روايات الأئمّة الاثني عشر
بعد إثبات الإمامة والخلافة المباشرة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، يأتي دور الكلام على إمامة سائر الأئمة.
إنَّ البحث المكثف حول هذا الموضوع يكون كما يلي: في متناول أيدينا اليوم كتب عديدة لأهل السنة والشيعة تنقل الروايات التي تتحدث صراحة عن خلافة "الإثني عشر إماماً وخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله".
هذه الأحاديث مروية في أهم كتب أهل السنة، مثل "صحيح البخارى" و"صحيح الترمذي" و"صحيح مسلم" و"صحيح أبي داود" و"مسند أحمد" وأمثالها.
في كتاب "منتخب الأثر" مئتان وواحد وسبعون حديثاً بهذا الشأن، معظمها منقول من كتب أهل السنة وسائر المصادر الشيعية.
وكمثال على ذلك نقرأ في "صحيح البخاري" وهو من أشهر كتب أهل السنة، ما يلي: يقول جابر بن سمرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول "يكون اثنا عشر أميراً" ثم قال كلمة لم اسمعها.
فقال أبي أنَّه قال: "كلّهم من قريش"1.
قد ورد هذا الحديث في "صحيح مسلم" هكذا: قال جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "لاَ يَزالُ الاْسْلامُ عَزِيزاً الى اثنَي عَشَر خليفَة".
ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟
فقال: "كلّهم من قريش"2.
وفي "مسند أحمد" عن عبد الله بن مسعود، الصحابي المعروف، أنَّه قال:
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله بشأن الخلفاء، فقال: "إثنا عشر كعدة نقباء بني اسرئيل"3.
محتوى هذه الأحاديث
هذه الأحاديث "التي يرى بعضها أنَّ عزة الاسلام منوطة بالاثني عشر خليفة ويرى بعضها الآخر أنَّ حياة الدين وبقاءه الى يوم القيامة موكولان بهم، وأنَّهم كلهم من قريش، وفي بعضها كلهم من بني هاشم" لا تنطبق على أي مذهب سوى المذهب الشيعي، وذلك لأنَّ توجيهها بسيط وواضح بحسب معتقدات أهل التشيع، في الوقت الذي يصل فيه علماء أهل السنة في توجيهها الى طريق مسدود.
هل المقصود هم الخلفاء الأربعة الأول اضافة الى خلفاء بني أمية وبني العباس؟ نحن نعلم، بالطبع، أنَّه لا الخلفاء الاول كانوا اثنى عشر، ولا بانضمام خلفاء بني اُميّة وبني العباس اليهم بلغوا هذا العدد.
إنَّ العدد اثني عشر لا ينطبق على أي منهم.
ثم إنَّ من بني امُيّة خلفاء مثل "يزيد" ومن بنى العباس مثل "المنصور الدّوانيقي" و "هارون الرشيد"، ممن لا يشك أحد فيما ارتكبوه من جرائم وظلم وطغيان، فلا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارهم خلفاء للنبي صلى الله عليه وآله ومدعاة لعزة الاسلام ورفعته مهما تساهلنا في تبسيط الموازين.
واذا تجاوزنا عن كل ذلك، فاننا لن نجد العدد اثني عشر يتمثل في أي مجموعة منهم سوى في ائمّة الشيعة الاثني عشر.
يحسن بنا هنا أنْ نترك الكلام لأحد علماء السنة المعروفين ليشرح لنا الموضوع.
يقول سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي في كتابه "ينابيع المودة":
"قال بعض المحققين إنَّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من اهل بيته وعترته اذ لا يمكن ان يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمل على الملوك الاموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم من غير بني هاشم لانّ النّبي صلى الله عليه وآله قال كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر واخفاء صوته صلى الله عليه وآله في هذا القول يرجح هذه الرواية لأنَّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أنْ يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية ﴿قُلْ لا أَسألُكُم عِلَيهِ أجْرَاً إلاَّ المَودَّةَ فِي القُربى﴾(الشورى:23) وحديث الكساء فلابدّ من أنْ يحمل هذا الحديث على الائمّة الاثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضهلم حسباً وأكرمهم عند الله وكان علومهم عن آبائهم متصلاً بجدّهم صلى الله عليه وآله وبالوراثة واللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى أي أنَّ مراد النّبي صلى الله عليه وآله الائمّة الاثنا عشر من أهل بيته عليهم السلام ويشهد له ويرجحه حديث الثّقلين والاحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيره"4.
