عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

الاتّجاهات الثلاثة في مسألة الإمامة

الاتّجاهات الثلاثة في مسألة الإمامة

من خلال قراءة في تاريخ الفقه والكلام الإسلاميين نلتقي ثلاثة اتجاهات وآراء، في مسألة الإمامة والولاية بعد رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي: ـ

أولاً : نظرية انعقاد الإمامة بالغلبة والثورة المسلّحة.

ثانياً : نظرية الاختيار.

هاتان النظريتان لجمهور أهل السنّة.

ثالثاً : نظرية النص، وهي نظرية الشيعة الإمامية.

وفيما يلي نحاول، إن شاء الله، إلقاء نظرة على كلٍّ من هذه النظريات الثلاث ونقدها ومناقشتها.

أولاً ـ انعقاد الإمامة بالثورة المسلّحة (الغلبة)

يذهب جمهور فقهاء أهل السنّة إلى انعقاد الإمامة للحاكم بالثورة المسلحة والسيطرة على مواقع القوة وإسقاط النظام بالقوة العسكرية، ولا يحتاج انعقاد الإمامة حينئذ الى عقد البيعة من قِبَل جمهور المسلمين أو من جانب أهل الحل والعقد. وهذا مذهب معروف وقديم عند أهل السنّة. يقول أبو يعلى الفرّاء:

قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس بن مالك العطار: «ومن غلب عليهم بالسيف، حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً بَرّاً كان أو فاجراً.

وقال أحمد أيضاً في رواية أبي الحرث: يخرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم، «تكون الجمعة مع من غلب». واحتج بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة، وقال: «نحن مع من غلب»([2]).

ويقول التفتازاني في شرح المقاصد:

إذا مات الإمام وتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقهر الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له. وكذا إذا كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر، إلا أنّه يُعصى بما فعل، ويجب طاعة الإمام ما لم يخالف حكم الشرع سواءً كان عادلاً أو جائراً([3]).

ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان:

وجمهور العلماء على انعقادها بهذا الطريق سواء أكانت شروط الإمامة متوافرة في هذا المتغلب أو لم تتوافر فيه، حتى ولو كان المتغلب فاسقاً أو جاهلاً انعقدت إمامته([4])، بل لو تغلبت امرأة على الإمامة انعقدت لها([5])، وكذا إذا تغلب عليها عبد([6])، وذلك لأنّ العلماء ينظرون إلى أنّه لو قيل بعدم انعقاد إمامة المتغلب لأدّى ذلك إلى وقوع الفتن بالتصادم بين المتغلب ومعاونيه، وبين الإمام الموجود ومن يقف بجانبه، ولانتشر الفساد بين الناس بعدم انعقاد الأحكام التي صدرت عن هذا المتغلب، إذ يلزم عليه عدم صحة زواج من زوّجها، لأنه لا ولي لها، وإنّ من يتولّى إمامة المسلمين بعده عليه أن يقيم الحدود أولاً ويأخذ الجزية ثانياً.

بل إنّ العلماء نصّوا على أنّه لو تغلب آخر على هذا المتغلب فقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إماماً([7])، فالعلماء يقارنون بين نوعين من الشر، فيختارون أهونهما إلى الأمّة، ولا يفتون بتعريضها لأعظم الشرّين([8]).

المناقشة :

وهذا كلام لا يسلم من المؤاخذة والمناقشة. ونلخّص نحن مؤاخذاتنا على هذا الاستدلال في ثلاث نقاط:

النقطة الاُولى:

إنّ الأصل في الموقف الشرعي من الفئات التي تغتصب السلطة الشرعيّة ليس هو الاستسلام والقبول والانقياد، وإنما الرفض، والرد، وتحريم الركون، حتى فيما إذا عجزت الأمّة عن أداء فريضة النهي عن المنكر والرفض والرد، فيما إذا كان من غير الممكن إحباط الثورة المسلّحة، ونصرة الإمام المغلوب على أمره، وكان مردود المقاومة سلبياً على الأمّة، وضرّها أكثر من نفعها... أقول:

حتى في هذه الحالة يكون الكفّ عن المقاومة والرفض استثناءً وليس بأصل، والأصل هو المقاومة، ولا ننفي هذا الاستثناء في ظرفه الخاص به، إلا أنّ الاستثناء يبقى استثناءً، ولا يتحوّل الى أصل.

وعندما نستعرض كلمات هؤلاء الأعلام نجد أنهم يقررون الحكم بالتسليم، والركون، والانقياد، وحرمة المعارضة والمقاومة على نحو الأصل، وليس على نحو الاستثناء.

