الفراق الصعب
قلت له: « إيّها الهادي، أنت تعلم أنّ فراقك صعب عليّ، ومهما يكن هذا الطريق لاحباً ومستقيماً وخالياً من المخاطر، فإنّ مجرّد الوحدة والجهل بالطريق أمر صعب، وقد أوصى رسول الله صلّى الله عليه وآله قائلاً: « الرفيق قبل الطريق ».
فقال: « لا مندوحة لك عن الانفراد في هذه المراحل الثلاث من الطريق، لأنّي لم أكن معك أيضاً في المراحل الثلاث الاُولى من حياتك في دار الدنيا في بداية التكليف، وإنّما ولدت فيك بعد ذلك، لأن طينتي من عِليّين، وهي الهداية والرشاد، وهذا القصور قد حصل منك، فَلُمْ نفسك ولا تلمني ».
ثمّ طار مبتعداً وتركني وحيداً، فأخذت اُفكّر فيما قاله، فوجدت أنّه كان حكيماً وعلى صواب، فإنّ ما تحقّق عملياً في السنوات الثلاث الأُوَل من البلوغ كان العقل الحيواني، وإنّ العقل الإنساني لم يزد عن شعاع خافت. فهو كما يقول الفلاسفة، العقل الهيولائي أو نواة العقل (29).
وبديهي أنّني لم يكن لي هادٍ حينذاك، وكنت لا ألتزم قولاً ولا عهداً، ولا أفي بوعد، وكنت تحت سيطرة التكبّر والخُيلاء، وكنت يومئذ من طلاّب العلم، وفي الشبر الأول منه. فقد قيل إنّ العلم ثلاثة أشبارك، الشبر الأول يوجب التكبّر.
فكنت وحيداً.. لا هادي ولا أبو وقار ولا أبو تراب، فكان لابدّ من السفر وحيداً؛ سُنّةَ الله التِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (30).
إنّ العوالم نُسخ متكرّرة، فإذا عرفت واحداً منها عرفت الآخر، والجدل في هذا دليل عدم الفهم (31).
فقمت وحملت الكيس على ظهري، وأخذت أجدّ في السير.. كان الطريق ممهّداً، لا صخرة فيه ولا حجر. كان الجوّ ربيعاً، وكنت قويّاً أشعر بالجدّة وبالشوق الشديد لرؤية الحبيب الهادي الوفي، فمشيت مسرعاً حتّى منتصف النهار، ثمّ بدأ التعب يغشاني شيئاً فشيئاً، وحَمِي الجو، وأحسستُ بالعطش، وكنت أصعد في طريق ضيّق مليء بالأشواك، يرتفع في سفح، وقد انتابتني الوحشة من الانفراد.
* * *
رفقة على مضض
التفتّ إلى الوراء وإذا بقادم نحوي، ففرحت وشكرت الله على هذا الرفيق، وانتظرت حتّى وصل إليّ، وإذا به رجل أغبر، طويل القامة، غليظ الشفتين، ذو أسنان كبيرة بارزة، مفرطح الأنف، مخيف، نتن الرائحة. ألقى علَيّ السّلام بغير أن ينطق باللام، قائلاً: « سام عليك ».
فوقعتُ في شكّ. كان ظاهر العداء، حسب ما كان يشهد بذلك مظهره النحس، واستخفاف لسانه بنطق اللام. فاكتفيت بالردّ عليه من باب الاحتياط وقلت: وعليك.
فسألته: « أين تقصد ؟ ».
فقال: « أنا معك ».
لكنّي لم اُحبّ أن يكون معي، لأنّني خفت منه.
وسألته عن اسمه.
فقال: « أنا توأمك، اسمي الجهل، ولقبي الأعوج، وكنيتي أبو الهَول، وعملي الإفساد والفتنة ». فكان خوفي يتزايد كلّما ذكر اسماً من هذه الأسماء (32)، وقلت في نفسي: ما أغربه من رفيق سفر! كانت الوحدة خيراً لي.
سألته: « أتعرف الطريق إذا وصلنا إلى مفترق طرق ؟ ».
قال: « لا أعرف ».
سألته: « أبعيد مقصدنا أم قريب ؟ ».
قال: « لا أعرف ».
سألته: « أشعر بالعطش، أفي هذه النواحي ماء ؟ ».
قال: « لا أعرف ».
قلت: « الوجود والمعرفة واحد (33)، فلماذا لا تعرف ؟ ».
قال: « كلّ الذي أعرفه هو أنّني منذ أوّل يوم من عمرك كنتُ ملازماً لك، ولن اُفارقك، إلاّ إذا وفّقك الله لمفارقتي ».
فقلت في نفسي: يبدو أنّ هذا هو الشيطان الذي كنت في الدنيا أقع أحياناً فريسة لوساوسه فأرتكب بعض الخطايا. فما هذه البلوى التي نزلت عليّ! اللهم رحمتك! ثمّ مشيتُ ومشى خلفي على بُعد أقدام، وأخذنا نصعد المرتفع.
وصلتُ إلى قمّة الجبل، فجلست لاُخفّف من تعبي، فلحقني جهل، وقال: « يظهر أنّك قد تعبتَ، لذلك سأجعل لك كلّ خمسة فراسخ بفرسخ واحد حتّى تصل بسرعة »!
فقلت: « يبدو أنّك على جهلك تصنع المعجزات »!
* * *
منطق الجهل
فقال: « تعال انظر إلى بياض الطريق الذي يشبه القوس، وطوله لا يقلّ عن خمسة فراسخ، ثمّ انظر إلى وَتَر هذا القوس ما أقصره! ». والمعروف في الهندسة أنّه كلّما كبر القوس عن نصف الدائرة، كان وتره أقصر. فإذا سرنا على وتر هذا القوس فلن تزيد المسافة عن فرسخ واحد من مكاننا هنا حتّى نعود إلى الطريق الرئيس مرّة اُخرى. أمّا الطريق الرئيس نفسه فلا يقلّ طوله عن خمسة فراسخ، والعاقل لا يختار الطريق الطويل على القصير.
قلت: « إنّ الطريق الرئيس لا يصير طريقاً رئيساً إلاّ بكثرة المارّة، فهل كان كلّ اُولئك الذين مرّوا فيه مجانين لتفضيلهم الطريق الطويل على القصير؟ مع أنّ العقلاء قالوا: امش في طريق سلكه السالكون ».
فقال: « ما أخفّ عقلك! هذا قول شاعر، أوَ تحسب الشعراء من العقلاء حتّى تتّبع أقوالهم، مع أنّك بالحس والعيان ترى خلاف ذلك ؟! أمّا كثرة المارّة من هذا الطريق فلأنّهم كانوا راكبين ومعهم زادهم ومتاعهم وعيالهم وأحمالهم، وإنّ هذا الوادي الذي يقع في بداية الوتر عائق في طريقهم، ولكنّنا خفيفا الحمل، فما الذي يحملنا على ترك الطريق الأقصر ؟ ».