من الجدير بالذكر إنِّني في زياراتي للحجاز وفي أحاديثي مع علمائها، سمعت منهم تفسيراً آخر لهذا الحديث يبين كيفية وصولهم الى طريق مسدود في هذه المسألة.
قال الرجل: "ربّما يكون المقصود بالاثني عشر خليفة، الخلفاء الاربعة الاول في صدر الاسلام، والباقي سوف يظهرون في المستقبل"!
وعلى هذا فإنَّهم يغفلون التوالي بين هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، والمفهوم من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله.
نقول: ما الذي يدعو الى أنْ نهمل التفسير الواضح البيّن للحديث، كالتفسير المنسجم في توالي أئمّة الشيعة الاثني عشر، ونلقي بانفسنا في متاهات لا مخرج لها؟
تعيين الأئمّة بالاسم
ممّا يلفت النظر أنَّ بعض الروايات المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله والتي وصلتنا من علماء أهل السنة، تذكر الائمة الاثني عشر بالاسم الصريح وتبين صفاتهم وفضائلهم.
يقول الشيخ سليمان القندوزي، العالم السني المعروف في كتابه المذكور "ينابيع المودة": جاء رجل يهودي يدعى نعث الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان من بين الاسئلة التي القاها عليه أنَّه سأله عن أوصيائه وخلفائه من بعده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
"إنَّ وصيي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين يتلوه تسعة ائمّة من صلب الحسين.اذا مضى الحسين فابنه علي، فاذا مضى علي فابنه محمد، فاذا مضى محمد فابنه جعفر، فاذا مضى جعفر فابنه موسى، فاذا مضى موسى فابنه علي، فاذا مضى علي فابنه محمد، فاذا مضى محمد فابنه علي، فادا مضى علي فابنه الحسن، فاذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر"5.
وفي الكتاب نفسه، نقلا عن كتاب "المناقب"، حديث آخر جاء فيه ذكر الائمة الاثني عشر بالاسم واللقب، ويشير الى غيبة الامام بالمهدي عجل الله تعالى فرجه وإلى نهضته وأنَّه يملأ الارض عد وقسطا بعد ما ملئت جوراً وظلماً6.
أمّا الأحاديث الواردة بهذا الخصوص عن طرق الشيعة فكثيرة تفوق حد التواتر، فتأمل!
من مات ولم يعرف إمامه...
نقرأ في كتب أهل السنة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّه قال: "من مات بغير إمام زمانه مات ميتة جاهلية"7.
هذا الحديث نفسه ورد في كتب الشيعة بهذه الصورة: "من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية"8.
يدلّ هذا الحديث دلالة بيّنة على ان الإمام المعصوم موجود في كل عصر وزمان ومن الواجب معرفته، وإنَّ عدم معرفته على درجة من الضرر بحيث إنَّه يضع الإنسان عند تخوم الكفر والجاهلية.
فهل المعنيون بالأئمّة في هذا الحديث هم القائمون على رأس الحكم، من أمثال جنكيزخان وهارون الرشيد والحكام العملاء؟
لاشك أنَّ الجواب يكون بالنفي، وذلك لأن الغالبية العظمى من هؤلاء اُناس منحرفون وظالمون.
وأحياناً يكونون عملاء للغرب أو الشرق وينفذون سياساتهم الإستكبارية، فلا شك في أنَّ معرفتهم وقبول إمامتهم يرسلان الإنسان إلى "دار البوار" في جهنم.
يتضح من ذلك أن هناك في كل عصر إماماً معصوماً، وأنَّه يجب البحث عنه ومعرفته وقبوله كقائد وهاد.
إن اثبات إمامة كل إمام يتم بالإضافة الى الطريق المذكور بطريق النصوص والروايات الواردة عن كل إمام سابق بالنسبة للإمام اللاحق، وكذلك عن طريق معجزاتهم.
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي . مؤسسة البعثة،ط2 ، ص194-201
1- صحيح البخاري، ج 9، كتاب الامام، ص 100.
2- صحيح مسلم كتاب الامارة، باب الناس تبع قريش.
3- مسند احمد، ج 1، ص 398.
4- ينابيع المودة، ص 446.
5- المصدر نفسه، ص 441.
6- المصدر نفسه، ص 442.
7- المعجم المفهرس لألفاظ الاحاديث النبوية، ج 6، ص 302.
8- بحار الأنوار، ج 6، ص 16، الطبعة القديمة.
source : http://almaaref.org