وقد قرأنا قبل قليل كلمة الإمام أحمد برواية عبدوس بن مالك القطان: «ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما، برّاً كان أو فاجراً».

النقطة الثانية

إنَّ مآل هذا الاستدلالـ إذا سَلِمَ من المؤاخذة الأولى ـ إلى «قاعدة الضرر» المعروفة لدى الفقهاء، والتي تبتني على الحديث المعروف عن رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)([9]).

الاستدلال بقاعدة الضرر :

وتقرير الاستدلال بـ (قاعدة الضرر):

إنّ المقاومة والرفض إذا كانا يتسببان للمؤمنين بضرر بليغ وكان الضرر فيها أكبر من نفعها... فإنّ قاعدة الضرر ترفع الحكم بتحريم الركون والانقياد للحكم الجديد، كما ترفع الحكم بوجوب المقاومة والرد، إذا كانت هذه المقاومة سبباً للإضرار بالمؤمنين.

فإنّ القاعدة في هذه الحالة تكون ـكما يقول علماء الأصولـ حاكمة على إطلاقات الأحكام الأولية المقتضية للمقاومة والرد والرفض، وترفع إطلاقها، وتقيّدها بما إذا لم تكن ضررية، كما أنّ وجوب الصلاة والوضوء والصوم في إطلاقات الوجوب يرتفع في حالات الضرر. ومهمّة دليل الضرر هو التصرف في ناحية المحمول ورفع الحكم (المحمول) فيما إذا كان ضررياً، سواءً كان حكماً تكليفياً كما في الأمثلة المتقدمة، أو حكماً وضعياً، كاللزوم في المعاملات الضررية.

قاعدة الضرر رافعة وليست بمشرّعة :

والمناقشة في هذا الاستدلال واضحة; فإنّ دليل الضرر يرفع الحكم الذي ينشأمنه الضرر على المكلّف، سواءً كان حكماً تكليفياً كوجوب الصلاة والصيام، أو حكماً وضعياً كاللزوم في المعاملة، دون أن يكون لدليل (الضرر) تأثير في وضع الحكم الذي يكون عدمه ضررياً للمكلف سواءً في ذلك الحكم الوضعي والحكم التكليفي.

فإنّ دليل (لا ضرر ولا ضرار) لا يزيد مقتضاه على النفي ورفع الحكم الذي يتسبب في إضرار المكلّف دون إثبات الأحكام التكليفية والوضعية التي يتضرر المكلّف من عدمها.

ولذلك يقول الفقهاء إنّ دليل الضرر رافع فقط وليس بمشرّع ولا واضع.

فلا يمكن إثبات الضمان مثلاً بقاعدة الضرر في المعاملات التي يترتب فيها الضرر على عدم الضمان، وعليه فلا يمكن الاستدلال بهذا الدليل إذا صح الاستدلال به في أكثر من رفع الإلزام بمعارضة الحاكم الظالم المتغلب، ورفع وجوب النهي عن المنكر، ومقاومة الفئة الظالمة المتغلبة على الأمر.

وهذا هو أقصى ما يمكن استفادته من دليل الضرر الذي هو روح الاستدلال الذي قرأناه في النص المتقدم، ولا يتكفل دليل الضرر قطعاً إثبات شرعية الإدارة التي قامت بصورة غير مشروعة، وانعقاد الإمامة للحاكم الذي فرض سلطانه على المسلمين بالانقلاب العسكري، من دون بيعة ورضاً من المسلمين، كما لا يثبت دليل الضرر صحة الزواج الذي يعقده الحاكم الذي جاء بطريقة غير مشروعة لغير البالغة ولغير البالغ، ولا يثبت حق الحاكم في إجراء الحدود الشرعية، أو شرعية نزع الأملاك وجباية الأموال، فإنّ مقتضى دليل الضرر كما ذكرنا لا يزيد على الرفع، ولا يصل إلى مرحلة الوضع.

وليس ما وراء هذا الدليل دليل آخر للحكم بوجوب الانقياد للظالم المتغلب على البلاد والعباد.

النقطة الثالثة

وأبلغ من ذلك كله في مجافاة روح الإسلام تصريح فريق من الفقهاء بانعقاد الإمامة للحاكم المتغلب حتى إذا كان فاسقاً، ظاهر الفسق، جاهلاً، بيّن الجهل، فاجراً، مجاهراً بالمنكرات، لايتورّع عنها.

