودى الذى ‌لا‌ ثغره بينه ‌و‌ بين الاراده.
 
سبحانك، فانك ‌ان‌ شئت فلا راد لمشيتك، لانك وحدك الذى تقضى ‌و‌ ‌لا‌ يقضى عليك.
 ‌و‌ انت الذى ‌لا‌ تبديل لكلماتك، لانها تمثل الحقيقه الثابته القويه التى ‌لا‌ مجال فيها لاى تبديل ‌او‌ تغيير.
 
سبحانك ‌فى‌ آياتك التى تطل على الوجود كله ‌فى‌ قمه الابداع، فتبهر ‌فى‌ اشراقتها المضيئه اعين الناظرين ‌و‌ ‌فى‌ سماواتك المملوءه بالكثير الكثير ‌من‌ اسرار العظمه ‌فى‌ عالم الغيب ‌و‌ الشهاده، فتدل على عظمه الخالق الذى فطرها ‌و‌ شقها ‌من‌ قلب العدم فاخرجها الى الوجود ‌من‌ غير مثال سابق ‌و‌ نهج متقدم، فهو الذى ابدع مثالها ‌من‌ غامض علمه، ‌و‌ وضع لها منهجها ‌من‌ عمق حكمته.
 ‌و‌ ‌فى‌ خلقك الذى انشاته بابداع قدرتك ‌فى‌ روعه الذات ‌و‌ الصوره المتميزه بكل اسرار الخلق ‌فى‌ انفتاح الحكمه على الوجود كله... سبحانك سبحانك...
 
لك الحمد حمدا يدوم بدوامك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ عبوديتى لك المنفتحه على مواقع الحمد ‌فى‌ قدس ذاتك، ‌فى‌ صفات الجلال ‌و‌ الكمال، تفتح لى كل آفاق حمدك الذى يختزن ‌فى‌ معناه كل معانى العظمه، ‌و‌ كل امتدادات النعمه، بحيث احس باهتزاز كيانى امام ذلك كله، فلا اجد الكلمه المعبره المحدده الوافيه التى تحمل كل ‌ما‌ ‌فى‌ عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ شعورى ‌من‌ الايحاءات التى تنساب ‌فى‌ وعى الفكر ‌و‌ العاطفه ‌و‌ الاحساس، ‌و‌ لهذا كانت الكلمات تنفتح على المطلق ‌فى‌ معنى الشمول ‌و‌ الكليه، الغارق ‌فى‌ اجواء الضباب الذى يحمل عمق المحبه ‌فى‌ ضبابيه الكلمات.
 اننى عندما اتصور كلمه الحمد ‌فى‌ ‌سر‌ ذاتك، فاننى اتصورها معنى يمتد بامتدادك الذى ‌لا‌ نهايه له ‌فى‌ امتداد ملكك الذى ‌لا‌ يزول، مما يجعل حمدى ممتدا ليشمل ذلك كله، حتى لو اختفى وجودى فلم يعد لدى كلمه تنطلق، لان امتداده ينطلق ‌من‌ عمق المعنى ‌فى‌ خلود ملكك ‌و‌ ‌من‌ عمق الاحساس ‌فى‌ محبتى لك،

و ‌من‌ هذا الموقع يمتد الحمد منى بخلود نعمتك التى تفيضها على كل الموجودات مادام الوجود يتحرك ‌فى‌ ذاتها،
 
و يتصاعد لينتشر ‌و‌ ليصل الى موازاه صنيعك ‌و‌ احسانك، لانك تستحق ‌فى‌ كل مورد ‌من‌ موارده ‌فى‌ جزئياته ‌و‌ كلياته حمدا، ‌و‌ يتعالى ‌و‌ يتنامى بحيث يتجاوز ‌ما‌ يرضيك منه، مما يتناسب مع استحقاقك ‌فى‌ انفتاح عبادك عليك بذكر محامدك، ‌و‌ يتحرك مع كل ‌ما‌ يحمدك ‌به‌ الحامدون، ‌و‌ يتفاعل مع كل شكر يشكرك ‌به‌ الشاكرون.
 ‌و‌ يتميز ‌فى‌ فرادته بكل عناصر المحبه ‌و‌ العبوديه، فلا يحسن ‌و‌ ‌لا‌ يستقيم ‌و‌ ‌لا‌ يصلح الا لك، ‌و‌ ‌لا‌ ينفتح- ‌فى‌ مواقع القرب- الا عليك، مما يتقرب ‌به‌ المتقربون اليك، بما يعبر ‌به‌ الحمد ‌من‌ الاخلاص لك ‌و‌ الثناء عليك.
 
انه الحمد الذى تمتد ‌به‌ النعم الماضيه، ‌و‌ تنفتح ‌به‌ على النعم الحاضره ‌و‌ المستقبله، لانه يهيى ء للرعايه الالهيه للانسان ‌من‌ خلال الشكر الذى يختزنه الحمد لتدوم له النعمه، لان ‌ما‌ يفتح اولها ‌هو‌ الذى يبقى آخرها.
 
و يبقى هذا الحمد مع حركه الزمن ‌فى‌ تتابعه، ‌و‌ يزيد اضعافا يتبع بعضها بعضا، ‌و‌ يمتد ‌و‌ يستمر ‌و‌ يتكاثر حتى يصل الى المستوى الذى ‌لا‌ يملك الحفظه ‌ان‌ يحصوه، ‌و‌ ‌لا‌ يستطيع الكتبه ‌ان‌ يلاحقوا زيادته ‌فى‌ تصاعده ‌فى‌ كل اخلاص الحمد ‌فى‌ الايمان.
 
ان تطلعاتنا الى حجم الحمد الذى نقدمه لك بما تستحقه منه قد يوحى الينا انه يوازن عرشك المجيد ‌فى‌ عظمته ‌و‌ ارتفاعه، ‌و‌ يماثل كرسيك الرفيع ‌فى‌ سعته ‌و‌ شموله للوجود كله.
 
و ‌هو‌ الحمد الذى نحصل ‌من‌ خلاله على الثواب الكامل الذى نتطلع اليه، ‌و‌ يختزن ‌فى‌ داخله كل لون ‌من‌ الوان الجزاء، لانه يصل الى الغايه التى ‌لا‌ يبقى معها مجال للحمد حيث يستوعب كل موارده.

و ‌هو‌ الحمد الذى يستوى فيه الظاهر ‌و‌ الباطن، لانه ‌لا‌ يحمل الازدواجيه التى قد يتحرك بها بعض الناس مما يختلف فيه الشكل عن المضمون، ‌و‌ الظاهر عن الباطن، لاهتزاز النيه التى ‌لا‌ يملك الانسان معها الصدق الداخلى ‌فى‌ الاحساس بالعمل... انه الحمد المنطلق ‌من‌ عمق الاخلاص ‌فى‌ النيه ‌من‌ مواقع الاخلاص لمعنى الربوبيه ‌فى‌ ذاتك ‌فى‌ معنى العبوديه ‌فى‌ ذواتنا.
 
و يسمو ‌و‌ يتاصل ‌و‌ يزداد بحيث ‌لا‌ يماثله ‌اى‌ حمد لك ‌من‌ ‌اى‌ مخلوق ‌فى‌ نوعيته ‌و‌ حجمه، ‌و‌ يبلغ بالفضل درجه ‌من‌ العمق ‌و‌ الامتداد ‌لا‌ يعرف فضلها سواك.
 
انه الحمد الذى تحبه ‌و‌ ترضاه ‌و‌ تعين الانسان الذى يحرك كل جهده ‌فى‌ انتاجه ‌من‌ عقله ‌و‌ روحه ‌و‌ توفيره ‌و‌ تكثيره، ليبلغ الغايه فيه، ‌و‌ يبالغ ‌فى‌ ايفائه حقه الذى يجب له، ‌من‌ الاداب ‌و‌ السنن ‌و‌ اخلاص النيه ‌و‌ صدق الرغبه وسعه الانفتاح عليك.
 
انه الحمد الجامع الذى يختزن ‌فى‌ داخله ‌و‌ يجمع ‌فى‌ عناصره كل معانى الحمد ‌فى‌ كل مفرداته التى خلقتها ‌و‌ ‌فى‌ كل ‌ما‌ تخلقه منها
 
و ‌هو‌ الاقرب الى قولك ‌و‌ الاكثر ‌فى‌ روحيته ‌من‌ حمد ‌اى‌ حامد لك،
 
و ‌هو‌ الذى يمنحنا ‌من‌ كرمك المزيد الذى تتصل ‌به‌ الزياده بعد الزياده، ‌و‌ ‌هو‌ الذى تستحقه ‌فى‌ ذاتك، ‌و‌ يواجه- بالمحبه ‌و‌ التعظيم- ‌عز‌ جلالك، ليكون ‌فى‌ المستوى الاعلى الذى قد ‌لا‌ نملك آليته ‌فى‌ ماده الكلمات التى تعبر عنه، ‌و‌ لكننا نعيش التطلع اليك مما نتحسسه ‌و‌ نفكر ‌به‌ ‌و‌ نعيشه ‌من‌ موقع المعرفه لعظمتك ‌و‌ نعمتك، ليكون طموحنا ‌فى‌ الحمد اعلى الطموح الروحى الذى ينفتح عليك ليبلغ الغايه ‌فى‌ رضاك.
 
اللهم صل على محمد المصطفى بافضل صلواتك:
 
 ‌و‌ يبقى- ‌يا‌ رب- للنبى محمد (ص) ‌فى‌ عقولنا معنى العقل الذى وهب الانسان ‌من‌ عقله المنفتح على وحيك، عقلا عميقا واسعا اعطى الحياه قوتها ‌و‌ حيويتها ‌و‌ تقدمها ‌و‌ نموها ‌و‌ تطورها.
 ‌و‌ يتعمق ‌فى‌ نبضات قلوبنا له ‌سر‌ الحب الذى يفيض بالعاطفه الواعيه التى عاشت ‌فى‌ آفاق عطفه ‌و‌ حنانه ‌و‌ رافته ‌و‌ رحمته مما بذله للانسان كله ‌من‌ محبه ‌و‌ حرص ‌و‌ تفاعل مع آلامه ‌و‌ مشاكله ‌و‌ احلامه ‌و‌ قضاياه، ‌فى‌ موقع الانسان النبى الرسول الذى ‌لا‌ يتعالى ‌فى‌ مواقعه عن الذين معه ‌او‌ الذين يريد هدايتهم بل يبقى معهم، ‌و‌ كان فينا كاحدنا- كما يقول كتاب سيرته- مع اليتيم ‌و‌ الفقير ‌و‌ المسكين ‌و‌ الارمله ‌و‌ المشرد ‌و‌ المستضعف ‌فى‌ جميع مواقعه.
 ‌و‌ تنفتح حياتنا الباحثه عن القدوه ‌و‌ الاسوه الحسنه على حياته التى كانت قمه السمو ‌و‌ الصفاء ‌و‌ النقاء ‌و‌ الارتفاع الى آفاق القيم الروحيه ‌فى‌ رحاب الله ‌و‌ القيم الانسانيه المستمده ‌من‌ الطافه ‌فى‌ واقع الانسان، ‌و‌ التحرك مع كل مفردات سيرته ‌فى‌ اهله ‌و‌ اصحابه ‌و‌ اهل بيته، ‌فى‌ انسانيته التى تحافظ على احساس الانسان الاخر ‌و‌ شعوره ‌و‌ لو كان ذلك على حساب الالام الذاتيه التى يعانيها ‌فى‌ ذلك، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قوله- ‌فى‌ ‌ما‌ روى عنه- «خيركم خيركم لاهله ‌و‌ انا خيركم لاهلى»، الامر الذى يوحى الينا انه كان يعيش ذاته ‌فى‌ الاخر، ‌و‌ ‌لا‌ يعيش الاخر ‌فى‌ ذاته مما يوصل معنى الانسانيه ‌فى‌ الانسان.
 ‌و‌ ننطلق معه، مع المستقبل الذى يبقى الهاجس ‌فى‌ حركه الرساله ‌فى‌ كل مرحله، فلا تستغرق ‌فى‌ الماضى لتهرب ‌من‌ الحاضر فيه، ‌و‌ ‌لا‌ ‌فى‌ الحاضر لتغيب فيه ‌و‌ ‌فى‌ زواياه الضيقه، بل تنفتح على المستقبل لتصنعه ‌من‌ خلال تجربه الماضى ‌و‌ عناصر الحاضر لتهيئه كل شروط الابداع فيه.
 ‌و‌ بهذا تتسع آفاقنا ‌فى‌ كل حركه تجديديه ‌و‌ ابداعيه ‌فى‌ خطوط القيم الاسلاميه ‌و‌ التشريع الاسلامى، فلا يكون الانتماء الى الدين تجميدا للذات، بل ‌هو‌ تحريك لطاقاتها ‌فى‌ مسووليات الانسان ‌فى‌ حركيه المستقبل ‌من‌ موقع انه صاحب رساله تخطط للحياه كلها ‌و‌ للانسان كله.
 ‌و‌ نعيش معه ‌فى‌ حركه الدعوه الى الله عندما كان الامل يزيد اخضرارا ‌فى‌ قلبه، ‌و‌ حيويه ‌فى‌ عقله، ‌و‌ قوه ‌فى‌ حركته، ‌و‌ ثباتا ‌فى‌ خطواته، ‌و‌ انفتاحا ‌فى‌ مواجهته للانسان عقلا ‌و‌ عاطفه ‌و‌ منهجا للحياه، لنبقى معه ‌فى‌ كل مراحل الحياه، ‌و‌ ‌فى‌ كل مواقع العالم، باعتبار ‌ان‌ الاسلام رساله الله الى الناس جميعا، ‌و‌ ‌ان‌ حلال محمد حلال الى يوم القيامه ‌و‌ حرامه حرام الى يوم القيامه، لتكون مسووليه الاسلام مسووليه الاجيال ‌فى‌ الدعوه الى الله، ليحمل كل جيل الرساله الى الجيل الذى ياتى ‌من‌ بعده، فيكون كل واحد رسولا ‌من‌ قبل الرسول كما كان رسولا ‌من‌ قبل الله.
 انه النبى الرسول الذى يامر بالمعروف ‌و‌ ينهى عن المنكر ‌و‌ يحل الطيبات ‌و‌ يحرم الخبائث ‌و‌ يضع عن الناس اصرهم ‌و‌ الاغلال التى كانت عليهم، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يتلو عليهم آياتك ‌و‌ يعلمهم الكتاب ‌و‌ الحكمه... انه الرسول اللين القلب ‌و‌ اللسان، الرووف الرحيم بالمومنين، العزيز عليه كل ‌ما‌ يعانونه ‌من‌ مشقه، الحريص عليهم، صاحب الخلق العظيم، ‌و‌ ‌هو‌ رسول الله الى الناس كافه بشيرا ‌و‌ نذيرا ‌و‌ رحمه للعالمين.
 اللهم صل عليه بما تختزنه الصلاه ‌من‌ محبتك ‌و‌ لطفك ‌و‌ رفع درجته ‌و‌ قبول شفاعته، ‌و‌ ‌هو‌ الذى استخلصته ‌و‌ اخترته ‌و‌ اكرمته ‌و‌ قربته اليك بكل صلواتك ‌و‌ اعطيته بركتك ‌و‌ رحمتك.

و لتكن صلاتك عليه افضل الصلاه ‌و‌ ازكاها ‌و‌ انماها ‌و‌ اعلاها بحيث ترضيه ‌و‌ تزيد على رضاه، ‌و‌ ترضيك ‌و‌ تزيد على رضاك له.
 
و لتكن فريده مميزه تخصه بها ‌من‌ حيث ‌هو‌ اهل لها، باقيه الى ‌ما‌ ‌لا‌ نهايه، متجاوزه لمواقع رضوانك ‌و‌ ‌لا‌ نفاد لها، كما هى كلماتك المتجدده ابدا التى ‌لا‌ تزول ‌و‌ ‌لا‌ تنتهى،
 
و لتكن هذه الصلاه شامله لكل صلوات الملائكه المقربين ‌و‌ انبيائك المرسلين ‌و‌ اهل طاعتك اجمعين، ‌و‌ لصلوات الجن ‌و‌ الانس ‌و‌ كل موجود يحرك وجوده ‌فى‌ ‌سر‌ الصلاه ‌و‌ معناها.
 
ثم تنفتح على كل الصلوات التى سلفت ‌و‌ التى تتجدد ‌و‌ تتضاعف ‌و‌ تزيد ‌فى‌ امتداد الزمان بحيث ‌لا‌ يملك احد عددها، مما يرضيك ‌و‌ يرضى الاخرين ممن ‌هم‌ دونك، فانه يستحق ذلك كله ‌من‌ خلال انه الانسان الذى ذاب فيك ‌و‌ اخلص لك ‌و‌ دعا اليك ‌و‌ جاهد ‌فى‌ سبيلك، ‌و‌ كان الوسيله لهدايتنا ‌و‌ هدايه الناس الى دينك.
 
اللهم صل على اهل بيته (ع):
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ اهل بيت نبيك يمثلون صفاء الاسلام ‌و‌ نقاءه ‌و‌ استقامته ‌و‌ حيويته ‌و‌ روحيته ‌و‌ حركته الرساليه بعد غياب النبى (ص)، ‌و‌ هذا ‌ما‌ جعلهم موضع رعايتك ‌و‌ رعايته ‌و‌ خلافتك ‌و‌ خلافته ‌و‌ ‌فى‌ موقع الحجه عندك على عبادك، لانهم يجسدون معنى القوه ‌فى‌ البرهان على الحق الذى انزلته، ‌و‌ الدين الذى فرضته، ‌و‌ جعلتهم اطهارا ‌فى‌ عمق الطهر فاذهبت عنهم الرجس ‌و‌ طهرتهم تطهيرا، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قولك: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ‌و‌ يطهركم تطهيرا) (الاحزاب: 33) ‌و‌ جعلتهم وسيله للنجاه ‌و‌ سببا للانقاذ ‌من‌ الهلكه، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قول نبيك (ص): «مثل اهل بيتى كسفينه نوح، ‌من‌ ركبها نجا، ‌و‌ ‌من‌ تخلف عنها غرق»، ‌و‌ اعتبرت طاعتهم ‌فى‌ ‌خط‌ الاستقامه الذى يجسدونه ‌و‌ يدعون اليه مدخلا للجنه التى وعدت بها عبادك المتقين.
 اللهم هب لهم ‌من‌ صلاتك صلاه تمنحهم فيها عطاياك ‌و‌ فضلك، ‌و‌ تكمل لهم ‌ما‌ تفيضه عليهم ‌من‌ جودك ‌و‌ كرمك ‌و‌ المزيد ‌من‌ الخير ‌من‌ عندك، ‌و‌ تعود عليه بالنصيب الاوفى ‌من‌ صلاتك ‌و‌ هباتك ‌و‌ منافعك.
 ‌و‌ لتكن هذه الصلاه خارج نطاق الزمن ‌من‌ دون ‌ان‌ يكون لاولها ‌حد‌ ‌و‌ ‌لا‌ لاخرها نهايه، ‌و‌ هى- ‌فى‌ حجمها ‌و‌ وزنها- ‌فى‌ وزن العرش ‌و‌ عظمته ‌و‌ ‌ما‌ تحته ‌فى‌ مقداره، ‌و‌ ‌فى‌ حجم السماوات ‌و‌ ‌ما‌ فوقها، ‌و‌ تعداد الارضين ‌و‌ ‌ما‌ تحتهن ‌و‌ ‌ما‌ بينهن، لتقربهم بذلك اليك، ‌و‌ لتجعلهم ‌فى‌ موقع الحظوه عندك، لتحقق لهم الرضوان لديك ‌فى‌ اتصال للرضى المنفتح عليهم بكل خير ‌و‌ نعمه ‌يا‌ رب العالمين.

اللهم احى بوليك ‌ما‌ اماته الظالمون ‌من‌ معالم دينك:
 
 ‌يا‌ رب، لقد اردت لعبادك ‌ان‌ ينطلقوا ‌فى‌ حياتهم ‌من‌ موقع دينك ‌و‌ آفاق وحيك ‌فى‌ حركه القياده التى تلقى اليها آياتك ‌فى‌ معنى النبوه الرسوليه التى تبلغهم شرائعك ‌و‌ احكامك، ‌و‌ ‌فى‌ انفتاح الامامه على الرساله ‌فى‌ عمليه حفظ ‌و‌ توضيح ‌و‌ رعايه ‌فى‌ امتداد الرساله ‌فى‌ الواقع على مستوى الممارسه ‌و‌ المتابعه ‌و‌ المواجهه ‌فى‌ ساحه الصراع.
 ‌و‌ هكذا كانت القياده ‌فى‌ البدايه نبوه ‌فى‌ التشريع ‌و‌ التنفيذ، ثم انطلقت ‌فى‌ النهايه امامه ‌فى‌ المراقبه ‌و‌ التحريك، فكان الامام الذى ارتضيته ‌و‌ ايدته مرجعا لعبادك ‌فى‌ شوون دينهم ‌و‌ دنياهم، يتطلعون اليه فيرون فيه العلم الذى يشير اليهم ‌فى‌ اتجاه السير، ‌و‌ منارا يستنيرون بضوء علمه ‌و‌ اشراقه روحه ‌من‌ خلال ارتباطه بك ‌و‌ اتصاله برسالتك ‌فى‌ امتداد العلاقه الوثيقه التى تصل حبله بحبلك، فيتحرك بهداك ‌و‌ ينطلق ‌فى‌ خطك، فكان الوسيله العمليه التى تفتح لهم ابواب رضاك، لان كلامه ينفتح على كلامك، ‌و‌ اردت لهم ‌ان‌ يطيعوه ‌من‌ خلال رسالته التى هى رسالتك ‌لا‌ ‌من‌ خلال ذاته ‌فى‌ معنى التزام الشخص- الذات- ‌و‌ لكن ‌فى‌ معنى الرسول المتجسد ‌فى‌ وحى الرساله، ‌و‌ هكذا اردتنا ‌ان‌ نتمثل اوامره، ‌و‌ ننتهى بنواهيه، لان اوامره ‌و‌ نواهيه ‌لا‌ تنطلق ‌من‌ ذاته بل ‌من‌ خلال رساله النبى الموتمن عليها.
 ‌و‌ اذا كان ‌هو‌ الامام ‌فى‌ موقع الامامه، فان ذلك يفرض ‌ان‌ ‌لا‌ يتقدمه احد ‌من‌ الناس بحيث يقف ‌فى‌ موقع القياده قبله، ‌و‌ ‌لا‌ يتاخر عنه احد اذا سار ‌فى‌ ‌اى‌ طريق ‌و‌ اراد للناس ‌ان‌ يتبعوه ‌و‌ يقتدوه ‌فى‌ حركته الرائده.
 فهو العصمه ‌فى‌ توجيهه ‌و‌ تعليمه ‌و‌ تربيته للائذين ‌به‌ ‌من‌ الذنوب التى تنحرف بهم عن ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ طاعه الله، بما يفتح لهم ‌من‌ ابواب الهدايه ‌و‌ يقوى لهم اراده الانقياد، ‌و‌ يعصمهم ‌من‌ الزلل، ‌و‌ ‌هو‌ الكهف الذى ياوى اليه المومنون ‌فى‌ ‌حل‌ مشكلاتهم، ‌و‌ ‌رد‌ شبهاتهم، ‌و‌ تصحيح اخطائهم، ‌و‌ تنفيس عقدتهم، ‌و‌ تفريج همومهم، ‌و‌ كشف كرباتهم، ‌و‌ ‌هو‌ العروه، لمن تمسك بها منهم، فلا يهتز ‌و‌ ‌لا‌ يتزلزل ‌و‌ ‌لا‌ يخشى ‌من‌ السقوط، ‌و‌ ‌هو‌ الذى يمنح الواقع الانسانى بهاءه ‌و‌ اشراقه بحيث يحجب كل الضباب الذى يمكن ‌ان‌ يحول بينهم ‌و‌ بين اشراقه الشمس، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال اقامه الحق ‌و‌ اسقاط الباطل ‌و‌ تقويه قواعد العدل ‌و‌ اضعاف حركه الظلم، مما يمنح الكون ‌فى‌ كل مخلوقاته راحه ‌و‌ طمانينه ‌و‌ استقرارا ‌فى‌ الانطلاق ‌و‌ الامتداد، ‌و‌ ذلك ‌هو‌ دور القياده الروحيه ‌فى‌ التخطيط للواقع على اساس الرساله، ‌و‌ ‌فى‌ الاشراف على التنفيذ ‌فى‌ حركه السلوك على هدى الخطه ‌فى‌ الواقع الانسانى الذى يطل على واقع الارض كلها ‌فى‌ انفتاحها على وحى الله.
 ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى يفرض تميز القياده بطاقات روحيه ‌و‌ فكريه ‌و‌ حركيه بالدرجه التى تستطيع بها تحقيق الهدف الكبير ‌فى‌ تغيير الانسان ‌و‌ المجتمع، لان الهدف اذا كان التغيير على صوره الحق فلا ‌بد‌ ‌ان‌ يكون القائد تجسيدا لكل قيمه الروحيه ‌و‌ العمليه.

اللهم، فاذا كنت قد اعطيت ‌و‌ ليك- الامام- هذا الموقع الذى تنفتح النعمه منه علينا، فالهمه ‌ان‌ يشكرك- كما انت اهله- على ذلك، ‌و‌ الهمنا مثل شكره، لان نعمه حركه الهدايه ‌فى‌ ‌خط‌ القائد ‌و‌ امتدادها ‌فى‌ ‌خط‌ الناس، تمثل نعمه مزدوجه تستحق الشكر ‌من‌ الجانبين.
 ‌و‌ اعطه قوه السلطه الشامله التى تتيح له اقامه دوله الانسان ‌فى‌ ‌خط‌ الاسلام، الذى اردت ‌ان‌ يكون القاعده التى يوسس فيها الانسان- بقياده الرسل ‌و‌ الاولياء- دولته، لينعم فيها العالم بالسعاده الكامله التى ‌لا‌ شقاء فيها، ‌و‌ الطمانينه التى ‌لا‌ قلق معها، ‌و‌ الثبات الذى ‌لا‌ اهتزاز فيه، ‌و‌ امنحه النصره بما تنصر ‌به‌ اولياءك مما تريد لاى واحد منهم ‌ان‌ يدعوك به، كما جاء ‌فى‌ كتابك المجيد: (و اجعل لى ‌من‌ لدنك سلطانا نصيرا) (الاسراء: 80) ‌و‌ ذلك ‌فى‌ سلطان الحجه البالغه ‌و‌ القوه المهيمنه، ‌و‌ افتح له كل الافاق التى يملك ‌من‌ خلالها وعى الحقيقه ‌فى‌ كل قضايا الحياه ‌و‌ الكون ‌و‌ الانسان، ‌و‌ يملك ‌فى‌ ساحاتها المنعه ‌و‌ السيطره ‌و‌ الفتح المبين الذى يفتح له كل الابواب المغلقه، ‌و‌ يسقط كل الحواجز العاليه، ‌و‌ يمد له ‌فى‌ حكمه ‌فى‌ نطاق الزمان ‌و‌ المكان ‌ما‌ يمكن له ‌ان‌ يسير بالناس الى شاطى ء النجاه، ‌و‌ اعطه العون ‌من‌ قوتك التى ‌لا‌ يملك احد ‌ان‌ يقف امامها، ‌و‌ احكم قوته، ‌و‌ اجعل عضده ‌فى‌ حمله للمهمات شديدا ‌لا‌ يضعف امام التحديات التى تحاول اضعافه، ‌و‌ احفظه بحفظك، ‌و‌ اكلاه بكلاءتك، ‌و‌ حطه بحياطتك حتى تحميه ‌من‌ كل ‌من‌ يريد ‌به‌ سوءا، ‌و‌ انصره بالملائكه الذين نصرت بهم انبياءك ‌و‌ اولياءك الماضين، ‌و‌ اجعل له الامداد الهائل ‌من‌ جندك الغالبين،

لتقيم ‌به‌ القاعده الفكريه ‌و‌ العمليه التى يرتكز عليها كتابك ‌فى‌ وحى الايمان ‌و‌ الشريعه القويمه، ‌و‌ ‌ما‌ سنه رسولك مما اوكلت اليه امره بالهامك ‌و‌ تسديدك ‌و‌ تاييدك، ‌و‌ ليتحرك ‌فى‌ جهده ‌و‌ جهاده ‌و‌ دعوته اليك ‌و‌ الى دينك، فيبعث الحياه ‌فى‌ مواقع العدل ‌و‌ قواعد الدين مما حاول الظالمون ‌ان‌ يميتوه، ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال ابعاده عن الحياه، ‌و‌ اهماله ‌فى‌ ‌حل‌ مشاكلها، حتى سيطر الصدا- بتاثير الاهمال المستمر- على منهج الحق الذى شرعته ‌و‌ ركزته لاقامه العدل، باثاره الجور ‌فى‌ كل مفرداته ‌فى‌ حركه السطح التى تحجب العمق عن الرويه الواضحه.
 ‌و‌ اقطع- ‌يا‌ رب- كل شده ‌و‌ هيمنه ظالمه على اوليائك ‌و‌ القاده الى سبيلك مما اوقع الضرر بالخط ‌و‌ الخطه ‌و‌ الموقع، ‌و‌ ابعد بالامام الحق كل المنحرفين عن صراطك المستقيم، حتى ‌لا‌ يبقى هناك الا السائرون ‌فى‌ ‌خط‌ الاستقامه، ‌و‌ انزل قدرتك على كل الكافرين ‌و‌ المنافقين الذين يصدون عن سبيلك ‌و‌ يطلبون لها الاعوجاج ‌فى‌ الاتجاه ‌و‌ الحركه.
 
و اجعله- ‌يا‌ رب- كنبيك ‌فى‌ خلقه العظيم ‌و‌ رافته ‌و‌ رحمته بالمومنين، ‌فى‌ لين الجانب، ‌و‌ بذل المحبه ‌و‌ العاطفه ‌و‌ الحنان، بما يملا قلوبهم بالانفتاح عليه ‌و‌ على رسالتك، ‌و‌ اجعل قوته ‌و‌ سيطرته ‌فى‌ مواقع الصراع على اعدائك الذين يقفون ‌فى‌ مواجهه دينك ‌و‌ اوليائك، لتكون رافته ‌و‌ رحمته ‌و‌ تعطفه ‌و‌ تحننه على المومنين الذين يطمئنون بذلك ‌و‌ يرتاحون له، ‌و‌ باسه ‌و‌ شدته على الكافرين الذين ينهزمون عن كل المواقع التى تمثل الخطر على الحق ‌و‌ العدل ‌فى‌ دينك- ‌من‌ الناحيه العمليه.
 اللهم ‌و‌ اذا كانت قيمه القياده ‌فى‌ طاعه القاعده لها، فوفقنا نحن الذين نومن بقيادته ‌من‌ خلال الايمان بامامته، لان نكون معه على السمع ‌و‌ الطاعه، فنحصل على رضاه، ‌و‌ ننطلق ‌فى‌ ‌خط‌ الانتصار له ‌و‌ الدفاع عنه، لنتقرب بذلك اليك ‌و‌ الى رسولك الذى ينطلق رضاه ‌من‌ رضاك.
 ‌و‌ لنا ملاحظه قد يثيرها البعض، ‌و‌ هى ‌ان‌ الامام عليا ابن الحسين زين العابدين (ع) صاحب الدعاء- يتحدث عن الامام كما لو كان شخصا غيره ‌فى‌ مسووليته ‌فى‌ طاعته ‌و‌ نصرته ‌و‌ الدفاع عنه ‌و‌ ‌فى‌ الحصول على رافته ‌و‌ رحمته ‌و‌ تعطفه ‌و‌ تحننه.
 ‌و‌ ربما يستوحى ‌من‌ اسلوب الدعاء انه ينسجم مع لغه عصر الغيبه التى تبتعد عن مرحله وجود الامام زين العابدين، كما تبتعد عن الناس الذين عاشوا فيها، مما ‌لا‌ يجعل للدعاء ‌فى‌ حالتهم الشعوريه ‌اى‌ صدى ‌فى‌ الانفتاح على مضمونه الذى يتحدث عن مستقبل بعيد ‌لا‌ يدركونه؟!
 ‌ان‌ علامه الاستفهام هذه تنطلق ‌من‌ ‌ان‌ الدعاء ليس تجربه ثقافيه يكتبها الامام للمستقبل، بل هى تجربه روحيه ذاتيه تنفتح على الله ‌فى‌ حاجاتها العامه ‌و‌ الخاصه مما كان يعيشه الامام ‌فى‌ نفسه ‌و‌ ‌فى‌ الناس الذين ‌من‌ حوله ، فيبتهل الى الله ‌فى‌ الاستجابه له ‌فى‌ تحقيق ذلك كله ‌فى‌ حياته، فهل تدفعنا هذه الملاحظه الى الشك ‌فى‌ اقحام هذا الفصل ‌و‌ ‌ما‌ بعده ‌فى‌ الدعاء بفعل الاوضاع المستجده التى كانت تفرض ذلك، ‌او‌ ‌ان‌ للمساله تخريجا آخر ‌فى‌ ‌ان‌ الدعاء كان ‌فى‌ حاله توجيه ايحائى ‌فى‌ مساله الامامه للناس ‌من‌ حوله؟ الله اعلم.


 اللهم صل على اوليائهم الملتزمين منهجهم:
 
 ‌يا‌ رب، اذا كان لاهل البيت السائرين ‌فى‌ ‌خط‌ الرساله ‌و‌ الرسول هذه المكانه ‌فى‌ مواقع الامامه ‌و‌ القياده، فانها ايضا للتابعين لهم، الذين عرفوا مقامهم ‌فى‌ الامامه، فامنوا بهم ‌و‌ اتبعوا منهجهم، ‌و‌ ساروا على هدى تعاليمهم، ‌و‌ تمسكوا بهداهم الذى ‌هو‌ العروه الوثقى التى ‌لا‌ انفصام لها ‌من‌ حيث ‌هو‌ القاعده الاسلاميه التى تملك الثبات ‌و‌ القوه ‌و‌ الشده ‌فى‌ ‌خط‌ الولايه ‌فى‌ معناها المنفتح على الموقف الحق ‌فى‌ السير معهم، ‌و‌ الالتزام بالخط المستقيم ‌فى‌ حركتهم ‌فى‌ القياده الفكريه ‌و‌ العمليه، المتبعين لهم ‌فى‌ امامتهم ‌من‌ حيث الائتمام بهم ‌و‌ الاستضاءه بنور علومهم، ‌و‌ التسليم لامرهم ‌فى‌ ‌ما‌ يامرون به، ‌و‌ الاجتهاد ‌فى‌ طاعتهم... ‌و‌ المنطلقين ‌فى‌ آفاق المستقبل ‌فى‌ متغيراته الواقعيه ‌فى‌ علم الغيب الالهى لانتظار اللحظه التى يملكون فيها الواقع الذى يملاونه بالعدل بعد ‌ان‌ امتلا بالظلم، ‌فى‌ احلامهم التى تلمع بها عيونهم ‌فى‌ اشراقه الامل الكبير.
 
اللهم صل على هولاء الملتزمين بالخط المستقيم ‌فى‌ معنى النبوه ‌فى‌ البدايه ‌و‌ الامامه ‌فى‌ النهايه، ‌و‌ سلم عليهم ‌و‌ على ارواحهم، ‌و‌ اجعلهم ممن يجمعون امرهم بكل شوونه ‌و‌ اوضاعه على التقوى الفكريه ‌و‌ الروحيه ‌و‌ السياسيه ‌و‌ الاجتماعيه ‌و‌ الاقتصاديه ‌فى‌ الحرب ‌و‌ السلم، ‌و‌ اصلح ‌ما‌ فسد ‌او‌ ‌ما‌ يمكن ‌ان‌ يعرضه الفساد ‌من‌ شوونهم العامه ‌و‌ الخاصه.
 ‌و‌ تفضل عليهم بالتوبه بما اسلفوه ‌من‌ الذنوب، ‌و‌ ‌ما‌ قارفوه ‌من‌ السيئات، لانهم لم ينطلقوا ‌فى‌ الذنب ‌من‌ انحراف ‌فى‌ العقيده، ‌و‌ ‌من‌ تمرد على اوامرك ‌و‌ نواهيك، بل تحركوا ‌فى‌ ذلك ‌من‌ وسوسه الشيطان الذى انساهم ذكرك، ‌و‌ ‌من‌ النفس الاماره بالسوء التى اثارت غرائزهم ‌و‌ انحرفت بهم عن الصراط المستقيم.
 انك الرب الذى جعل على نفسه التوبه، ‌و‌ وسع الخلق برحمته، ‌و‌ انت الغافر الذى ‌لا‌ يتقدمك احد ‌فى‌ المغفره.
 ‌و‌ احشرنا معهم- على ‌خط‌ الاستقامه- ‌فى‌ جنتك التى هى جنه الرضوان ‌و‌ دار السلام، فانك الرحمن الرحيم ‌و‌ نحن اليك راغبون.

