النبي موسى (عليه السلام):
ظروف ولادته كانت عسيرة جداً حيث كان الطاغية فرعون - فرعون موسى - يراقب ولادات النساء ليقتل الذكور منهم خوفاً من ولادة موسى هذا النبي الذي سينشر الدين الإلهي الجديد والذي سينتصر على أعدائه ويبطل سلطان فرعون فبدأ الطاغية فرعون بقتل الأطفال الذكور من بني إسرائيل حتى قتل نيفاً وعشرين ألف مولود بالإضافة إلى تعذيب الرجال والنساء في الأعمال الشاقة كالبناء الشاهق - الأهرامات - حتى إنه كان يقيد الرجال بأرجلهم ويأمرهم بنقل الطين ومواد البناء إلى السطوح فكان يقع الكثير منهم فيموتون أو تكسر أرجلهم.
وأم موسى في خوف كبير من خبر حملها وكان فرعون قد نشر عيونه في كل بيوت بني إسرائيل فكانت امرأة تراقب أم موسى لحظة بلحظة لتكتشف جنس الوليد ولكن بقدرة الله وعنايته بدأ التحابب بين المراقبة هذه وأم موسى حتى أنها واعدتها بكتمان أمرها ففي هذه الظروف الإرهابية ولد موسى (عليه السلام) وبحضور المراقبة أيضاً واجتمع على الباب جمع من عناصر فرعون المأمورين بقتل الأولاد الذكور فلما وضعت أم موسى فإذا به موسى فنظرت أم موسى للمرأة المراقبة نظر الاستعطاف والحنان فطمأنتها فخرجت إلى الحرس وأخبرتهم أنه دم منقطع دون جنين فانصرفوا، وكانت تخاف أم موسى أن يبكي موسى فيسمع الجيران صوت بكائه فيخبرون عنه فألهمها الله سبحانه:
(فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني...). [سورة القصص: الآية 7].
وبالفعل صنعت التابوت الخشبي ووضعت فيه الرضيع ثم طرحته في النيل وقلبها مع الطفل وهي ترميه في النهر.
(إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين). [سورة القصص: الآية 7].
والعناية الإلهية ربطت فؤاد أم موسى أن تبوح بسره حتى وصل التابوت إلى قصر فرعون ورأت (آسيا) امرأة فرعون الصالحة المؤمنة هذا الصندوق ويحكي لنا القرآن الكريم فيقول:
(وقالت امرأة فرعون قرّتُ عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون). [سورة القصص: الآية 9].
وتبنّت موسى (عليه السلام) طفلاً صغيراً وفرضته على فرعون ثم طلبت له مرضعاً وما كان يقبل ثدياً إلا ثدي أمه فكُلفت بهذه المهمة.
(وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق). [سورة القصص: الآيتان 11 - 12].
وترعرع موسى في حجر أمه الحنون وحماية عدوه وعدو الله فرعون واستمرت به الحياة إلى أن قتل أحد أعدائه منتصراً لشيعته فأصبح خائفاً يترقب ردود الفعل:
(فأصبح في المدينة خائفاً يترقب..). [سورة القصص: الآية 18].
وحينما أعلن عن دعوته للدين الجديد ونزل في بني إسرائيل داعياً يدعوهم، رَأى الناس فيه علامات النبي المنقذ فأراد فرعون قتله فجمع أصحابه واستشارهم بأمر قتله وكان خازن فرعون مؤمناً بنبوة موسى كاتم الإيمان كلما أراد أن يدافع عن موسى بالأسلوب الهادئ ما استطاع فاتصل بالنبي موسى وأخبره بالمؤامرة.
(وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خائفاً يترقب قال ربِّ نجني من القوم الظالمين). [سورة القصص: الآيتان 20 - 21].
فخرج موسى (عليه السلام) من بلد فرعون - مصر - إلى مدين وبدأت قصته في مدين من موقف البئر. فنظر إلى ناحية فإذا بجاريتين معهما غنم تنتظران دورهما في السقي فساعدهما موسى بل ساعد الجمع كله وكان قوي الجسم ولوحده استطاع أن يملأ الدلو الكبير ويسحبه من البئر... فعادت إحدى الجاريتين لتخبره بأن أباها يطلبه ليكرمه بعد أن سمع أبوهما النبي شعيب (عليه السلام) قصة النبي موسى (عليه السلام) فذهب إلى دار شعيب. وقصّ عليه قصته:
(قال لا تخف نجوتَ من القوم الظالمين). [سورة القصص: الآية 25].
ثم تزوج من إحدى بنات شعيب لقوته وأمانته حيث قالت: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين). [سورة القصص: الآية 26].