وقد أوجبوا طاعة الحاكم المنتصر المتغلب مع كل هذه الصفات. والقرآن والسنّة الصحيحة صريحان في الرفض، والرد، والمقاومة، ووجوب النهي عن المنكر، وحرمة الركون والطاعة.

يقول تعالى: (وَلاَ تَركَنُوا إلَى الّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمُ النّارُ) هود: 113.

ويقول تعالى: (ولاَ تُطِيعُوا أمرَ المُسرِفِينَ * الّذِينَ يُفسِدُونَ فيالأرضِ وَلاَ يُصلِحُونَ) الشعراء: 151 ـ 152.ويقول تعالى: (فَاصبِر لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِع مِنهُم آثِماً أو كَفُوراً)الإنسان: 24.

ويقول تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبيَّنَ لَهُ الهُدى ويتَّبِـع غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلّهِ ما تَوَلَّى ونُصلِهِ جَهَنّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء: 115.

ويقول تعالى: (وَلاَ تُطِع مَن أغفَلنَا قَلْبهُ عَن ذِكرِنَا واتّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمرُهُ فُرُطاً) الكهف: 28.

ويقول تعالى: (ألمَ تَرَ إلى الّذِين يَزعُمْون أنّهُم آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أن يَتَحَاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ وَقَد أُمِرُوا أنْ يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشّيطَانُ أنْ يُضِلَّهُم ضَلاَلاً بَعِيداً) النساء: 60.

ويقول تعالى: (إنَّ الّذِينَ تَوَفاهُمُ المَلاَئِكَةُ ظَالِمي أنفُسِهِم قَالُوا فِيمَ كُنتُم قالُوا كُنّا مُستَضْعَفينَ في الأرضِ قالُوا ألَم تَكُن أرضُ اللهِ واسِعةً فَتُهاجِرُوا فِيهَا فأُولَئكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء: 97.

وهذه الآية الكريمة، وان كانت تخص من حيث المورد المستضعفين من المسلمين من الذين لم يهاجروا مع رسول الله إلى المدينة، ولم يلتحقوا به، إلاّ أنّ هذا المورد لا يخصص الوارد قطعاً، وتبقى الآية المباركة على شمولها في الدلالة على وجوب رفض الظلم والاستكبار والاستضعاف بكل الأشكال والوسائل حتى لو اقتضى الأمر الهجرة.

ويقول تعالى: (وَالّذِينَ إذا أصَابَهُمُ البَغيُ هُم يَنتَصِرُون) الشورى: 39. ويأمر القرآن بقتال الفئة الباغية، حتى تفيء إلى أمر الله: (وإنْ طَائِفَتَانِ مِن المُؤْمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأصلِحُوا بَينَهُمَا فإن بَغَت إحدَاهُمَا عَلَى الأُخرى فَقاتِلُوا الّتي تَبغِي حَتّى تَفِيءَ إلَى أمرِ اللهِ) الحجرات: 9.

والآية الكريمة، وإن كانت نازلة في مورد الاقتتال بين المؤمنين، ولكنها صريحة وواضحة في الأمر برفض البغي، وقتال الباغي حتى يفيء إلى حكم الله.

في الدرالمنثور عن رسولالله (صلى الله عليه وسلم): «إنّ رحىالإسلام ستدور، فحيث مادار القرآن فدوروا به، يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرّقا. إنّه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم وإن عصيتموهم قتلوكم. قالوا: يا رسول الله فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونوا كأصحاب عيسى(عليه السلام): نشروا بالمناشير، ورفعوا علىالخشب. موت فيطاعة خير من حياة في معصية»([10]).

وفي نهج السعادة: قال أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) محزوناً يتنفّس فقال: «كيف أنتم وزمان قد أظلكم، تعطّل فيه الحدود ويتّخذ المال فيه دولاً، ويعادى فيه أولياء الله، ويوالى فيه أعداء الله؟ قلنا يا أمير المؤمنين، فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال: كونوا كأصحاب عيسى(عليه السلام): نشروا بالمناشير وصلبوا على الخشب، موت في طاعة الله ـعزَّوجلَّـ خير من حياة في معصية الله»([11]).

ثانياً ـ نظرية الاختيار

ذهب القائلون بهذه النظرية إلى انعقاد الإمامة باختيار أهل الحل والعقد من المسلمين([12]). واعتبروا هذا الاختيار كاشفاً عن إذن الله تعالى، وعلى هذا الأساس جعلوا اختيار الناس للإمام مصدراً لشرعية الولاية والإمامة.

