لقد ذکروا فی الدفاع عن عمر بن الخطاب وعن تحریمه للمتعة ثلاثة وجوه ، ولم أجد أکثر من هذه الوجوه. الوجه الاوّل : إنّ المحرّم لمتعة النساء هو رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، فالمتعة کانت فی حیاته الکریمة محرّمة ، إلاّ أنّه لم یقل بهذا الحکم الشرعی للناس ولم یعلنه ، وإنّما أعلم به عمر بن الخطّاب فقط ، فلمّا تولّى عمر الامر ـ أی أمر الخلافة ـ أعلن عن هذا الحکم.
لقد ذکروا فی الدفاع عن عمر بن الخطاب وعن تحریمه للمتعة ثلاثة وجوه ، ولم أجد أکثر من هذه الوجوه.
الوجه الاوّل : إنّ المحرّم لمتعة النساء هو رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، فالمتعة کانت فی حیاته الکریمة محرّمة ، إلاّ أنّه لم یقل بهذا الحکم الشرعی للناس ولم یعلنه ، وإنّما أعلم به عمر بن الخطّاب فقط ، فلمّا تولّى عمر الامر ـ أی أمر الخلافة ـ أعلن عن هذا الحکم.
هذا ما ینتهی إلیه الفخر الرازی (1) بعد أنْ یحقّق فی المسألة ، ویشرّق ویغرّب ، لاحظوا نصّ عبارته : فلم یبق إلاّ أن یقال : ـ أی الاقوال الاُخرى والوجوه الاُخرى کلّها مردودة فی نظره ـ کان مراده ـ أی مراد عمر ـ أنّ المتعة کانت مباحة فی زمن الرسول ( صلى الله علیه وسلم ) وأنا أنهى عنها ، لما ثبت عندی أنّه ـ أی النبی ـ نسخها.
والاصرح من عبارته عبارة النووی (2) فی توجیه هذا التحریم یقول : محمول ـ أی تحریمه للمتعة ـ على أنّ الذی استمتع على عهد أبی بکر وعمر لم یبلغه النسخ ، وإنّما بلغ النسخ عمر بن الخطّاب فقط.
وکأنّ رسول الله همس فی أُذن عمر بن الخطّاب بهذا الحکم الشرعی ، وبقی هذا الحکم عنده وحده إلى أن أعلن عنه فی أواخر أیّام حیاته.
مناقشة الوجه الاوّل : أوّلاً : إنّه یقول : وأنا أنهى عنهما ، ولا یقول بأنّ رسول الله نسخ هذا الحکم وحرّمه وإنّی أُحرّم المتعة لتحریم رسول الله ، یقول : أنا أنهى عنهما واُعاقب علیهما.
وثانیاً : هل یرتضی الفخر الرازی ویرتضی النووی ـ لاسیّما الفخر الرازی الذی یقول : لم یبق إلاّ أن یقال ، الفخر الرازی الذی عنده حتّى أعلن عنه.
هذه الروایة فی تاریخ الطبری فی حوادث سنة 23 هـ (3).
ولکن الاُمّة لم تقبل هذا العذر من عمر الذی قال بأنّ رسول الله أحلّها فی زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى سعة ، لم تقبل الاُمّة هذا العذر من عمر ، وبقی الاختلاف على حاله إلى یومنا هذا.
الوجه الثانی : إنّ التحریم کان من عمر نفسه ولیس من رسول الله ، هذا التحریم کان منه ، وهو مقتضى نصّ عبارته : وأنا أنهى عنهما.
ولکن تحریم عمر یجب اتّباعه وامتثاله وإطاعته وتطبیقه ، لقول النبی ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : « علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیین من بعدی عضّوا علیها بالنواجذ ». هذا حدیث نبوی ، وینطبق هذا الحدیث على فعل عمر ، وحینئذ یجب إطاعة عمر فیما قال وفعل ، فیما نهى وأمر.
یقول ابن القیّم : فإن قیل : فما تصنعون بما رواه مسلم فی صحیحه عن جابر بن عبدالله کنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقیق الایام على عهد رسول الله وأبی بکر ، حتّى نهى عنها عمر فی شأن عمرو بن حریث ، وفیما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان کانتا على عهد رسول الله ؟
قیل فی الجواب : الناس فی هذا طائفتان ، طائفة تقول : إنّ عمر هو الذی حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون [ إشارة إلى الحدیث الذی ذکرته ] ولم تر هذه الطائفة تصحیح حدیث سمرة بن معبد فی تحریم المتعة عام الفتح ، فإنّه من روایة عبدالملک بن الربیع بن سمرة عن أبیه عن جدّه ، وقد تکلّم فیه ابن معین ، ولم یر البخاری إخراج حدیثه فی صحیحه مع شدّة الحاجة إلیه.
یقول ابن القیّم : إنّ هذه الطائفة لم تعتبر هذا الحدیث والبخاری لم یخرّجه فی صحیحه ، وتکلّم فیه ابن معین ، لو کان صحیحاً لاخرجه البخاری مع شدّة الحاجة إلیه وکونه أصلاً من أصول الاسلام ، ولو صحّ عنده ـ عند البخاری ـ لم یصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صحّ هذا الحدیث لم یخف على ابن مسعود ، حتّى یروی أنّهم فعلوها ویحتج بالایة الایة : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا ... ) وأیضاً لو صحّ لم یقل عمر إنّها کانت على عهد رسول الله وأنا أنهى عنها وأُعاقب ، بل کان یقول : إنّه ( صلى الله علیه وآله وسلم ) حرّمها ونهى عنها. قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصدّیق وهو عهد خلافة النبوّة حقّاً.
فظهر أنّ هذا القول ـ أی القول بأنّ التحریم منه لا من الرسول ـ قول طائفة من العلماء ، وهؤلاء لا یعتبرون الاحادیث الدالّة على تحریم رسول الله المتعة فی بعض المواطن ، کما سنقرأ تلک الاحادیث فی القول الثالث ، وقالوا بأنّ المحرِّم هو عمر ، لکنّ تحریمه لا مانع منه وأنّه سائِغ وجائز ، بل هو سنّة ، ورسول الله أمر باتّباع سنّة الخلفاء الراشدین من بعده وهو منهم.
مناقشة الوجه الثانی : فی هذا الوجه اعتراف وإقرار بما یدلّ علیه کلام عمر حیث یقول : وأنا أنهى ، ولیس فیه أیّ تمحّل وتکلّف ، أخذ بظاهر عبارته الصریحة فی معناها ، لکن فی مقام التوجیه لابدّ وأن ینتهی الامر إلى رسول الله ، وقد انتهى الامر إلى رسول الله على ضوء الحدیث المذکور.
فرسول الله یقول : کلّ ما سنّه الخلفاء من بعده ، فتلک السنّة واجبة الاتّباع ، واجبة الامتثال والتطبیق ، فحینئذ یتمّ التحریم ، إذ أنّه ینتهی إلى التشریع ، إلى الله والرسول.
لکن یتوقف هذا الاستدلال على تمامیّة حدیث : « علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیین من بعدی » أنْ یتمّ هذا الحدیث سنداً ودلالة.
أمّا سنداً ، فلابدّ أن یتمّ سنده ویکون معتبراً وتوثّق رجاله على أساس کلمات علماء الجرح والتعدیل من أهل السنّة على الاقل.
وأمّا دلالةً ، فلابد وأن یراد من الخلفاء الراشدین المهدیین فی الحدیث ، أن یراد الاربعة من بعده ، أو الخمسة من بعده الذین یسمّونهم بالخلفاء الراشدین وهم : أبوبکر وعمر وعثمان وعلی وعمر بن عبدالعزیز أو الحسن المجتبى على خلاف بینهم.
إذا کان المراد من هذا الحدیث هؤلاء ، فحینئذ یتمّ الاستدلال بعد تمامیّة السند.
ولکنّی وُفّقت ـ ولله الحمد ـ بتحریر رسالة مفردة (4) فی هذا الحدیث ، وأثبتّ أنّه من الاحادیث الموضوعة فی زمن معاویة ، هذا أوّلاً.
وثانیاً : هذا الحدیث إنْ تمّ سنده على فرض التنزّل عن المناقشة سنداً ، فإنّ المراد من الخلفاء فی هذا الحدیث هم الائمّة الاثنا عشر فی الحدیث المعروف المشهور المتفق علیه بین المسلمین ، وعلیکم بمراجعة تلک الرسالة ، ولو کان لنا وقت ومجال لوسّعت الکلام فی هذا الحدیث ، ولکن أُحیلکم إلى تلک الرسالة.
الوجه الثالث : إنّ التحریم کان من رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، وهذا شیء أعلنه رسول الله وأبلغه رسول الله إلى الناس ، إلاّ أنّ الذین قالوا بجوازه وبقوا على حلیّته لم یبلغهم تحریم رسول الله ...
إنّ رسول الله أعلن عن هذا الحکم الشرعی ، إلاّ أنّ علیّاً لم یدرِ بهذا الحکم ، وابن عباس وابن مسعود وأُبی بن کعب وجابر بن عبدالله الانصاری وغیرهم ، کلّ هؤلاء لم یطّلعوا على هذا التحریم من رسول الله ، وأیضاً : عمر یقول : أُحرّمهما ، وقد کان علیه أن یقول رسول الله حرّم ، لکن أصحاب هذا القول یقولون بأنّ رسول الله هو الذی حرّم المتعة.
یقول ابن القیّم ـ بعد الکلام السابق الذی أوردناه ـ : الطائفة الثانیة رأت صحّة حدیث سمرة ، ولو لم یصح فقد صحّ حدیث علی أنّ رسول الله حرّم متعة النساء ، فوجب حمل حدیث جابر على أنّ الذی أخبر عنها بفعلها لم یبلغه التحریم ، ولم یکن قد اشتهر ، حتّى کان زمن عمر ، فلمّا وقع فیها النزاع ظهر تحریمها واشتهر.
یقول ابن القیّم : وبهذا تأتلف الاحادیث الواردة فی المتعة (5).
وخلاصة هذا القول : أنّ رسول الله هو الذی حرّم ، وقول عمر : أنا أُحرّمهما ، غیر ثابت ، والحال أنّه ثابت عند ابن القیّم ، وقد نصَّ على ذلک ، هذا والصحابة القائلون بالحلیّة بعد رسول الله لم یبلغهم التحریم.
مناقشة الوجه الثالث : لنرى متى حرّم رسول الله المتعة ؟ ومتى أعلن عن نسخ هذا الحکم الثابت فی الشریعة ؟
هنا أقوال کثیرة.
القول الاوّل : إنه کان عام حجة الوداع.
فرسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) حرّم المتعة عام حجّة الوداع ، والناس لم یعلموا ، أی القائلون بالحلیّة لم یعلموا ولم یطّلعوا على هذا التحریم ، فکان شیء حلالاً فی الشریعة بالکتاب والسنّة ثم إنّ رسول الله نسخ هذا الحکم فی حجّة الوداع.
هذا هو القول الاوّل.
یقول ابن القیّم : هو وَهمٌ من بعض الرواة.
فهذا القول غلط.
القول الثانی : إنّه حرّم المتعة فی حنین.
قال ابن القیّم : هذا فی الحقیقة هو القول بکونه کان عام الفتح ، لاتصال غزاة حنین بالفتح.
إذن ، ینتفی القول بتحریم رسول الله المتعة فی عام حنین ، هذا القول الثانی.
القول الثالث : إنّه کان فی غزوة أوطاس.
یقول السهیلی الحافظ الکبیر : من قال من الرواة کان فی غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح.
فانتفى هذا العنوان ، عنوان أنّ التحریم کان فی أوطاس. تجدون هذه الکلمة فی فتح الباری لابن حجر (6).
القول الرابع : قیل فی عمرة القضاء.
قال السهیلی : أرغب ما روی فی ذلک ـ أی فی التحریم ـ روایة من قال فی غزوة تبوک ، ثمّ روایة الحسن إنّ ذلک کان فی عمرة القضاء ، هذا أرغب ما قیل.
ذکر هذا الکلام الحافظ ابن حجر فی شرح البخاری وقال : أمّا عمرة القضاء فلا یصحّ الاثر فیها ، لکونه من مرسل الحسن [ الحسن البصری ] ومراسیله ضعیفة ، لانّه کان یأخذ عن کلّ أحد ، وعلى تقدیر ثبوته ، لعلّه ـ أی الحسن ـ أراد أیّام خیبر ، لانّهما کانا فی سنة واحدة کما فی الفتح وأوطاس سواء (7).
فهذه أربعة أقوال بطلت بتصریحاتهم.
فمتى ؟ وأین حرّم رسول الله المتعة ؟ هذا التحریم الذی لم یبلغ أمیر المؤمنین وغیره من کبار الاصحاب ؟
القول الخامس : إنّه فی عام الفتح.
وهذا القول اختاره ابن القیّم ، واختاره ابن حجر ، ونسبه السهیلی إلى المشهور ، فلاحظوا زاد المعاد (8) ، وفتح الباری (9).
یقول ابن حجر الطریقة التی أخرجها مسلم مصرّحة بأنّها فی زمن الفتح أرجح ، فتعیّن المصیر إلیها.
فإذا کان رسول الله قد حرّم فی عام الفتح ، إذن المتعة حرام وإنْ لم یعلم بذلک علی ولا غیره من الصحابة ، وعلم بها عمر ومن تبعه.
قال ابن حجر بعد ذکر أدلّة الاقوال الاُخرى : فلم یبق من المواطن کما قلنا صحیحاً صریحاً سوى غزوة خیبر وغزوة الفتح ، وفی غزوة خیبر من کلام أهل العلم ما تقدّم.
إذن ، إنحصر الامر فی موطنین ، إمّا فی الفتح وإمّا فی خیبر ، لکن فی غزوة خیبر یعارضه کلام أهل العلم فهذا أیضاً یبطل ، ویبقى القول بأنّه فی عام الفتح.
أقول : دلیل کون التحریم فی غزوة الفتح ما هو ؟ هو ذاک الحدیث الذی لم یخرّجه البخاری ، هو الحدیث الذی أبطله ابن معین ، هو الحدیث الذی قال النووی وقال ابن قیّم وغیرهما : بأنّ هذا الحدیث غیر معتبر وإنْ أخرجه مسلم فی صحیحه.
لاحظوا تهذیب التهذیب لابن حجر العسقلانی بترجمة عبدالملک بن الربیع یقول : قال أبو خیثمة سئل یحیى بن معین عن أحادیث عبدالملک ابن الربیع عن أبیه عن جدّه فقال : ضعاف. وحکى ابن الجوزی عن ابن معین أنّه قال : عبدالملک ضعیف. وقال أبوالحسن ابن القطان : لم تثبت عدالته وإنْ کان مسلم أخرج له فغیر محتجّ به [ یعنی إنّ مسلماً أخرج هذا الحدیث عن هذا الرجل ، إلاّ أنّه لا یحتجّ مسلم به ، لماذا ؟ ] لانّه أخرجه متابعة.
والحدیث إذا کان متابعة فی الاصطلاح فمعناه أنّه لیس هو مورد الاحتجاج ، وإنّما ذکر لتقویة حدیث آخر ، ومسلم إنّما أخرج له حدیثاً واحداً فی المتعة ، هو نفس هذا الحدیث ، متابعةً ، وقد نبّه على ذلک المزّی صاحب کتاب تهذیب الکمال ، ولاحظوا تهذیب التهذیب (10). فظهر أنّ هذا الحدیث ساقط سنداً عند الشیخین ، وابن معین ، وغیرهم ، من أعلام المحدّثین وأئمّة الجرح والتعدیل.
وخلاصة البحث إلى الان : إن أمر القوم یدور بین أمرین کما ذکر ابن قیّم الجوزیّة :
إمّا أن ینسبوا التحریم إلى عمر ویجعلوا سنّته سنّةً شرعیّة یجب اتّباعها على أساس الحدیث الذی ذکرناه.
وأمّا إذا کان التحریم من رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، فلماذا نسبه عمر إلى نفسه ؟ ولماذا نسب کبار الصحابة إلى عمر التحریم ؟
ثمّ حینئذ یسألون عن وقت هذا التحریم ، وقد ظهر أنّه لیس فی أوطاس ، ولا فی فتح مکّة ، ولا فی حجّة الوداع ، ولا ، ولا ، ولا ، فأین کان هذا التحریم الذی بلغ عمر ولم یبلغ سائر الصحابة أجمعین ؟
هنا یضطربون ـ لاحظوا ـ یقولون : إنّ التحریم والتحلیل تکرّرا ، حلّلها رسول الله فی موطن ، ثمّ فی الموطن اللاحق حرّمها ، فی الموطن الثالث حلّلها ، فی الموطن الرابع حرّمها ... وهکذا ، حتّى یجمع بین هذه الاقوال والروایات.
لاحظوا عنوان مسلم یقول : باب نکاح المتعة وبیان أنّه أُبیح ثمّ نسخ ثمّ أبیح ثمّ نسخ واستقرّ حکمه إلى یوم القیامة.
لکنّ الروایات والاقوال هی أکثر من مرّتین ، تبلغ السبعة ، ولذا اضطرّ بعضهم أن یقول : أحلّ الرسول المتعة وحرّمها ، أحلّها وحرّمها إلى سبعة مواطن ، وهذا ما التزمه القرطبی فی تفسیره (11).
لکنّ ابن القیّم یقول : هذا لم یعهد فی الشریعة (12) ولا یوجد عندنا حکم أحلّه الله سبحانه وتعالى وحرّمه مرّتین ، فکیف إلى سبعة مرّات ؟!
فیظهر أنّها محاولات فاشلة ، ولم یتمکّنوا من إثبات تحریم رسول الله ، وکان الاجدر بهم أن یلتزموا بالقول الثانی ، أی القول بأنّ التحریم من عمر وأنّ سنّته سنّة شرعیّة وتعتبر سنّته من سنّة رسول الله ، وعلى المسلمین أن یأخذوا بها.
کان الاجدر بهم جمیعاً أن یلتزموا بهذا ، إن أمکنهم تصحیح حدیث « علیکم بسنّتی .... » وتمامیّة هذا الحدیث فی دلالته.
وإلى الان ... بقیت ذمّة عمر مشغولة ، والمشکلة غیر محلولة.
الافتراء على علیّ ( علیه السلام ) فی مسألة المتعة
حینئذ یضطرّون إلى الافتراء ، لانّ المخالف الاوّل علیّ علیه السلام ، وعلیّ هو الامام العالم بالاحکام الشرعیّة ، الحریص على حفظها وتطبیقها بحذافیرها ، فالاولى أن یفتروا على علی ، ویضعوا على لسانه أحادیث فی أنّ رسول الله حرّم المتعة ، فخرج عمر عن العهدة وشارکه فی الحکم بالتحریم والنقل عن رسول الله علی ( علیه السلام ).
وهذه طریقة أُخرى بعد أن فشلت المحاولات فی إثبات أنّ الرسول هو الذی حرّم ، وإثبات أنّه حرّم ولم یعلم بهذا التحریم إلاّ عمر ، وأیضاً فشلوا فی نسبة التحریم إلى عمر ، لعدم تمکّنهم من إثبات حدیث علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین ، فماذا یفعلون ؟ حینئذ یفترون على من ؟ على علیّ بن أبی طالب ، فلو أنّ علیّاً وافق عمر فی فتواه فی التحریم فی قول ، حینئذ ینتفی الخلاف ولا یبقى نزاع فی البین.
لکن المشکلة هی أنّ المفترین على علی لمّا تعدّدوا ، تعدّد الوضع علیه والافتراء ، فجاء أحدهم فنقل عن علی أنّ التحریم من رسول الله ، وکان فی الموطن الکذائی ، وجاء الاخر ـ وهو جاهل بتلک الفریة ـ وافترى علیه أنّ رسول الله حرّم فی موطن آخر ، وجاء ثالث وهو لا یعلم بأنّ قبله من افترى على علی فی موطنین ، فوضع موطناً ثالثاً ، وهکذا عادت المشکلة وتعدّدت الروایات ، فمتى حرّم رسول الله المتعة ؟ عادت المشکلة من جدید ، عندما یتعدّد المفترون ، وکلٌّ لا علم له باختلاق غیره ، حینئذ یتعدّد الاختلاق ، وإذا تعدّد الاختلاق حصل الاختلاف ، حتّى لو کانت الاحادیث موجودة فی الصحیحین ، إذ الخبران حینئذ یتعارضان ، لانّ التحریم من رسول الله واحد.
فمنهم من ینقل عن علی أنّ رسول ألله حرّم المتعة فی تبوک ، ومنهم من ینقل عن علی أنّ رسول الله حرّم المتعة فی حنین ، ومنهم من ینقل عن علی عن رسول الله أنّه حرّم المتعة فی خیبر ، عادت المشکلة من جدید ، وقد أرادوا أن یجعلوا علیّاً موافقاً لعمر فی التحریم ، فتورّطوا من جدید .
لاحظوا الاسانید بدقّة ، فالسند واحد ، السند الذی یقول عن علی التحریم فی تبوک هو نفس السند الذی یقول عنه أنّ التحریم
فی خیبر ، وهو نفس السند الذی یقول أنّ التحریم فی حنین ، فلاحظوا کیف یکون .
الحدیث الاول :
قال النووی : وذکر غیر مسلم عن علی أنّ النبی نهى عنها فی غزوة تبوک ، من روایة إسحاق بن راشد عن الزهری عن عبدالله بن محمّد بن علی عن أبیه عن علی : أنّ رسول الله حرّم المتعة فی تبوک.
إذن ، الراوی من ؟ الزهری ، عن عبد الله بن محمّد بن الحنفیّة ، عن أبیه محمد بن الحنفیة ، عن علی : إنّ رسول الله حرّم المتعة فی تبوک (13).
الحدیث الثانی :
أخرج النسائی : أخبرنا عمرو بن علی ومحمّد بن بشّار ومحمّد بن المثنّى ثلاثتهم قالوا : أنبأنا عبدالوهّاب قال : سمعت یحیى بن سعید یقول : أخبرنی مالک بن أنس ، أنّ ابن شهاب ـ أی الزهری ـ أخبره أنّ عبدالله والحسن ابنی محمّد بن علی أخبراه ، أنّ أباهما محمّد بن علی بن الحنفیّة أخبرهما أنّ علی بن أبی طالب قال : نهى رسول الله یوم خیبر عن متعة النساء ، قال ابن المثنّى [ هذا
أحد الثلاثة الذین روى عنهم النسائی ، لانّه قال عمرو بن علی ومحمّد بن بشّار ومحمّد بن المثنّى ثلاثتهم ] قال ابن المثنّى : حنین بدل خیبر.