فقوته في السقي وأمانته حيث أن إحدى البنتين أرادت أن تدله على الطريق فرفض أن تمشي أمامه بل هي تمشي من خلفه وتدله على الطريق وبالفعل تزوجها مقابل الأجرة لمدة ثماني سنين بإضافة سنتين أخرتين لو قضاهما موسى كان تفضلاً من موسى وبالنتيجة خدم عمه شعيباً عشر سنوات تفضلاً منه، وبعد انتهاء الأجل أراد موسى أن يعود لوطنه الأم مصر فزوّده شعيب بعدد من الغنم لمعيشته مع زوجته وسلّمه عصا إبراهيم الخليل (عليه السلام).. وانطلقا - موسى وزوجته - مع الغنم كذلك متوجهين إلى مصر وفي المسير ضيع طريقه واشتد البرد وهبت العواصف الشديدة وخيم الظلام الدامس وهو في تلك الحالة المتأزمة فإذا به يرى ناراً من جانب الطور.
(قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون). [سورة القصص: الآية 29].
وحينما وصل إلى النار رآها شجرة ملتهبة أراد أن يأخذ منها شيئاً من النار فأهوت نحوه ففزع منها ورجع وعادت النار إلى الشجرة فـ (نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين). [سورة القصص: الآية 30].
(وأن ألقِ عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولّى مدبراً ولم يعقب).
فطمأنه الله سبحانه:
(يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين). [سورة القصص: الآية 31].
عاد موسى إلى عصاه وهو في شدة الخوف والفزع يرتعد خوفاً لكنه اطمأن بالنتيجة وأصبحت آيته الكبرى ودليله الأعظم على نبوته في زمن كان السحر في قمته..
وكانت له آية أخرى: (أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء). [سورة القصص: الآية 32].
فنودي: (اِذهب إلى فرعون إنه طغى). [سورة طه: الآية 24].
فبدأت مسيرته الجهادية ومواجهته المباشرة مع الطاغية فرعون وطلب من الله مآزرة أخيه هارون له وتمت الموافقة الإلهية فأمرهما بالذهاب لفرعون:
(فقولا إنّا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك). [سورة طه: الآية 47].
سألهما عن الدليل فبيّن موسى الدليلين له.. فغضب فرعون وبدأ يذكره بالماضي (ألم نربّك فينا وليداً) صغيراً (ولبثت فينا من عمرك سنين).
(وفعلت فعلتك التي فعلت). [سورة الشعراء: الآيتان 18 - 19].
أي قتلت أحد أصحابي فأراد هو قتل موسى فلم يستطع بقدرة الله فبدأ يحاججهما مَنْ ربكما؟ ومن أنتما؟ وانتهت المجابهة بانتصار موسى بالأدلة الملموسة الدامغة فانفتحت بوابة الاتهامات فاتهم موسى بالسحر والكذب وحدّدا موعداً للمباراة بين موسى وبين السحرة من جماعة فرعون وتمت المباراة أمام أعين الناس في يوم عيد، وانتهت كما في القصة المعروفة بانتصار موسى وهزيمة فرعون وسحرته.
قال عز وجل: (قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ، قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم، وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبَطَلَ ما كانوا يعملون). [سورة الأعراف: الآيات 115 - 118].
فصارت عصا موسى: (تلقف ما يأفكون). [سورة الشعراء: الآية 45].
فأول من عرف الحقيقة هم السحرة فسجدوا لإله موسى وآمنوا به (فأُلقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين). [سورة الشعراء: الآيتان 46 - 47].
آنذاك بدأت الاعتقالات في صفوف المؤمنين بموسى والتصفيات الجسدية حقداً عليهم فأنزل الله سبحانه غضبه على فرعون وقومه فأنزل الطوفان والجراد والقمل والضفادع والرجس والطاعون على قوم فرعون فكان فرعون مضطراً للتوجيه بالطلب من موسى ليدعو ربه للنجاة لقاء اطلاق سراح المؤمنين المعتقلين من بني إسرائيل فكان يدعو موسى دون أن يفي فرعون بعد انتهاء الأزمة وأخيراً أطلق سراحهم بعد رفع الطاعون ففكر موسى وقومه بالهجرة من مصر وبالفعل هاجروا خوفاً وذعراً فعلم فرعون بذلك فلحقهم للبحر وبعد أن فلق الله البحر لموسى وصحبه فدخلوا في البحر وخرجوا من الجانب الآخر وفرعون بجنوده دخلوا ورائهم استجابةً لطغيانهم وغرورهم فلما خرج موسى من الطرف الآخر أخذ عصاه - التي هي سبب انفلاق البحر بإذن الله تعالى - فعاد الماء إلى طبيعته فغرق فرعون بجنوده.
(فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون). [سورة البقرة: الآية 50].
وبعد انتصار موسى في البحر وغرق فرعون ، طفت جثته إلى السطح وعلى الساحل لتكون عبرة لمن استعبر.
وابتدأت مرحلة جديدة لموسى (عليه السلام) بعد انتهاء دور الطاغية فرعون علماً بأنه (عليه السلام) مرّ بتجارب عصيبة مع قومه منها قصة القتيل الذي جاء به ابن عمه للنبي موسى (عليه السلام) يريد أن يعرف قاتله فأمر سبحانه بذبح بقرة وضربها بالميت ليجلس الميت ويخبر عن القاتل فبدأوا يتململون في الأسئلة.. ما لونها.. ما هي.. المهم ذبحوها بالنتيجة وبالفعل قام الميت وأخبرهم بأن ابن عمه هو القاتل لخلاف بينهما حول الزواج من امرأة..
(فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلقك آية). [سورة يونس: الآية 92].
أراد موسى أن يدخل بلاد الشام فرفض قومه: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون). [سورة المائدة: الآية 24].
خوفاً من الجبارين الحاكمين في الشام فعاقبهم سبحانه بالتيه: (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين). [سورة المائدة: الآية 26].
يعني في حيرة من أمرهم لا يرجعون إلى بلادهم مصر ولا يدخلون الشام ضائعين في الأرض.
النبي عيسى (عليه السلام):
الحديث عن النبي عيسى (عليه السلام) يجبرنا أن ننسحب للحديث عن مريم الطاهرة أُم النبي عيسى حيث ظروف الولادة المتميّزة والتي هي بحد ذاتها دلالة واضحة على معجزة النبي عيسى وجذور المسألة تمتد إلى المرأة الصالحة حنّانه واختها حنّة فتزوج النبي الكريم زكريا من حنانة وتزوج الرجل الصالح عمران من حنة ولم يرزقا أولاداً مدة من الزمن وبعد فترة طويلة من الحياة السعيدة المشوبة بالأسى والحزن من ناحية عدم الانجاب حنلت (حنة) من زوجها عمران لتلد وليداً تنتظره طويلاً وإذ هي حامل وعمران يشكر الله سبحانه على هذا العطاء أرادة أن تقابل هذا الإحسان بشيءٍ من الشكر فنذرت أن يكون هذا الوليد (محرّراً ) أي وقفاً للخدمة في بيت المقدس ولكن شاء الله سبحانه أن تضع أنثى ومن الصعوبة أن تطبق نذرها حيث أن للأنثى ظروفها المانعة من تحقيق هذا النذر الذي يستوجب البقاء في بيت المقدس والخدمة الدائمة والعبادة المستمرة وهي لاتناسب وضعية المرأة (إذ قالت امرأة عمران ربّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم) المهم أنها ولدت أنثى وسمتها مريم ومعناها العابدة (فلما وضعتها قالت (أمها حنة) ربّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى، وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). [سورة آل عمران: الآيتان 35 - 36].
وبالفعل إنها لمسيرة صعبة تنتظرها و(حنة) هذه الأم الحنون لا تعلم دور مريم وما تلاقيه في المستقبل من مجتمعها حينما تضع عيسى ابن مريم من دون أب وهي لا تدري ماذا يكمن لها الغيب؟ هذا وإنها كانت تعاني من أزمة نفسية وخصوصاً أنها بدأت تقاوم وتتحدى الأمور الصعبة لوحدها حيث توفي زوجها الصالح قبل ولادة (مريم).
وهذه المرأة الصالحة (حنة) نفذّت النذر المقدس فحملت مريم في قماطها وجاءت بها إلى بيت القدس ودفعتها إلى الرهان والعُباد وأخبرتهم بأمرها - بأنها نذر وهي بنت عمران صديقكم - فرحّبوا بالطفلة مريم واختلفوا في أمر كفالتها ورضاعتها وكان (زكريا) (عليه السلام) زوج حنانة أُخت حنة أحدهم فأراد أخذها بأنه أقرب الناس بها صلة حيث زوجته خالة مريم، أُخت أُمها حنّة فرفض الأحبار اقتراح زكريا فقرّروا الاقتراع ففاز النبي زكريا (عليه السلام) بكفالتها.
يقول الله العظيم في كتابه العزيز: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم - من الحديد كانوا يكتبون بها التوراة فيرمونها بالماء فالطافي من الأقلام يفوز بالاقتراع - أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصون). [سورة آل عمران: الآية 44].
فتربت في بيت زكريا يقول سبحانه: (فتقبّلها ربّها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا). [سورة آل عمران: الآية 37].
فكبرت وترعرعت عند زكريا فخصص لها غرفة عالية لغرض عبادتها وانقطاعها لربها وكانت في غرفة منعزلة من الصعوبة الوصول إليها وكان زكريا يعتني بها كثيراً ودخل عليها ذات مرة وإذ به يجد لديها فواكه متعددة وطعاماً لذيذاً تحيّر من الأمر وكانت تشتد حيرته حينما يرى فواكه الصيف في الشتاء وبالعكس كلما دخل عليها في محرابها. لذلك يقول القرآن العظيم:
(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاًَ قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). [سورة آل عمران: الآية 37].
وهي مشغولة بالعبادة جاءها نداء غيبي: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاكِ وطهركِ واصطفاكِ على نساء العالمين، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين). [سورة آل عمران: الآيتان 42 - 43].
ومع مرور الأيام الطويلة رزق الله سبحانه زكريا ولداً وسماه يحيى: (يا زكريا إنّا نبشرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميّا). [سورة مريم: الآية 7].
أما مريم الصديقة الطاهرة وهي مشغولة في عبادتها بعث الله سبحانه رسولاً منه ليهبها ولداً: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً).