عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

المدخل إلى دراسة نص الغدير

المدخل إلى دراسة نصّ الغدير آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي مقال علمي رصين و دراسة قيمة مزدانة بالنصوص الموثقة تعتمد الأسلوب العلمي في معالجة نقاط الاختلاف ، موضوعها حديث الغدير المشهور الذي أدلى به النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) لدى عودته من حجة الوداع . من خلال قراءة في تاريخ الفقه والكل
المدخل إلى دراسة نص الغدير

المدخل إلى دراسة نصّ الغدير
 آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي


مقال علمي رصين و دراسة قيمة مزدانة بالنصوص الموثقة تعتمد الأسلوب العلمي في معالجة نقاط الاختلاف ، موضوعها حديث الغدير المشهور الذي أدلى به النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) لدى عودته من حجة الوداع .
من خلال قراءة في تاريخ الفقه والكلام الإسلاميين نلقي ثلاثة اتّجاهات و آراء في مسألة الإمامة و الولاية بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و هي :
أولاً : نظريّة انعقاد الإمامة بالغلبة و الثورة المسلّحة .
ثانياً : نظريّة الاختيار .
و هاتان النظريّتان لجمهور أهل السّنّة .
ثالثاً : نظريّة النصّ و هي نظريّة الشيعة الإمامية .
إن النّظريتين الأوليين لا تعتمدان نصّا صريحاً من كتاب الله و سنّة رسوله ، فلا نجد نصّا في الكتاب و ما صحّ من سنّة رسول الله في الإذن بولاية من اختاره المسلمون إماما لهم، باتّفاق أهل الحلّ و العقد ، أو بأكثريتهم ، أو بمبايعة خمسة أو ثلاثة أو واحد من أهل الحلّ و العقد ، أو بمبايعة جمع غفير من الناس .
و لا نجد إذناً من الله تعالى بولاية من تغلب على الأمر بالعنف و القوّة ، و لا يصحّ إسناد شيء من هذه الولايات إلى الله تعالى ، و لا نجد في النّصوص الإسلامية إثباتا لشرعيّة شيء من هذه الولايات على الإطلاق .
و بناء على ذلك ، فإنّ إسناد شيء من هذه الولايات إلى الله ، يعدّ من الافتراء على الله، الذي تستنكره الآية الكريمة من سورة يونس : ( ... قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (يونس/ 59) .
و الولاية و الحاكميّة و السّيادة على النّاس ، للّه تعالى فقط في محكم كتاب الله : ( ... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ... ) (الأنعام/ 57)، وعليه ، فإنّ الولاية من دون إذن الله ، ولاية محرّمة يحظرها الله تعالى على عباده ، يقول تعالى :( ... وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ... )(الأعراف/ 3) ، ( ... وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ... )(هود/ 20).
فإذا كانت الولاية من دون إذن الله محظورة و محرّمة على المؤمنين ، و هو صريح القرآن ، و لم تكن الولاية بالاختيار و التغلّب ، يعتمد إذناً صريحا من الله و رسوله في نصّ من كتاب الله ، أو ما صحّ من سنّة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، فلا محالة لا يبقى دليل على شرعيّة مثل هذه الولايات مهما يكن حجم أهل الحلّ و العقد و مساحة البيعة ، فإذا سقطت نظريّة الاختيار و التغلّب عن الاعتبار ، فلا محالة تكون نظريّة النصّ هي الأساس في مسألة الولاية و الإمامة .
و النصوص على نظريّة النصّ كثيرة ، مثل نصّ الغدير ، و نصّ يوم الدّار ، و نصّ الولاية ، و …
و هنا ندرس نصّ الغدير :
حجّ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في السنة العاشرة من الهجرة حجّة الوداع ، و خرج معه خلق كثير من المدينة، و ممّن توافد على المدينة ليخرجوا مع رسول للحج في تلك السنة ، و يتراوح تقدير أصحاب السيَر، لمن خرج مع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يومئذ للحج بين تسعين ألفا و مائة و أربعة وعشرين ألفاً ، عدا من حجّ مع رسول الله في تلك السنة من مكّة المكرمة ، و ممّن التحق برسول الله في مكّة من اليمن ، و من العشائر الذين توافدوا إلى مكّة للحج .
و في عودته ( صلى الله عليه و آله ) من الحج في طريقه إلى المدينة، نزل رسول الله بـ ( غدير خم ) في يوم صائف شديد الحرّ، في الثامن عشر من ذي الحجة ، فأذّن مؤذن رسول الله بِرَدِّ من تقدّم من الناس، و حبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ، فصلّى بالناس الظهر ، و كان يوما هاجراً ، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه ، و بعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، و ظُلِّلَ لرسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فلما انصرف رسول الله من صلاته قام خطيباً ، فحمد الله و أثنى عليه ، ثُمّ أخذ بيد علي ( عليه السَّلام ) فرفعها حتى شوهد بياض آباطهما، و عرفه القوم جميعاً ، فقال : ( أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى .
فقال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه  ـ يقولها أربع مرّات كما يروي أحمد بن حنبل ـ ، ثُمّ قال : اللهم وال مَنْ والاه ، و عادِ مَنْ عاداه ، و انصر مَنْ نصره ، و اخذل مَنْ خذله ، و أدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلّغ الشاهدُ الغائبَ ) .
فلما نزل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من الأقتاب التي صُفت له ، أخذ الناس يهنئون عليا ( عليه السَّلام ) يومئذ بالولاية ، و ممّن هنأه يومئذ بالولاية الشيخان أبو بكر و عمر ، قالا له : بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت و أمسيت مولاي و مولى كُلّ مؤمن و مؤمنة .
هذا مجمل حديث الغدير .
و رغم الظروف السياسية القاسية التي جرت على المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني أميّة ، و اهتمام الحكام يومئذ بالتعتيم و التكتم على فضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ ( عليه السَّلام ) ، فقد شاء الله تعالى أن يُنشر حديث الغدير ، و يتولّى الصحابة و التابعون لهم بإحسان ، و طبقات المحدّثين و العلماء بعدهم، رواية هذا الحديث حتى استفاض نقله و شاع مما لا يدع مجالا لإشكال أو تشكيك .
و قد جمع بعض العلماء طرق حديث الغدير ، منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ .

يقول ابن كثير : و قد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير و التاريخ ، فجمع فيه مجلّدين ، فيهما طرقه و ألفاظه .
ومن المتأخرين ، أفرد السيد حامد حسين اللكهنوي مجلّدين كبيرين من كتابه (عبقات الأنوار ) لهذا الحديث ، بحث في المجلد الأول منهما حديث الغدير من حيث السند ، و في الثاني منهما هذا الحديث من حيث الدلالة و المتن .
و أفرد شيخنا الأميني ( رحمه الله ) الجزء الأوّل من موسوعته القيّمة الجليلة ( الغدير في الكتاب و السّـنّة )، بأسانيد و طرق هذا الحديث الشريف و مناقشة المؤاخذات التي أوردها بعضهم على سند الحديث و دلالته ، و هو من أجلّ ما كتب في نصوص الولاية ، رحمه الله و تغمّده برحمته .
و لست أعرف في الإسلام حدثاً تواترت فيه الروايات و أخذ من اهتمام علماء المسلمين في كُلّ العصور مثل هذا الحدث العظيم .
و لسنا نحتاج بعد هذا النقل المتواتر لحديث الغدير من عصر الصحابة إلى اليوم إلى دراسة سنديه لهذا الحديث ، و لكنّنا مع ذلك سوف نذكر بعض طرق هذا الحديث الشريف، مع دراسة موجزة لرجال إسناده .
روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : 3 / 118 حديث 4576 ، قال :
حدّثني أبو بكر محمد بن بالويه ، و أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز ، قالا : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن حماد ، حدّثنا أبو عوانة ، عن سليمان الأعمش ، قال : حدّثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم قال :
لما رجع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من حجة الوداع، و نزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ، فقال : ( كأنّي قد دعيت فأجبت ، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى و عترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثُمّ قال : إنّ الله عزّ و جلّ مولاي و أنا مولى كُلّ مؤمن . ثُمّ أخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه) .
قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه .
و روى الحاكم في المستدرك : 3 / 631 حديث 6272 ، قال :
أخبرني محمد بن عليّ الشيباني بالكوفة ، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري ، حدّثنا أبو نعيم ، حدّثنا أبو العلاء قال : سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) حتى انتهينا إلى غدير خم ، فأمر بروح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم أشدّ حرا منه ، فحمد الله و أثنى عليه ، و قال : ( يا أيها الناس ، إنّه لم يبعث نبيّ قط إلّا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله ، و إنّي أو شك أن أدعى فأجيب ، و إنيّ تارك فيكم ما لن تضلّوا بعده : كتاب الله عزّ و جلّ ، ثُمّ قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس ، من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم ، قال :  ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه .
و قال الذهبي في التلخيص : صحيح .