نفس السند ابن المثنّى یقول : حنین ، قال : هکذا حدّثنا عبدالوهّاب من کتابه.
ففی سند واحد ابن المثنّى یقول : حنین ، الاخران یقولان خیبر ، فی سند واحد ، والسند ینتهی إلى الزهری ، الزهری عن ابنی محمّد بن الحنفیّة ، ومحمّد عن أبیه علی عن رسول الله (14).
وأمّا أخبار خیبر ، ففی الصحیحین ، أخرج البخاری : حدّثنا مالک بن إسماعیل ، حدّثنا ابن عُیینة : إنّه سمع الزهری یقول : أخبرنی الحسن بن محمّد بن علی وأخوه عبدالله ، عن أبیهما : إنّ علیّاً قال لابن عباس.
لاحظوا أیضاً قول علی لابن عباس ، هذه عبارة علی یخاطب ابن عباس ، لانّ ابن عباس إلى آخر لحظة من حیاته کان یقول بحلیّة المتعة ، هذا ثابت ، وعلی کان من القائلین بالحرمة کما یزعمون.
فقال لابن عباس : إنّ النبی نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الاهلیّة زمن خیبر (15).
وأخرج مسلم : حدّثنا یحیى بن یحیى قال : قرأت على مالک على ابن شهاب [ عاد إلى الزهری ] عن عبدالله والحسن ابنی محمّد ابن علی ، عن أبیهما ، عن علی بن أبی طالب : أنّ رسول الله نهى عن متعة النساء یوم خیبر وعن أکل اللحوم الحمر الانسیّة.
هنا لایوجد خطاب لابن عباس ، فلاحظوا بقیّة الاحادیث :
وحدّثناه عبدالله بن محمّد بن أسماء الربیعی ، حدّثنا الجویریة ، عن مالک بهذا الاسناد [ نفس السند ] وقال : سمع علی بن أبی طالب یقول لفلان [ لا یوجد اسم ابن عباس ] : إنّک رجل تائه ، نهانا رسول الله عن متعة النساء یوم خیبر.
لاحظتم الفرق بین العبارات.
حدیث آخر : حدّثنا أبوبکر ابن أبی شیبة وابن نمیر وزهیر بن حرب ، جمیعاً عن ابن عیینة. قال زهیر : حدّثنا سفیان بن عیینة ، عن الزهری ، عن الحسن بن عبدالله بن محمّد بن علی ، عن أبیهما ، عن علی : إنّ رسول الله نهى عن نکاح المتعة یوم خیبر وعن لحوم الحمر الاهلیّة.
هنا أیضاً لا یتعرض إلى ذکر ابن عباس.
وحدّثنا محمّد بن عبدالله بن نمیر ، حدّثنا أبی حدّثنا عبیدالله ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابنی محمّد بن علی ، عن أبیهما ، عن علی : إنّه سمع ابن عباس یلیّن فی متعة النساء فقال : مهلاً یابن عباس [ فی هذا اللفظ مهلاً یابن عباس ، کان هناک : إنّک رجل تائه ، فی لفظ آخر : قال لفلان ] : مهلاً یابن عباس ، فإنّ رسول الله نهى عنها یوم خیبر وعن لحوم الحمر الانسیّة.
وأیضاً حدیث آخر : حدّثنی أبوالطاهر وحرملة بن یحیى قالا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرنی یونس ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابنی محمّد بن علی بن أبی طالب ، عن أبیهما : إنّه سمع علی بن أبی طالب یقول لابن عباس : یابن عباس نهى رسول الله عن متعة النساء یوم خیبر وعن أکل لحوم الحمر الانسیّة (16).
إذن ، لاحظتم أنّهم یروون عن علی بسند واحد أنّ رسول الله حرّم المتعة ، تارة ینقلون حرّمها فی خیبر ، وتارة فی تبوک ، وتارة فی حنین ، وهذه الاحادیث وهی بسند واحد ، ألیست تتعارض
ویکذّب بعضها بعضاً ؟ وقد وجدتم الخبر عند النسائی بسند واحد وفیه خیبر وحنین ، کلاهما بسند واحد !
حدیث التحریم فی تبوک ، نصّ الحافظ ابن حجر بأنّه خطأ.
وحدیث التحریم فی خیبر خطّأه کبار الائمّة وکذّبه أعلام الحدیث والرجال والسیر ، لاحظوا السهیلی یقول : هذا غلط هذا کذب.
فابن عبد البر ، والبیهقی ، وإبن حجر العسقلانی ، والقسطلانی صاحب إرشاد الساری ، والعینی صاحب عمدة القاری ، وابن کثیر فی تاریخه ، وإبن القیّم کلّهم قالوا : هذا غلط وخطأ (17) ، بل قالوا : النهی عن نکاح المتعة یوم خیبر شیء لا یعرفه أحد من أهل السیر ورواة الاثر.
إذن ، فماذا یبقى ؟ وما الفائدة من الافتراء على علی ، وبقی عمر فی تحریم المتعة وحده.
وهذه الاحادیث کلّها ـ کما قرأنا ـ تنصّ على أنّ عبدالله بن عباس کان یقول بالحلیّة ، وهناک أحادیث أُخرى أیضاً لم أقرأها ،
وعلی قال له : إنّک رجل تائه ، لانّه کان یقول بالحلیّة.
فإذن ، یکون ابن عباس مخالفاً لعمر ، وماذا فعلوا ؟ لابد من الافتراء على ابن عباس أیضاً ، فرووا أنّ ابن عباس رجع عن القول بالحلّیّة ...
یقول ابن حجر فی فتح الباری : کلّ أسانید رجوع عبدالله بن عباس ضعیفة.
ینصّ الحافظ ابن حجر وینصّ ابن کثیر على أنّ ابن عباس بالرغم من أنّه خاطبه علیّ بأنّک رجل تائه ، وقال له : مهلاً یابن عباس ... وإلى آخره ، لم یرجع عن القول بالحلیّة إلى آخر حیاته ، فوضعوا على لسانه أحادیث بأنّه رجع ، وابن حجر یقول : هذه الاحادیث کلّها ضعیفة سنداً ، وابن کثیر أیضاً یکذّب الرجوع (18).
وبقی عمر وحده ، ولم یتمکّن أولیاؤه من توجیه تحریم عمر وتبریر مقولته ، وماذا نفعل ؟ وما ذنبنا ؟ أرأیتم إنّنا نقلنا شیئاً عن أصحابنا ؟ أوجدتم روایة ذکرناها عن طرقنا ؟ وهل اعتمدنا فی هذا البحث على کتاب من کتبنا ؟
الوجه الاوّل : إنّ المحرّم لمتعة النساء هو رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، فالمتعة کانت فی حیاته الکریمة محرّمة ، إلاّ أنّه لم یقل بهذا الحکم الشرعی للناس ولم یعلنه ، وإنّما أعلم به عمر بن الخطّاب فقط ، فلمّا تولّى عمر الامر ـ أی أمر الخلافة ـ أعلن عن هذا الحکم.
هذا ما ینتهی إلیه الفخر الرازی (1) بعد أنْ یحقّق فی المسألة ، ویشرّق ویغرّب ، لاحظوا نصّ عبارته : فلم یبق إلاّ أن یقال : ـ أی الاقوال الاُخرى والوجوه الاُخرى کلّها مردودة فی نظره ـ کان مراده ـ أی مراد عمر ـ أنّ المتعة کانت مباحة فی زمن الرسول ( صلى الله علیه وسلم ) وأنا أنهى عنها ، لما ثبت عندی أنّه ـ أی النبی ـ نسخها.