اللهم ‌و‌ هذا يوم عرفه، يوم الاعتراف ‌و‌ المغفره ‌و‌ التوبه:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ الزمن كله خلقك، فليس هناك زمن اقرب اليك ‌من‌ زمن ‌من‌ حيث ذاته، ‌و‌ ليس هناك يوم افضل ‌من‌ يوم، ‌و‌ لكنك- بحكمتك- اردت لبعض الايام ‌ان‌ يتميز عن غيره، فاعطيته بعض الخصائص التى تتصل بحياه عبادك ‌فى‌ علاقتهم بك، ‌و‌ تنفتح على بعض مسوولياتهم العمليه بما يرفع درجتهم عندك، ‌و‌ ينظم اوضاعهم لديك.
 ‌و‌ هكذا جعلت بعض الايام عيدا ينفتحون- ‌من‌ خلاله- على الفرح الروحى بطاعتك، ‌و‌ اسلام الامر اليك، ‌و‌ اردت لبعضها ‌ان‌ يكون فرصه لطاعتك ‌فى‌ صيامه ‌و‌ قيامه.
 ‌و‌ كان يوم عرفه ‌من‌ ايامك المميزه التى اردت للحج ‌ان‌ يتمثل فيها كركن ‌من‌ اركانه ‌فى‌ الوقوف بين يديك فيه، حتى جاء ‌فى‌ الحديث: «الحج عرفه» ‌و‌ جاء عن الامام محمد الباقر (ع): «ما يقف احد على تلك الجبال ‌بر‌ ‌و‌ ‌لا‌ فاجر الا استجاب الله له، فاما البر فيستجاب له ‌فى‌ آخرته ‌و‌ دنياه، ‌و‌ اما الفاجر فيستجاب له ‌فى‌ دنياه»، ‌و‌ جعلته يوم دعاء ‌و‌ مساله، يدعو فيه الداعى بما اهمه ‌فى‌ نفسه ‌و‌ ‌فى‌ حياته ‌و‌ ‌فى‌ آخرته ‌من‌ شوون دينه ‌و‌ دنياه، ‌و‌ يطلب فيه حاجاته الروحيه ‌و‌ الماديه ‌من‌ خلال ايمانه الذى يتطلع اليك كمصدر للخير كله ‌و‌ للحاجات كلها، ‌و‌ جعلته موقفا يقف فيه الحجيج ‌من‌ كل مكان ليلتقوا فيه، ‌و‌ ليتاملوا ‌و‌ يدرسوا ‌و‌ يتعارفوا ‌و‌ يتعاونوا ‌من‌ خلال وحده الدين ‌و‌ المسووليه ‌و‌ حركه الحاضر ‌و‌ المستقبل، ‌و‌ ليجلس كل واحد منهم مع نفسه ‌فى‌ عمليه حساب للماضى مما يتركه للمستقبل ‌من‌ دروس ‌و‌ عظات ‌و‌ عبر، ليتابع حياته ‌من‌ خلال التخطيط الواعى الذى يتلمس النقد الذاتى ‌فى‌ داخله ليصلح ‌ما‌ فسد منه، ‌و‌ يستقبل الغد بما يامله فيه، حتى يخرج ‌من‌ هذا الموقف ‌فى‌ طهاره الروح ‌و‌ صفاء النفس، ‌و‌ نظافه القلب ‌و‌ استقامه النهج، لان هناك فرقا بين حساب الانسان نفسه بين يديك ‌و‌ بين حسابها مع غيرك ‌من‌ عبادك.
 فهو اليوم الذى اعطيته الشرف باستجابه الدعاء فيه، ‌و‌ منحته الكرامه ‌و‌ التعظيم ‌من‌ خلال الثواب الذى تمنحه لعبادك فيه.
 فقد انفتحت فيه رحمتك على العباد كلهم، بكل فيوضاتك الرحمانيه ‌فى‌ ارزاقهم ‌و‌ اوضاعهم ‌و‌ اعمالهم ‌و‌ آجالهم، ‌و‌ قد تحرك عفوك فيه على المذنبين، ‌و‌ كرمك ‌فى‌ عطاياك على المحتاجين، ‌و‌ فضلك على عبادك.
 ‌يا‌ رب، انا هذا الانسان الذى تتجسد فيه العبوديه لك ‌من‌ خلال انه صنعك ‌و‌ ملكك، فلا يملك نفسه لانه ‌لا‌ يد له ‌فى‌ وجودها ‌و‌ ‌لا‌ يملكه عيرك لانه مخلوق لك كما انا المخلوق لك.

انا- ‌يا‌ رب- الذى انعمت عليه قبل ‌ان‌ يخلق، حيث اخترته ليكون ‌فى‌ دائره ارادتك التكوينيه ‌و‌ لو ‌لا‌ ذلك لم يوجد، ‌و‌ انعمت عليه بعد خلقك له حيث منحته نعمه الوجود ‌و‌ اودعت فيه كل العناصر الحيويه التى تحقق له الراحه ‌و‌ الطمانينه ‌و‌ الاستقرار، ‌و‌ تفتح له ابواب السعاده- بعد ذلك- ‌من‌ خلال الافاق الرساليه التى عاشت فيها رسالتك ‌و‌ تحرك ‌به‌ رسلك الذين بلغوا وحيك ، ‌و‌ اعطيته العقل الذى يدرك ‌به‌ حسن الاشياء ‌و‌ قبحها ‌و‌ صلاحها ‌و‌ فسادها، فيرتبط بالخط المستقيم الذى امرته بالسير فيه، ‌و‌ هكذا كانت الهدايه لدينك، ‌و‌ التوفيق ‌لا‌ دراك حقك ‌من‌ مصادره، ‌و‌ مددت اليه حبلك الذى اعتصم ‌به‌ بقوه الوعى، ‌و‌ صلابه الموقف، ‌و‌ متانه الاراده، فلم يسقط امام اهتزازات الباطل ‌و‌ زلازل الانحراف... ‌و‌ هكذا هيات له كل الفرص لينفصل عن حزب الشيطان الذى وسوس له بالكثير ‌من‌ الامانى ‌و‌ الاحلام الخياليه المعسوله التى توقعه ‌فى‌ الغرور، ‌و‌ تبعده عن التوازن، فحاول ‌ان‌ يجره الى المزالق ‌و‌ يدفعه الى الهاويه ‌و‌ يدعوه- ‌فى‌ نهايه المطاف- الى عذاب السعير، ككل الذين يدعوهم ‌من‌ حزبه الى ذلك كله.
 .. ‌و‌ ادخلته ‌فى‌ حزبك ليكون ‌من‌ الذين ‌لا‌ يوادون ‌من‌ حاد الله ‌و‌ رسوله حتى لو كان ‌من‌ اقرب الناس اليه، ‌و‌ ‌من‌ الذين كتبت ‌فى‌ قلوبهم الايمان ‌و‌ ايدتهم بروح منك ليحصلوا على الغلبه ‌و‌ الفلاح ‌و‌ النجاح.
 ‌و‌ انطلق- ‌فى‌ هذا الخط- ‌فى‌ رشده الفكرى، ليوكد الانتماء ‌فى‌ تحديد مواقعه، ‌و‌ تركيز مشاعره ليوالى اولياءك، ‌و‌ يعادى اعداءك، لينطلق ‌خط‌ الرساله ‌فى‌ الانتماء ‌فى‌ حركه ‌خط‌ القياده ‌فى‌ الواقع.
 ‌و‌ لعل ابلغ الكلمات التى تحمل وحى بعض كلمات هذه الفقرات ‌من‌ الدعاء ‌ما‌ جاء ‌فى‌ دعاء الامام الحسين (عليه السلام): «ابتداتنى- ‌يا‌ الهى- بنعمتك قبل ‌ان‌ اكون شيئا مذكورا» ‌فى‌ اشاره روحيه تلتقى بالفقره «انعمت عليه قبل خلقك اياه»، ‌و‌ ‌فى‌ بعض فقرات دعائه: «لم تخرجنى لرافتك ‌و‌ لطفك ‌بى‌ ‌و‌ احسانك الى ‌فى‌ دوله ايام الكفره الذين نقضوا عهدك ‌و‌ كذبوا رسلك، لكنك اخرجتنى رافه منك ‌و‌ تحننا على للذى سبق لى ‌من‌ الهدى الذى يسرتنى ‌و‌ فيه انشاتنى»، ‌فى‌ التفاته الى تهيئه الاجواء ‌و‌ الظروف الموضوعيه ‌و‌ الاسباب العاديه للهدايه للدين باعتبار رفع الموانع ‌و‌ تحقيق الشروط للايمان.
 
و لكن المشكله التى احاطت ‌به‌ وادت الى تعقيد اموره، ‌ان‌ الشيطان الذى لم يستطع ‌ان‌ يغلبه ‌فى‌ الانتماء، استطاع التغلب عليه ‌فى‌ الحركه ‌و‌ التطبيق، فقد اعرض عن اطاعه اوامرك فلم ياتمر بها، ‌و‌ عن الوقوف عند حدود نهيك فلم ينته عنها، فعدل عن مواقف الامر ‌فى‌ الطاعه الى مواقف النهى ‌فى‌ المعصيه، ‌و‌ لكنه لم يعصك جحودا لربوبيتك، ‌و‌ ‌لا‌ عنادا لك، ‌و‌ ‌لا‌ خضوعا للاستكبار الذاتى الذى يتحرك ‌به‌ المستكبرون ‌فى‌ انتفاخهم الشخصى عليك، بل كانت المساله كلها ‌ان‌ هواه تغلب عليه ‌من‌ خلال النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ الشيطان الذى يزيده ذنبا الى ذنبه بتسويله ‌و‌ وسوسته ‌و‌ مكره ‌و‌ خدعه، حيث دعاه الهوى الذى انفتحت الغرائز بفعله على المعصيه الى ارتكاب الافعال التى اردت- بامرك ‌و‌ نهيك- ابعاده عنها ‌و‌ تنحيته عن مواقعها.
 ‌و‌ هكذا خضع للضغط الداخلى ‌فى‌ غرائزه، ‌و‌ الخارجى ‌فى‌ الاجواء الشيطانيه المحيطه به، مع كل علمه بما توعدت ‌به‌ ‌من‌ العقاب، على اساس الرجاء للعفو بعد المعصيه ‌من‌ خلال ثقته بذلك، لانك تجاوزت عن كثير ‌من‌ المذنبين الذين كانت معصيتهم اكبر ‌من‌ معصيته، فارتكب ‌ما‌ ارتكبه لان العفو سوف يفيض عليه منك، ‌و‌ لكن كان هذا الانسان خاضعا لغفلته عن حقك عليه، فلا يجمل بالانسان الذى يعى عبوديته لربه ‌ان‌ يعصيه انتظارا للعفو، بل ‌لا‌ ‌بد‌ له ‌ان‌ يمتنع عن ذلك شكرا لنعمه ‌و‌ وعيا لعظيم حقه.
 ‌و‌ لعل ابلغ الكلمات التى تحمل وحى بعض كلمات هذه الفقرات ‌من‌ الدعاء ‌ما‌ جاء ‌فى‌ دعاء الامام الحسين (عليه السلام): «ابتداتنى- ‌يا‌ الهى- بنعمتك قبل ‌ان‌ اكون شيئا مذكورا» ‌فى‌ اشاره روحيه تلتقى بالفقره «انعمت عليه قبل خلقك اياه»، ‌و‌ ‌فى‌ بعض فقرات دعائه: «لم تخرجنى لرافتك ‌و‌ لطفك ‌بى‌ ‌و‌ احسانك الى ‌فى‌ دوله ايام الكفره الذين نقضوا عهدك ‌و‌ كذبوا رسلك، لكنك اخرجتنى رافه منك ‌و‌ تحننا على للذى سبق لى ‌من‌ الهدى الذى يسرتنى ‌و‌ فيه انشاتنى»، ‌فى‌ التفاته الى تهيئه الاجواء ‌و‌ الظروف الموضوعيه ‌و‌ الاسباب العاديه للهدايه للدين باعتبار رفع الموانع ‌و‌ تحقيق الشروط للايمان.

اللهم اجعل لى ‌فى‌ هذا اليوم حظا انال ‌به‌ رضوانك:
 
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الذى عاش الصغار بين يديك حتى ليكاد يفقد الاحساس بوجوده امام عظمتك، فكان الذليل الخاضع- بوجوده- لك، الخاشع، بكل روحه ‌فى‌ محراب عبادتك، الخائف ‌من‌ غضبك ‌و‌ مما ينتظره ‌من‌ عذابك جزاء لاعماله ‌و‌ سيئاته، المعترف ‌فى‌ عمق احساسه بالذنب، بالذنوب العظيمه ‌فى‌ خطورتها على المصير، ‌و‌ فظاعتها ‌فى‌ عناصرها الشريره ‌و‌ نتائجها السيئه، ‌و‌ بالخطايا الجليله ‌فى‌ طبيعتها السلبيه ‌فى‌ واقع المسووليه، مما تحملته ‌و‌ اكتسبته منها ‌فى‌ غفله العقل، ‌و‌ غيبوبه الوعى، ‌و‌ انحراف الغريزه، ‌و‌ نسيان الله.
 ‌و‌ ‌ها‌ انذا قد جئت اليك ‌فى‌ موقف المستجير الذى يستعطف عفوك عن الخاطئين لتجيره ‌من‌ نتائج خطاياه، ‌و‌ ‌فى‌ موقع اللاجى ء اليك ليلوذ برحمتك ‌من‌ عظيم سخطك، لاننى اوقن بعمق ايمانى، انك انت- وحدك- الذى تملك اجاره المستجير ‌من‌ عقابك، فلا يملك احد ‌ان‌ يجيرنى منك، ‌و‌ ‌لا‌ يستطيع احد ‌ان‌ يمنعنى منك اذا اردت ‌بى‌ شرا ‌او‌ ضرا ‌من‌ خلال استحقاقى ذلك.

و انا- ‌يا‌ رب- اتطلع- ‌فى‌ كل طلباتى ‌و‌ ابتهالاتى- الى ‌ما‌ تتفضل به- ‌من‌ كرمك- على المذنبين الذين سقطوا ‌فى‌ ‌و‌ حول الذنوب، لتتفضل بعفوك على كما تفضلت عليهم، ‌و‌ الى جودك الذى تجود ‌به‌ على ‌من‌ طرح نفسه ‌و‌ القاها اليك ‌فى‌ استسلام ايمانى لك، ‌و‌ رغبه عميقه ‌فى‌ الحصول على عطاء المغفره منك، لتجود ‌به‌ على كما تجود عليهم.
 ‌و‌ اسالك- ‌يا‌ رب- ‌من‌ مننك الكبيره التى تمن بها على عبادك الذين ياملون فضلك، مما ‌لا‌ قيمه له ‌فى‌ ملكك، ‌و‌ ‌لا‌ خطوره له ‌فى‌ قدرتك، ‌و‌ ‌هو‌ الصفح عن ذنوبهم، لتمن ‌به‌ على كما تمن ‌به‌ عليهم،
 
و قد جعلت لكل عبد مومن- ‌فى‌ هذا اليوم- نصيبا ‌من‌ رضوانك، فاجعل لى مثل ذلك لحاجتى اليه، فانى اعيش- ‌فى‌ كل وجدانى- الامل الكبير، بان احصل على ذلك ‌و‌ ‌لا‌ ارجع خالى اليدين مما اعددته للمومنين الذين كانت كل حياتهم منفتحه على اجواء التعبد لك، فقد ‌لا‌ اجد ‌فى‌ نفسى- ‌من‌ خلال عملى- الاستحقاق لذلك، فليس لى ‌فى‌ حركه حياتى- هذه- المليئه بالخطايا ‌و‌ التقصير، ‌اى‌ عمل صالح ‌من‌ امثال اعمالهم التى تجتذب ثوابك.
 ‌و‌ لكنى- ‌يا‌ رب- انسان التوحيد الذى يتعمق ‌فى‌ عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ كيانى كله بالدرجه العليا ‌من‌ الوعى الايمانى الذى يرتفع ‌بى‌ ‌فى‌ عالم الصفاء ‌و‌ النقاء ‌و‌ وضوح الرويه الروحيه الى الافق الذى ‌لا‌ اجد فيه، ‌و‌ لو ‌فى‌ مستوى الوهم، غيرك ممن يتوهم الناس انه يماثلك ‌او‌ يضادك ‌او‌ يشابهك ‌او‌ يساويك، فانت- وحدك- ‌فى‌ الوحدانيه المطلقه ‌فى‌ ‌سر‌ ذاتك ‌و‌ صفاتك، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى اقدمه اليك دليلا على صدق الاخلاص ‌فى‌ ايمانى بك.
 ‌و‌ قد دخلت اليك- ‌يا‌ رب- ‌من‌ مدخل الصدق الذى اردت لعبادك ‌ان‌ يدخلوا اليك منه مما فتحت لهم ‌من‌ ابوابه، ‌و‌ تقربت اليك بالوسيله التى يتقرب بها الناس اليك مما دللته عليهم، مما ‌لا‌ يحصل القرب الا بها.
 
و قد جعلت لكل عبد مومن- ‌فى‌ هذا اليوم- نصيبا ‌من‌ رضوانك، فاجعل لى مثل ذلك لحاجتى اليه، فانى اعيش- ‌فى‌ كل وجدانى- الامل الكبير، بان احصل على ذلك ‌و‌ ‌لا‌ ارجع خالى اليدين مما اعددته للمومنين الذين كانت كل حياتهم منفتحه على اجواء التعبد لك، فقد ‌لا‌ اجد ‌فى‌ نفسى- ‌من‌ خلال عملى- الاستحقاق لذلك، فليس لى ‌فى‌ حركه حياتى- هذه- المليئه بالخطايا ‌و‌ التقصير، ‌اى‌ عمل صالح ‌من‌ امثال اعمالهم التى تجتذب ثوابك.
 ‌و‌ لكنى- ‌يا‌ رب- انسان التوحيد الذى يتعمق ‌فى‌ عقلى ‌و‌ قلبى ‌و‌ كيانى كله بالدرجه العليا ‌من‌ الوعى الايمانى الذى يرتفع ‌بى‌ ‌فى‌ عالم الصفاء ‌و‌ النقاء ‌و‌ وضوح الرويه الروحيه الى الافق الذى ‌لا‌ اجد فيه، ‌و‌ لو ‌فى‌ مستوى الوهم، غيرك ممن يتوهم الناس انه يماثلك ‌او‌ يضادك ‌او‌ يشابهك ‌او‌ يساويك، فانت- وحدك- ‌فى‌ الوحدانيه المطلقه ‌فى‌ ‌سر‌ ذاتك ‌و‌ صفاتك، ‌و‌ هذا ‌هو‌ الذى اقدمه اليك دليلا على صدق الاخلاص ‌فى‌ ايمانى بك.
 ‌و‌ قد دخلت اليك- ‌يا‌ رب- ‌من‌ مدخل الصدق الذى اردت لعبادك ‌ان‌ يدخلوا اليك منه مما فتحت لهم ‌من‌ ابوابه، ‌و‌ تقربت اليك بالوسيله التى يتقرب بها الناس اليك مما دللته عليهم، مما ‌لا‌ يحصل القرب الا بها.
 
و انطلقت بعد ذلك- ‌فى‌ متابعتى للحصول على مواقع القرب اليك- بالرجوع اليك بالتوبه ‌و‌ اخلاص العمل، ‌و‌ التذلل ‌و‌ الخضوع ‌و‌ التضرع اليك تجسيدا للعبوديه ‌فى‌ معنى وجودى، ‌و‌ عن حسن الظن بك بانك تمنحنى ‌ما‌ ارجوه منك ‌من‌ الفوز بالسعاده الدنيويه ‌و‌ الاخرويه، ‌و‌ الثقه بما عندك ‌فى‌ خزائنك التى ‌لا‌ تنفد، حتى اننى اثق بما ‌فى‌ يدك اكثر مما ‌فى‌ يدى، ‌و‌ وقفت- ‌فى‌ نهايه المطاف- ‌فى‌ موقع الرجاء بك الذى ‌لا‌ يقف عند ‌حد‌ مما تحققه لكل الراجين الذين يعيشون الثقه ‌فى‌ رجائهم بانهم ‌لا‌ يخيبون فيه ‌فى‌ القليل منه ‌و‌ الكثير.
 
اللهم انى اسالك مساله الحقير الذليل:
 
 ‌يا‌ رب، كنت اعرف ‌من‌ عمق ايمانى بك ‌و‌ بربوبيتك انك المهيمن على الخلق كله، ‌و‌ على الانسان كله ‌فى‌ حاجاته كلها، ‌و‌ ‌ان‌ الموجودات كلها ‌فى‌ موقع العبوديه لك، فلا يملك احد نفسه ‌و‌ ‌لا‌ ‌ما‌ يملكه الا ‌من‌ خلال ‌ما‌ ملكته، ‌و‌ ‌لا‌ استقلال له ‌فى‌ قوته ‌و‌ ‌فى‌ امنه، ‌و‌ ‌لا‌ عزه له ‌فى‌ ذاته.
 ‌و‌ ‌ان‌ ايا منهم ‌لا‌ ‌بد‌ ‌ان‌ يسالك ‌من‌ موقع ذاته ‌فى‌ حجم وجودها المحدود.
 ‌و‌ هكذا جئت اليك سائلا كاى حقير يستمد الشرف منك، ‌او‌ ذليل يبتغى العزه منك، ‌او‌ بائس يتطلب الحيويه ‌من‌ لطفك، ‌او‌ فقير يلتمس الغنى ‌من‌ كرمك، ‌او‌ خائف يريد الامن ‌من‌ عزتك، ‌او‌ مستجير يستجير ‌من‌ عدوه ‌فى‌ ساحه جوارك.
 ‌و‌ انا ‌فى‌ موقف المتضرع الخائف العائذ بك اللائذ بجنابك، الذى يعرف حجمه كمخلوق حقير امام ربه، فلا يسمح لنفسه ‌ان‌ يشعر بالعلو ‌و‌ الارتفاع الذاتى الذى يجعله متكبرا ‌فى‌ عداد المتكبرين، ‌و‌ ‌لا‌ يتكلف الاحساس بضخامه طاعته بحيث يشعر بان له الحق ‌فى‌ الحظوه عند ربه ‌و‌ الحصول على منزلته الكبيره عنده.
 ‌و‌ ‌لا‌ يفكر ‌فى‌ تمنياته غير الواقعيه بانه سوف يحصل على شفاعه الذين يملكون الشفاعه ‌من‌ خلال درجتهم عند الله، لانه يعرف ‌ان‌ للشفاعه شروطا ‌فى‌ الخط الذى يضعه الله للشفيع ‌فى‌ ممارسته لدوره، ‌و‌ ليس ‌من‌ الضرورى للانسان الخاطى ء ‌ان‌ يستطيل على الناس بذلك، لانه ‌لا‌ يملك- بشكل حاسم- الاسس التى ترتكز عليها الشفاعه له.

و انا- ‌يا‌ رب- بعد كل ذلك، ‌فى‌ معرفتى لذاتى- بكل عناصرها السلبيه ‌و‌ الايجابيه- الاقل ‌فى‌ الاقلين ‌و‌ الاذل ‌فى‌ الاذلين ‌فى‌ الحجم المعنوى تماما كمثل الذره ‌او‌ دونها، لاننى اذا تطلعت اليك ‌و‌ وقفت بين يديك، افقد احساسى بوجودى فلا ارى نفسى شيئا- بكل معانى الشيئيه- ‌فى‌ ثباتها ‌فى‌ الواقع.
 ‌و‌ هكذا اقف ‌فى‌ موقف الابتهال اليك، ايها الرب الذى يسى ء اليه عباده ‌فى‌ خطاياهم التى يستحقون بها العقوبه فلا يعاجلهم بها، ‌و‌ يتحرك المترفون الذين ابطرتهم النعمه وسعه العيش ليعبثوا ‌و‌ يفسدوا ‌و‌ يضغطوا بمواقع الترف عندهم على مواقع الخير ‌فى‌ الانسان ‌و‌ الحياه، فلا تزجرهم ‌او‌ تدفعهم بشكل عاجل ‌و‌ لكن توخرهم ‌فى‌ امتداد التجربه الى اجل معلوم.
 ايها الرب الرحيم الذى اذا سقط الانسان ‌فى‌ الاثم ‌فى‌ مزالق الزلل التى يصطدم الانسان بكل مفرداتها الغرائزيه ‌فى‌ معطياتها السلبيه فيسقط امامها ، فانك تقيل عثرته، ‌و‌ تسامحه بذنبه، ‌و‌ تغفر له، لانك تعرف انهم لم يسقطوا ‌من‌ عقده للخطيئه متجذره ‌فى‌ الذات، بل سقطوا بفعل حاله طارئه ناشئه ‌من‌ هوى عابر ‌و‌ ضغط عاصف ‌و‌ نفس اماره بالسوء.
 ‌و‌ اذا انطلق الخاطئون ‌فى‌ ممارسه خطاياهم فانك تنظرهم ليفيئوا الى التوبه ، ‌و‌ ليرجعوا اليك ‌فى‌ مواقع الطاعه ‌من‌ جديد.

يا رباه، انا هنا اعترف اليك باننى عبدك الذى اساء اليك بذنبه ‌و‌ خطيئته، ‌و‌ سقط ‌فى‌ عثرته، ‌و‌ اجترا عليك بانحرافه عن الخط المستقيم الذى امرته باتباعه ‌و‌ السير فيه، ‌و‌ تعمد عصيان اوامرك ‌و‌ نواهيك، ‌و‌ استتر ‌من‌ عبادك فلم يفضح نفسه ‌فى‌ ذنبه امامهم، ‌و‌ لكنه برز اليك ‌فى‌ فضائحه ‌من‌ دون ‌ان‌ يحس بالخجل منك ‌و‌ انت المطلع عليه.
 
انا- ‌يا‌ رب- الذى ضعفت نفسه امام الاقوياء ‌من‌ عبادك، فخاف منهم، ‌و‌ وقف موقف الحذر منهم ‌و‌ جاملهم ‌فى‌ التمرد على مواقع طاعتك، ‌و‌ لكنه اقبل على معصيتك آمنا على نفسه لانه غفل عن مواقع قدرتك ‌فى‌ السيطره على كل مصائر عبادك،
 
فلم يرهب ‌من‌ بطشك ‌و‌ قهرك له، ‌و‌ لم يخف ‌من‌ شده نكالك ‌و‌ قدرتك على الاضرار به،
 
و هكذا كان الجانى على نفسه ‌من‌ خلال تعريضها لغضبك ‌و‌ سخطك المتمثل ‌فى‌ عذابك، فجعل نفسه رهينه بما ابتلى ‌به‌ ‌فى‌ حياته ‌من‌ المعاصى ‌و‌ الذنوب،
 
و لم يستح منك ‌فى‌ اشرافك عليه، بل كان قليل الحياء، ‌فى‌ الوقت الذى جلب لنفسه كل الجهد ‌و‌ التعب ‌فى‌ نتائج الذنوب ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره مما يعانيه ‌من‌ ذلك كله.
 
اللهم بحق نبيك نبهنى ‌من‌ رقده الغافلين
 
 ‌يا‌ رب، انك ارسلت رسولك محمدا رحمه للعالمين، ‌و‌ انتجبته ‌من‌ خلال قربه الروحى- ‌فى‌ كل روحه- منك، بحيث تميز عن كل خلقك، ‌و‌ اصطفيته لنفسك، فانزلت عليه وحيك، ‌و‌ ارسلته برسالتك، فكان اختيارك له ‌من‌ بين افراد البريه، ‌و‌ اجتباوك له لشانك ‌فى‌ قياده العباد الى هداك، ‌و‌ توجيههم الى مواقع رضاك، ‌و‌ جعلت طاعته طاعه لك ‌و‌ معصيته معصيه لك، لانه ‌لا‌ يصدر عن ذاته ‌فى‌ ‌ما‌ يامر ‌به‌ ‌او‌ ينهى عنه، بل يصدر عن رسالتك ‌فى‌ ‌ما‌ اوحيته له، ‌او‌ ‌فى‌ ‌ما‌ الهمته اياه مما اوكلت امره اليه، ‌و‌ قد قلت ‌فى‌ كتابك: (و ‌ما‌ ينطق عن الهوى ‌ان‌ ‌هو‌ الا وحى يوحى) (النجم: 4 -3).
 ‌و‌ على ضوء ذلك، فان شخصيته المنطبعه بطابع هداك، ‌و‌ خطته المتحركه ‌فى‌ ‌خط‌ رسالتك، تفرض ‌ان‌ يكون- كما اردت- ‌فى‌ موقع الموالاه ‌من‌ كل الناس، باعتبار ‌ان‌ موالاته كموالاتك، كما ‌ان‌ معاداته تمثل المعاداه لك، لانه ‌لا‌ يمثل نفسه بل يمثل رسالته التى هى رسالتك. ‌يا‌ رب، هذا ‌هو‌ محمد الحبيب اليك القريب منك المنفتح عليك بكل عقله ‌و‌ قلبه ‌و‌ روحه ‌و‌ حياته، ‌و‌ هو- مع ذلك- عبدك الذى يعمل بامرك ‌و‌ يقول قولك ‌و‌ ‌لا‌ يسبقك ‌فى‌ قول ‌و‌ ‌لا‌ فعل.
 ‌و‌ هكذا كانت له المكانه عندك التى توهله ‌من‌ خلال دور الشفاعه التى كرمته بها، فاردته ‌ان‌ يشفع لمن اردت المغفره له، لانه ‌لا‌ يشفع الا لمن ارتضيته ‌فى‌ كل المواقع، فلا ينطلق ‌من‌ ذاته ‌فى‌ عناصرها الخاصه، بل ينطلق ‌من‌ تعليماتك التى انطبعت نفسه بها ‌من‌ خلال الهامك له، ‌و‌ لذلك فاننا نتوسل اليك بحقه الذى منحته له ‌فى‌ ذلك، لتشفعه فينا ‌و‌ لترحمنا ببركته ‌فى‌ طلباتنا التى نقدمها اليك ‌فى‌ هذا اليوم.
 ‌يا‌ رب، انك- ‌فى‌ هذا اليوم- تختص عبادك المنيبين اليك برحمتك، ‌و‌ تغشيهم ‌و‌ تجللهم بعفوك ‌و‌ لطفك ممن تضرع اليك ‌و‌ استغاث بك ‌و‌ رفع صوته بالدعاء متبرئا ‌من‌ ذنبه، محاولا الخروج منه الى موقع الطاعه، ‌و‌ ممن اعتصم ببركه الاستغفار ‌فى‌ ‌خط‌ التوبه، ‌و‌ اطاعك ‌فى‌ موارد طاعتك، ‌و‌ تقرب اليك بما تقرب ‌به‌ الصالحون، ‌و‌ حصل على المكانه المميزه عندك، ‌و‌ وفى بعهده لك، ‌و‌ اتعب نفسه ‌فى‌ حقك ‌فى‌ عبادتك، ‌و‌ استفرغ طاقته ‌و‌ بلغ جهده بكل الوان الجهد ‌فى‌ سبيل مرضاتك، فاعطنى ‌ما‌ تعطى امثال هولاء ‌من‌ رعايتك، ‌و‌ خصنى بما خصصتهم ‌به‌ ‌من‌ كل لطفك ‌و‌ عطفك ‌و‌ حنانك.

يا رب، اننى اهفو الى ‌ان‌ اكون الانسان الواعى الذى ‌لا‌ يغفل عن مسووليته امامك ‌فى‌ ‌ما‌ يقبل عليه ‌من‌ امر الدنيا ‌و‌ الاخره، لان الغفله.
 
تدخلنى ‌فى‌ سبات عميق ‌لا‌ افيق منه الا بتوفيقك ‌و‌ تنبيهك لى، فاسالك ‌ان‌ تمن على باليقظه الروحيه المنفتحه على طاعتك التى تخرجنى ‌من‌ اسار الغفله. ‌و‌ انى ‌لا‌ احب لنفسى الاسراف ‌فى‌ ارتكاب السيئات ‌و‌ السقوط ‌فى‌ اوحال الذنوب ‌من‌ خلال سيطره النوم على وعى العقل، فافقد معه التوازن ‌فى‌ حركتى ‌فى‌ الواقع، فهب لى ‌يا‌ رب الحيويه التى تنقذنى ‌من‌ هذا الفتور الروحى الذى يبعدنى عنك، ‌و‌ ‌لا‌ اريد ‌ان‌ اكون مخذولا امامك ‌من‌ خلال التمادى ‌فى‌ الغى ‌و‌ الامتداد ‌فى‌ الضلال، فاستحق بذلك منعك ‌و‌ اعراضك عنى، فافقد لطفك ‌و‌ توفيقك ‌و‌ انا ‌فى‌ حاله غيبوبه تشبه النعاس، فاعطنى- ‌يا‌ رب- القوه التى تقتحم على كل هذا الخدر الذى يوحى بالبعد عن هداك.

و افتح قلبى- ‌يا‌ رب- لكل وحيك الذى الهمته لعبادك ‌فى‌ عمق احساسهم الايمانى، فكانوا لك ‌من‌ الخاضعين ‌فى‌ ‌خط‌ طاعتك، ‌و‌ الطائعين ‌فى‌ حركه عبادتك، ‌و‌ تعبدوا لك ‌فى‌ سرهم ‌و‌ علانيتهم، فعاشوا معنى العبوديه ‌فى‌ وجدانهم ‌من‌ خلال الانسجام مع ‌ما‌ استعبدتهم به.
 ‌و‌ انطلقوا ‌فى‌ دربك المستقيم بتوفيقك الربانى، اذ جعلتهم يعيشون الرغبه ‌فى‌ العمل لك، ‌و‌ ابعدتهم بذلك عن اجواء المتهاونين الذين يتحركون ‌فى‌ ذهنيه اللامبالاه بالمسووليه الايمانيه ‌فى‌ معنى الطاعه لك.
 
يا رب، انا عبدك الانسان الذى يهفو الى القرب منك ‌فى‌ مواقع العفو ‌و‌ الرضوان، ‌و‌ المحبه ‌و‌ الحنان، اننى اعوذبك ‌من‌ الوقوع ‌فى‌ المشاكل الروحيه ‌من‌ خلال الاقوال ‌و‌ الاعمال المنحرفه عن خطك التى تجعلنى بعيدا عنك ‌فى‌ مواقفى فتبعدنى عنك، ‌و‌ تنتصب حاجزا يحجزنى عن الاخذ بنصيبى الاوفر مما وعدت ‌به‌ المذنبين التائبين ‌من‌ بركه رضوانك، ‌و‌ تمنعنى عن كل المحاولات التى تفتح لى الطريق اليك.
 
اللهم مهد لى- بلطفك ‌و‌ حكمتك- درب الخير الذى يسلكه الصالحون ‌من‌ عبادك للوصول اليك، ‌و‌ امنحنى فرصه السبق الى الطاعه ‌فى‌ ‌ما‌ امرت ‌به‌ للحصول على الخيرات ‌فى‌ كل مجالات الحياه ‌فى‌ حركه الانسان، بحيث ابذل كل جهدى ‌فى‌ الاحتفاظ بكل النتائج الطيبه ‌من‌ ذلك مما اردت لعبادك القيام ‌به‌ ‌فى‌ مواقع رضاك، بحيث ‌لا‌ يفوتنى شى ء ‌من‌ ذلك ‌فى‌ عمليه بخل بالخير ‌فى‌ ذلك كله، لان الشح بما يحقق رضاك ‌هو‌ القيمه كل القيمه، ‌و‌ الفضل كل الفضل.
 
يا رب، اننى اعيش الخوف ‌من‌ عقابك ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره مما يودى ‌بى‌ الى الوقوع تحت تاثير محقك الذى تسلطه على المنحرفين عنك، السائرين ‌فى‌ ‌خط‌ الاستهانه بوعيدك، فتاخذهم تدريجا بالنقص ‌فى‌ انفسهم ‌و‌ اوضاعهم ‌و‌ اموالهم، حتى يواجهوا- ‌فى‌ نهايه المطاف- الهلاك ‌فى‌ المصير كله.
 
اللهم انى اعتصم بك ‌ان‌ تجيرنى ‌من‌ هذه النتيجه الصعبه الماحقه، ‌و‌ ‌من‌ كل الوان الهلاك الروحى ‌و‌ المصيرى الذى تنزله بالسائرين ‌فى‌ دروب غضبك بما يودى الى الشديد ‌من‌ عذابك ‌و‌ الاليم ‌من‌ عقابك، مما يتجسد ‌فى‌ مقتك لهم، ‌و‌ ‌من‌ كل انواع التفتيت ‌و‌ التكسير لاوضاعى ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره التى تنزلها بالمنحرفين عن الصراط المستقيم الذى امرت عبادك بسلوكه ‌فى‌ اتجاه الوصول اليك.
 
اللهم، انى اسالك اللطف بالنجاه ‌من‌ الشدائد التى قد تصيب الانسان ‌فى‌ المحن ‌و‌ المصائب ‌فى‌ حياته، ‌و‌ الخلاص ‌من‌ الوقوع ‌فى‌ قبضه البلاء الذى ينزل بالمخلوقين ‌فى‌ نطاق قدرك ‌و‌ قضائك، ‌و‌ ابتهل اليك ‌فى‌ ابعادى عن التجربه الصعبه التى تمهل بها عبادك المذنبين، ليمتدوا- بسوء اختيارهم- ‌فى‌ العصيان على ‌ما‌ جاء ‌فى‌ كتابك: (انما نملى لهم ليزدادوا اثما) (آل عمران: 178).
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ مشكلتى تتلخص، ‌فى‌ علاقتى بقدس ذاتك، مما انحرف ‌به‌ عن ‌خط‌ الاخلاص ‌و‌ الاستقامه، بالشيطان الذى ينصب العداوه لكل عبادك، ليبعدهم عن مواقع رضاك، ‌و‌ يضلهم عن طريق هداك، ‌و‌ بالهوى الذى يتفاعل ‌فى‌ غرائزى ‌و‌ مشاعرى ‌و‌ يحركها ‌فى‌ عمليه اثاره حسيه تودى الى ارتكاب الموبقات التى تهلك صاحبها، ‌و‌ بنقاط الضعف التى اودعتها ‌فى‌ تكوينى الذاتى، ‌و‌ اردتنى ‌ان‌ اعمل على تحويلها الى نقاط قوه بارادتى الواعيه المومنه، فكانت تتغلب على بين آونه ‌و‌ اخرى، فترهق روحى ‌و‌ تسيطر على ‌و‌ تقودنى الى الخساره ‌فى‌ مبادرات الخير، ‌و‌ تدفعنى الى فقدان حظى ‌فى‌ رضاك عنى.
 اللهم، منك القوه التى تمنحنى اياها ‌فى‌ كيانى فتحول بينى ‌و‌ بين الخضوع لهذه العوامل الضاغطه ‌و‌ العناصر السلبيه، فهب لى قوه الوعى لدينك، ‌و‌ المعرفه لمقامك ‌فى‌ ربوبيتك، ‌و‌ صلابه الاراده ‌فى‌ تاكيد الموقف ‌فى‌ ايجابيه الطاعه، ‌و‌ تصليب الموقع ‌فى‌ رفض المعصيه.
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الذى اعيش كل احلامى ‌ان‌ اكون ‌فى‌ موقع النظره الرحيمه التى ترضى بها عنى رضا ‌لا‌ تسخط على بعده ابدا، ‌و‌ ‌فى‌ موقع العفو الذى تمحو ‌به‌ كل ذنوبى... ‌و‌ يثقلنى- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ اكون ‌فى‌ موقع اعراضك عنى بالمستوى الذى ‌لا‌ اطمع فيه برضاك ‌من‌ خلال سيطره غضبك، ليكون موقف اليائس الذى يفقد الامل، ‌و‌ يسقط ‌فى‌ وهده القنوط ‌من‌ رحمتك (و ‌من‌ يقنط ‌من‌ رحمه ربه الا الضالون) (الحجر: 56).
 ‌و‌ اذا اردت ‌ان‌ تمتحنى بما تمتحن ‌به‌ عبادك لتختبر بذلك صدق ايمانهم ‌و‌ سلامه موقفهم، فليكن امتحانك لى بما ‌لا‌ يثقلنى حمله ‌و‌ ‌لا‌ يبهضنى ‌و‌ زره، مما يسهل على القيام به، ‌و‌ ‌لا‌ يصعب على التحرك فيه، ‌من‌ اجل محبتى لك التى اطمع- معها- بلطفك ‌و‌ رحمتك.