فركبني الحمق، وحسبته يحبّ لي الخير، فانحدرنا إلى ذلك الوادي، وارتفعنا إلى طرفه الآخر، وإذا بوادٍ آخر في طريقنا أعمق من الأول، وهلمّ جرّا.. فرحنا نهبط الوديان ونرتقي التلال في طريق كلُّه أشواك وأحجار وحيوانات. واشتدّ علَيّ الحرّ، وتدلّى لساني عطشاً، وتقرّحت قدماي من الأشواك، وتهالكت أعضائي تعباً، وانتاب قلبي هلع شديد، بينما كان السيد جهل يستهزئ بي ضاحكاً، ويشمت بي متشفّياً.
وبعد عذاب وتعب وقضاء وقت طويل، وصلنا إلى الطريق الرئيس بعد أن قطعنا عشرة فراسخ، في كلّ خطوة منها ألف بلاء ونَصَب. جلستُ أستريح بعض الوقت، وقد أحسست في نفسي بكرهٍ شديد لهذا الجهل الذي لازمني، فقلت: يا ليت بيني وبينه بُعدَ المشرقين! وكان هو نفسه قد وقف بعيداً عنّي. وعدت اُواصل السير وقد أضرّ بي العطش، وكان الجهل يتبعني على مبعدة.
ورأيت على جانب الطريق، وعلى بُعد ربع فرسخ أرضاً خضراء مشجّرة، وكنت ما زلت بين مخالب الجهل، والتفتُّ وإذا به يسرع الخطى نحوي، وقال: « لا شك أنّ في هذه الارض ماءً، فلنذهب لنطفئ عطشنا ». فأردت أن لا أصغي لكلامه، ولكن لشدّة عطشي وتعبي، قلت: إنّ الأشجار لا تنبت بغير ماء. واتّجهت نحوها على أرض مليئة بالأحجار والأشواك، تموج فيها الحيّات وسائر الزواحف، وبعد مشقة وصلنا، وإذا بها من أشجار الغابات الدائمة الخضرة، ولا ماء عندها.. فعدت أدراجي إلى الطريق.
وبعد برهة وصلنا إلى أرض مزروعة بالبطيخ الأحمر، فتناول الجهل واحدة وكسرها وراح يأكلها، وقال لي: « كل، فإنّها تروي العطش ».
فقلت: « لابدّ أنّ له صاحباً، ولا يجوز أن آكل منه بغير رضى صاحبه ».
فقال: « عجيب أمرك أيّها المتديّن! لعلّه ممّا ينبت بنفسه، وحتّى على فرض أنّ له صاحباً، ولكن حقّ المارّة حقّ يقرّه الشرع المقدّس والمالك الحقيقي. ثمّ إنّ العطش يكاد يقضي عليك، فأنت في حالة اضطرار الآن:
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولاَ عادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34).
ثالثا إننا هنا لسنا في دار التكاليف والفرائض حتّى تُفتي أنت بغير ما أنزل الله! ».
اقتنعتُ بهذه الحماقة شيئاً فشيئاً، فاقتطفت واحدة وكسرتها، ولكنّي ما إن وضعت قطعة منها في فمي حتّى التهب فمي من شدّة مرارتها النافذة كالعلقم، فرميت بها وقلت: «هذا حنظل وليس بطيخاً أحمر»!
فقال: « كلاّ، ولعلّ التي أخذتها كانت حنظلاً ». فذقتُ واحدة اُخرى فكانت مرّة كالأُولى، وكذا الأُخرى، بينما كان الجهل مستمرّاً في الأكل، ويقول: إنّها حلوة المذاق! فاقتربت منه، وتناولت قليلاً ممّا كان يأكل، وإذا بها أشدّ مرارة من السابقات، فقلت: «أحرق الله بيتك، كيف تأكل المرّ وتقول: إنّه حلو ؟!».
فقال: « أنا صادق في قولي، فهو في فمي حلو المذاق جدّاً ويناسب طبعي » (35).
وفجأة هجم علينا كلب، وخلفه رجل بيده عصاً وهو يرعد ويزبد بالشتم والسباب قاصداً ضَرْبنا. فأطلق الأغبر رِجلَيه للريح، وسرعان ما وصل إلى الطريق العام، أمّا أنا فعلى الرغم من سرعة ركضي فإنّ الكلب لحق بي، فوقعت على الأرض من شدّة الخوف. وجاء صاحب الكلب وأهوى بعصاه على بدني ما شاء، غير مكترث بصراخي بأنّي لم آكل من البطيخ، بل كان يقول: « لا فرق بين أن تأكل مال غيرك أو تبعثره، بعد أن مددتَ إليه يد العدوان ». ولم أُفلح في الخلاص من عصاه إلاّ بشقّ الأنفس.
* * *
« جهل » يتشفّى
جررت نفسي إلى وسط الطريق، ورحت أبكي من جرّاء القروح في فمي، والرضوض في أعضاء جسمي، ومن عطشي وتعبي وبعدي عن الهادي.
أمّا الأغبر الذي نال مرامه وحقّق هدفه، فقد كان يجلس بعيداً عنّي، وعلى شفتيه ابتسامة الشماتة والتشفّي، ويقول: « ما الذي يستطيع أن يعمله لك الهادي ؟! فأنت بمعونتي قد زرعت في الدنيا بذور الأذى بيدك. والدنيا مزرعة الآخرة، والآخرة يوم الحصاد. ألم تقرأ في القرآن: وَمنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه (36).
أيستطيع الهادي أن يأتي بما يخالف هذه الآيات القرآنية والحجج الدامغة ؟ سوف ترى عندما تجتمع مع الهادي في منزل وأكون معك، أيّ بلاء ينزل عليك بحيث أنّ الهادي نفسه لن يقدر على شيء. ألم يقل هو نفسه إنّك كلّما عصيت هرب منك، وكلّما تبت عاد إليك، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا يزني المؤمن وهو مؤمن (37) فما فائدة مصاحبة الهادي ؟ ».
فرأيت أن هذا الملعون لا يخلو من معرفة، فسكتّ ولم أعد أذكر الهادي. وأخرجت تفاحّة من الخرج وأكلتها، فالتأمتْ جراحي وتحسّنت قوّتي، فقمت أُواصل المسير.
وصلت إلى مفترق طريقين، فاخترت الطريق الأيمن لأنّه كان يوصل إلى مدينة معمورة، بينما كان الطريق الأيسر يوصل إلى قرية خربة. قلت للموكَّل بالطرق: «أرجو أن تمنع هذا الأغبر الذي يتبعني من متابعتي، فقد آذاني اليوم كثيراً».
فقال لي: « إنّه مثل ظلّك لا انفصال له عنك، ولكنّه في هذه الليلة لا يكون معك، لأنّهم سوف ينزلون في القرية الخربة على اليسار، ومن ثمّ فسوف يقلّ إزعاجه لك ».
