المستهزئين المهينين للدين ، قال الله تعالى: « إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا » (1) ، فعقاب كل من أحب الذين يستهزئون بالدين أن يحشر يوم القيامة مع المنافقين. وكلا الفريقين المستهزئ والمنافق في النار ، والسبب واضح ، لأن من يحب ويودّ المستهزئ بالدين المستهين به فإنه بالتدريج سيتأثر بأفكاره وكلامه ، وحينئذ سيُحدث كلامه شكاً في نفس ذلك المحب ، وإذا حدث الشكّ في نفسه مع كونه يظهر الإسلام فسيكون ذلك نفاقاً؛ لأن النفاق هو إظهار شيء من واقع حياتنا. لاحظوا أعزائي جسم الإنسان فهو مركب على هيئة بحيث يستطيع أن يجذب المواد المفيدة إليه لغرض البناء والنمو ، وفي نفس الوقت هو مجهّز بنظام دفاعي يطرد الميكروبات والجراثيم
(1) سورة النساء: الآية 140 . |
ويقاومها ويطردها إلى الخارج ، وإذا ضعف هذا النظام الدفاعي وتغلبت الجراثيم فهذا سيؤدي إلى الموت حتماً، فلا يمكن أن نقول: إن هذه الجراثيم والميكروبات ضيف عزيز على الجسم يجب استقباله واحترامه والترحيب به؛ لأن في ذلك هلاكاً للجسم.
وهذه سنة إلهيّة فقد جعل الله تعالى لكل كائن حي نظامين؛ نظاماً للجذب وآخر للدفع ، نظاماً لجذب الأمور المفيدة ، وآخر لدفع وطرد الأمور المضرة والخطرة ، وكذا الآخر في نفس الإنسان وروحه ، فهكذا استعداد لكلا الأمرين موجود فيها بالفطرة حتى تستقيم النفس ، فلابدّ من عامل جذب نفسي نتقبل به الأفراد المفيدين لنا ، ونتقرب إليهم ، ونتعلم منهم ، وفي المقابل لابدّ من عامل دفع وطرد نعادي به الأفراد المضرين لمصير المجتمع ، قال الله تعالى في وصف نبيه إبراهيم (عليه السلام): « قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي
إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرء?ؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ » (1) ، فالقرآن يحثنا على التأسي بإبراهيم (عليه السلام) وأصحابه ، إذ إن النبي إبراهيم (عليه السلام) له منزلة خاصة في الثقافة الإسلامية ، بل إنّه هو الذي أطلق اسم الإسلام على ديننا « هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ » (2) ، فلننظر ماذا فعل إبراهيم (عليه السلام) مع قومه الذين عادوه وأصحابه ، وأخرجوهم من ديارهم حيث قالوا لهم: « إِنَّا بُراء مِنكُمْ » أي إنهم أعلنوا البراءة منهم ومن أفعالهم.
ولم يكتفِ إبراهيم (عليه السلام) وأصحابه بذلك بل قالوا لهم: « كَفَرْنَا بِكُمْ » ، فالذي نفعله نحن بلعننا لأعداء الحسين وأعداء الإسلام إنما هو تأسٍ بإبراهيم (عليه السلام) وأصحابه ،
(1) سورة الممتحنة: الآية 4. |
والقرآن يأمرنا بذلك ويقول: أعلنوا براءتكم من أعداء الدين ، فليس من الصحيح أن يكون الإنسان مبتسماً على الدوام مع كل أحد وفي كل الظروف ، بل عليه ـ وفي بعض المواقف ـ أن يكون عبوساً مع كل من يريد هدم الدين ، أو يريد أن يعادي الحسين ويسعى إلى تقويض أهداف ثورته.
فإذا لم نعاد من يعادون ديننا فسوف ننجذب بالتدريج إليهم ، ثم نصبح يوماً بعد يوم منهم ، ونكون نحن أعداء للدين.
المسألة المهمة ـ أيّها الإخوة ـ التي عليَّ أن أبينها هنا ولا يمكنني اغفالها هو : إنّه لابدّ أن نتعرف بالدقة على موارد الجذب وموارد الدفع ؛ لأنها في كثير من الموارد تختلط بعضها ببعض ، بل قد تصبح على العكس ، فنقوم بدفع ما يجب جذبه أو جذب ما يجب دفعه ، فمثلاً لو أن شخصاً كان يحمل مفاهيم خاطئة (أي أنه جذب ما يجب دفعه) ثم
بينّا له خطأه واقتنع ورجع عن خطائه فمثل هذا الشخص لا يصحّ أن نعاديه ، إذ مجرد ارتكاب الشخص لذنب معين لا يصح أن نعاديه ونرفضه من المجتمع ؛ لأنه مريض يحتاج إلى علاج.
أما الشخص المتعمد والذي يروّج الفحشاء والمنكر ويعلن عداوته لأولياء الله ففعله هذا خيانة وخبث ، فعلينا أن نعاديه وندفعه.
فتلخص أعزائي مما تقدم: إن احياء مراسم عاشوراء هو تجديد لحياة الحسين (عليه السلام) ، للاستفادة منها بأفضل ما يمكننا استفادته ، ولا يمكن أن نكتفي بالبحوث والندوات العلميّة ، لأن الإنسانية بحاجة إلى عواطف تسير جنباً إلى جنب مع العلم والمعرفة ، كجناحي الطائر فلا يكفي أحدهما ، كما لا يصحّ أن نستقبل عاشوراء بعواطف الفرح والسرور؛ لأنها لا تتناسب مع الطبيعة المأساوية المروعة ليوم عاشوراء ، وبالتالي فكما يجب السلام على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وحبه
وتوليه يجب أيضا البراءة من أعدائه ولعنهم ولعن جميع أعداء الدين ، فلا يمكننا أن نستفيد من بركات الحسين ما لم نزح أعداء الحسين عن أنفسنا ، فإن فعلنا ذلك صرنا حسينيين.
بعد ذلك قام سعيد وودّعنا قائلاً: أنا أرغب أن نواصل جلستنا ولكم اختيار الموضوع الذي ترغبون في التحدث حوله.
وهكذا استمر (سعيد) في جلساته معنا ، وكنا كل يوم نزداد فيه تبصرة وعلماً منه بفضل الله تعالى