و اجعلنى- ‌يا‌ رب- ممن يعيش تحت رعايتك، ‌و‌ يتقلب ‌فى‌ ساحه عنايتك، ‌و‌ ‌لا‌ تخل ‌فى‌ ذلك بين نفسى ‌و‌ اختيارها، ‌و‌ ‌لا‌ تتركنى ‌و‌ تهملنى ‌و‌ ترسلنى الى اجواء الضياع كاى انسان ‌لا‌ خير فيه ‌فى‌ قوله ‌و‌ فعله، ‌و‌ ‌لا‌ حاجه بك اليه ‌فى‌ المسووليات التى تلقيها على الصالحين ‌من‌ عبادك، ‌و‌ ‌لا‌ عوده له اليك بعد طول غياب،
 
و ‌لا‌ تسقطنى ‌من‌ علياء الطاعه الى منحدرات المعصيه، لترمى ‌بى‌ كما لو كنت كميه مهمله ‌لا‌ غناء فيها، فلا تحظى بنظره ‌من‌ عين رعايتك، بل تتحرك ‌فى‌ ساحات الخزى ‌و‌ مواقع العار ‌من‌ عندك.
 اللهم اذهب عنى درن الخطايا:
 
 ‌يا‌ رب، انا الانسان الذى ‌لا‌ يملك لنفسه نفعا ‌و‌ ‌لا‌ ضرا الا بك، ‌و‌ ‌لا‌ يعيش- ‌فى‌ ذاته- التوازن ‌فى‌ حياته الا ‌من‌ خلال قوتك، فقد اسقط ‌من‌ علياء الخير الى مهاوى الشر، فاتردى ‌فى‌ حفره الضلال ‌او‌ ‌فى‌ قعر جهنم، ‌و‌ قد امتد بالفزع ‌فى‌ كيانى بما يطوف ‌فى‌ حياتى ‌من‌ تهاويل ‌او‌ بالخطاء ‌فى‌ تفكيرى ‌او‌ ‌فى‌ طريقى الى اهدافى ‌من‌ خلال الاوهام المسيطره على، فاتخبط خبط عشواء على غير هدى ‌و‌ قصد، ‌و‌ قد ياخذنى الغرور الذى يتحرك ‌فى‌ انتفاخ الشخصيه ‌فى‌ ذاتى ‌من‌ دون وعى ‌و‌ تامل، فتزل ‌بى‌ القدم ‌فى‌ فهم الاشياء ‌و‌ مواجهه الامور ‌و‌ تقويم النفس امام حركه القيم السلبيه ‌و‌ الايجابيه، فتنحرف ‌بى‌ الخطى الى غير الطريق المستقيم، كانى مغرور ‌لا‌ يعرف حجم نفسه ‌و‌ ‌لا‌ مقدار طاقته، ‌و‌ قد تورطنى انحرافات الفكر ‌و‌ اجواء الضلال ‌فى‌ الوقوع تحت تاثير المعاصى التى استحق بها غضبك فتودى ‌بى‌ الى عذاب النار ‌فى‌ مصير الهالكين.
 اللهم اسلك ‌بى‌ مسالك النجاه ‌من‌ ذلك كله، فلا اتردى ‌فى‌ بئر العصيان، ‌و‌ ‌لا‌ اعيش حاله الفزع ‌و‌ الوهم ‌فى‌ حركه السائرين ‌فى‌ الطريق المتعسف ‌فى‌ خطواته، ‌و‌ ‌لا‌ اسقط ‌فى‌ وهده الغرور فتزل قدمى عن ‌خط‌ الاستقامه، ‌و‌ ‌لا‌ اهلك مع الواقعين ‌فى‌ ورطه الهلاك.

اللهم انى اسالك العافيه ‌من‌ كل بلاء انزلته باى عبد ‌من‌ عبادك ‌و‌ امائك، بمختلف اصنافهم ‌و‌ جماعاتهم، فانك ولى العافيه، ‌و‌ الوصول ‌بى‌ الى مواقع الذين منحتهم عنايتك ‌و‌ رعايتك ‌و‌ اغدقت عليهم سوابغ نعمك، ‌و‌ اسعدتهم برضاك، ‌و‌ جعلت عيشهم عيشا حميدا، بما وفقتهم اليه ‌من‌ محمود الصفات ‌و‌ الاخلاق ‌و‌ الافعال ‌فى‌ التزامهم بالخط المستقيم، ‌و‌ انزلت بهم الموت ‌فى‌ اجواء السعاده بما يقبلون عليه بالمصير المنفتح على ساحات النعيم ‌فى‌ جنتك.
 
اللهم وفقنى للابتعاد عن كل الاعمال ‌و‌ الاقوال التى تسقط تاثير الحسنات على النجاه ‌فى‌ مواقع الاخره، ‌و‌ منازل الرضوان، بابتعادها عن الاخلاص ‌فى‌ النيه، ‌او‌ انحرافها عن الاتجاه الصحيح، ‌او‌ غلبه السيئات ‌فى‌ كثرتها ‌و‌ نتائجها السلبيه بحيث ‌لا‌ تمثل الحسنات ‌فى‌ نتائجها الايجابيه ‌او‌ ‌فى‌ عددها ‌اى‌ وزن كبير ‌فى‌ مساله المصير،

و هذا ‌هو‌ الذى قد توحى ‌به‌ كلمه الاحباط ‌من‌ ايحاءات، امام الفكره التى ترفض احباط السيئات للحسنات بشكل مباشر- كما عليه جمهور الاماميه- باعتبار استلزام ذلك للظلم باسقاط اطاعه المطيعين ‌فى‌ جانب بفعل عصيانهم ‌فى‌ جانب آخر، فيكون كمن لم يطع الله ‌من‌ حيث الاساس، خلافا للمعتزله الذين يلتزمون بذلك انطلاقا ‌من‌ بعض الظواهر القرانيه التى توكد ذلك مما اوله الرافضون للاحباط ‌فى‌ الميزان العملى.
 ‌و‌ ابعدنى عما يذهب الخيرات الالهيه ‌و‌ البركات الروحيه ‌و‌ يزيلها عنى، مما تزول ‌به‌ النعم ‌من‌ الخطيئات، كما جاء ‌فى‌ الكلمه الماثوره عن الامام على (ع) قال: «و ايم الله ‌ما‌ كان قوم قط ‌فى‌ غض نعمه ‌من‌ عيش فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها، لان الله ليس بظلام للعبيد»، ‌و‌ عن الامام جعفر الصادق (ع): «ما انعم الله على عبد نعمه فسلبها اياه حتى يذنب ذنبا يستحق بذلك السلب»، ‌و‌ ‌فى‌ روايه اخرى عنه (ع) انه قال: كان ابى يقول: «ان الله قضى قضاء حتما الا ينعم على العبد بنعمه فيسلبها اياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمه».
 ‌و‌ اجعل قلبى يتحسس الرفض الشعورى الذى يتحول الى رفض عملى لكل السيئات التى تختزن القبح كله ‌فى‌ طبيعتها ‌و‌ نتائجها، ‌و‌ لكل الاثام ‌و‌ الخطايا التى تنفتح على الفواضح الاخلاقيه ‌و‌ الروحيه التى تثقل الانسان ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 
اللهم ‌و‌ اجعل وجودى ‌فى‌ شغل شاغل بك ‌و‌ بطاعتك ‌و‌ بكل الوسائل التى احصل بها على محبتك ‌و‌ رضوانك، ‌و‌ ‌لا‌ تشغلنى ‌فى‌ فراغ حياتى بالاعمال التى ‌لا‌ تقربنى ‌من‌ مواقع رضاك، لاننى اهفو الى ‌ان‌ يكون عمرى حركه ‌فى‌ الاتجاه المنطلق اليك.
 
و ‌لا‌ تجعل للدنيا اللاهيه العابثه العاصيه ‌فى‌ ‌خط‌ الحرام سيطره على عقلى ليكون تفكيره ‌فى‌ خدمتها، ‌و‌ على قلبى لتكون مشاعرى ‌فى‌ اجواء محبتها، ‌و‌ على ارادتى لتسقط قوتها تحت تاثيرها فتبتعد ‌بى‌ عن اكتشاف الوسائل الكفيله بالوصول اليك، ‌و‌ توحى لى بالرفض لطاعتك، ‌و‌ تدفعنى الى الغفله ‌و‌ الذهول عن التحرك الى مواقع القرب منك، لانك جعلت الدنيا ساحه حركه ‌فى‌ ‌خط‌ المسووليه، ‌و‌ ابحت لنا طيباتها ‌و‌ الاخذ بزينتها مما احللته، ‌و‌ منعت عنا الانحراف عن ذلك بالاخذ باسباب الحرام ‌فى‌ شهواتها ‌و‌ لذائذها ‌و‌ علاقاتها، ‌و‌ هذا ‌ما‌ يفرض علينا ‌ان‌ نجعل الدنيا وسيله ‌من‌ وسائل الحصول على الاخره، بحيث تختزن ‌فى‌ ذاتها قيم العالم الجديد الذى نقبل عليه يوم يقوم الناس لرب العالمين ‌فى‌ المحبه لله ‌و‌ الرغبه ‌فى‌ رضوانه ‌و‌ نعيم جنته، لتكون حياتنا حياه الطاعه ‌لا‌ المعصيه.

يا رب، هذه هى احلامى الروحيه التى اقدمها اليك لاكون القريب اليك، الحبيب الى قدس ذاتك.
 اننى اهفو الى ‌ان‌ اناجيك ‌فى‌ هدوء الليل ‌لا‌ عيش روحانيه الروح ‌فى‌ الحديث معك بكل مشاعرى ‌و‌ احاسيسى ‌و‌ صفاء عقلى ‌فى‌ لحظات الهدوء الكونى، ‌و‌ اناجيك ‌فى‌ النهار، ‌و‌ الناس مشغولون ‌فى‌ حركاتهم ‌فى‌ اوضاعهم العامه ‌و‌ الخاصه، ‌و‌ ‌فى‌ الضوضاء المتنوعه التى تحيط بواقعهم ‌فى‌ داخل حياتهم ‌و‌ خارجها، ‌لا‌ تحرر ‌من‌ كل الغفله الساهيه الذاهله عن ذكرك، فاكون معك ‌فى‌ الذكر الروحى الذى ينساب ‌من‌ الاعماق ليصعد اليك ‌فى‌ صفائه ‌و‌ نقائه، ‌و‌ احيا مع كلماتى التى ادعوك بها ‌فى‌ كل ‌ما‌ اعيشه لك ‌و‌ اريده منك ‌من‌ تطلعاتى ‌و‌ حاجاتى، فاحس بالطمانينه الروحيه ‌و‌ الانفتاح الوجودى عليك، لاكون القريب اليك ‌فى‌ آناء الليل ‌و‌ اطراف النهار.
 ‌يا‌ رب، اننى اخشى ‌من‌ سيطره النفس الاماره بالسوء على ‌فى‌ مواجهه مسوولياتى، فتحرك نقاط الضعف الغريزى ‌فى‌ اعماقى، فتطفو على سطح وجودى ‌فى‌ حركه الحياه ‌فى‌ ذاتى ‌و‌ مع الناس، فافقد قوه الاراده على الاستقامه ‌فى‌ الطريق ‌و‌ الثبات ‌فى‌ الموقف، فقد خلقت الانسان ضعيفا ‌فى‌ بدنه ‌و‌ عناصر ذاته ‌فى‌ الداخل ‌و‌ الخارج، ‌و‌ زودته بالعوامل التى يملك فيها الاخذ باسباب القوه، ‌فى‌ حركه العقل ‌و‌ تركيز الاراده، ‌و‌ لكن ‌لا‌ قوه لى الا بقوتك التى تمنحنى اياها ‌من‌ لطفك لتقوى عناصر الخير ‌فى‌ نفسى، ‌و‌ ‌لا‌ استمساك ‌بى‌ عن الخطايا الا بعونك.

اللهم هب لى العصمه الروحيه ‌و‌ العقليه ‌و‌ الحركيه التى تقربنى ‌من‌ المعرفه بعظمتك، ‌لا‌ عيش ‌من‌ خلال ذلك ‌فى‌ اجواء الخوف منك، ليمنعنى ذلك ‌من‌ ارتكاب معاصيك مما حرمته على، ‌و‌ ‌من‌ الوقوع ‌فى‌ اسار المصائب الشديده الناتجه عن ممارسه الكبائر ‌من‌ الذنوب.
 اجعلنى ‌فى‌ عصمه الذات المنفتحه عليك التى تمنحنى وعى المسووليه ‌و‌ قوه الاراده ‌و‌ ثبات الموقف.
 
و اعطنى ‌يا‌ رب ‌من‌ طهر قدسك، طهر الروح الذى يخلصنى ‌من‌ اقذار المعاصى التى تقذر الروح ‌و‌ الجسد، ‌و‌ ‌من‌ اوساخ الخطايا التى تسقطنى ‌فى‌ اوحال الواقع، ‌و‌ البسنى لباس العافيه التى تهنئنى المعيشه ‌فى‌ عافيه الجسد، ‌و‌ ترتفع ‌بى‌ الى مواقع السمو ‌و‌ الصفاء ‌فى‌ عافيه الروح، ‌و‌ ‌فى‌ عافيه العلاقات ‌و‌ المواقع مع الناس ‌فى‌ دفع الاذى عنى، ‌و‌ اسبغ على بنعمك الوافره، ‌و‌ تابع فضلك ‌و‌ احسانك لدى، فاننى فقير اليك- ‌يا‌ رب- ‌فى‌ ذلك كله.
 
اللهم ايدنى بتوفيقك، ‌و‌ امتنى ميته ‌من‌ يسعى نوره بين يديه:
 
 ‌يا‌ رب، هب لى التوفيق للانفتاح عليك ‌و‌ الارتباط بك، ‌و‌ التحرك ‌فى‌ كل حياتى ‌فى‌ الخطوط المستقيمه التى تودى الى بناء الانسان ‌فى‌ الحياه على صوره وحيك، بما يحقق له السعاده، ‌و‌ يوكد العمران للحياه، ‌و‌ اجعلنى ‌من‌ اهل السداد ‌فى‌ الراى، ‌و‌ الصواب ‌فى‌ الفكر، ‌و‌ اصلح لى النيه بحيث تلتقى بالخير دائما ‌فى‌ تطلعاتها ‌و‌ مشاريعها ‌و‌ ‌لا‌ تلتقى بالشر ‌من‌ قريب ‌او‌ ‌من‌ بعيد، ‌و‌ اطلق لى كلماتى ‌فى‌ آفاق رضاك لتكون كل كلمه منطلق ‌حق‌ ‌و‌ حركه عدل، ‌و‌ حرك عملى ‌فى‌ الاتجاهات الصالحه الطيبه الهادفه الى تحقيق الاهداف الكبرى التى تريد للانسان ‌ان‌ يبلغها ‌فى‌ وجوده ‌فى‌ الارض لتكون صوره عملى صوره الحسن ‌فى‌ عالم القيم ‌لا‌ صوره القبح.
 ‌يا‌ رب، انا الضعيف ‌فى‌ وجودى، فقد خلقتنى- ‌فى‌ انسانيتى- ضعيفا بما اودعته ‌من‌ نقاط الضعف ‌فى‌ جسدى، ‌و‌ انا القوى بك، فان القوه لك جميعا، فلا حول لى ‌و‌ ‌لا‌ قوه الا بك، لان وجودى مستمد منك، ‌و‌ مرتبط بك، ‌و‌ فقير اليك بالفقر للغنى المطلق، فلا تتركنى وحدى ‌فى‌ مواجهه التحديات التى تقهرنى ‌و‌ تهددنى ‌و‌ تضللنى ‌و‌ تبعدنى عنك، ‌و‌ ‌لا‌ تكلنى الى حولى الذى ‌لا‌ يملك ايه قوه ذاتيه، ‌و‌ الى قوتى التى ‌لا‌ تختزن ايه مناعه شخصيه، ‌و‌ اجعل حولك ‌و‌ قوتك هما اللذان يمداننى ‌فى‌ كل امورى بالحول ‌و‌ القوه.

و حقق لى العصمه ‌فى‌ افعالى ‌و‌ اقوالى حتى القاك ‌فى‌ يوم البعث مرفوع الراس بطاعتك، بعيدا عن خزى معصيتك، ‌و‌ جنبنى- بذلك- الفضيحه على رووس الاشهاد ‌من‌ اوليائك الصالحين، حتى ‌لا‌ يروا منى الا الخير الذى يرفعنى عندك، ‌و‌ اجعلنى- ‌يا‌ رب- الانسان الذى يذكرك ‌فى‌ لسانه ‌و‌ قلبه ‌و‌ حركته ‌فى‌ الحياه، فلا يغفل عنك اذا وقف امام الحرام، ‌و‌ ‌لا‌ ينساك امام كل التعقيدات التى تاكل ايمان الانسان ‌فى‌ مواقع الظلم ‌و‌ الطغيان.
 ‌و‌ اجعلنى- ‌يا‌ رب- الانسان الشاكر لك ‌فى‌ كل نعمك، ‌من‌ نعمه الوجود الى آخر نعمه ‌فى‌ تفاصيل حياتى، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى الجاحد الكافر بها ‌لا‌ ذكرك ‌فى‌ كل آلائك، ‌و‌ اشكرك ‌فى‌ كل نعمائك، بعيدا عن كل اوضاع السهو ‌فى‌ اجواء الغافلين الجاهلين لمقامك ‌فى‌ آفاق العظمه ‌و‌ مواقع القدره.
 ‌و‌ الهمنى- ‌يا‌ رب- الثناء عليك بكل ‌ما‌ تفضلت ‌به‌ على مما اعطيتنيه ‌من‌ فضلك ‌و‌ احسانك، ‌و‌ الاعتراف بما احسنت الى ‌من‌ الخير ‌فى‌ كل حياتى، ‌لا‌ عيش ‌فى‌ وجدانى ‌فى‌ رحاب لطفك ‌و‌ كرمك.
 
يا رب، انت ربى الذى ‌لا‌ رب لى غيره، فلا املك شيئا ‌فى‌ دنياى ‌و‌ آخرتى الا ‌من‌ خلاله، فلتكن رغبتى ‌فى‌ امورى كلها مما اهمنى امره، ‌و‌ اثقلنى حمله، ‌و‌ ضاق ‌بى‌ سعيه، ‌فى‌ اعلى رغبات عبادك، لتكون تطلعاتى اليك- وحدك- دون غيرك ‌فى‌ ذلك.
 ‌و‌ وسع آفاقى للانفتاح على كل مواقع الحمد ‌فى‌ صفاتك ‌فى‌ جلالك ‌و‌ كمالك ‌و‌ فيوضاتك على خلقك ‌و‌ على الوجود كله، ليكون لى وعى الحمد ‌فى‌ عمق المعرفه، فاحمدك فوق كل حمد يتوجه ‌به‌ عبادك اليك، فانه ‌لا‌ حمد لاحد الا ‌من‌ خلال حمدك.
 
يا رب، انا الفقير اليك بكل وجودى ‌فى‌ كل حاجاتى، فلا تنزل ‌بى‌ الخذلان ‌فى‌ كل موارد الفاقه اليك ‌و‌ مصادرها، بل اعطنى كل ‌ما‌ اريده ‌من‌ ذلك كله.
 فاذا اسات اليك ‌فى‌ ساحات الانحراف عن ‌خط‌ الخير ‌و‌ القربه اليك، فلم اخلص فيه على الوجه الذى تريده منى، فلا تنزل ‌بى‌ الهلاك ‌فى‌ عقابك ‌و‌ عذابك.
 ‌و‌ اذا سقطت ‌فى‌ هاويه العناد لك ‌فى‌ مواقع امرك ‌و‌ نهيك فخالفتك فيه، فلا تردنى بما ترد ‌به‌ المعاندين المنحرفين عنك بالابعاد عن رحمتك.
 فانى- هنا- ‌فى‌ موقف المسلم اليك بكل حياتى، المنقاد لك ‌و‌ المذعن ‌لا‌ رادتك، ‌فى‌ وعى العارف بان لك الحجه على ‌فى‌ كل شى ء، ‌و‌ انك صاحب الفضل كله ‌فى‌ ‌سر‌ وجودى ‌و‌ حركته، ‌و‌ ولى الاحسان ‌فى‌ كل حاجاتى، ‌و‌ انك الرب الذى ينبغى لعباده ‌ان‌ يتعاملوا معه بالتقوى ‌فى‌ ‌خط‌ الايمان ‌و‌ العمل الصالح، ‌و‌ انك الا له الغفور الرحيم الذى يغفر للمومنين الطائعين اذا اذنبوا، ‌و‌ قد ورد ‌فى‌ الحديث- مرفوعا عن انس- قال: قال رسول الله (ص) عندما تلا قوله تعالى: (هو اهل التقوى ‌و‌ اهل المغفره) (المدثر: 56).
 قال الله سبحانه: «انا اهل ‌ان‌ اتقى فلا يجعل معى اله فمن اتقى ‌ان‌ يجعل معى الها فانا اهل ‌ان‌ اغفر له».
 ‌و‌ انك- ‌يا‌ رب- الذى جعلت لنفسك العفو قبل العقاب، ‌و‌ الستر على عبادك قبل التشهير بهم ‌و‌ الفضيحه لهم، لانك العفو ‌فى‌ صفه العفو عن المذنبين، ‌و‌ الستار ‌فى‌ موقع الستر للمذنبين.
 
فهل اطمع ‌من‌ خلال ذلك- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تمنحنى ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره الحياه الطيبه التى وعدت بها المومن بك العامل بالصالحات لك ‌فى‌ قولك: (فلنحيينه حياه طيبه) (النحل: 97) ‌و‌ ذلك بالرزق الحلال ‌فى‌ الدنيا، ‌و‌ بالجنه ‌فى‌ الاخره، لتحقق لى بذلك كل طموحاتى لديك، ‌و‌ هل ارجو- ‌يا‌ رب- ‌ان‌ تنتهى بى- ‌فى‌ فيوضات نعمك- الى كل ‌ما‌ ارجوه ‌و‌ احبه ‌و‌ ابلغ ‌به‌ ‌ما‌ اريد، ‌و‌ ذلك بان اسير- ‌فى‌ كل اعمالى ‌و‌ اقوالى- ‌فى‌ الخط الذى تحب سالكيه، فلا آتى ‌ما‌ تكرهه ‌من‌ ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ ارتكب محارمك التى حذرتنى منها، فاذا قدرت لى الموت ‌فى‌ نهايه عمرى، فلتكن الميته التى تنزلها ‌بى‌ ميته الانسان الذى يشرق الايمان ‌فى‌ كل وجوده ليتحرك النور- ‌فى‌ القيامه- ‌من‌ بين يديه ‌و‌ عن يمينه، لاكون ممن يسعى نورهم بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم ‌فى‌ مسيره المتقين اليك، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ حديثك ‌فى‌ كتابك: (يوم ترى المومنين ‌و‌ المومنات يسعى نورهم بين ايديهم ‌و‌ بايمانهم) (الحديد: 12).

اللهم اجعل هيبتى ‌فى‌ وعيدك، ‌و‌ حذرى ‌من‌ اعذارك ‌و‌ انذارك:
 
 ‌يا‌ رب، اجعلنى اعيش ‌فى‌ وضوح الرويا للمفاهيم المتنوعه التى تحدد لى حركه انسانيتى ‌فى‌ اكثر ‌من‌ موقف مما يتخذه الانسان ‌فى‌ حياته امام ربه ‌و‌ الناس.
 فقد ينفتح على مساله العز ‌و‌ الذل، ‌و‌ الرفعه ‌و‌ الضعه، مما يمثله العز ‌من‌ ارتفاع ‌فى‌ موقع القوه، ‌و‌ عنفوان ‌فى‌ موقف الاحساس بالرفعه، ليتمثل الذل ‌فى‌ مواقع الضعف ‌و‌ الانكسار ‌فى‌ موقف الشعور بالضعه.
 فكيف اتصور ذلك ‌فى‌ علاقتى بك ‌و‌ بالناس ‌من‌ خلالها. اننى ‌لا‌ افهم مساله العز ‌و‌ الذل ‌و‌ الرفعه ‌و‌ الضعه عندما اتصور موقعى امامك، فانت ربى الذى تملكنى بكلى ‌و‌ تملك ‌ما‌ املك، لان وجودى مستمد ‌من‌ وجودك، ‌و‌ قوتى هبه ‌من‌ قوتك، الامر الذى يجعل معنى العز ‌فى‌ ذلى بين يديك، ‌و‌ الرفعه ‌فى‌ ضعفى امامك، لاننى اتحسس القوه بك ‌فى‌ حاله الانسحاق الذاتى امامك، ‌و‌ الرفعه ‌فى‌ اتضاعى ‌فى‌ موقفى منك، لاننى احيا ‌سر‌ ذاتى معك ‌فى‌ ذلك كله، ‌فى‌ فقرى المطلق اليك، ‌و‌ اعتمادى الكلى عليك، ‌و‌ ‌لا‌ اخرج عن معناها ‌فى‌ ذلك كله. اما موقفى ‌من‌ الناس الذين ساويت بينى ‌و‌ بينهم ‌فى‌ حركه الوجود، ‌و‌ ‌سر‌ الضعف الانسانى، فهو موقف الند للند، ‌و‌ العبد مع العبد، ‌فى‌ الاحساس بالتساوى ‌فى‌ الوجود ‌و‌ ‌فى‌ العبوديه، ليكون- ‌فى‌ النهايه- ‌فى‌ تعامل الانسان مع الانسان، تعامل السيد الانسان ‌فى‌ حريه ارادته ‌و‌ تقرير مصيره، مع السيد الانسان الاخر ‌فى‌ علاقته به، مما يفرض على ‌ان‌ اكون العزيز عند خلقك، لانهم ‌لا‌ يملكون منى شيئا كما ‌لا‌ امتلك منهم ذلك، مما يجعلنى غير معنى بالخضوع اليهم ‌و‌ التذلل امامهم. ‌و‌ هكذا اريد- ‌يا‌ رب- ‌من‌ كرمك ‌و‌ لطفك، ‌ان‌ تضعنى بين يديك ‌فى‌ خلواتى بك، ‌لا‌ قدم اليك الخضوع ‌و‌ التذلل ‌و‌ الطاعه بكل وجودى ‌فى‌ صلواتى ‌و‌ مناجاتى ‌و‌ ابتهالاتى الروحيه، ‌و‌ ‌ان‌ ترفعنى بين عبادك بتاكيد حريتى امامهم ‌و‌ تحريك طاقاتى المستمده منك ‌فى‌ مواجهه طاقاتهم، فلا اشكو ضعفا امامهم ‌و‌ ‌لا‌ اشعر بالسقوط معهم، ‌و‌ ‌ان‌ تغنينى بكرمك مما تمنحنيه ‌من‌ عطائك بما يغنينى عن الناس الذين جعلتهم- بكرمك- اغنياء عنى، لنتساوى ‌فى‌ الحاجه اليك ‌فى‌ عمق المعنى الوجودى للحاجه، ‌و‌ ‌فى‌ الغنى بك ‌فى‌ معنى الربوبيه التى تغنى العباد ‌من‌ خزائنها التى ‌لا‌ تنفد، ‌و‌ توحى الينا دائما بازدياد الحاجه اليك ‌فى‌ الفاقه الذاتيه ‌و‌ الفقر الوجودى.

يا رب، اننى- ‌فى‌ الواقع الاجتماعى الانسانى ‌فى‌ علاقتى بالناس- قد اعيش بعض المشاكل الحياتيه التى تثقلنى ‌و‌ تهزنى ‌و‌ تسقطنى امام الناس، فتجلب لدى شماتتهم ‌بى‌ بالفرح بالمصائب التى تنزل ‌بى‌ انطلاقا ‌من‌ العقده الكامنه ‌فى‌ نفوسهم ضدى، مما يملا قلبى بالاسى ‌و‌ حياتى بالاذى كرد فعل على ذلك كله.
 اللهم فانى اعوذ بك ‌ان‌ يشمت ‌بى‌ الاعداء، فاعذنى ‌من‌ ذلك بتحريرى ‌من‌ الوقوع تحت اسر المصيبه ‌او‌ بالايحاء اليهم بالامتناع عن مشاعر الشماته بى.
 ‌و‌ اذا كنت اعوذ بك ‌من‌ شماته الاعداء، فاننى استعيذ بك ‌من‌ البلاء النازل، ‌و‌ ‌من‌ الهوان ‌و‌ التعب، ‌لا‌ عيش ‌فى‌ اطمئنان الراحه، ‌و‌ عنفوان الذات، ‌و‌ ‌لا‌ حصل- بذلك- على حريه الحركه ‌فى‌ مسيرتى اليك ‌فى‌ ‌خط‌ القيام بمسئوولياتى، فلا تشغلنى المشاعر السلبيه ‌من‌ خلال البلاء ‌او‌ الهوان ‌او‌ التعب عنك.
 ‌يا‌ رب، اننى اتوسل اليك ‌ان‌ تتغمدنى برحمتك بان تسترنى بها، ‌و‌ تلبسنى اياها، ‌و‌ ذلك بان تتعامل معى، ‌فى‌ كل ذنوبى ‌و‌ عيوبى التى تطلع عليها، تعامل الرب القادر على الانتقام، فلا يمنعه عن ذلك شى ء ‌فى‌ مواقع قدرته، لو ‌لا‌ حلمه الذى امتن ‌به‌ على المذنبين ‌فى‌ عفوه عنهم ‌و‌ ستره عليهم، ‌او‌ تعامل الا له الذى يملك الاخذ بالمعصيه التى تقود صاحبها الى الهلاك، ‌و‌ لكنه ‌لا‌ يستعجل ذلك ‌من‌ خلال اناته، فيترك التعجيل بالعذاب امهالا لهم، ليتوبوا ‌و‌ يتراجعوا عن ذلك انطلاقا ‌من‌ رحمته التى وسعت كل شى ء.
 
اللهم انك قد تنزل ببعض الناس بعض البلاء الذى تتحرك فيه كل عناصر الفتنه ‌فى‌ الدين ‌من‌ خلال ‌ما‌ قد تثيره فيهم ‌من‌ الوساوس ‌و‌ الهواجس ‌و‌ الشكوك، ‌او‌ ‌ما‌ تحركه ‌من‌ الغرائز، ‌او‌ ‌ما‌ تنفتح عليه ‌من‌ اوضاع منحرفه بفعل الاطماع ‌و‌ النوازع الذاتيه، ‌و‌ قد تنطلق الفتنه ‌فى‌ الواقع الاجتماعى الذى يعقد العلاقات ‌و‌ يثير الاحقاد ‌و‌ يدفع بالامور الى التقاتل ‌و‌ الفوضى ‌و‌ تودى الى الاحباط.
 ‌و‌ قد تريد بقوم السوء ‌فى‌ ابدانهم ‌و‌ اموالهم ‌و‌ اوضاعهم العامه ‌و‌ الخاصه، مما يجعلهم ‌فى‌ ‌هم‌ دائم، ‌و‌ ‌فى‌ حاله استلاب نفسى ‌و‌ عملى امام المشاكل الصعبه المتحركه ‌فى‌ ساحاتهم.
 اللهم انها حكمتك ‌فى‌ ذلك كله التى تطلق نتائج اعمال العباد ‌فى‌ واقع حياتهم، ليذوقوا بعض ‌ما‌ عملوا ‌و‌ اكتسبوا ‌من‌ حركتهم ‌فى‌ ‌خط‌ الانحراف، ‌و‌ مواقفهم ‌فى‌ صعيد الواقع.
 اللهم انى- ‌و‌ انا العبد الضعيف ‌فى‌ وجودى ‌و‌ المقصر ‌فى‌ عملى- الوذبك ‌من‌ ‌ان‌ تعرضنى للفتنه ‌فى‌ الدين ‌او‌ ‌فى‌ الواقع، فقد اسقط ‌فى‌ الضلال ‌او‌ البلاء الصعب ‌من‌ خلال ذلك، ‌او‌ توقع ‌بى‌ السوء الذى ‌لا‌ اصبر عليه ‌فى‌ طاقاتى المحدوده الصعبه، فنجنى ‌من‌ ذلك كله ‌يا‌ ملاذ اللائذين.
 اللهم ‌و‌ قد سترت على ‌فى‌ الدنيا فلم تفضحنى بما قدمته ‌من‌ ذنوب ‌و‌ ‌ما‌ اجترحته ‌من‌ المخازى، فلا تفضحنى ‌فى‌ الدار الاخره، ‌و‌ ‌لا‌ تكشف عنى سترا سترته على رووس الاشهاد يوم تبلو اخبار عبادك.
 
و اذا كنت قد مننت على ‌فى‌ الدنيا بنعمك ‌و‌ احسانك ‌فى‌ بدايه الحياه، فامنن على بذلك كله ‌فى‌ نهايه المطاف، لينطلق الزمن كله ‌فى‌ امتداده ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره ‌فى‌ الحصول على الطافك ‌فى‌ القديم منه ‌و‌ الحديث، فلا يختلف حال رحمتك بين قديم ‌و‌ حديث ‌فى‌ ذلك كله.
 اللهم انك قد تفيض على بعض عبادك الخير ‌فى‌ الواقع المادى الذى يعيشون فيه، فتمنحهم العافيه ‌فى‌ ابدانهم ‌و‌ السعه ‌فى‌ اموالهم، ‌و‌ الامتداد ‌فى‌ اعمارهم، ‌و‌ الكثره ‌فى‌ اولادهم ‌و‌ اتباعهم، ‌و‌ الجاه ‌فى‌ مجتمعاتهم، على طريقه الامهال ‌و‌ الاملاء ‌فى‌ نطاق التجارب التى تظهر عمق الشخصيه ‌فى‌ سطح الواقع لدى الكثيرين ممن يصيبهم الغرور باقبال الدنيا عليهم، فيستغرقون ‌فى‌ ذلك كله ‌فى‌ غفله عن النتائج السلبيه التى تنتظرهم ‌فى‌ عمليه المصير ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌من‌ خلال قسوه القلب، ‌و‌ جفاف الروح، ‌و‌ تعقيد الحس بكثره النعم عليه، فينسى الله ‌و‌ الدار الاخره، كما قلت ‌فى‌ كتابك: (و ‌لا‌ يحسبن الذين كفروا انما نملى لهم خيرا لانفسهم انما نملى لهم ليزدادوا اثما ‌و‌ لهم عذاب مهين) (آل عمران: 178).
 اللهم ‌لا‌ تجعلنى ممن يتحول الامداد له ‌فى‌ النعم الى قسوه ‌فى‌ القلب، بل اجعله انفتاحا فيه على مواقع الشكر الذى يزداد فيه الاحساس باللطف الالهى ‌و‌ الرحمه الربانيه، حتى يزداد شكرى لك ‌و‌ قربى اليك كلما ازدادت نعمك على، لان القضيه عندى هى ‌ان‌ احصل على رضاك ‌و‌ القرب منك ‌و‌ ‌لا‌ شى ء الا رضاك.

يا رب، ربما تنطلق الشدائد المفزعه ‌و‌ النوازل الفادحه لتسقط بهاء الانسان الروحى ‌و‌ هيبته الاجتماعيه، مما يتهدده ‌من‌ اوضاعها بالتدمير الذاتى ‌و‌ الاجتماعى، ‌و‌ قد تصيبه الحالات الدنيه الحقيره التى تنطلق بها نقاط الضعف فيصغر بها موقعه الاجتماعى بين الناس استصغارا لفعله، ‌و‌ قد تتمثل ‌به‌ بعض العيوب المنقصه المخجله التى يفقد معها درجته ‌و‌ يضيع بها قدره استخفافا ‌به‌ ‌من‌ خلالها، فيستر ذلك كل محاسنه، ‌و‌ قد يسيطر عليه الفزع ‌و‌ الرعب فيستسلم للهم ‌و‌ الياس القاتل ‌و‌ الحيره القلقه.
 ‌و‌ ربما يخاف ‌من‌ كل ‌ما‌ يحيط به، فيخضع للتوجس النفسى الذى يهمس له بالاهتزاز ‌و‌ القلق.
 اللهم حررنى ‌من‌ ذلك كله، ‌و‌ ‌من‌ تهاويله النفسيه، ‌و‌ وساوسه القلبيه ‌و‌ نتائجه السلبيه، ‌و‌ امتداداته الشريره، ‌و‌ انفعالاته القاسيه، ‌و‌ ايحاءاته الضاغطه، حتى ‌لا‌ اسقط امام القارعه، ‌و‌ ‌لا‌ اصغر امام الخسيسه، ‌و‌ ‌لا‌ افقد مكانى امام النقيصه، ‌و‌ ‌لا‌ اياس ‌او‌ اخاف ‌فى‌ مواجهه الاوضاع القاسيه.
 ‌يا‌ رب، اجعلنى اقف امام وعيدك الذى توعدت ‌به‌ المنحرفين عن ‌خط‌ الاستقامه ‌من‌ عبادك موقف الرهبه ‌و‌ الهيبه للموقف الصعب فيدفعنى ذلك الى الابتعاد عن مواقع الوعيد.
 ‌و‌ اجعلنى اعيش الحذر امام النداءات التى توجه الى فيها وصاياك ‌و‌ اوامرك ‌و‌ نواهيك، ‌و‌ تقيم على- ‌من‌ خلالها- الحجه ‌فى‌ ‌ما‌ تريده منى لتعذر الى ‌فى‌ ذلك اذا خالفت، فتنزل ‌بى‌ العقاب لانك انذرتنى ‌به‌ ‌و‌ قد اعذر ‌من‌ انذر. ‌و‌ قد جاء ‌فى‌ مجمع الامثال للميدانى تفسيرا للمثل: اى: ‌من‌ حذرك ‌ما‌ يحل بك فقد اعذر اليك، ‌اى‌ صار معذورا عندك.
 ‌و‌ اعطنى وعى القرآن ‌فى‌ عمقه الروحى ‌و‌ الفكرى لاحس بالرهبه ‌فى‌ تلاوه آياتك، فاحس ‌فى‌ آيات النار لهيب جهنم ‌فى‌ وجهى، ‌و‌ اقراء ‌فى‌ آيات غضبك ضراوه سخطك ‌فى‌ مصيرى، حتى تتحرك كل كلماته ‌فى‌ حركه انسانيتى ‌فى‌ حياتى.