تنعقد الإمامة بالبيعة

وعلى هذا الرأي تنعقد الإمامة والولاية للحاكم بصورة فعليّة وناجزة ببيعة جمع من أهل الحل والعقد يمثلون عادةً إرادة مساحة واسعة من الأمّة أو ببيعة مباشرة من شريحة كبيرة من الأمّة، بكيفية وكمية يعتدّ بها عادة في أمثال هذه المسائل التي يربطها الشارع بإرادة الجمهور، اذا كان الحاكم يستجمع الشروط التي يطلبها الشارع فيالإمام. وإلى هذا الرأي يذهب جمهور فقهاءأهل السنّة ومتكلميهم. وفيما يلي نذكر بعض كلمات أعلام الجمهور.

1 ـ رأي الماوردي :

يقول أبو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفّى (450هـ): فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفّحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها، فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً، وأكملهم شروطاً، ومن يسرع الناس إلى طاعته، ولا يتوقفون عن بيعته، فإذا تعيّن لهم من بين الجماعة من أدّاهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه، فإن أجاب إليها بايعوه عليها، وانعقدت ببيعتهم له الإمامة، فلزم كافة الأمّة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته([13]).

2 ـ رأي القاضي عبدالجبار :

ويقول القاضي عبد الجبار المتوفّي (415 هـ) في المغني: وإن أقام بعض أهل الحل والعقد إماماً سقط وجوب نصب الإمام عن الباقين، وصار من أقاموه إماماً، ويلزمهم إظهار ذلك بالمكاتبة والمراسلة; لئلاّ يتشاغل غيرهم بإمام غيره. وقد وقعت الكفاية; ولئلاّ يؤدي ذلك إلى الفتنة. فعدم مبايعة سائر أفراد الأمّة لا يؤثر في انعقاد الإمامة; لأنّ العقد تمّ بمجرد مبايعة أهل الحل والعقد، ولا يكون العقد صحيحاً إذا لم يبايع الإمام أهل الحل والعقد([14]).

3 ـ رأي القرطبي :

ويقول أبو عبدالله القرطبي المتوفّى (671هـ) في الجامع لأحكام القرآن: الطريق الثالث لإثبات الإمامة: إجماع أهل الحل والعقد: وذلك أنّ الجماعة في مصر من أمصار المسلمين، إذا مات إمامهم، ولم يكن لهم إمام ولا استخلف، فأقام أهل ذلك المصر الذي هو حضرة الإمام وموضعه إماماً لأنفسهم، اجتمعوا عليه، ورضوه، فإنّ كلّ من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الإمام، إذا لم يكن الإمام معلناً بالفسق والفساد; لأنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها، ولا يسع أحد التخلف عنها; لما في إقامة إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البين. قال رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن، إخلاص العمل لله، ولزوم الجماعة، ومناصحة ولاة الأمر، فإنّ دعوة المسلمين من ورائهم محيطة»([15]).

4 ـ رأي ابن تيمية :

ويقول ابن تيمية المتوفّى (728 هـ) في كتابه منهاج السنّة: الإمامة عندهم ـأهل السنّةـ تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة. فإنّ المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً. ولهذا قال أئمة السنّة: من صار له قدرة وسلطان أن يفعل بهما مقصود الولاية فهو من اُولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، فالإمامة ملك وسلطان، والملك لا يصير ملكاً بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة، إلاّ أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكاً بذلك([16]).

ويرى (القلانسي) ومن تبعه أنّ الإمامة تنعقد بعلماء الأمّة الذين يحضرون موضع الإمام، وليس لذلك عدد مخصوص([17]).

أقل عدد تنعقد به البيعة :

ويتسامح الكثير من فقهاء السنّة ومتكلميهم في العدد الذي تنعقد ببيعتهم الإمامة، فمنهم من يحدد الحد الأدنى منه بالأربعين، ومنهم بالخمسة، ومنهم من يكتفي بالثلاثة، ومنهم من يكتفي بالاثنين، ومنهم من يكتفي ببيعة رجل واحد في انعقاد الإمامة، وإليك طرفاً من كلماتهم:

5 ـ رأي صاحب المواقف (الإيجي) :

يقول القاضي عبد الرحمن الإيجي الشافعي المتوفّى (756 هـ) في المواقف: وتثبت الإمامة ببيعة أهل الحل والعقد، خلافاً للشيعة. ثم قال: إذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقم دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف([18]).