دخلت المدينة وإذا بالعمارات العالية، والأنهار الجارية، والخضرة الرائقة، والأشجار المثمرة، والخدمة المليحة، واللغة الفصيحة، والنغمات الرخيمة، والأطعمة الطيّبة، والأشربة الهنية. فبعد تلك الصحارى القَفر الموحشة، وتلك المزعجات التي أصابتني من ذلك الأغبر، أجدني الآن وأنا في هذا المكان كأنّني في جنّة فيحاء ذات عبير طيّب، حتّى أنّني ما كنت لأُفارق هذه المدينة لولا اشتياقي للهادي.
هنا التقيت عدداً من طلبة العلوم الدينية، الذين كنت أعرفهم. نمت تلك الليلة لأستريح من تعبي، وفي صباح اليوم التالي خرجنا من المدينة نتمشّى حيث الجو تعطره رائحة زهور القدّاح، وأخذت أقصّ عليهم ما جرى لي في اليوم السابق، لأنّ المسافرين على هذا الطريق يتسقّط بعضهم أخبار بعض عند وصولهم إلى مثل هذا المنزل، وهم في حال التحرك قلّما يسأل بعضهم عن بعض: لِكُلِّ امْرئٍ مِنْهُم يَوْمَئِذٍ شَأنٌ يُغْنِيه (38).
كنّا نشكر الله على التخلّص من أُولئك غبُر الوجوه: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمين (39).
وخلاصة القول: إنَّ جميع حواسّنا قد تلذّذت في هذه المدينة، فالذائقة تلذّذت بالأطعمة اللذيذة، والشامّة بالروائح الطيّبة، والباصرة بالشمائل الحسنة، والسامعة بالنغمات الرائقة والأصوات الرخيمة، واللامسة بالكواعب الناعمة: لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ (40).
* * *
شدّ الرحال من جديد
ونادى المنادي بالرحيل بمضمون: حيَّ على خير العمل. فحمل كلٌّ خرجه، وسِرنا حتّى وصلنا إلى مفترق الطريقين، حيث الطريق الموصل إلى القرية الخربة، وإذا غبُر الوجوه قد ظهروا من بعيد كالدخان الأغبر، فسألت الموكّل بالطريق: « ألا يمكن أن لا يصحبنا هؤلاء غبُر الوجوه ؟ ».
فقال: « هؤلاء صور نفوسكم الحيوانية ذات القوتين: قوّة الشهوة، وقوّة الغضب، ولا يمكن أن تنفصل عنكم، إلاّ أنّها متلوّنة، تتغيّر ألوانها، فهناك السوداء الفاحمة، وهناك السوادء الفاتحة والبيضاء، وهناك البيضاء الناصعة، كما أنَّ أسماءها تختلف أيضاً: فهذه الأمّارة، وتلك اللوّامة، والثالثة المطمئنة (41). فإذا صارت بيضاء ومطمئنة، كانت كثيرة الخير لكم، وبالغة بكم أعلى الدرجات، حتّى تصبحوا سرور الملائكة، وهذه نعمة ينعم الله بها عليكم، ولكنّكم تكفرون بالنعمة، وتظهرونها كأنّها النقمة. إنّ كلّ ما فعلتموه فعلتموه في الدنيا، وكلّ بذر بذرتموه فقد كان هناك، ونموه في فصل الربيع ليس بيدكم: أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (42).
والمثل العربي يقول:
« في الصيف ضيّعتِ اللبن » (43).
التحق بنا غبُر الوجوه، كلّ بصاحبه، وسرنا وتفرّق شملنا. تخلّف عنا واحد أو اثنان مع أغبرَيهما ، وتقدّمنا واحد أو اثنان، وكنت أسير مع أغبري حتّى وصلنا إلى سفح جبل، حيث ضاق الطريق وأصبح وعراً، وكان في أسفل الجبل وادٍ عميق، إلاّ أنّ قعر الوادي كان أرضاً منبسطة، ولكنّي كنت أودّ السير على الجبل؛ لأنّ الهواء في الوادي كان خانقاً. أسرع إليّ الأغبر وأيّد رأيي قائلاً: إنّه فضلاً عن انحباس الهواء في الوادي، هناك الحيوانات المفترسة والزاحفة، بينما يمكن في المرتفعات التمّتع بالنظر إلى الأطراف.
وبما أنّي في أوائل دراستي في العالم المادي كنت في الأعلى ومتفوقاً على الأقران، اتخذت طريق الجبل صعداً، ولكن لم نجد ثمّة طريقاً إلى القمّة، فأخذنا نسير على السفح، غير أن الطريق لم يكن مستوياً، ولتحرّك الحصى تحت قدمي انزلقت، ووقعت عدّة مرّات، وتدحرجت بضعة أمتار، وكدت أتدحرج إلى أسفل الوادي، ولكنّي كنت أتمسّك بالحشائش والصخور لئلاّ أسقط، إلاّ أن يديّ ورجليّ وجنبي أُصيبت بالجروح والخدوش، وانكسر أنفي عند اصطدامي بصخرة (44).
فقلت للأغبر: « ما أبدع تمتّعنا بالمناظر في هذه المرتفعات! ليتني كنت قد سرت في الوادي ».
كان الأغبر يضحك منّي، ويقول: « لقد سبق لك أن قرأت:
« من استكبر وضعه الله، ومن استعلى أرغم الله أنفه ».
ولكنك لم تتّعظ، فيقال لك: ذُقْ إنَّكَ أنْت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (45).
على كلّ حال.. استطعت التخلّص من ذلك السفح الخطر بعد تحمل الكثير من المشاقّ والمتاعب بجسم مجروح مكدود. إلاّ أن الشخص المسكين الذي كان يسبقني في الطريق على السفح نفسه قد هوى من ذلك العلوّ إلى الوادي، وسمعت صوت أنينه يتعالى، بينما جلس أغبره إلى جانبه يضحك منه، وبقي هناك.
والخلاصة: إنّني وصلت بعد العناء المهلك إلى أرض سهلة لم ألقَ فيها كثيراً من الصعاب، لولا العطش وحرقة تلك الجروح. ولقد حاول الأغبر أن يقنعني عدّة مرات بدلائل عقلية لإخراجي من الطريق، ولكنّي لم أُعِره أُذناً صاغية، على الرغم من ميلي إلى ذلك. وإذْ رأى أنّني لم أطعه، تخلّف ورائي في السير.