و اجعل الليل الغارق ‌فى‌ هدوء النوم ‌و‌ امتداد الظلام، انفتاحا على يقظه روحيه ‌فى‌ الاقبال على عبادتك ‌فى‌ غمرات الزمن بذكرك، ‌و‌ ‌فى‌ وحده منطلقه ‌فى‌ الارتفاع الى مواقع السمو اليك ‌فى‌ اجواء المناجاه المبتهله اليك، ‌و‌ ‌فى‌ اطمئنان ايمانى اتجرد فيه ‌من‌ كل ‌ما‌ يحيط ‌بى‌ ‌من‌ مشاكل الناس ‌و‌ تعقيدات الحياه ‌من‌ حولى بالسكون اليك، ‌لا‌ جد لديك الراحه ‌و‌ الهدوء ‌و‌ الطمانينه ‌و‌ الاستقرار، ‌و‌ ‌فى‌ رغبه صارخه ‌فى‌ تقديم الحاجات الحيه اليك ثقه بانك- وحدك- القادر على قضائها، ‌و‌ ‌فى‌ الحاح شديد ‌فى‌ المساله مره بعد اخرى، ‌و‌ المراجعه لك ‌فى‌ كل اوقاتى ‌من‌ اجل خلاصى ‌من‌ عقابك ‌فى‌ جهنم ‌و‌ اجارتى ‌من‌ كل اوضاعها التى يعانى منها الساكنون فيها ‌من‌ عذابك، فانك الرب العفو الغفور الرحمن الرحيم.
 
اللهم ‌لا‌ تجعلنى عظه لمن اتعظ، ‌و‌ ‌لا‌ نكالا لمن اعتبر:
 
 ‌يا‌ رب، اننى ابتهل اليك ‌ان‌ تجعلنى ‌من‌ عبادك المشمولين بعطفك ‌و‌ رعايتك ‌و‌ لطفك ‌فى‌ كل امورى، بحيث تتحرك حياتى ‌فى‌ الخط الذى يفتح عقلى عليك ‌من‌ اجل المزيد ‌من‌ الوعى للايمان بك، ‌و‌ يوجه نبضات قلبى الى محبتك، ‌و‌ يحرك كل خطواتى ‌فى‌ طريقك المستقيم، لاكون الانسان الذى يطلق كل حياته ‌فى‌ اتجاه رضاك.
 ‌يا‌ رب، قد يبلغ ‌بى‌ الطغيان ‌فى‌ الضلال الفكرى ‌و‌ العملى حدا بعيدا بحيث يتجاوز الحدود المعقوله التى تخرج ‌من‌ الاعتدال، فابقى ‌فى‌ حاله ‌من‌ التخبط ‌و‌ التردد ‌و‌ الحيره ‌فى‌ الحركه ‌و‌ الطريق ‌و‌ الاتجاه، ‌و‌ قد يمتد ‌بى‌ الحال ‌فى‌ ذلك حتى يتحول الى عنوان حركى لذاتى ‌فى‌ حياتى كلها، الامر الذى يودى ‌بى‌ الى السقوط ‌فى‌ هاويه الهلاك الذى يتمثل ‌فى‌ استحكام غضبك ‌و‌ سخطك على.
 اللهم انقذنى ‌من‌ كل هذا التخبط الطغيانى الذى يمنعنى عن التركيز ‌فى‌ الراى ‌و‌ الموقف، ‌و‌ ‌لا‌ تذرنى متحيرا ‌فى‌ طغيانى كمن تحدثت عنهم ‌فى‌ كتابك ‌فى‌ قولك: (و يذرهم ‌فى‌ طغيانهم يعمهون) (الاعراف: 186)، ‌و‌ خلصنى ‌من‌ حاله السهو ‌و‌ الغفله عن الاخذ بطاعتك ‌و‌ مواقع رضاك، حتى ‌لا‌ اعيش ‌فى‌ استغراق اعمى يغمر العقل ‌و‌ السمع ‌و‌ البصر ‌لا‌ تخلص ‌من‌ ذلك ‌فى‌ مدى الزمن كله، فاكون ممن تحدثت عنهم ‌فى‌ كتابك مخاطبا نبيك ‌فى‌ قولك تباركت ‌و‌ تعاليت: (فذرهم ‌فى‌ غمرتهم حتى حين) (المومنون: 54).
 ‌لا‌ تنزل ‌بى‌ النوازل الشديده ‌من‌ بلائك بحيث يتطلع الناس الى كمنظر يتعظون ‌به‌ ، ‌و‌ نكال يعتبرون به، ليجتنبوا الوقوع ‌فى‌ ‌ما‌ وقعت فيه، ‌و‌ السقوط ‌فى‌ ‌ما‌ سقطعت فيه ‌من‌ ‌او‌ حال الخطايا ‌و‌ الذنوب.
 ‌و‌ ‌لا‌ تحولنى ‌فى‌ حياتى الى مواقع الفتنه للاخرين بحيث يفتتن ‌بى‌ الناظر الى، فيقع ‌فى‌ الضلال ‌و‌ يبتعد عن الحق ‌من‌ خلال ‌ما‌ تنعم ‌به‌ على ‌من‌ النعم التى يحسدنا عليها الحاسدون ‌او‌ ينحرف بسبب الميل اليه ‌و‌ الاشتغال ‌به‌ ‌من‌ طاعتك المنحرفون، ‌او‌ ‌من‌ خلال بلاء ‌او‌ محنه فيفكر الاخرون بانه لون ‌من‌ الوان عذابك الذى تصيب ‌به‌ عبادك الضالين فيبتعدون عن الحق الذى اتحرك فيه ظنا منهم انه الباطل بسبب ذلك، ‌و‌ ‌لا‌ تجعلنى ممن تنزل ‌به‌ مكرك ‌فى‌ استدراجك لى بالنعم الكثيره، ‌و‌ ‌فى‌ امهالى ‌فى‌ مدى الزمن ‌فى‌ طول عمرى، فيخيل الى ‌ان‌ ذلك كله مكرمه لى ‌و‌ رضا على ‌و‌ خيرا لى، فامتد بالمعصيه ‌و‌ استغرق ‌فى‌ الانحراف غفله منى انك تفيض النعم على عبادك لتختبرهم ‌فى‌ شكرها ‌او‌ الكفر بها، ‌و‌ لذلك فلا ‌بد‌ لى ‌من‌ الانتباه ‌و‌ الحذر ‌لا‌ كون الانسان الواعى الذى تدفعه النعم المتنوعه ‌و‌ الامهال الطويل الى المزيد ‌من‌ الطاعه ‌و‌ الاستقامه ‌فى‌ دربك المستقيم، ‌و‌ ذلك ‌فى‌ وعى للمساله ‌فى‌ عمقها المصيرى، ‌و‌ ‌فى‌ قلق ايجابى لما يوحى ‌به‌ المكر الالهى ‌فى‌ حركه التجربه الانسانيه، كما جاء ‌فى‌ حديث الامام على (ع) انه قال: «من وسع عليه ‌فى‌ ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد امن مخوفا».
 اللهم ‌لا‌ تجعلنى ممن يتولى عن دينك القويم، ‌و‌ يبتعد عن صراطك المستقيم، ‌و‌ يعرض عن آياتك، فيكون ممن تعرض عنه، ‌و‌ تستغنى عن كل جهده ‌فى‌ كل ‌ما‌ تريده ‌من‌ عبادك ‌من‌ القيام بمسوولياتهم تجاهك، فتستبدل ‌به‌ غيره ممن ينفتح عليك، ‌و‌ ياخذ باسباب طاعتك ‌و‌ يعيش الوعى لاياتك، فيتحمل مسووليته ‌فى‌ الدعوه اليك ‌و‌ الجهاد ‌فى‌ سبيلك كما جاء ‌فى‌ قولك ‌فى‌ كتابك: (و ‌ان‌ تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم ‌لا‌ يكونوا امثالكم) (سوره محمد: 38).
 اللهم اجعل اسمى ‌فى‌ الاسماء التى تبقى ‌فى‌ مضمونها ‌فى‌ معنى الحق ‌فى‌ معناها، ‌و‌ تتحرك ‌فى‌ الدرجات العليا ‌من‌ مواقع السعداء ‌فى‌ درجاتها. ‌و‌ ابق لى منه الاسلام الحق الذى ادين ‌به‌ فلا اقع ‌فى‌ الضلال ‌فى‌ اهتزازات الواقع ‌من‌ حولى، ‌و‌ انحرافات الدروب ‌فى‌ طريقى، فلا تسمح له- بلطفك ‌و‌ رحمتك- بان يتغير ‌من‌ عنوان الهدى الى عنوان الضلال، ‌و‌ ‌من‌ المواقع العليا الى المواقع الدنيا، ‌و‌ ‌من‌ اسم الاسلام الى اسم الكفر.
 ‌لا‌ تبدل جسمى بالافات التى قد تصيب الناس ‌فى‌ دنياهم فتغيرها بالتشويه ‌و‌ التمثيل، ‌و‌ ‌فى‌ اخراهم بلفحات النار التى تشوى الوجوه، ‌و‌ لكن ابقه ‌فى‌ سلامته ‌و‌ نضارته ‌و‌ عافيته ‌و‌ بهائه ‌و‌ رونقه ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، لانى اطمع ‌و‌ اعمل ‌ان‌ يبقى الجسم الذى يتحرك ‌فى‌ طاعتك ‌و‌ ‌فى‌ الحصول على رضاك لينال السعاده ‌فى‌ نعيمك فيكون ممن تحدثت عنهم ‌فى‌ كتابك ‌فى‌ قولك: (وجوه يومئذ ناضره الى ربها ناظره) (القيامه: 23 -22) ‌و‌ قولك: (تعرف ‌فى‌ وجوههم نضره النعيم) (المطففين: 24).
 اللهم ‌لا‌ تبتلنى بالبلاء ‌فى‌ دينى ‌و‌ عقلى ‌و‌ عملى بحيث تحولنى ‌فى‌ النتائج الحاصله ‌من‌ ذلك كله الى موضع للهزو ‌من‌ خلقك بما يستهزى ء ‌به‌ المستهزئون مما يشاهدونه ‌من‌ الناس بما يضحكهم ‌و‌ يودى بهم الى انزال الاحتقار بهم ‌و‌ الاهانه لهم.
 ‌و‌ اعظم ‌من‌ ذلك ‌ان‌ تصل ‌بى‌ الامور الى ‌ان‌ اكون موضع سخريتك التى ‌لا‌ تشبه سخريه الساخرين ‌من‌ خلقك بامثالهم ‌من‌ الناس، بل تتحرك ‌فى‌ العقوبه الالهيه بالاعراض عنى ‌و‌ انزال الهوان بى، ‌و‌ اهمال امرى ‌و‌ ابعاده عن موضع عنايتك، لاننى ابتعدت عن الخط الذى يودى ‌بى‌ الى النجاه، ‌و‌ اخذت بالنهج الذى يسير ‌بى‌ نحو الهلاك، فايه سخريه اعظم ‌من‌ السخريه بما فعلت.
 اللهم اجعلنى ممن ‌لا‌ يتبع الا المنهج الذى ينفتح على مواقع رضاك، ‌و‌ ‌لا‌ يخضع الا لك، ‌و‌ ‌لا‌ يخاف الا منك، ‌و‌ ابعدنى عن كل سبيل ‌من‌ سبل الامتهان ‌و‌ الاضطهاد ‌من‌ الاخرين الا اذا كان ذلك ‌فى‌ موقع الدفاع عن دينك، ‌و‌ الانتقام ‌من‌ اعدائك ‌فى‌ ساحات الصراع بين الكفر ‌و‌ الايمان ‌و‌ الحق ‌و‌ الباطل.

اللهم وفقنى للحصول على عفوك لاحس بطيبه ‌و‌ لذته ‌و‌ هناءته ‌فى‌ ‌ما‌ يشبه الاحساس بالبرد بعد الحر، ‌و‌ انعم على بحلاوه الرحمه ‌و‌ الراحه ‌و‌ الريحان التى يلتذبها عقلى ‌و‌ روحى ‌و‌ حياتى كلها، ‌و‌ ادخلنى الجنه التى تمنح النعيم للساكنين فيها، ‌و‌ تعطى السعاده للداخلين اليها، ‌فى‌ طمانينه الروح، ‌و‌ هناءه الجسد، ‌و‌ استقرار المصير ‌و‌ لذه الاحساس.
 اللهم اجعلنى ‌فى‌ حالات الفراغ التى اتخفف فيها ‌من‌ اشغال الحياه آخذ بما تحب ‌من‌ الاعمال الخارجه عن مسوولياتى مما ياخذ ‌به‌ الناس ‌من‌ اسباب اللهو ‌و‌ اللعب ، فلا تجعلنى ممن يتحول الفراغ لديه الى سبب للمعصيه، ‌و‌ حاله للسام ‌و‌ الملل، بل اجعلنى ‌فى‌ سعه ‌من‌ رزقك ‌و‌ عافيتك لاحس بطعم الفراغ ‌فى‌ عمق معنى السعاده ‌و‌ المحبه.
 ‌و‌ اعطنى الرغبه العميقه ‌فى‌ الاندفاع بكل ‌ما‌ املكه ‌من‌ جهد ‌و‌ طاقه ‌لا‌ بذله ‌فى‌ ‌ما‌ يقربنى اليك ‌و‌ يجعل لى الحظوه عندك ‌من‌ الاعمال الصالحه ‌و‌ المشاريع الخيره.
 اللهم ‌ان‌ لك ‌فى‌ كل يوم ‌و‌ ليله تحفه ‌من‌ تحفاتك التى تتحف بها رسلك ‌و‌ اولياءك ‌و‌ عبادك الصالحين جزاء لما قدموه ‌من‌ اعمال القربه اليك، فاجعلنى ممن يحصل على تحفه ‌من‌ تحفاتك ‌فى‌ ايام عمرى كلها،

و اجعل تجارتى معك التى دعوتنى اليها ‌و‌ رغبتنى فيها تجاره رابحه بالحصول على النجاه ‌من‌ العذاب الاليم ‌و‌ الدخول ‌فى‌ الجنه ‌و‌ ‌فى‌ الاخره ‌و‌ النصر منك ‌و‌ الفتح القريب ‌فى‌ الدنيا، لاكون ممن (يرجون تجاره لن تبور) (فاطر: 29).
 ‌و‌ ‌لا‌ تجعل رجعتى اليك رجعه خاسره ‌فى‌ نتائجها الاخرويه ‌و‌ ذلك ‌من‌ خلال الانتقال ‌من‌ نعيم الدنيا الى عذاب النار تماما كما كان الكفار يتحدثون عما يسمعونه ‌من‌ اخبار الاخره (تلك اذا كره خاسره) (النازعات: 13). بمعنى ‌ان‌ الاخره- اذا صحت- فنحن خاسرون لتكذيبنا بها.
 ‌و‌ وفقنى للوعى العقلى ‌و‌ الروحى لعظمه مقامك ‌من‌ خلال معرفه اسرار العظمه ‌فى‌ ذاتك ‌و‌ مواقع النعمه ‌فى‌ كرمك، فيهتز كل كيانى امامه، فاخافك خوف العبوديه الخاشعه امام الربوبيه العظيمه، فانهى النفس عن الهوى لتبتعد عن معاصيك ‌و‌ تقترب ‌من‌ طاعتك، فاحصل على النتائج الكبرى ‌و‌ ذلك ‌هو‌ قولك- تباركت ‌و‌ تعاليت- (و اما ‌من‌ خاف مقام ربه ‌و‌ نهى النفس عن الهوى فان الجنه هى الماوى) (النازعات: 41 -40)، ‌و‌ قولك: (و لمن خاف مقام ربه جنتان) (الرحمن: 46). ‌و‌ قولك: (ذلك لمن خاف مقامى) (ابراهيم: 14).
 ‌و‌ افتح قلبى للشوق اليك فاشتاق الى قربك ‌فى‌ المشتاقين ‌و‌ ادنو منك دنو المخلصين، حبا ‌و‌ شغفا ‌و‌ ولها ‌و‌ انفتاحا عليك.
 ‌و‌ ‌ها‌ انا ‌يا‌ رب ‌فى‌ موقف التائب اليك الذى يعيش ‌فى‌ الهم الكبير ‌من‌ تاثيرات ذنوبه على مستقبل حياته عندك ‌و‌ مصيره اليك، ‌و‌ يتوسل اليك- ‌من‌ موقع الندم الذى يهز ضميره ‌و‌ يحرق قلبه- ‌ان‌ تتوب عليه توبه خالصه شامله لكل الذنوب الصغيره ‌و‌ الكبيره مما مارسته ‌فى‌ السر ‌و‌ العلانيه ‌من‌ سالفاتها ‌و‌ حوادثها، حتى انطلق اليك طاهرا ‌من‌ كل دنس، متخففا ‌من‌ كل ثقل، حرا ‌من‌ كل غل، انطلاقه الانسان الذى يعيش ‌فى‌ ساحه عفوك ‌و‌ غفرانك ‌و‌ رحمتك ‌و‌ رضوانك ‌فى‌ روح ‌و‌ ريحان ‌و‌ جنه نعيم.
 
اللهم حلنى بحليه المتقين:
 
 ‌يا‌ رب، اجعلنى ممن يعيش ‌فى‌ حركه مشاعره ‌و‌ عواطفه ‌و‌ علاقاته وعى انفتاح ايمانه على آفاق انسانيته ‌فى‌ اتصاله بالاخرين، فلا يختلف حبه عن معطيات الخط الرسالى ‌فى‌ فكره ‌فى‌ انفعالات المحبه ‌فى‌ قلبه، ‌و‌ ‌لا‌ يبتعد بغضه عن عناصر السلبيه ‌فى‌ خطوط عقيدته ‌فى‌ مشاعر البغض ‌فى‌ احاسيسه، حتى اوالى ‌من‌ ‌و‌ اليت ‌و‌ اعادى ‌من‌ عاديت، ‌لا‌ موالاه الذات للذات، ‌و‌ ‌لا‌ معاداه الشخص للشخص، بل موالاه الرساله للخط الرسالى ‌و‌ معاداه الموقع الحق للموقع الباطل، فلا تنفذ الخصوصيات الذاتيه للعاطفه لتاكل الشموليه الرساليه للموقف، لان ذلك يمثل الانحراف عن معنى العقيده ‌فى‌ العقل، ‌و‌ الرساله ‌فى‌ الخط، ‌و‌ ‌خط‌ الاستقامه ‌فى‌ العمل، استسلاما للشيطان ‌فى‌ نزغاته ‌و‌ وساوسه، فيعادى المومنين ‌و‌ يوالى الكافرين.
 ‌و‌ هكذا اريد ‌يا‌ رب ‌ان‌ تفتح قلبى على المومنين بالمحبه، ‌و‌ تنزع الحقد ‌من‌ داخله، حتى احب المومنين لايمانهم، ‌و‌ انزع الغل ‌من‌ كل وجودى الداخلى ‌لا‌ تصالهم بك ‌و‌ انفتاحهم عليك، ‌و‌ اجعل قلبى محبا للخاشعين لك بعقولهم ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ كل حياتهم، تعظيما لك، ‌و‌ محبه لك، ‌و‌ خوفا منك، ‌و‌ خضوعا لعظمتك، لان اتجاه قلبى بالمحبه لهولاء يوحى الى كيانى بالسير معهم ‌و‌ التحرك ‌فى‌ مسيرتهم، ‌و‌ الانطلاق ‌فى‌ كل حركتهم ‌فى‌ طاعتك، ‌و‌ العمل بما يرضيك خشوعا لك، ‌و‌ خضوعا لاسرار العظمه ‌فى‌ ذاتك، ‌و‌ شكرا لفيوضات النعمه ‌من‌ فضلك.
 اللهم اننى اتضرع اليك ‌ان‌ تجعلنى ‌فى‌ مواقع رعايتك ‌و‌ عنايتك ‌و‌ عفوك ‌و‌ لطفك ‌و‌ فيوضاتك التى تغدقها على عبادك الصالحين، الذين احببتهم لصلاحهم ‌فى‌ ‌خط‌ طاعتك، فاجعلنى ‌من‌ الصالحين الذين اصلحت لهم ايمانهم ‌و‌ عملهم ‌و‌ خطهم ‌و‌ صدقهم ‌فى‌ الاقبال عليك، ‌و‌ ‌من‌ السائرين عل نهجك، لتعطينى ‌ما‌ اعطيتهم، ‌و‌ تدخلنى ‌فى‌ زمرتهم، فاكون لك ‌فى‌ طاعتى كما كانوا لك ‌فى‌ طاعتهم، ‌و‌ ابتهل اليك ‌ان‌ تجعلنى ‌من‌ المتقين الذين ينفقون ‌فى‌ السراء ‌و‌ الضراء ‌و‌ الكاظمين الغيظ ‌و‌ المحسنين للناس، ‌و‌ الذين اذا فعلوا فاحشه ‌او‌ ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ‌و‌ ‌من‌ يغفر الذنوب الا الله، ‌و‌ لم يصروا على ‌ما‌ فعلوا ‌و‌ ‌هم‌ يعلمون، ‌و‌ الذين يوتون ‌ما‌ آتوا ‌و‌ قلوبهم ‌و‌ جله انهم الى ربهم راجعون، ‌و‌ الذين ‌لا‌ تجدهم حيث نهيتهم، ‌و‌ ‌لا‌ تفقدهم حيث امرتهم، ‌و‌ اذا انفتح لهم باب ‌من‌ الحرام لم يدخلوا فيه.
 ‌و‌ اذا وفقتنى لذلك فاعطنى حليه المتقين التى تمنحهم اياها ‌فى‌ الاخره ‌من‌ الحلى الماديه ‌و‌ المعنويه التى تمثل كرامتك لعبادك المتقين بما تمنحهم ‌من‌ نعمك، ‌و‌ بما تفيضه عليهم ‌من‌ لطفك.
 ‌و‌ اجعل لى الذكر الجميل ‌فى‌ الاجيال القادمه ‌من‌ خلال ‌ما‌ يبقى لى ‌فى‌ الذاكره التاريخيه لدى الناس ‌من‌ افعال الخير التى توفقنى لها، ‌و‌ ‌من‌ خصال الحمد التى تغرسها ‌فى‌ كيانى، ‌من‌ كلمات الحق التى اطلقها، ‌و‌ ‌من‌ مواقف الايمان التى اوكدها، ‌و‌ ‌من‌ حركه الصراع التى اقف ‌فى‌ ساحاتها موقف صدق ‌من‌ اجل الرساله، ‌و‌ غير ذلك مما يزلفنى عندك ‌و‌ يقربنى اليك، ليتذكرنى الناس ‌من‌ خلال ذلك، ليستفيدوا ‌من‌ ثمراته ‌و‌ نتائجه، ‌و‌ ليحصلوا على منافعه ‌و‌ فوائده، ‌و‌ ‌لا‌ حصل ‌من‌ ذلك على الخير كله- ‌من‌ خلالها- بعد وفاتى علما ‌و‌ سنه حسنه متبعه، فان الذكر الجميل ‌لا‌ يمثل شيئا لى بالمعنى المادى للاحساس بالزهو الذاتى بعد الموت، ‌و‌ لكنه يمثل امتدادا لحياتى الروحيه ‌و‌ الفكريه ‌و‌ الحركيه التى تبقى زادا للاجيال بمقدار ‌ما‌ تعطى ‌و‌ تنفع ‌و‌ تحقق النتائج الكبرى على هدى قولك سبحانك: (و اجعل لى لسان صدق ‌فى‌ الاخرين) (الشعراء: 84)، ‌و‌ يبقى لى صدقه ‌و‌ نموه ‌و‌ انفتاحه كلما ذكرنى الذاكرون، ‌و‌ هتف باسمى الهاتفون، ‌و‌ استفاد ‌من‌ علمى الباحثون.
 اللهم ‌و‌ احشرنى ‌فى‌ الساحات الواسعه ‌فى‌ عرصات القيامه لاقف هناك مع الاولين ‌من‌ السابقين الى الايمان ‌و‌ الى الخيرات،

و اجعل نعمك تامه لدى ‌فى‌ ‌ما‌ تسبغه على منها ‌من‌ النعم الظاهره ‌و‌ الباطنه على هدى قولك- سبحانك-: (و اسبغ عليكم نعمه ظاهره ‌و‌ باطنه) (لقمان: 20) ‌و‌ تابع كراماتها المتمثله بايصال النفع الكريم الذى ‌لا‌ تلحقنى فيه غضاضه، ‌و‌ ‌لا‌ تمسنى فيه مهانه، بل يمنحنى الاعزاز ‌و‌ الشرف كله.
 اعطنى العطاء الجزيل ‌و‌ الخير الكثير ‌من‌ فوائدك، ‌و‌ اوصل الى خيار مواهبك ‌و‌ نفائسها، ‌و‌ اجعل موقعى ‌فى‌ القيامه ‌فى‌ جوار الاولياء الطيبين السائرين على نهج محبتك الذين اسكنتهم جنانك التى حشدت فيها كل انواع الزينه التى تجذب العيون ‌و‌ تخلب القلوب ليستمتع بها الاصفياء ‌من‌ عبادك الصالحين، وهب لى- ‌يا‌ رب- المنازل الرفيعه العاليه القدر ‌من‌ عطاياك ‌فى‌ مواقع القرب المنفتحه على المقامات الشريفه التى اعددتها لاحبائك،
 
و ارزقنى- ‌يا‌ رب- الجنه الوارفه التى استريح فيها، ‌و‌ استقر فيها، ‌فى‌ اطمئنان الروح، ‌و‌ روحانيه الاحساس، حيث اجد فيها الماوى الامين، ‌و‌ الحياه الوادعه، ‌و‌ المثابه الهادئه ‌فى‌ قره العين ‌و‌ سعاده النفس، ‌يا‌ ارحم الراحمين.
 
 اللهم اجعل قلبى واثقا بما عندك:
 
 ‌يا‌ رب، ‌ها‌ انا اقف بين يديك موقف الانسان الذى اقترف اكثر ‌من‌ جريمه عظيمه، كنت فيها المتمرد على اوامرك ‌و‌ نواهيك ‌و‌ المتعرض لغضبك ‌و‌ سخطك، المستخف بحقك بفعل النفس الاماره بالسوء، ‌و‌ الشيطان الذى يزيدنى ذنبا الى ذنبى ‌فى‌ غفله العقل عن مواقع عظمتك، ‌و‌ غياب القلب عن مواضع نعمتك، ‌لا‌ رغبه منى لذلك، ‌و‌ ‌لا‌ جحودا لربوبيتك.
 اللهم فلا تواخذنى بذلك ‌فى‌ تحديد دقيق لعقوبتى بالمقارنه مع الجرائم العظيمه، ‌و‌ ‌لا‌ تنزل ‌بى‌ الهلكه ‌فى‌ اليوم الذى تتمزق فيه القلوب عما فيها ‌من‌ الاسرار الخفيه التى تتكشف فيها الانحرافات التى لم تكن ظاهره للعيان مما يعتقده الانسان ‌او‌ يضمره ‌فى‌ اعماق قلبه، فانا- ‌يا‌ رب هنا- تائب اليك، راجع الى مواقع عفوك ‌و‌ لطفك، فتب على واعف عنى ‌يا‌ ارحم الراحمين.
 ‌يا‌ رب، ‌ان‌ الشكوك تهجم على عقلى لتحجب عنه اشراقه الحق ‌فى‌ وضوح الرويه، ‌و‌ تتحرك الشبهات لتثير ‌فى‌ داخل ذاتى الحيره القلقه التى تبعدنى عن الاستقرار الفكرى الذى يربطنى بالحقيقه الناصعه، ‌و‌ تدفعنى الى التخبط ‌فى‌ دروب الضلال، فلا اهتدى بفعل ذلك الى الصراط المستقيم.
 اللهم انى احبك ‌و‌ احب الحقيقه ‌فى‌ ‌سر‌ ذاتك، لان ذلك ‌هو‌ الذى يمنحنى نور الايمان، ‌و‌ صفاء العقيده.
 اللهم انى اسالك ‌ان‌ ترزقنى وعى اليقين بالحق الذى يطرد عن عقلى كل ‌شك‌ ‌و‌ شبهه، حتى ‌لا‌ اعيش الضباب ‌فى‌ حياتى ‌فى‌ معرفتك، ‌و‌ افتح لى الطريق السهل السمح الى الحق الذى يصل ‌بى‌ الى حقيقه اليقين، ‌و‌ الى الغايه التى اعيش فيها ‌فى‌ رحاب معرفتك، حتى احصل ‌من‌ رحمتك- ‌فى‌ ذلك ‌و‌ ‌فى‌ غيره- على ‌ما‌ تقسمه لى ‌من‌ عطاياك السخيه الكثيره الكبيره، ‌و‌ على حظى ‌من‌ افضالك بالاحسان الى عبادك.

يا رب، قد يعيش قلبى الاهتزاز ‌و‌ القلق ‌و‌ الحيره ‌فى‌ الرزق ‌فى‌ الدنيا ‌من‌ خلال الاوضاع القلقه التى توحى الى بالفقر ‌و‌ الخوف ‌و‌ الضياع غفله عن الحقيقه الايمانيه ‌فى‌ انفتاحها على خزائنك التى ‌لا‌ تنفد، ‌و‌ عطاياك التى ‌لا‌ تنتهى، ‌و‌ رحمتك التى ‌لا‌ تضيق عن احد ‌من‌ عبادك... اللهم اعطنى الثقه حتى اكون بما ‌فى‌ يدك اوثق منى بما ‌فى‌ يدى، لانك ولى الرزق ‌فى‌ ‌ما‌ اعطيتنى ‌و‌ ‌فى‌ ‌ما‌ اومله ‌من‌ جودك ‌و‌ كرمك، ‌و‌ على ضوء ذلك فانك- انت- ولى الثقه بكل المستقبل ‌و‌ ‌ما‌ فيه ‌من‌ الطافك ‌و‌ عطاياك،
 ‌يا‌ رب، قد تتجمع الهموم ‌فى‌ قلبى عندما افكر بالمستقبل ‌فى‌ مشاكله ‌و‌ اهتزازاته ‌و‌ بلاياه، فيشغلنى ذلك عن التفكير ‌فى‌ واجباتى ‌و‌ مسوولياتى امامك، ‌و‌ قد يعرضنى ذلك الى البعد عنك ‌و‌ عن مواقع رضاك.
 اللهم اننى اعرف ‌ان‌ كل ‌هم‌ غير الهم المنفتح على علاقتى بك ‌لا‌ قيمه له، ‌و‌ ‌ان‌ كل الاهتمامات المتصله بحاجات الدنيا ‌لا‌ ترقى الى مستوى الاهميه ‌فى‌ حاجات الاخره، ‌و‌ ‌ان‌ الصله بك هى الصله الوثيقه التى ‌لا‌ صله اوثق منها، لانك- وحدك- ولى الامر كله.
 اللهم فرغ قلبى للهم الكبير ‌فى‌ القيام بطاعتى لك مما خلقتنى له، ‌و‌ حرك كل طاقاتى ‌فى‌ اتجاه الوصول الى الدرجه العليا التى وصل اليها الاتقياء ‌و‌ اهل القرب اليك ‌و‌ الزلفه عندك، ‌من‌ هولاء الذين خصصتهم بفضلك، ‌و‌ جعلتهم ‌من‌ اهل الصفاء ‌فى‌ محبتك، ‌و‌ اسقنى- ‌يا‌ رب- شراب المعرفه اللذيذ الذى يروى ظماى الى حبك فيتحرك ‌بى‌ ‌فى‌ ‌خط‌ طاعتك، ‌فى‌ الساحه التى تذهل فيها العقول عن وعى الحقيقه المشرقه بفعل اجواء الغفله ‌فى‌ الذات، حتى تعيش طاعتك ‌فى‌ قلبى فتنفذ فيه نفوذ الماء ‌فى‌ البدن.
 اللهم اجمع لى- ‌فى‌ حياتى المتحركه نحوك- كل ‌ما‌ يمنحنى الهدوء ‌و‌ الطمانينه ‌و‌ الاستقامه، ‌من‌ الغنى الذى ‌لا‌ احتاج- معه- الى احد سواك، ‌و‌ العفاف عن كل حرام مما تجتذبنى اليه الغرائز ‌فى‌ شهواتها ‌و‌ نزواتها ‌و‌ انحرافاتها، ‌و‌ الراحه ‌و‌ خفض العيش، ‌و‌ المعافاه ‌من‌ كل الاسقام ‌و‌ الامراض ‌و‌ الصحه التى يرتاح اليها البدن ‌فى‌ نتائجها الطبيعيه ‌فى‌ حركته ‌و‌ السعه ‌فى‌ الرزق، ‌و‌ الاستقرار النفسى الذى يمنح الذات الطمانينه الروحيه ‌و‌ العافيه ‌من‌ كل بلاء ‌و‌ ‌من‌ كل سوء ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ آلاخره.

و اجعلنى ممن يمتد ‌فى‌ حسناته ‌فى‌ كل عمره فلا يسقط منها شى ء ‌فى‌ اجواء سيئاته التى قد تحبط الحسنات بتاثيراتها السلبيه، ‌و‌ هيى ء لى السلامه ‌فى‌ خلواتى بك ‌فى‌ عبادتى ‌و‌ صلاتى ‌و‌ ابتهالاتى، ‌من‌ كل خطرات الوساوس الشيطانيه التى توقعنى ‌فى‌ البلاء الذى قد تسقطنى نوازعه ‌و‌ اوضاعه، ‌لا‌ عيش معك بعيدا عن كل انحراف ‌فى‌ التصور، ‌او‌ اهتزاز ‌فى‌ الواقع.
 اللهم ‌لا‌ تبذل ماء وجهى ‌لا‌ ‌حد‌ ‌من‌ خلقك، بل اجعل وجهى عزيزا بالحاجه اليك وحدك، فلا اتوجه بحاجتى الى احد سواك، ‌و‌ ‌لا‌ اطلب لنفسى شيئا الا منك، ‌و‌ ادفعنى ‌يا‌ رب عن التطلع الى ‌ما‌ ‌فى‌ ايدى الفاسقين ‌من‌ رزقك الذى منحتهم اياه بحكمتك ‌و‌ رحمتك التى ‌و‌ سعت كل شى ء، بالرغم ‌من‌ خروجهم عن الايمان بك الى الكفر بتوحيدك ‌و‌ برسالتك ‌و‌ رسلك، ‌و‌ ‌من‌ ‌خط‌ الطاعه الى ساحه المعصيه، ‌و‌ ‌من‌ الخضوع اليك الى الخضوع لغيرك.
 اللهم ‌ان‌ حاجتى اليهم، ‌و‌ التماس ‌ما‌ عندهم، يعرضنى الى السقوط تحت تاثير ‌ما‌ يفرضونه على ‌من‌ الانحراف عنك كثمن لعطاياهم، ‌و‌ هذا ‌هو‌ السقوط العظيم الذى يودى ‌بى‌ الى الهلاك ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره.
 
اللهم افتح لى ابواب توبتك ‌و‌ رزقك:
 
 اللهم اجعلنى ‌فى‌ كل طاقاتى الماديه ‌و‌ المعنويه ناصرا للمومنين ‌و‌ للعادلين، ‌و‌ امنعنى ‌من‌ النصره ‌و‌ المساعده للظالمين الذين ظلموا انفسهم بالكفر ‌و‌ المعصيه ‌و‌ العدوان على الناس، ‌و‌ ابعدنى عن تحريك قوتى ‌فى‌ دعم قوتهم التى تعمل على محو الحقائق الايمانيه ‌و‌ الروحيه ‌و‌ العمليه التى انزلت آياتها ‌فى‌ كتابك.
 اللهم انى اسالك ‌ان‌ تحوطنى- ‌فى‌ كل جانب ‌من‌ جوانب حياتى- ‌من‌ كل الاخطار الفكريه ‌و‌ الروحيه التى تصيب ايمانى، ‌و‌ ‌من‌ كل الاضرار المتنوعه التى تصيب بدنى ‌و‌ حياتى كلها، حياطه شامله ‌من‌ حيث اعلم ‌او‌ ‌لا‌ اعلم، تقينى بها ‌من‌ كل سوء ‌فى‌ الدنيا ‌و‌ الاخره، ‌و‌ افتح لى ابواب التوبه ‌من‌ كل خطاياى، حتى ‌لا‌ توقفنى بعدها على ذنب اجترحته ‌او‌ معصيه اقترفتها، ‌و‌ ابواب الرحمه التى تغمرنى بكل الخير ‌و‌ اللطف ‌من‌ عندك، ‌و‌ ابواب الرافه التى تملا قلبى بالمحبه ‌و‌ الحنان ‌و‌ الطمانينه، ‌و‌ ابواب رزقك الواسع الذى ‌لا‌ احتاج معه احدا. اننى راغب اليك ‌فى‌ كل حاجاتى ‌و‌ تطلعاتى ‌يا‌ خير المرغوبين، ‌و‌ اتمم على نعمتك التى بداتها بخلقى بكل خصوصياته ‌و‌ تفاصيله انك خير المنعمين.

اللهم ‌ان‌ الحج ‌و‌ العمره بابان ‌من‌ ابواب مغفرتك، فتحتهما لكل المومنين ‌من‌ عبادك كمظهر ‌من‌ مظاهر الاخلاص ‌فى‌ عبوديتهم لك ‌و‌ اخلاصهم اليك، اللهم اجعل عمرى ‌فى‌ مستقبل امرى ‌فى‌ الحج ‌و‌ العمره ‌فى‌ اخلاص العباده التى ‌لا‌ تريد الا وجهك ‌و‌ القربى اليك ‌و‌ الزلفه لديك ‌يا‌ رب العالمين، ‌و‌ صلى الله على محمد رسوله ‌و‌ آله الطيبين الطاهرين، ‌و‌ السلام عليه ‌و‌ عليهم الى ابد الابدين، ‌و‌ الحمد لله رب العالمين.
 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

دعاوه فى الصلاه على حمله العرش و كل ملك مقرب
دعاوه فى الالحاح على الله تعالى
دعاوه فى یوم الاضحى و یوم الجمعه
دعاوه اذا استقال من ذنوبه
دعاء دخول شهر رمضان
دعاوه عند الصباح و المساء
دعاوه فى طلب العفو و الرحمه
دعاوه لنفسه و اهل ولایته
و كان من دعائه (علیه السلام) بعد الفراغ من صلاه ...
دعاوه عند الشده و الجهد و تعسر الامور

بیشترین بازدید این مجموعه


 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^