و روى الترمذي في السنن في مناقب علي بن أبي طالب : 5 / 591 حديث 3713 ، قال :
حدّثنا محمد بن بشار ، حدّثنا محمد بن جعفر ، حدّثنا شعبة عن سلمه بن كهيل قال : سمعت أبا الطفيل يحدّث عن أبي سريحة، أو زيد بن أرقم ـ الشكّ من شعبة ـ عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قال :
( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
و قد روى هذا الحديث عن ميمون أبي عبد الله ، عن زيد بن أرقم ، عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و أبو سريحة ، هو حذيفة بن أسيد الغفاري صاحب النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و في مسند أحمد بن حنبل : 5 / 494 حديث 1793 :
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عبد الملك ـ يعني أبي سليمان ـ عن عطية العوفي ، قال : سألت زيد بن أرقم ، فقلت له : إن ختنا لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي رضي الله عنه يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك، فقال : إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له : ليس عليك مني بأس، فقال : نعم ، كنّا بالجحفة فخرج رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إلينا ظهراً، و هو آخذ بعضد علي رضي الله عنه ، فقال : ( يا أيّها الناس ، ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى،  قال :  فمن كنت مولاه فعليّ مولاه )، قال : قلت له : هل قال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. قال : إنما أخبرك كما سمعت .
و في مسند أحمد أيضا : 5 / 498 حديث 18815 ، قال :
حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا حسين بن محمد ، و أبو نعيم قالا : حدّثنا فطر ، عن أبي الطفيل ، قال : جمع عليّ رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثُمّ قال لهم : ( أنشد الله كُلّ أمريء مسلم سمع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول غدير خم ما سمع لمّا قام)، فقام ثلاثون من الناس، و قال أبو نعيم : فقام ناس كثير ، فشهدوا : حين أخذه بيده ، فقال للناس : (أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم ، يا رسول الله ، قال :  من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه)، قال : فخرجت و كأنّ في نفسي شيئا ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إنّي سمعت علياً ـ رضي الله تعالى عنه ـ يقول كذا و كذا ، فما تذكر ؟ قال : قد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يقول ذلك له .
و روى النسائي في السنن الكبرى : 5 / 45 حديث 8148 ، قال :
أخبرنا محمد بن المثنى قال : حدّثنا يحيى بن حماد ، قال : حدّثنا أبو عوانة عن سليمان قال : حدّثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم ، قال : لما رجع رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) عن حجة الوداع و نزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ، ثُمّ قال : ( كأنّي قد دعيت فأجيب ، إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله ، و عترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ثُمّ قال :  إنّ الله مولاي وأنا ولي كُلّ مؤمن . ثُمّ أخذ بيد عليّ فقال : من كنت وليه ، فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) .
و ذكره ابن كثير في البداية و النهاية : 5 / 288 حوادث سنة 10 هـ ، و قال : قال شيخنا الذهبي : و هذا حديث صحيح .
و روى الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب : 88 حديث 80 ، قال : أخبرنا زكريّا بن يحيى ، قال : حدّثنا نصر بن علي ، قال حدّثنا عبد الله بن داود ، عن عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه : إنّ سعداً قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
و روى ابن ماجة في السنن : 1 / 43 حديث 116 ، قال :
حدّثنا علي بن محمد ، حدّثنا أبو الحسين ، أخبرني حماد بن سلمه ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال : أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في حجته التي حجّ ، فنزل في بعض الطريق فأمر بالصلاة جامعة ، فأخذ بيد علي ، فقال : ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟، قالوا : بلى . فقال : ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى . قال : فهذا وليّ من أنا مولاه ، اللهم وال من والاه ، اللهم عاد من عاداه ) .
قال ابن ماجة في الزوائد : إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان .

أقول : إنّ ضعف علي بن زيد بن جدعان هو أحد الرأيين في الرجل ، و الرأي الآخر و هو الأرجح عندنا توثيق الرجل و تصديقه ، قال العجلي : كان يتشيع و لا بأس به ، و قال يعقوب بن شيبة : ثقة ، صالح الحديث ، و قال الترمذي : صدوق ، إلّا إنّه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره ، و قال ابن عدي : لم أر أحداً من البصريين و غيرهم امتنع من الرواية عنه، و قال الساجي : كان من أهل الصدق .
و روى النسائي في الخصائص : 86 حديث 79 ، قال :
أخبرنا أبو داود ، قال : حدّثنا أبو نعيم ، قال : حدّثنا عبد الملك بن أبي غنيّة ، قال : أخبرنا الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن بريده ، قال : خرجت مع عليّ رضي الله عنه إلى اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فقدمت على النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، فذكرت علياً فتنقصته ، فجعل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يتغير وجهه ، فقال : ( يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت : بلى يا رسول الله ! قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
و رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 3 / 119 حديث 4578 بنفس الإسناد ، و قال :
حدّثنا محمد بن صالح بن هانئ ، حدّثنا أحمد بن نصر ، أخبرنا محمد بن علي الشيباني بالكوفة ، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري ، أنبأنا محمد بن عبد الله العمري ، حدّثنا محمد بن إسحاق ، حدّثنا محمد بن يحيى و أحمد بن يوسف ، قالوا : حدّثنا أبو نعيم ، و ساق إسناد الحديث و المتن كما في خصائص النسائي .
و رواه ابن كثير في البداية و النهاية : 5 / 228 حوادث سنة 10 هـ ، عن أحمد بن حنبل ، قال : قال الإمام أحمد : حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا ابن أبي غنيّة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، و ساق السند و المتن كما عند النسائي .
و رجال السند عن النسائي كلهم ثقات ، و كذا سند الحاكم ، و صحّحه الحاكم و قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه ، و رواه الذهبي في التلخيص و لم يعلق عليه بنقد أو جرح في إسناده مما يشعر بتصحيحه له ، و رجال السند في رواية ابن كثير و أحمد بن حنبل كلهم ثقات ، و صحّحه ابن كثير ، و قال : إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات .
و رواه أحمد في المسند : 6 / 476 حديث 22436 ، بنفس الإسناد و المتن ، و قال : حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا ابن عيينة ، عن الحسن ، عن سعيد ، و ساق الحديث بنفس الإسناد و المتن ، إلّا أنّ رواية أحمد عن الحسن و ليس الحكم ، و كذلك ابن أبي عيينة ، و الصواب ابن أبي غنيّة بالغين المعجمة .
و قد راجعنا الرواية عند ابن كثير فوجدنا يروى عن أحمد ، عن الحكم ، كما في إسنادي النسائي و الحاكم ، و أغلب الظن أنّ الحسن مصحّف ، و الصحيح الحكم بقرينة رواية ابن كثير عن أحمد .
و ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة : 43 ، و قال : هذا الحديث صحيح ، و لفظه عند الطبراني و غيره بسند صحيح .
و الحلبي في سيرته : 3 / 274 ، و قال : هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح و حسان ، و لا التفات لمن قدح في صحته كأبي داود و أبي حاتم الرازي .
و الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : 1 / 163 ، الأصل الخمسون .
و الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : 9 / 164 ، و قال : رواه الطبراني ، و فيه زيد بن الحسن الأنماطي ، قال أبو حاتم : منكر الحديث ، و وثّقه ابن حبّان ، و بقية رجال أحد الإستادين ثقات .
و أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : 3 / 180 حديث 3052 ، و قال :
حدّثنا محمد بن عبد الله الحضرمي و زكريا بن يحيى الساجي ، قالا : حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء ، و حدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري ، حدّثنا سعيد بن سليمان الو اسطي ، قالا : حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي ، حدّثنا معروف به خرّبوذ ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لما صدر رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) من حجة الوداع ، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات، أن ينزلوا تحتهن ، ثُمّ بعث إليهن فَقُمَّ ما تحتهن من الشوك ، و عمد إليهن فصلّى تحتهن ، ثُمّ قام فقال : ( يا أيّها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير إنّه لم يعمّر نبيّ إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله ، و إني لأظن أنّي يوشك أن أدعى فأجيب ، و إنّي مسئول و إنّكم مسئولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلَّغت و جاهدت و نصحت ، فجزاك الله خيرا . فقال : أ ليس تشهدون أن لا إله إلّا الله ، و أنّ محمداً عبده و رسوله ، و أنّ جنّته حقّ و ناره حقّ ، و أنّ الموت حقّ ، و أنّ البعث بعد الموت حقّ ، و أنّ السّاعة آتية لا ريب فيها ، و أنّ الله يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلى نشهد بذلك . قال : اللهم اشهد ثُمّ قال : أيها الناس إنّ الله مولاي و أنا مولى المؤمنين ، و أنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليّا ـ اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه  ثُمّ قال : يا أيها الناس إنّي فرطكم ، و إنّكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى و صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، و إنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عزّ و جلّ سبب طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلّوا و لا تبدلوا ، و عترتي أهل بيتي ، فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض ) .
دلالة نصّ الغدير :
و لسنا نحتاج أن نقف كثيراً عند دلالة ( نص الغدير ) و معنى المولى ، و لو أنّ الإنسان تجرّد عن الخلفيات التاريخية لمسألة الخلاف على الإمامة و الخلافة من بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لم يتوقف كثيراً في دلالة الحديث .