6 ـ رأي الماوردي أيضاً :

وقال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفّى (450هـ) في الأحكام السلطانية: اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى. فقالت طائفة لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد والحل من كلّ بلد; ليكون الرضاء به عاماً والتسليم لإمامته إجماعاً... وقالت طائفة أخرى أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالاً بأمرين:

أحدهما: إنّ بيعة أبي بكر(رضي الله عنه) انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها...

والثاني: إنّ عمر(رضي الله عنه) جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين.

وقال آخرون من علماء الكوفة تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين... وقالت طائفة أخرى تنعقد بواحد; لأنّ العباس قال لعلي رضوان الله عليهما امدد يدك أبايعك فيقولالناس عم رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) بايع ابنعمه فلا يختلف عليك اثنان([19]).

7 ـ رأي الجبائي والمحلّي وسليمان بن جرير :

وذهب الجبائي من المعتزلة إلى: أنّ الإمامة تنعقد بخمسة يجتمعون على عقدها([20]).

وذكر جلال الدين المحلّي في شرحه على منهاج الطالبين للنووي: إنّ الإمامة تنعقد بالبيعة من قبل أربعة([21]).

ونقل: أنها تنعقد بمبايعة ثلاثة; لأنها جماعة لا يجوز مخالفتهم([22]).

وقيل: إنّ الإمامة تنعقد ببيعة رجلين من أهل الورع والاجتهاد. وهو رأي منسوب إلى سليمان بن جرير الزيدي، وطائفة من المعتزلة([23]).

ويذهب إلى انعقاد الإمامة ببيعة عدد محدود وقليل، طائفة من أعلام السنّة وفقهائهم، لا نريد أن نطيل الوقوف بذكر كلماتهم في هذه المقالة([24]).

ويذهب عدد من الفقهاء إلىانعقاد الإمامة ببيعة شخص واحد فقط كما ذكرنا.


[1] مسند أحمد: 1/178 ح885، تاريخ الطبري ـ بتحقيق محمد أبو الفضل: 2/319 ـ 321، شواهد التنزيل ـ تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي: 1/542.

[2] الأحكام السلطانية لأبي يعلى : ص23،24.

[3] شرح المقاصد : 5/233.

[4] مآثر الانافة في معالم الخلافة لأحمد بن عبدالله القلقشندي : 1/58.

[5] إرشاد الساري للقسطلاني : 10/263.

[6] المصدر السابق : ص264.

[7] حاشية ابن عابدين : 3/428.

[8] رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي : ص293ـ294.

[9] نصب الراية لأحاديث الهداية / الزيلعي : 4/384. من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: 4/334 حديث 5718.

[10] الدر المنثور : 3/125 في تفسير الآية 78 من سورة المائدة.

[11] نهج السعادة : 2/639 رقم345.

[12] راجع شرح المقاصد : 5/234، وشرح المواقف للشيخ أبي علي : 8/351.

[13] الأحكام السلطانية للماوردي : ص7.

[14] المغني في أبواب التوحيد والعدل، إملاء القاضي عبدالجبار بن أحمد راجع : ص11 الجزء ـالعشرينـ القسمالأول في الإمام : ص303 ـطـ 1966.

[15] تفسير القرطبي : 1/185 ـ 186 في تفسير الآية 30 من سورة البقرة.

[16] منهاج السنّة النبوية : 1/141.

[17] رئاسة الدولة للدكتور محمد رأفت عثمان : ص265 نقلاً عن أصول الدين للبغدادي : ص281.

[18] المواقف : ص399 ـ 400 المقصد الثالث فيما يثبت به الإمامة.

[19] الأحكام السلطانية للماوردي : ص6 ـ 7.

[20] الفِصل في الملل والنحل لابن حزم : 4/167.

[21] و 4 / شرح جلال الدين المحلّي على منهاج الطالبين للنووي: 4/173. طبعه محمد علي صبيح.

[22]

[23] أُصول الدين للبغدادي : ص281 برواية د. محمد رأفت عثمان في كتاب رئاسة الدولة: ص265.

[24] من هذه المصادر النووي والرملي في منهاج الطالبين وشرحه: 7/390.

 

 

 



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

سيروا في الارض
تحرم البحث و المناظرة مع الشیعة
في القدم والحدوث وأقسامهما
قالوا حسبنا كتاب الله ولم يستشهدوا بكتاب الله
العدل
عقيدتنا في البعث والمعاد
كيف نفهم القدر؟!
البدعة الحسنة والسيئة
موقف ابن تيمية من حديث خلق الله آدم على صورته ق(6)
الاَحاديث الواردة في بيان أهمية التقية :

 
user comment