والاصرح من عبارته عبارة النووی (2) فی توجیه هذا التحریم یقول : محمول ـ أی تحریمه للمتعة ـ على أنّ الذی استمتع على عهد أبی بکر وعمر لم یبلغه النسخ ، وإنّما بلغ النسخ عمر بن الخطّاب فقط.
وکأنّ رسول الله همس فی أُذن عمر بن الخطّاب بهذا الحکم الشرعی ، وبقی هذا الحکم عنده وحده إلى أن أعلن عنه فی أواخر أیّام حیاته.
مناقشة الوجه الاوّل : أوّلاً : إنّه یقول : وأنا أنهى عنهما ، ولا یقول بأنّ رسول الله نسخ هذا الحکم وحرّمه وإنّی أُحرّم المتعة لتحریم رسول الله ، یقول : أنا أنهى عنهما واُعاقب علیهما.
وثانیاً : هل یرتضی الفخر الرازی ویرتضی النووی ـ لاسیّما الفخر الرازی الذی یقول : لم یبق إلاّ أن یقال ، الفخر الرازی الذی عنده حتّى أعلن عنه.
هذه الروایة فی تاریخ الطبری فی حوادث سنة 23 هـ (3).
ولکن الاُمّة لم تقبل هذا العذر من عمر الذی قال بأنّ رسول الله أحلّها فی زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى سعة ، لم تقبل الاُمّة هذا العذر من عمر ، وبقی الاختلاف على حاله إلى یومنا هذا.
الوجه الثانی : إنّ التحریم کان من عمر نفسه ولیس من رسول الله ، هذا التحریم کان منه ، وهو مقتضى نصّ عبارته : وأنا أنهى عنهما.
ولکن تحریم عمر یجب اتّباعه وامتثاله وإطاعته وتطبیقه ، لقول النبی ( صلى الله علیه وآله وسلم ) : « علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیین من بعدی عضّوا علیها بالنواجذ ». هذا حدیث نبوی ، وینطبق هذا الحدیث على فعل عمر ، وحینئذ یجب إطاعة عمر فیما قال وفعل ، فیما نهى وأمر.
یقول ابن القیّم : فإن قیل : فما تصنعون بما رواه مسلم فی صحیحه عن جابر بن عبدالله کنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقیق الایام على عهد رسول الله وأبی بکر ، حتّى نهى عنها عمر فی شأن عمرو بن حریث ، وفیما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان کانتا على عهد رسول الله ؟
قیل فی الجواب : الناس فی هذا طائفتان ، طائفة تقول : إنّ عمر هو الذی حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون [ إشارة إلى الحدیث الذی ذکرته ] ولم تر هذه الطائفة تصحیح حدیث سمرة بن معبد فی تحریم المتعة عام الفتح ، فإنّه من روایة عبدالملک بن الربیع بن سمرة عن أبیه عن جدّه ، وقد تکلّم فیه ابن معین ، ولم یر البخاری إخراج حدیثه فی صحیحه مع شدّة الحاجة إلیه.
یقول ابن القیّم : إنّ هذه الطائفة لم تعتبر هذا الحدیث والبخاری لم یخرّجه فی صحیحه ، وتکلّم فیه ابن معین ، لو کان صحیحاً لاخرجه البخاری مع شدّة الحاجة إلیه وکونه أصلاً من أصول الاسلام ، ولو صحّ عنده ـ عند البخاری ـ لم یصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صحّ هذا الحدیث لم یخف على ابن مسعود ، حتّى یروی أنّهم فعلوها ویحتج بالایة الایة : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا ... ) وأیضاً لو صحّ لم یقل عمر إنّها کانت على عهد رسول الله وأنا أنهى عنها وأُعاقب ، بل کان یقول : إنّه ( صلى الله علیه وآله وسلم ) حرّمها ونهى عنها. قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصدّیق وهو عهد خلافة النبوّة حقّاً.
فظهر أنّ هذا القول ـ أی القول بأنّ التحریم منه لا من الرسول ـ قول طائفة من العلماء ، وهؤلاء لا یعتبرون الاحادیث الدالّة على تحریم رسول الله المتعة فی بعض المواطن ، کما سنقرأ تلک الاحادیث فی القول الثالث ، وقالوا بأنّ المحرِّم هو عمر ، لکنّ تحریمه لا مانع منه وأنّه سائِغ وجائز ، بل هو سنّة ، ورسول الله أمر باتّباع سنّة الخلفاء الراشدین من بعده وهو منهم.
مناقشة الوجه الثانی : فی هذا الوجه اعتراف وإقرار بما یدلّ علیه کلام عمر حیث یقول : وأنا أنهى ، ولیس فیه أیّ تمحّل وتکلّف ، أخذ بظاهر عبارته الصریحة فی معناها ، لکن فی مقام التوجیه لابدّ وأن ینتهی الامر إلى رسول الله ، وقد انتهى الامر إلى رسول الله على ضوء الحدیث المذکور.
فرسول الله یقول : کلّ ما سنّه الخلفاء من بعده ، فتلک السنّة واجبة الاتّباع ، واجبة الامتثال والتطبیق ، فحینئذ یتمّ التحریم ، إذ أنّه ینتهی إلى التشریع ، إلى الله والرسول.
لکن یتوقف هذا الاستدلال على تمامیّة حدیث : « علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین المهدیین من بعدی » أنْ یتمّ هذا الحدیث سنداً ودلالة.
أمّا سنداً ، فلابدّ أن یتمّ سنده ویکون معتبراً وتوثّق رجاله على أساس کلمات علماء الجرح والتعدیل من أهل السنّة على الاقل.
وأمّا دلالةً ، فلابد وأن یراد من الخلفاء الراشدین المهدیین فی الحدیث ، أن یراد الاربعة من بعده ، أو الخمسة من بعده الذین یسمّونهم بالخلفاء الراشدین وهم : أبوبکر وعمر وعثمان وعلی وعمر بن عبدالعزیز أو الحسن المجتبى على خلاف بینهم.
إذا کان المراد من هذا الحدیث هؤلاء ، فحینئذ یتمّ الاستدلال بعد تمامیّة السند.
ولکنّی وُفّقت ـ ولله الحمد ـ بتحریر رسالة مفردة (4) فی هذا الحدیث ، وأثبتّ أنّه من الاحادیث الموضوعة فی زمن معاویة ، هذا أوّلاً.
وثانیاً : هذا الحدیث إنْ تمّ سنده على فرض التنزّل عن المناقشة سنداً ، فإنّ المراد من الخلفاء فی هذا الحدیث هم الائمّة الاثنا عشر فی الحدیث المعروف المشهور المتفق علیه بین المسلمین ، وعلیکم بمراجعة تلک الرسالة ، ولو کان لنا وقت ومجال لوسّعت الکلام فی هذا الحدیث ، ولکن أُحیلکم إلى تلک الرسالة.
الوجه الثالث : إنّ التحریم کان من رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، وهذا شیء أعلنه رسول الله وأبلغه رسول الله إلى الناس ، إلاّ أنّ الذین قالوا بجوازه وبقوا على حلیّته لم یبلغهم تحریم رسول الله ...
إنّ رسول الله أعلن عن هذا الحکم الشرعی ، إلاّ أنّ علیّاً لم یدرِ بهذا الحکم ، وابن عباس وابن مسعود وأُبی بن کعب وجابر بن عبدالله الانصاری وغیرهم ، کلّ هؤلاء لم یطّلعوا على هذا التحریم من رسول الله ، وأیضاً : عمر یقول : أُحرّمهما ، وقد کان علیه أن یقول رسول الله حرّم ، لکن أصحاب هذا القول یقولون بأنّ رسول الله هو الذی حرّم المتعة.
یقول ابن القیّم ـ بعد الکلام السابق الذی أوردناه ـ : الطائفة الثانیة رأت صحّة حدیث سمرة ، ولو لم یصح فقد صحّ حدیث علی أنّ رسول الله حرّم متعة النساء ، فوجب حمل حدیث جابر على أنّ الذی أخبر عنها بفعلها لم یبلغه التحریم ، ولم یکن قد اشتهر ، حتّى کان زمن عمر ، فلمّا وقع فیها النزاع ظهر تحریمها واشتهر.
یقول ابن القیّم : وبهذا تأتلف الاحادیث الواردة فی المتعة (5).
وخلاصة هذا القول : أنّ رسول الله هو الذی حرّم ، وقول عمر : أنا أُحرّمهما ، غیر ثابت ، والحال أنّه ثابت عند ابن القیّم ، وقد نصَّ على ذلک ، هذا والصحابة القائلون بالحلیّة بعد رسول الله لم یبلغهم التحریم.
مناقشة الوجه الثالث : لنرى متى حرّم رسول الله المتعة ؟ ومتى أعلن عن نسخ هذا الحکم الثابت فی الشریعة ؟
هنا أقوال کثیرة.
القول الاوّل : إنه کان عام حجة الوداع.
فرسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) حرّم المتعة عام حجّة الوداع ، والناس لم یعلموا ، أی القائلون بالحلیّة لم یعلموا ولم یطّلعوا على هذا التحریم ، فکان شیء حلالاً فی الشریعة بالکتاب والسنّة ثم إنّ رسول الله نسخ هذا الحکم فی حجّة الوداع.
هذا هو القول الاوّل.
یقول ابن القیّم : هو وَهمٌ من بعض الرواة.
فهذا القول غلط.
القول الثانی : إنّه حرّم المتعة فی حنین.
قال ابن القیّم : هذا فی الحقیقة هو القول بکونه کان عام الفتح ، لاتصال غزاة حنین بالفتح.
إذن ، ینتفی القول بتحریم رسول الله المتعة فی عام حنین ، هذا القول الثانی.
القول الثالث : إنّه کان فی غزوة أوطاس.
یقول السهیلی الحافظ الکبیر : من قال من الرواة کان فی غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح.
فانتفى هذا العنوان ، عنوان أنّ التحریم کان فی أوطاس. تجدون هذه الکلمة فی فتح الباری لابن حجر (6).
القول الرابع : قیل فی عمرة القضاء.
قال السهیلی : أرغب ما روی فی ذلک ـ أی فی التحریم ـ روایة من قال فی غزوة تبوک ، ثمّ روایة الحسن إنّ ذلک کان فی عمرة القضاء ، هذا أرغب ما قیل.
ذکر هذا الکلام الحافظ ابن حجر فی شرح البخاری وقال : أمّا عمرة القضاء فلا یصحّ الاثر فیها ، لکونه من مرسل الحسن [ الحسن البصری ] ومراسیله ضعیفة ، لانّه کان یأخذ عن کلّ أحد ، وعلى تقدیر ثبوته ، لعلّه ـ أی الحسن ـ أراد أیّام خیبر ، لانّهما کانا فی سنة واحدة کما فی الفتح وأوطاس سواء (7).
فهذه أربعة أقوال بطلت بتصریحاتهم.
فمتى ؟ وأین حرّم رسول الله المتعة ؟ هذا التحریم الذی لم یبلغ أمیر المؤمنین وغیره من کبار الاصحاب ؟
القول الخامس : إنّه فی عام الفتح.
وهذا القول اختاره ابن القیّم ، واختاره ابن حجر ، ونسبه السهیلی إلى المشهور ، فلاحظوا زاد المعاد (8) ، وفتح الباری (9).
یقول ابن حجر الطریقة التی أخرجها مسلم مصرّحة بأنّها فی زمن الفتح أرجح ، فتعیّن المصیر إلیها.
فإذا کان رسول الله قد حرّم فی عام الفتح ، إذن المتعة حرام وإنْ لم یعلم بذلک علی ولا غیره من الصحابة ، وعلم بها عمر ومن تبعه.
قال ابن حجر بعد ذکر أدلّة الاقوال الاُخرى : فلم یبق من المواطن کما قلنا صحیحاً صریحاً سوى غزوة خیبر وغزوة الفتح ، وفی غزوة خیبر من کلام أهل العلم ما تقدّم.
إذن ، إنحصر الامر فی موطنین ، إمّا فی الفتح وإمّا فی خیبر ، لکن فی غزوة خیبر یعارضه کلام أهل العلم فهذا أیضاً یبطل ، ویبقى القول بأنّه فی عام الفتح.
أقول : دلیل کون التحریم فی غزوة الفتح ما هو ؟ هو ذاک الحدیث الذی لم یخرّجه البخاری ، هو الحدیث الذی أبطله ابن معین ، هو الحدیث الذی قال النووی وقال ابن قیّم وغیرهما : بأنّ هذا الحدیث غیر معتبر وإنْ أخرجه مسلم فی صحیحه.
لاحظوا تهذیب التهذیب لابن حجر العسقلانی بترجمة عبدالملک بن الربیع یقول : قال أبو خیثمة سئل یحیى بن معین عن أحادیث عبدالملک ابن الربیع عن أبیه عن جدّه فقال : ضعاف. وحکى ابن الجوزی عن ابن معین أنّه قال : عبدالملک ضعیف. وقال أبوالحسن ابن القطان : لم تثبت عدالته وإنْ کان مسلم أخرج له فغیر محتجّ به [ یعنی إنّ مسلماً أخرج هذا الحدیث عن هذا الرجل ، إلاّ أنّه لا یحتجّ مسلم به ، لماذا ؟ ] لانّه أخرجه متابعة.
والحدیث إذا کان متابعة فی الاصطلاح فمعناه أنّه لیس هو مورد الاحتجاج ، وإنّما ذکر لتقویة حدیث آخر ، ومسلم إنّما أخرج له حدیثاً واحداً فی المتعة ، هو نفس هذا الحدیث ، متابعةً ، وقد نبّه على ذلک المزّی صاحب کتاب تهذیب الکمال ، ولاحظوا تهذیب التهذیب (10). فظهر أنّ هذا الحدیث ساقط سنداً عند الشیخین ، وابن معین ، وغیرهم ، من أعلام المحدّثین وأئمّة الجرح والتعدیل.
وخلاصة البحث إلى الان : إن أمر القوم یدور بین أمرین کما ذکر ابن قیّم الجوزیّة :
إمّا أن ینسبوا التحریم إلى عمر ویجعلوا سنّته سنّةً شرعیّة یجب اتّباعها على أساس الحدیث الذی ذکرناه.
وأمّا إذا کان التحریم من رسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) ، فلماذا نسبه عمر إلى نفسه ؟ ولماذا نسب کبار الصحابة إلى عمر التحریم ؟
ثمّ حینئذ یسألون عن وقت هذا التحریم ، وقد ظهر أنّه لیس فی أوطاس ، ولا فی فتح مکّة ، ولا فی حجّة الوداع ، ولا ، ولا ، ولا ، فأین کان هذا التحریم الذی بلغ عمر ولم یبلغ سائر الصحابة أجمعین ؟
هنا یضطربون ـ لاحظوا ـ یقولون : إنّ التحریم والتحلیل تکرّرا ، حلّلها رسول الله فی موطن ، ثمّ فی الموطن اللاحق حرّمها ، فی الموطن الثالث حلّلها ، فی الموطن الرابع حرّمها ... وهکذا ، حتّى یجمع بین هذه الاقوال والروایات.
لاحظوا عنوان مسلم یقول : باب نکاح المتعة وبیان أنّه أُبیح ثمّ نسخ ثمّ أبیح ثمّ نسخ واستقرّ حکمه إلى یوم القیامة.
لکنّ الروایات والاقوال هی أکثر من مرّتین ، تبلغ السبعة ، ولذا اضطرّ بعضهم أن یقول : أحلّ الرسول المتعة وحرّمها ، أحلّها وحرّمها إلى سبعة مواطن ، وهذا ما التزمه القرطبی فی تفسیره (11).
لکنّ ابن القیّم یقول : هذا لم یعهد فی الشریعة (12) ولا یوجد عندنا حکم أحلّه الله سبحانه وتعالى وحرّمه مرّتین ، فکیف إلى سبعة مرّات ؟!
فیظهر أنّها محاولات فاشلة ، ولم یتمکّنوا من إثبات تحریم رسول الله ، وکان الاجدر بهم أن یلتزموا بالقول الثانی ، أی القول بأنّ التحریم من عمر وأنّ سنّته سنّة شرعیّة وتعتبر سنّته من سنّة رسول الله ، وعلى المسلمین أن یأخذوا بها.
کان الاجدر بهم جمیعاً أن یلتزموا بهذا ، إن أمکنهم تصحیح حدیث « علیکم بسنّتی .... » وتمامیّة هذا الحدیث فی دلالته.
وإلى الان ... بقیت ذمّة عمر مشغولة ، والمشکلة غیر محلولة.
الافتراء على علیّ ( علیه السلام ) فی مسألة المتعة
حینئذ یضطرّون إلى الافتراء ، لانّ المخالف الاوّل علیّ علیه السلام ، وعلیّ هو الامام العالم بالاحکام الشرعیّة ، الحریص على حفظها وتطبیقها بحذافیرها ، فالاولى أن یفتروا على علی ، ویضعوا على لسانه أحادیث فی أنّ رسول الله حرّم المتعة ، فخرج عمر عن العهدة وشارکه فی الحکم بالتحریم والنقل عن رسول الله علی ( علیه السلام ).
وهذه طریقة أُخرى بعد أن فشلت المحاولات فی إثبات أنّ الرسول هو الذی حرّم ، وإثبات أنّه حرّم ولم یعلم بهذا التحریم إلاّ عمر ، وأیضاً فشلوا فی نسبة التحریم إلى عمر ، لعدم تمکّنهم من إثبات حدیث علیکم بسنّتی وسنّة الخلفاء الراشدین ، فماذا یفعلون ؟ حینئذ یفترون على من ؟ على علیّ بن أبی طالب ، فلو أنّ علیّاً وافق عمر فی فتواه فی التحریم فی قول ، حینئذ ینتفی الخلاف ولا یبقى نزاع فی البین.
لکن المشکلة هی أنّ المفترین على علی لمّا تعدّدوا ، تعدّد الوضع علیه والافتراء ، فجاء أحدهم فنقل عن علی أنّ التحریم من رسول الله ، وکان فی الموطن الکذائی ، وجاء الاخر ـ وهو جاهل بتلک الفریة ـ وافترى علیه أنّ رسول الله حرّم فی موطن آخر ، وجاء ثالث وهو لا یعلم بأنّ قبله من افترى على علی فی موطنین ، فوضع موطناً ثالثاً ، وهکذا عادت المشکلة وتعدّدت الروایات ، فمتى حرّم رسول الله المتعة ؟ عادت المشکلة من جدید ، عندما یتعدّد المفترون ، وکلٌّ لا علم له باختلاق غیره ، حینئذ یتعدّد الاختلاق ، وإذا تعدّد الاختلاق حصل الاختلاف ، حتّى لو کانت الاحادیث موجودة فی الصحیحین ، إذ الخبران حینئذ یتعارضان ، لانّ التحریم من رسول الله واحد.
فمنهم من ینقل عن علی أنّ رسول ألله حرّم المتعة فی تبوک ، ومنهم من ینقل عن علی أنّ رسول الله حرّم المتعة فی حنین ، ومنهم من ینقل عن علی عن رسول الله أنّه حرّم المتعة فی خیبر ، عادت المشکلة من جدید ، وقد أرادوا أن یجعلوا علیّاً موافقاً لعمر فی التحریم ، فتورّطوا من جدید .
لاحظوا الاسانید بدقّة ، فالسند واحد ، السند الذی یقول عن علی التحریم فی تبوک هو نفس السند الذی یقول عنه أنّ التحریم
فی خیبر ، وهو نفس السند الذی یقول أنّ التحریم فی حنین ، فلاحظوا کیف یکون .
الحدیث الاول :
قال النووی : وذکر غیر مسلم عن علی أنّ النبی نهى عنها فی غزوة تبوک ، من روایة إسحاق بن راشد عن الزهری عن عبدالله بن محمّد بن علی عن أبیه عن علی : أنّ رسول الله حرّم المتعة فی تبوک.
إذن ، الراوی من ؟ الزهری ، عن عبد الله بن محمّد بن الحنفیّة ، عن أبیه محمد بن الحنفیة ، عن علی : إنّ رسول الله حرّم المتعة فی تبوک (13).
الحدیث الثانی :
أخرج النسائی : أخبرنا عمرو بن علی ومحمّد بن بشّار ومحمّد بن المثنّى ثلاثتهم قالوا : أنبأنا عبدالوهّاب قال : سمعت یحیى بن سعید یقول : أخبرنی مالک بن أنس ، أنّ ابن شهاب ـ أی الزهری ـ أخبره أنّ عبدالله والحسن ابنی محمّد بن علی أخبراه ، أنّ أباهما محمّد بن علی بن الحنفیّة أخبرهما أنّ علی بن أبی طالب قال : نهى رسول الله یوم خیبر عن متعة النساء ، قال ابن المثنّى [ هذا
أحد الثلاثة الذین روى عنهم النسائی ، لانّه قال عمرو بن علی ومحمّد بن بشّار ومحمّد بن المثنّى ثلاثتهم ] قال ابن المثنّى : حنین بدل خیبر.
نفس السند ابن المثنّى یقول : حنین ، قال : هکذا حدّثنا عبدالوهّاب من کتابه.
ففی سند واحد ابن المثنّى یقول : حنین ، الاخران یقولان خیبر ، فی سند واحد ، والسند ینتهی إلى الزهری ، الزهری عن ابنی محمّد بن الحنفیّة ، ومحمّد عن أبیه علی عن رسول الله (14).
وأمّا أخبار خیبر ، ففی الصحیحین ، أخرج البخاری : حدّثنا مالک بن إسماعیل ، حدّثنا ابن عُیینة : إنّه سمع الزهری یقول : أخبرنی الحسن بن محمّد بن علی وأخوه عبدالله ، عن أبیهما : إنّ علیّاً قال لابن عباس.
لاحظوا أیضاً قول علی لابن عباس ، هذه عبارة علی یخاطب ابن عباس ، لانّ ابن عباس إلى آخر لحظة من حیاته کان یقول بحلیّة المتعة ، هذا ثابت ، وعلی کان من القائلین بالحرمة کما یزعمون.
فقال لابن عباس : إنّ النبی نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الاهلیّة زمن خیبر (15).