و لو أنّ بعض هذا الإعلان و الإشهار كان صادراً من رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في غير هذا الأمر الذي اختلف فيه المسلمون أشدّ الاختلاف ، و دخل فيه العامل السياسي فعمّق الخلاف … أقول لو كان بعض هذا الإعلان و الإشهار صادراً عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في غير هذا الأمر لما اختلف فيه أحد من المسلمين .
فليس من المعقول و لا من المألوف أن ينزل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بجماهير المسلمين الذين يربو عددهم على مائة ألف، في ذلك الهجير الصائف من طريق عودة الحجيج إلى بلادهم ، و يأخذ بيد عليّ ( عليه السَّلام )، أمام هذا الحشد الكبير حتى يتبين آباطهما ، و يشهر ولايته ( عليه السَّلام ) عليهم كولايته ( صلى الله عليه و آله ) عليهم ، إعلاناً ، و إشهاراً ، و يأمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب … ثُمّ يتزاحم المسلمون على عليّ ( عليه السَّلام ) ليهنئوه بالولاية … ثُمّ لا يكون لذلك دلالة على ( الوصيّة ) ، و لا يزيد هذا الأمر كله على التذكير بفضائل عليّ ( عليه السَّلام ) ، و ردّ الاعتبار إلى الإمام عليّ ( عليه السَّلام ) عن شكوى أسرّ به بعض الأصحاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في جفوة كانت بينه و بين عليّ ( عليه السَّلام ) في طريق عودتهم من اليمن … كما يقول الحافظ أبو الفداء بن كثير في البداية و النهاية : 5 / 227 حوادث سنة 10 هـ .
يقول أبو الفداء :
فصل في إيراد الحديث الدّال على إنّه ( عليه السَّلام ) خطب بمكان بين مكّة و المدينة، مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبيّن فيها فضل عليّ بن أبي طالب، و براءة عرضه مما كان تكلم فيه، بعض من كان معه بأرض اليمن .
و لا أعتقد أنّ الحافظ أبا الفداء بن كثير كان يرتضي لنفسه، مثل هذا التسطيح و التبسيط للتاريخ بهذه الصورة، لو كان هذا الإعلان و الإشهار في غير هذا الأمر من أمور المسلمين ، و لم يكن محملاً بهذه التبعة التاريخية الثقيلة، من الحساسيات السياسية التي تراكمت حول قضية الخلافة السياسية بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
و التشكيك في دلالة ( المولى ) في النصّ كالتشكيك في دلالة الحديث، و الموقف، و الحشد الكبير الذي أشهر فيهم رسول الله ولاية الإمام عليّ ( عليه السلام ) يومئذ على المسلمين .
ففي كثير من الطرق الصحيحة لهذا النصّ، يسأل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أولا : ( ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ و بعد أن يقرّوا له بذلك الإيجاب ، يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) .
و هو نصّ في إرادة الإمامة من الولاية ، أو كالنصّ ، لا يكاد فيه أحد إذا تجرّد عن الرواسب التاريخية لهذا الخلاف .
و لست أعرف بعد هذه المقدمة و الاستفهام من رسول الله ( صلى الله عليه و آله )، و الإقرار من الناس بولاية رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) وجهاً للتأمل، و التوقف في معنى ( المولى ) في حديث رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه) .
و قد وردت هذه القرينة و السؤال و الإقرار في صحاح الروايات كما ذكرنا من قبل .
ثُمّ يعقّب رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) هذا الإعلان ،و الإشهار لولاية الإمام علي ( عليه السَّلام ) بالدعاء لمن يواليه : اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ) .
و هو دعاء خاص، يتضمن معنى إعلان إمامة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) على المسلمين .
و قد ورد الدعاء في طائفة واسعة من ألفاظ روايات الغدير .
و إجمالاً: إنّ قراءة مجردة لنصّ الغدير بكلّ ظروفه، و القرائن التي تحفّ به ، مجرّدة عن مخلّفات الماضي و رواسبه، و حسّاسياته ، كافية لإثبات الوصية و الولاية للإمام عليّ ( عليه السلام ) من بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .


source : alhassanain
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وصايا رمضانية
حديث حول قوم ثمود: رؤية قرآنية
بعض المقتطفات من موسوعة عاشوراء
ابن عباس: مدرستُه، منهجه في التفسير
أساليب التبليغ في القرآن
قاعدة (لا حرج)
مدة حكم المهدي المنتظر
دور الأسرة في بناء الشخصية الإسلامية
من السفاح إلى المتوكل
مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني

 
user comment