بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على عباد الله الصالحين ، مشفوعا بالدعاء المتواصل في الإبحار في سفينة شهر العشق الإلهي ، رمضان الكريم ، والتقاط يواقيته الروحانية ، وتنسم عبقات أجواءه الروحانية ، ورحمات وبركات . من الخادم الصغير ، لإعزة على القلب ، لم يرد كسر خواطرهم ، جراء إلحاحهم ، في المساهمة الهادفة ، في شهر الله الفضيل ، وإن كسروا هم هذا العام قاعدة الإحتجاب أ لخصوصيته ونكهته وطعمه الخاص ، للهائم في أودية صارعة العشاق_ الدنيا _ ويدعو المولى تبارك وتعالى أن يعوضه عن الخلوة به ، ثواب وأجر ما خرج من كنانة عليل الفكر ، لعل كسلانا خائر القوى عن التهجد والقيام يلتقط درة من درره ، فيشمر ن ساعد الجد ، فينشط للعبادة والذكر ، أولعل مستزيد يود مواصلة درب عشق اله تعالى فيتعبد له الطريق. وأحببت طرح الأمسية على ثلاث ليال متفرقات ، بحسب الطاقة والوسع ، تاركا الفرصة لاستقبال الأسئلة المميزة ، للإجابة عليها لتكون بمثابة سراج القنديل الذي تحوم حول سنا ضوئه الفراشة العاشقة للضياء ، وتترك صخب وضجيج عالم الماديات الصرف ، وتذوب في الرحاب الروحانية ، في ساعات خلوة مع حبيب قلوب الصادقين سبحانه وتعالى . مع الإعتذار للمقدمة المملة ، إليكم الأمسية الأولى ، وهي عبارة عن توطئة للإمسيتين الأخريين ، وتقع تحت: أولا: أزمة الوقت في شهر رمضان الكريم . ثانيا: التنوع في الكم والكيف . ثالثا : تفريغ القلب للعبادة .
۱_ أزمة الوقت في شهر رمضان الكريم
وهي أزمة يعاني منها الكثير منا ، بسبب الإلتزامات والروتين اليومي ، الذي تعودناه طيلة العام ، وبالسراية يستحكم في شهر مخصص من قبل الله عز وجل لعبادته ، وإعادة الحسابات معه من جديد ، ولو دققنا حساب الساعة لوجدنا: بأن كثيرا من أوقاتنا يضيع هدرا ، وبلا فائدة.
* ملاحقات محمومة للمسلسلات والبرامج في الفضاءيات الهابطة ، لآخر الليل . * مشكلة التقسيم وإن كانت في طاعة ، أو حتى في مباح . تخصيص قطعة زمانية مبكرة لبعض الأعمال ، وإهمال الجزء الأكبر من الوقت . * خطأ نظرية (إن أجواء العبادة هو الزمان الليلي ، دون النهاري ).
۲ _ التنوع في الكم والكيف
وهي مشكلة أخرى تواجه مريد القرب من الله تعالى ، فإنه إما أن يغرق في الكم ، وإما أن يغرق في الكيف .
والمطلوب منه: مراعاة الكيف أكثر من الكم ، وإن كان للكم نصيب في مثل خصوصية هذا الشهر المبارك. وهناك أناس لا يعتدون أصلا لا بالكم ، ولا بالكيف من الأساس . وعبادتهم السنوية هي هي على حالها ، حتى في شهر الغفران ، والفرار من النيران ، يقتصرون على الواجب ، ويحرمون أنفسهم من الإلتقاط من مائدة الله تعالى ، حيث ما عين رأت ولا خطر على قلب بشر مما أعده الله تبارك وتعالى للفائزين والمتفوقين في شهر العشق والمحبة . ولن أخوض في هذه الفقرة أكثر من اللازم الآن ، لما سوف يأتي من أمسيات ، لها علاقة بهذا العنوان .
۳ _ تفريغ القلب للعبادة
وهي مهمة صعبة لمن لم يعتد طيلة العام ، بل أيام عمره ، أن يفرغ قلبه عن الواردات والصادرات الدنيوية ، ولا تختص بشهر الله الفضيل .
وإن كان ثمة حصول حضور معنوي للقلوب في هذا الشهر الكريم ، فهو من فيوضاته ، ولمكان خصوصيته وأجواءه العبادية المتكثرة . ونعني بتفريغ القلب للعبادة هو : حضوره في محضر الرب تبارك وتعالى ،وهجران الأغيار من معشوقات الإنسان الدنيوية ، ومتعلقاتها من اللذائذ المادية ، وكذلك هجران الملكات الردية ، من الكبر والحسد والتعالي والغرور والعجب والرياء…..الخ واستبدالها بالملكات الفاضلة من التواضع وحب الخير والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والإحسان والعفو عند المقدرة…..الخ . وبمعنى أدق: خلوص القلب عما سواه سبحانه وتعالى ، وتوجهه التام قدر الإمكان. * قال مولانا الصادق (ع) : القلب حرم الله ، فلا تسكن حرم الله غير الله . وعليه :فإن حضور القلب سمة العابدين المخلصين الخاشعين . * قال الله تعالى: الذين هم في صلاتهم خاشعون . أي خاشعة قلوبهم ، حاضرة عنده حين الوقوف بين يديه . ومن هذه الملكة الفاضلة يتفرع عشق العبادة حبا لها ، لإرادة الحبيب لها . وفي الحديث النبوي الشريف : إن الله لا ينظر لصوركم ، ولكن ينظر لقلوبكم. لا يقال بأن مسألة حضور القلب من خصوصيات المعصوم (ع) ، وما حضورنا إلا كنقطة في بحر لجي . فإن القول في الجملة صحيح ۱۰۰% ، ولكن ذلك لا يمنع من الحصول ولو على نسبة ۲۰% وفيها بركة كبيرة ، والمسألة مسألة قابليات ليس إلا . ومع التعود يصبح الحضور ملكة راسخة ، وتتضاعف حينئذ النسبة بقدر المحافظة على هذا المستحب المؤكد . وكلما قلل العابد من تعلقه بمعشوقاته ، ازدادت نسب حضور قلبه ، وكلما ازداد في المقابل تكثيرها ، والتفكير في منالها ، كلما طار قلبه شبه الطائر الذي يفر من غصن إلى غصن آخر ، ولا تكاد تسلم له صلاة ، لإن وقوفه بين يدي مولاه هو والخشبة سواء لا روح في تلك العبادة ، ولا تساوي شيئا في سوق معرفة الله عز وجل ، كما يشير إلى ذلك المقدس روح الله الموسوي الخميني طيب الله نفسه الزكية. * والخلاصة: مالم يفرغ العابد قلبه أمام كعبة الآمال ، فلن تكون عبادته سوى روتين اعتاد عليه يؤديه بملل وكسل ، كالآلة التي تؤدي وظيفتها اتوماتيكيا . وكأن العبادة عنده كجبل أبي قبيس من ثقلها ، ولإجل ذلك نحن محرومون من فيوضات العبادة ، وخصوصا الصلاة ، لأننا لم نعرف إلى الآن أمام من نقف ، ومن نخاطب .