* * *
على مائدة الصائمين
وصلت إلى بستان كان طريقي يمرّ من خلاله، وهناك رأيت بضعة أشخاص يجلسون على حافة حوض ماء، وأمامهم أنواع من الأثمار الشهيّة، وما أن رأوني حتّى أظهروا الاحترام ودعَوني للجلوس معهم، ومشاركتهم في تناول الفاكهة، وقالوا بأنّ الله قد توفّاهم من دار الغرور وهم صيام، وهذا طعام فطورهم، وإنّهم يَرَون أن لي حقّاً في أن أُشاركهم فيه، لأنّني لابدّ أن أكون قد دعوتُ أحد الصائمين إلى الإفطار عندي. فجلست وأكلت من تلك الفاكهة، فارتويت وزال عني العطش وما كنت أحس به من ألم.
سألوني: « ما الذي جرى لك في هذا الطريق ؟ ».
فقلت: « الحمد لله على كلّ حال، وكلّ المصاعب التي عانيت منها قد زالت برؤيتكم. إلاّ أنّ عدداً من المارّة قد تخلّفوا على أثر اقتناعهم بوساوس هؤلاء الغُبر، وأنا نفسي كدت أن أقع ضحية أغبري، ولكنّي لم أكترث بأقواله فتخلّف عنّي، وإنّي لأرجو أن لا يصل إلي ».
فقالوا: « ليس الأمر كذلك، إنّ هؤلاء غبُر الوجوه لا يرفعون أيديهم عنّا. إنّهم في هذه الأرض السمحة يؤذوننا بلسان المكر والخديعة، ولكنهم قد يحاربوننا بعد هذا مثل قطاع الطرق ».
فقلت: « فكيف نعمل ولا سلاح عندنا ؟ ».
قالوا: « إنّ مَن أعدّ لنفسه سلاحاً في دار الغرور فإنّه سوف يجده هنا في المراحل التالية. فقد قال الله تعالى: وأعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِبَاطِ الخَيْلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدوَّ اللهِ وَعدُوَّكُمْ (46) ».
قلت: « كنت أفهم من هذه الآية ما يتعلّق بالإعداد والاستعداد للجهاد في الدنيا ».
قالوا: « إنّ القرآن وما فيه من تعاليم يخصّ كلّ العوالم والمنازل والمقامات، فهو يجمعها كلّها، ويشمل جميع مراحل الوجود، وإلاّ لكان ناقصاً، مع أنّه خاتم الكتب وقد نزل على خاتم الأنبياء، فكلّ ما كان خلف الستار قد ظهر ».
ثمّ نهضنا جميعاً وأخذنا نسير تحت الأشجار المثمرة ونمرّ بالأنهار الجارية، وقد عبق الجوّ بالريحان، وامتلأت القلوب بالفرح والسرور، وكأنّها قد تجلّى لها الجمال الإلهي.
* * *
مدينة المحبّة
بلغنا مكان النزول فاتخذ كلٌّ منّا منزلاً في أحد تلك القصور العالية المبنية بطابوق من الذهب والفضّة، كان أثاث البيت كاملاً من جميع الوجوه، وكانت نظافته ولطافته وما عليه من نقوش تبهر الأبصار وتحيّر العقول، وكان الخدم في غاية الجمال في ملامحهم وقدودهم وملابسهم وهم دائبو الحركة في خدمتنا:
ويَطُوفُ عَلَيهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إذا رأيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤلُؤاً مَنْثُورَاً * وإذا رأيْتَ ثَمَّ رأيْتَ نَعِيماً وَمُلْكَاً كَبِيرَاً (47).
لقد شعرت بالخجل منهم، وأنا أراهم يقومون على خدمتي. ولكنّي عندما نظرت إلى مرآة كبيرة رأيت نفسي أجمل وأبهى وأجلّ منهم بكثير، وعندئذ استولى عليّ الوقار والهدوء ووثقت بجلال قدْري.
واقترب الليل واُضيئت المصابيح الساطعة على رؤوس الأغصان، وبدت المصابيح من بين الأغصان والأوراق المضيئة بما لا يعدّ ولا يحصى، وأضاءت كالشمس الساطعة جميع البساتين والقصور العالية كأنّها في رائعة النهار. فعجبت من ذلك وقلت في نفسي: يا إلهي! ما أكبر المولِّد الذي يستطيع أن يغذّي هذا العدد العظيم من المصابيح بالطاقة والنور! فسمعت قائلاً يقول: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ (48).
عندئذ أدركت أنّ هذا الضوء من أنوار شجرة آل محمّد صلّى الله عليه وآله، وكان اسم المدينة ومنازل المسافرين (مدينة المحبّة)، وإنّ محبّي أهل البيت، ممّن بلغ بهم حبّ آل البيت مبلغ العشق، يسكنون في هذه القصور العالية الضاحكة المستبشرة، مشغولين بذكر الله وحمده، والثناء على الولي المطلق. وكانت أصواتهم جذّابة تأخذ بمجامع القلوب، وكنّا نحن في تمام الاطمئنان وكمال السرور. وقد رأينا أنّه كُتب على مدخل هذه المدينة وبخط جلي:
« حبّ عليّ حسنة، لا تضرّ معه سيئة » (49).
* * *
مع الأغبر من جديد
في الصباح تحرّكنا على الطريق الرئيس الذي كانت تحفّه من الجانبين الخضرة والزهور والرياحين والمياه الجارية، وكان الجوّ مشبعاً بالروائح العطرة إلى درجة لا توصف. كان الطريق كلّه على هذه الشاكلة حتّى خرجنا من حدود المدينة.
بعد ذلك بدأ الطريق يضيق وتزداد فيه العثرات، وهو يمرّ بوادٍ يتلوّى يميناً ويساراً، ولولا وجود المسافرين أمامنا لضللنا الطريق، فقد كانت هناك طرق فرعية على جهة اليسار. وفي أحد التواءات الطريق نحو اليسار التحق بنا غبُر الوجوه.
ما إن وقع نظري على الأغبر حتّى أحسست بشؤمه، واصطدمت قدمي بحجر فجُرحت، فرحت أعرج وأنا أسير بصعوبة بالغة، فتقدّمني المسافرون الآخرون وابتعدوا عنّي، وبقيت متخلّفاً عنهم.
كان الأغبر يمشي على يسار الطريق، حتّى وصلت إلى مفترق طريقين يتّجه أحدهما يساراً، فتحيّرت في أمري أيّ طريق أختار، عندئذ أسرع الأغبر إليّ وقال: « لماذا تقف متحيراً ؟ » وأشار إلى طريق اليسار، وقال: « هذا هو الطريق »، وتقدّم هو بضع خطوات فيه، ودعاني لكي أتبعه، ولكنّي خالفت وانطلقت في الطريق الآخر، وتَلَوتُ: « فإنّ الرشد في خلافهم » (50).
وراح الأغبر يصرّ علي متابعته، ولكنّي لم ألتفت إليه؛ لأني كنت قد جرّبته، ومن جرّب المجرَّب حلّت به الندامة.
* * *
عودة الهادي
لم أمش طويلاً حتّى انتهى ذلك الوادي بأرض مستوية خضراء، ولاح على البعد سواد البساتين وبيوت المنزل الثالث.