وأخرج مسلم : حدّثنا یحیى بن یحیى قال : قرأت على مالک على ابن شهاب [ عاد إلى الزهری ] عن عبدالله والحسن ابنی محمّد ابن علی ، عن أبیهما ، عن علی بن أبی طالب : أنّ رسول الله نهى عن متعة النساء یوم خیبر وعن أکل اللحوم الحمر الانسیّة.
هنا لایوجد خطاب لابن عباس ، فلاحظوا بقیّة الاحادیث :
وحدّثناه عبدالله بن محمّد بن أسماء الربیعی ، حدّثنا الجویریة ، عن مالک بهذا الاسناد [ نفس السند ] وقال : سمع علی بن أبی طالب یقول لفلان [ لا یوجد اسم ابن عباس ] : إنّک رجل تائه ، نهانا رسول الله عن متعة النساء یوم خیبر.
لاحظتم الفرق بین العبارات.
حدیث آخر : حدّثنا أبوبکر ابن أبی شیبة وابن نمیر وزهیر بن حرب ، جمیعاً عن ابن عیینة. قال زهیر : حدّثنا سفیان بن عیینة ، عن الزهری ، عن الحسن بن عبدالله بن محمّد بن علی ، عن أبیهما ، عن علی : إنّ رسول الله نهى عن نکاح المتعة یوم خیبر وعن لحوم الحمر الاهلیّة.
هنا أیضاً لا یتعرض إلى ذکر ابن عباس.
وحدّثنا محمّد بن عبدالله بن نمیر ، حدّثنا أبی حدّثنا عبیدالله ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابنی محمّد بن علی ، عن أبیهما ، عن علی : إنّه سمع ابن عباس یلیّن فی متعة النساء فقال : مهلاً یابن عباس [ فی هذا اللفظ مهلاً یابن عباس ، کان هناک : إنّک رجل تائه ، فی لفظ آخر : قال لفلان ] : مهلاً یابن عباس ، فإنّ رسول الله نهى عنها یوم خیبر وعن لحوم الحمر الانسیّة.
وأیضاً حدیث آخر : حدّثنی أبوالطاهر وحرملة بن یحیى قالا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرنی یونس ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابنی محمّد بن علی بن أبی طالب ، عن أبیهما : إنّه سمع علی بن أبی طالب یقول لابن عباس : یابن عباس نهى رسول الله عن متعة النساء یوم خیبر وعن أکل لحوم الحمر الانسیّة (16).
إذن ، لاحظتم أنّهم یروون عن علی بسند واحد أنّ رسول الله حرّم المتعة ، تارة ینقلون حرّمها فی خیبر ، وتارة فی تبوک ، وتارة فی حنین ، وهذه الاحادیث وهی بسند واحد ، ألیست تتعارض
ویکذّب بعضها بعضاً ؟ وقد وجدتم الخبر عند النسائی بسند واحد وفیه خیبر وحنین ، کلاهما بسند واحد !
حدیث التحریم فی تبوک ، نصّ الحافظ ابن حجر بأنّه خطأ.
وحدیث التحریم فی خیبر خطّأه کبار الائمّة وکذّبه أعلام الحدیث والرجال والسیر ، لاحظوا السهیلی یقول : هذا غلط هذا کذب.
فابن عبد البر ، والبیهقی ، وإبن حجر العسقلانی ، والقسطلانی صاحب إرشاد الساری ، والعینی صاحب عمدة القاری ، وابن کثیر فی تاریخه ، وإبن القیّم کلّهم قالوا : هذا غلط وخطأ (17) ، بل قالوا : النهی عن نکاح المتعة یوم خیبر شیء لا یعرفه أحد من أهل السیر ورواة الاثر.
إذن ، فماذا یبقى ؟ وما الفائدة من الافتراء على علی ، وبقی عمر فی تحریم المتعة وحده.
وهذه الاحادیث کلّها ـ کما قرأنا ـ تنصّ على أنّ عبدالله بن عباس کان یقول بالحلیّة ، وهناک أحادیث أُخرى أیضاً لم أقرأها ،
وعلی قال له : إنّک رجل تائه ، لانّه کان یقول بالحلیّة.
فإذن ، یکون ابن عباس مخالفاً لعمر ، وماذا فعلوا ؟ لابد من الافتراء على ابن عباس أیضاً ، فرووا أنّ ابن عباس رجع عن القول بالحلّیّة ...
یقول ابن حجر فی فتح الباری : کلّ أسانید رجوع عبدالله بن عباس ضعیفة.
ینصّ الحافظ ابن حجر وینصّ ابن کثیر على أنّ ابن عباس بالرغم من أنّه خاطبه علیّ بأنّک رجل تائه ، وقال له : مهلاً یابن عباس ... وإلى آخره ، لم یرجع عن القول بالحلیّة إلى آخر حیاته ، فوضعوا على لسانه أحادیث بأنّه رجع ، وابن حجر یقول : هذه الاحادیث کلّها ضعیفة سنداً ، وابن کثیر أیضاً یکذّب الرجوع (18).
وبقی عمر وحده ، ولم یتمکّن أولیاؤه من توجیه تحریم عمر وتبریر مقولته ، وماذا نفعل ؟ وما ذنبنا ؟ أرأیتم إنّنا نقلنا شیئاً عن أصحابنا ؟ أوجدتم روایة ذکرناها عن طرقنا ؟ وهل اعتمدنا فی هذا البحث على کتاب من کتبنا ؟
المصادر :
1- تفسیر الرازی 2 / 167
2- المنهاج فی شرح صحیح مسلم بن الحجاج ، على هامش القسطلانی 6 / 128.
3- تاریخ الطبری 4 / 225.
4- مطبوعة ضمن ( الرسائل العشر فی الاحادیث الموضوعة فی کتب السنّة ).
5- زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2 / 184.
6- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/138.
7- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/138.
8- زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2 / 184.
9- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/138.
10- تهذیب التهذیب 6/349.
11- الجامع لاحکام القرآن 5 / 130.
12- زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2 / 184.
13- المنهاج فی شرح صحیح مسلم 6/119 هامش القسطلانی.
14- سنن النسائی 6/126.
15- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/136.
16- صحیح مسلم بشرح النووی ، هامش القسطلانی 6/129 ، 130.
17- فتح الباری 9 : 138 ، عمدة القاری 17 : 246 ، ارشاد الساری 6 : 536 و 8 : 41 ، زاد المعاد 2 : 184 ، البدایة والنهایة 4 : 193.
18- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9 / 139 ، البدایة والنهایة 4 / 193.
1- تفسیر الرازی 2 / 167
2- المنهاج فی شرح صحیح مسلم بن الحجاج ، على هامش القسطلانی 6 / 128.
3- تاریخ الطبری 4 / 225.
4- مطبوعة ضمن ( الرسائل العشر فی الاحادیث الموضوعة فی کتب السنّة ).
5- زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2 / 184.
6- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/138.
7- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/138.
8- زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2 / 184.
9- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/138.
10- تهذیب التهذیب 6/349.
11- الجامع لاحکام القرآن 5 / 130.
12- زاد المعاد فی هدی خیر العباد 2 / 184.
13- المنهاج فی شرح صحیح مسلم 6/119 هامش القسطلانی.
14- سنن النسائی 6/126.
15- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9/136.
16- صحیح مسلم بشرح النووی ، هامش القسطلانی 6/129 ، 130.
17- فتح الباری 9 : 138 ، عمدة القاری 17 : 246 ، ارشاد الساری 6 : 536 و 8 : 41 ، زاد المعاد 2 : 184 ، البدایة والنهایة 4 : 193.
18- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری 9 / 139 ، البدایة والنهایة 4 / 193.
source : rasekhoon