لقد وعدني الهادي أن نلتقي في هذا المنزل. ولمّا كنت قد أسرعت في سيري، فإنّ جهلاً قد تخلّف عنّي يائساً من اللحاق بي. وبعد برهة بلغت باب المدينة، وهناك التقيت الهادي، الذي كان في الحقيقة روحي، فتبادلنا السّلام والمصافحة والعناق، فأحسست بحياة جديدة في نفسي.
دخلنا القصر الذي كان قد أُعدّ لي، حيث كان قد جُمع فيه كلّ وسائل الراحة والرفاه. وبعد الاستراحة والأكل والشرب، سألني الهادي: « كيف مرّت عليك المنازل السابقة ؟ ».
فقلت: « الحمد لله على كلّ حال. كلّ المخاطر التي مرّت بي كانت بسبب جهل، وهو في الواقع من صنع يدي ولأنّك لم تكن معي، إذ لو كنت معي لما استطاع الأغبر أن يقوى عليّ. على كلّ حال، انتهت الرحلة بسلام، وقد أزالت عنّي رؤيتُك كلّ الهموم والآلام ».
قال: « إنّ عدم وجودي معك مكّنه من أن يمكر بك ويخدعك لإخراجك عن الطريق. ولكنّي إذا دللتك بعد الآن على طُرق مكرِه وخداعه، فإنّه سوف يلجأ إلى طرق ووسائل قوية أُخرى لإخراجك عن الطريق. وسوف يكون الطريق بعد هذا مليئاً بالمخاطر والآلام الشديدة التي قد تؤدي إلى الهلاك، إذ إنّ وجودي معك سوف يتمّ الحجّة عليك ولن تكون معذوراً. وكلّ وسائل دفاعك في هذه المرحلة سيكون عصاً وترساً، وهما قليلان. ولكن بما أنّ الليلة ليلة جمعة فيمكنك أن تذهب إلى أهل بيتك، فلعلّهم يتذكرونك بصنع الخيرات لك، فتزداد وسائل دفاعك في هذه المرحلة من الطريق ».
قلت: « إنّني يائس منهم، لأنّ أفكارهم لا تتجاوز حدود ذواتهم، خاصّة أنّ الأحياء سرعان ما ينسون أمواتهم ولا يعودون يذكرونهم. ففي الأُسبوع الأول الذي لم يكونوا قد نسوني فيه بعد، صنعوا ما صنعوا باسمي، مع أنّه كان لمنفعتهم، فكيف بهم الآن بعد أن نسوني كلّيّاً ؟! كلاّ، لا أمل لي فيهم ».
فقال:على أيّ حال، قُم إليهم، فلعلّهم يتذكرون قول النبيّ صلّى الله عليه وآله:«اذكروا أمواتكم بالخير» (51).
فلعلّه بذهابك إليهم يذكرونك بإذن الله، وإذا كنت يائساً منهم فلا تيأس من الله، فمن لجّ ولج.
ولا تقنطوا من رحمة الله (52)، إنّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين (53).
فذهبت فرأيت أنّهم لم تعد لهم تلك العزة التي كانوا يعيشون فيها في حياتي، فالباب مغلوق، وليس ثمّة من يتذكّرهم، وقد اختلّ أمر معيشتهم، ورأيت الأطفال شُعثاً قد ذبلت وجناتهم، فاحترق قلبي عليهم ودعوت الله أن يرحمهم ويرحمني. وتذكّرتْ زوجتي أيّام رفاهها، فأرسلت عليّ رحمة من الله.
عدت إلى الهادي فرأيت فرساً بسرج مرصّع ولجام من ذهب مربوطاً عند باب القصر، فسألت الهادي عمّن يكون صاحب الفرس، فتبسّم وقال:
« لقد أرسلتْه زوجتك، وهو رحمة الله التي طلبتْها لك، فجاءت بصورة جواد، وليس أفضل من ركوب الجياد لطيّ مراحل السفر هنا، فالراجل يجد كثيراً من المتاعب، على الأخصّ المنزل الأوّل من المسير. ثمّ إنّ دعاءك لهم قد أُجيب أيضاً، ولسوف يعيشون بعد اليوم في خير ورفاه. فانظر كم من الخير جاء من زيارتك لأهل بيتك، إنّهم في عالم الغفلة غالباً ما يغفلون عن مزايا التزاور، على الرغم من تأكيدات رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي يقول: بأنّ الناس إذا مضت عليهم ثلاثة أيّام، ولم يسأل بعض عن حال بعض، فإنّ حبل الإخاء في الإيمان سوف ينقطع بينهم ».
* * *
حورية العمل الصالح
دخلنا الحجرة.. فإذا بحوريّة جالسة على السرير، وقد أضاءت الحجرة بنور وجهها، فأعشّتْ عيني. قال الهادي: « هذه زوجتك، جاءتك الليلة من وادي السلام »، ثمّ خرج من الحجرة.
فاتّجهتُ نحوها، فقامت واقفة احتراماً، وقبّلتْ يدي، وجلسنا جنباً لجنب.
قلت لها: « أخبريني عن حسبك ونسبك، وكيف أصبحت لي ؟ ».
قالت: « أتذكر المدرسة الفلانية التي كنت تَدرس فيها وأنت في عزّ شبابك، حيث أحييتَ سُنّةً في إحدى ليالي الجمعة هناك ؟ ».
قلت: « نعم ».
قالت: « لقد خلقني الله من ذلك العمل الصالح ».
فقلت: « زيديني من كلامك العذب، لأنّي أتلذّذ بكلامك الحلو إذ أسمعك تتحدّثين ».
فأرخَتْ أجفانها حياءً وخَفَراً، وابتسمت ابتسامةً أضاءت بالتماعها جنبات القصر، وقالت: « أنا لست وحدي مخلوقة من ثواب ذلك العمل الصالح، ففي جنّة الخُلد عدد كثير من الحور خُلِقن من أثره، وهنّ على قدر من الجمال الباهر بحيث إنّك في الوقت الحاضر غير قادر على تحمّل النظر إليهنّ إلاّ بعد وصولك إلى هناك، إلاّ أنّ أشعتهنّ تنعكس في وادي السلام، وهو فيض من أنوار جنّة الخلد. فتلك الحوريّات لا تستطيع تحمّل رؤيتهن الآن، أمّا أنا التي جئت لخدمتك فلست أكثر من انعكاس باهت لجمالهنّ وفي مرتبة دانية ».
فسألتها: « أتعلمين لماذا كان للمتعة كلّ هذه الخصائص وكانت محبوبة عند الله ؟».
قالت: « بالإضافة إلى ما فيها من المتعة الذاتية، فإنّها لولا تشريعها لارتكب الكثير من الناس جريمة الزنا، لعدم استطاعتهم الارتباط بالزواج الدائم، وكان لإلغائها مفاسد كثيرة، كما قال الإمام عليّ عليه السّلام:
« لولا منعها عمر لما زنى إلا شقي » (54). ومع ذلك فإنّ في هذا العمل يندرج ركنان من أركان الإيمان: الأوّل هو التولّي، والآخر هو التبرّي. فبغير ولاية عليّ بن أبي طالب وأولاده عليهم السّلام، والتبري من أعدائهم، لا يمكن أن يرى أحد وجه النجاة حتّى لو عبد عبادة الثقلين، وظلّ طول عمره قائم الليل صائم النهار، وقد وردت في هذا المضمون أحاديث قدسيّة كثيرة، كما تعلم أنت خيراً منّي ».
قلت: « تُرى في أيّة مدرسة تعلّمتِ كلّ هذا الكلام الذي يقطر حلاوة ؟ ».
قالت: « إنّ مصطلحاتكم التي تتعاطونها في الدنيا وتمسّككم بالألفاظ والأسماء لا وجود له هنا، فنحن جميعاً مواليد عوالم أُخرى لا مدرسة فيها ولا تعليم، لكنّنا بالولادة عارفون عالمون ».
* * *
عبور أرض الشهوات
عاد الهادي وأشار بضرورة الحركة، فنهضتُ وركبت الفرس وأمسكت العصا بيدي، وعلّقت الترس على ظهري، وناولني الهادي البطاقة وجواز المرور، وتحرّكنا حتّى خرجنا من المدينة، ودخلنا أرضاً كلّها أوحال ومستنقعات. وعلى امتداد الطريق من الجانبين كانت تطالعنا حيوانات أشبه بالقرود، ولكن كانت تبدو كالبشر، فأجسامها لم تكن مغطّاة بالشعر، ولم يكن لها أذناب، وهي تسير بقامات مستقيمة، إنّما كانت تشبه القرود، وكان يخرج من فروجها القيح والدم والفائر.
سألت الهادي عمّا تكون هذه الأرض، وعمّن تكون هذه الحيوانات التي تثير روائحها وعفونتها التقزّز والاشمئزاز في النفس.
فقال: « هذه الأرض أرض الشهوات، وهؤلاء هم الزُّناة، واحذر أن تخرج عن الطريق، وإلاّ أصابك بعض ما بهم ».
فاستولى عليّ الرعب، وأمسكت بزمام الفرس لئلاّ يخرج عن الطريق الذي كان مليئاً بالطين والوحل، بحيث كان الفرس يغوص فيه حتّى بطنه.
كنت أقول في نفسي: ما أحسن وصول هذا الفرس لي لأسير عليه في مثل هذا الطريق! رحم الله زوجتي التي أرسلَتْه إليّ. وما أصدق الحديث: « مَن تزوّج فقد أحرز نصف دينه » (55)، وقد قال الله تعالى:«هُنّ لِباسٌ لَكُمْ وَأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» (56).
كنت أرى بعض أولئك معلّقين بالمشانق، وقد ثبتت مذاكيرهم بمسامير الحديد على المشانق، ومنهم من كانوا يُجلدون بالسياط المصنوعة من الأسلاك، فينبحون كالكلاب، فيقال لهم: اخْسَأوا فيها ولا تُكلّمون .
وَلَوْ تَرى إذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُو رُؤوسِهِم عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أبْصَرْنَا وسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِحاً إنَّا مُوقِنُون(57).
ورأيت غبُر الوجوه قد وصلوا، وبعضهم هجم محاولاً الخروج عن الطريق، وبعضهم حاول إثارة الخيل، وبعضهم كان يشير إلى جفاف جانب الطريق. وكنت أرى أنّ الراكبين من غبُر الوجوه الذين كانوا يسيرون على الأرض الجافّة لم تكن تظهر آثار حوافر خيلهم على الأرض، حتّى أنّ المرء كان يحلو له أن يترك الطريق الموحل ليسير على حافّته الجافّة، ولكنّي مع ذلك التزمت كلام الهادي، فأمسكت بلجام الفرس بشدّة لئلاّ ينحرف عن الطريق.
كنت أرى المسافرين الذين أقنعهم سُودُهم بالخروج عن الطريق وقد غاصوا في الأوحال والمستنقعات حتّى أذقانهم، بحيث كان من الصعب إخراجهم، والذين تمكّنوا بكلّ مشقّة من الخروج خرجوا وأجسامهم ملوّثة بالقذر الأغبر، وبعد فترة كان ذلك القذر يذيب لحم أجسامهم، فتتساقط على الأرض من شدّة الحرارة.
والظاهر أنّها لم تكن من الأوحال، بل كانت من موادّ قُلَوية أو من القَطِران. وكنت من شدّة خوفي أشُدّ على زمام الفرس وأقول: الحمد لله الذي لم يجعلني من السَّواد المُخترَم. وكنت أسمع المسافرين يشكرون الله بصوت مرتفع. فقلت للهادي: « إنّ من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وآله أنّك إذا رأيت مبتلىً، فاشكر الله على سلامتك بصوت منخفض، لئلاّ يسمع فيحترق قلبه ».
فقال الهادي: « ذلك حكم الدنيا، حيث أهل لا إله إلاّ الله محترمون. ولكن هنا وفي يوم الجزاء، يجب الشكر بصوت مرتفع، لكي يزداد ندم المبتلى وأسفه، وليتّضح كلّ ما كان مستوراً مختفياً، لأنّنا نتّجه من الظلام إلى النور، ومن العمى إلى الإبصار، ومن النوم إلى اليقظة، فالدنيا دار الظلام والحزن والأسى: وإنّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الَحَيوَانُ (58)، وإنّ الله جاعل الظلمات والنور ».
* * *
بلايا قوم لوط
رأيت أنّ الشدائد قد ازدادت، وأخذت الأرض تهتزّ اهتزازاً منكراً، وعصفت عاصفة هوجاء، واظلمّ الفضاء، وراحت تمطر صخوراً على جانبي الطريق وكأنّ يوم الحشر قد قام على من كان هناك، وقد تحوّل المبتلون بذلك إلى هياكل مخيفة تصارع الغرق في ذلك الوحل المغليّ، فإذا نجح أحدهم في الخروج من مستنقع الوحل أتته صخرة من السماء على أُمّ رأسه، ودقّته كالمسمار في الأرض. وكنت أنا أشهد تلك الصور وقد استولى عليّ رعب شديد وأخذ جسمي يرتعش.
سألت الهادي: «ما هذه الأرض ؟ ومن هؤلاء الذين ابتُلوا بهذه البلايا والعذاب الأليم ؟».
في تلك اللحظة كان الصخر المنهمر من السماء قد اشتدَّ بحيث اضطُرّ الهادي أن يطير فوق رأسي، وهو مصفرّ الوجه خوفاً، وقد ضعفت قواه، فقال: « ما زلنا في أرض الشهوات، أمّا هؤلاء المعذّبون فهم اللوّاطون، فأسرعْ حتّى نخرج من بينهم، فإنّ الراضي بفعل قوم أو الداخل فيهم ولم يخرج منهم، فهو منهم ».
فقلت: « إنّ الأوحال التي على الطريق، وهي أوحال الشهوات البشرية التي تظهر بهذه الصورة، تحول دون انطلاق الفرس بسرعة، لما فيها من لزوجة غليظة ».
فقال الهادي: « لابدَّ من الإسراع. احمِ رأسك بالترس عن الصخور، وحثّ الفرس ببضع ضربات، لعلّنا ننجو بعون الله من هذا البلاء الَمْ تَكُنْ أرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيْهَا ؟! (59)، لم يبق أمامنا سوى فرسخين للخلاص من هؤلاء ».
فجمعت أطراف شجاعتي، وألهبت الجواد ببضع ضربات، ونخسته بالركاب في خاصرته، فحرّك ذيله وجمع نفسه ونفخ خياشيمه وانطلق كالريح الصرصر العاتية، بحيث إنّ الهادي الذي كان دائم التحليق فوق رأسي، تخلّف عنّا: سابِقُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ والأرضِ (60).
وفجأة رأيت الأغبر الملعون قد أوصل نفسه إليّ كالمارد الأصفر، فجفل الجواد من رؤية هيكله وألقاني إلى الأرض فتحطَّمت عظامي، وخرج الجواد عن الطريق وغاصت يداه في المستنقع، إلاّ أنّه استطاع أن يخرجهما بصعوبة بالغة.
أدركني الهادي وضمّد رأسي ويدي ورجلي المكسّرة، وشدّني على الفرس شدّاً محكماً، وأمسك هو باللجام ومشى أمامنا، حتّى خرجنا من تلك الأرض ذات المصائب والبلايا.
قلت للهادي: « إنّك كلّما ابتعدت عنّي اقترب منّي هذا الأغبر، وأصابني بضرر بليغ ».
قال: « كلّما اقترب هذا منك ابتعدت أنا. إنّ اقترابه منك منوط بك أنت ».
* * *
مع عبيد المعدة
دخلنا أرضاً أُخرى من أراضي الشهوة، حيث كان عبيد المعدة ومحبّو النفس يسكنون على الجهة اليمنى. كانوا بصورة الحمير والأبقار والأغنام. هؤلاء هم الذين كانوا يهتمّون بملء بطونهم ولكن من أموالهم الحلال، لذلك لم يكن عذابهم شديداً. أمّا الذين كانوا على جهة اليسار، فقد كانوا على هيئة الخنازير والدببة، لأنّهم كان همّهم علفهم بصرف النظر عن منشئه: كان من الحلال أم من الحرام، من مالهم أم من مال غيرهم. وكانت معدهم ضخمة جدّاً (61)، وأعضاؤهم الأُخرى هزيلة نحيفة، وكانوا في عذاب أشدّ: أُولئِكَ كالأنْعامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِيلاً (62).
وصلنا إلى منزل للمسافرين في صحراء قاحلة، ولم يكن فيه شيء سوى ما جلبه المسافرون معهم من زاد، فأخذوا يأكلون، أمّا أنا فقد كانت أعضائي تؤلمني جرّاء سقوطي من الفرس. فأخرج الهادي من الخرج بعض العُلب، وأخرج دواء، وراح يضعه على بدني، فزال الألم وأحسست بجسمي سليماً فسألته ممّ كان الدواء، فقال: « إنّه الحمد الباطن الذي أدّيته لله في الدنيا على نعمه، كما أنّ تلاوة سورة الفاتحة في الدنيا يعتبر دواءً لكلّ داء إلاّ الموت. وهذا الحمد في الآخرة الذي يعني معرفة المنعم الحقيقي، والامتنان منه يكون دواءً للأدواء الأُخروية ».
قال الله تعالى [ في حديث قدسيّ شريف ]: « حَمِدَني عبدي، وعلم أنّ النعم التي له من عندي، وأنّ البلايا التي اندفعت عنه فبتطوّلي، أُشهدكم فإنّي أُضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا » (63).
تحرّكنا في الصباح. قال الهادي: « بانتهاء النهار سوف نترك أرض الشهوات، ومسيرنا اليوم سيكون في أرض الشهوات التي تخصّ اللسان، ولكنّ البلايا والمصائب اليوم ليست أخفّ ممّا رأيناه في اليوم الأوّل في أرض شهوات الفروج. هذه أرض جافّة لا ماء فيها، فلابدّ من حمل الماء معنا على الفرس، بينما تسير أنت راجلاً قدر الإمكان، احمل معك الترس فله أهمّيته اليوم ».
فسألته: « ما هذا الترس ؟ ».
فقال: « إنّه مصنوع من الصوم ومن تحمّل الجوع والعطش، وهو الذي حفظك من شهوات الفروج: فإنّ الصوم جُنّة من النار، كما أنّه وِجاء من الشهوة ».
----------------
29 ـ يقول الفلاسفة: إنّ للعقل مراتب منذ ولادة الإنسان حتّى مراحل كماله. فالمرتبة الاُولى هي هيولائية العقل، أي استعداد العقل للتقبّل باعتباره أرضاً صالحة لحلول قوّة الإدراك. أمّا المراحل الاُخرى فهي العقل بالملكة، والعقل بالفعل، والعقل بالمستفاد، وهي مواضيع يخرج شرحها عن نطاق هذا الكتاب. والمؤلّف يرى أنّه خلال السنوات الثلاث الاولى من مرحلة البلوغ كان ذا عقل هيلائي. إلاّ أنّنا لا نرى هذه التقسيمات للعقل في كتب السنّة والمعارف الإلهية، فهي مصطلحات فلسفية، بل إنّ مسألة القوّة العاقلة ونور الإدراك في نظر العلوم الإسلاميّة ومنابع الوحي تختلف كلّياً عمّا يقوله الفلاسفة بهذا الخصوص.
30 ـ الفتح / 23.
31 ـ في هذا إشارة إلى أقوال الإمام الرضا عليه السّلام في مجلس المأمون عند إجراء مناظرة له مع أحد كبار علماء ذلك الزمان وفلاسفته، وهو عمران الصابي، إذ قال عليه السّلام له: « لا يُعرف ما هنالك إلاّ بما ها هنا ». أي إنّ هذه الدنيا صورة خفيفة ونموذج للآخرة، وإنّ ما يجري هناك ينبغي أن يُدَرك ممّا يجري هنا.
32 ـ جاء في بعض الروايات أنّه بعد طرد إبليس من حضرة الله، طلب من الله عدداً من الطلبات، كان منها أن يولد مع كلّ طفل إنسان طفل شيطان أيضاً يلازمه ولا ينفّك عنه. لذلك فلكل إنسان توأم شيطان، يبقى معه بعد الموت في عالم البرزخ. فإذا كان الإنسان في الدنيا قد قهر توأمه الشيطان يكون قد استكفى شرّه في البرزخ، وإلاّ فسوف يزعجه هناك أيضاً ولا يتركه في راحة. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّ شيطاني أسلم على يدي » أي أنّه قد قهره، فلم يعد يضايقه.
33 ـ يشير إلى الوجود المطلق المحض يتّحد بالعلم المطلق ويساوقه.
34 ـ البقرة / 173.
35 ـ من مباحث الفلسفة بحث مفاده أنّ أنسب الأشياء للطبع هو ذاتيته، فالنطق والعلم والفهم والاُنس من ذاتية الإنسان، لذلك فهي تناسب طبعه. كذلك الحال بالنسبة للشهوة والمعدة في الحيوانات، والافتراس للحيوانات المفترسة، والحرارة للنار والرطوبة للماء، فهي كلّها تناسب الطبيعة الذاتية لتلك الكائنات، إلاّ أنَّ كل واحدة من هذه الآلات قد لا تناسب كائناً آخر مختلف الذاتية. وعلى هذه القاعدة، فإنّ المرارة التي هي نموذج من ذاتية الشيطان توأم الإنسان، تناسب مزاجه ومذاقه، مع أنّها لا تناسب مزاج الإنسان وطبعه، ولذلك تكون مُرّة الطعم في فمه.
36 ـ الزلزلة / 8.
37 ـ يستفاد من هذا الحديث ومن أخبار أُخرى أنّ روح الإيمان ليست ثابتة في الناس، أي أنّها تُسلب من الإنسان عند الغفلة والمعصية، فهو لا يكون مؤمناً أثناء ارتكابه المعصية، ولا تعود إليه روح الإيمان ـ وهي قوّة ملكوتية إلهية ـ إلاّ بعد التوبة والاستغفار. فعلى ضوء هذا الشرح يتّضح معنى الحديث الشريف: « لا يزني المؤمن وهو مؤمن »، أو « لا يكذب المؤمن وهو مؤمن ».. أي أنّه عند الزنا والكذب وغير ذلك من المعاصي يغادر نورُ الإيمان الإنسان، ويصاحبه الجهل والعصيان.
38 ـ عبس / 37.
39 ـ يونس / 10.
40 ـ الصافات / 61.
41 ـ النفس الأمّارة: هي التي وردت في سورة يوسف، الآية 52: « وما أُبرِّئُ نفسي إنّ النفْسَ لأمّارةٌ بالسوءِ إلاّ ما رَحِم ربّي ». والنفس واللّوامة هي التي وردت في سورة القيامة، الآية 2: « ولا أُقسمُ بالنفسِ اللّوامة ». أمّا النفس المطمئنة التي هي أعلى درجة من درجات النفس فقد وردت في سورة الفجر الآيات 26 و 27 و 28 « يا أيّتها النفسُ المطمئنةُ ارجِعي إلى ربِّكِ راضيةً مرضيّةً * فادخلي في عبادي * وادخلي جنّتي ».
42 ـ الواقعة / 64.
43 ـ هذا مثل عربي يُضرب لمن يطلب شيئاً قد فوّته على نفسه، وأصله أن دختنوس بنت لقيط كانت امرأة لعمرو بن عُدس وكان شيخاً، فأبغضته فطلّقها، وتزوّجها فتىً جميل الوجه. وأجدبت السنة فبعثت إلى عمرو تطلب منه حلوبة، فقال المثل.(المترجم).
44 ـ هذا كناية عن أنّ شموخ الأنف سوف يتحطّم في هذا العالم ويُمرّغ في التراب.
45 ـ الدخان / 49. وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي أنّ أبا جهل كان يرّدد دائماً بزهوٍ « أنا العزيز الكريم » فيقال له ولأمثاله يوم القيامة باستهزاء « ذق إنّك أنت العزيز الكريم ».
46 ـ الأنفال / 60.
47 ـ الإنسان / 19 و 20.
48 ـ النور / 35.
49 ـ هذا الحديث مروي عن طريق الشيعة والسنّة، وقد تناوله المحقّقون بالشرح والتوضيح، فقال بعضهم في تفسيره: حبّ عليّ أشبه بالدرع أو الحرز الذي يدفع الذنوب، فمن يحبّ عليّاً لا يقترف ذنباً.
50 ـ هذه العبارة مقتبسة من أحد الأحاديث.
51 ـ الحديث المشهور هو: « واذكروا موتاكم بالخير ». وينقل المحدّث القمّي في (مفاتيح الجنان) حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « أرسلوا بهداياكم إلى موتاكم » فسئل عمّا تكون هديّة الموتى، فقال: « الصدقة والدعاء »، ثمّ قال: « إنّ أرواح المؤمنين تأتي في كلّ ليلة جمعة إلى السماء المقابلة لبيوتها، وتبكي بلوعة، وتنادي: يا أهلي وأبنائي، يا أبي وأُمّي، أيّها الأقرباء، تصدّقوا علينا بأيّ شيء ممّا كان عندنا وكان حسابه وعذابه علينا. وينادون على أقربائهم: ارحمونا بدرهم أو رغيف خبز أو ثوب، ألبسكم الله من ثياب الجنّة ». ثمّ بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وبكى [ أصحابه ]، وكان من شدّة بكائه غير قادر على مواصلة الكلام. وأخيراً قال: «هؤلاء هم إخوتكم في الدين، وقعوا في هذه الحال بعد السرور والنعمة، ويدْعون على أنفسهم بالهلاك والعذاب ندماً ويقولون: الويل لنا! لو أنّنا أنفقنا ممّا كان في أيدينا في سبيل الله وطاعته ورضاه، لما احتجنا إليكم. ثمّ يعودون بالحسرة والندم، ويصرخون على الأحياء أن أرسلوا صدقات الأموات».
52 ـ الزمر / 53.
53 ـ الاعراف / 56.
54 ـ لمعرفة المزيد حول هذا الموضوع ارجع إلى كتاب (الغدير) للباحث الشيخ عبدالحسين الأمينيّ رضي الله عنه وغيره.
55 ـ هذا الحديث مرويّ في (الكافي) و (من لا يحضره الفقيه) عن كليب الأسدي عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام.
56 ـ البقرة / 187. المقصود هو أنّه مثلما أنّ الملابس تقي الإنسان من الأوضار والحرّ والبرد وغير ذلك، فإنّ المرأة والرجل يحفظ كلّ منهما الآخر ويقيه.
57 ـ السجدة / 12.
58 ـ العنكبوت / 64.
59 ـ النساء / 97.
60 ـ الحديد / 21.
61 ـ في حديث حول آكلي الربا: أنّ معدهم كبيرة وممتلئة ناراً. وقد قال الله تعالى: «يَمحق اللهُ الرّبا ويُربي الصدقات والله لا يحبّ كلّ كفّار أثيم».
62 ـ الأعراف / 179.
63 ـ من حديث قدسي.