عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت^ ومقام الرضا

أهل البيت^ ومقام الرضا

أهل البيت^ في كل أمورهم وشؤون وجودهم ومعارفهم هم تجليات الأسماء الحسنى لله عز وجلّ الواحد الأحد ذلك أن حياتهم مندكّة بالإيمان الكامل ومنصهرة بالتوحيد التام.

إن التوحيد في حياتهم وسلوكهم وسيرتهم يجري مجرى الدماء في عروقهم، وهم لا يغفلون عن توحيد الله في صفاته وذاته وأفعاله لحظة واحدة أبداً، فهم أئمة ربانيون وبشر إلهيون حياتهم في ملكوت الله.

رضاهم وغضبهم لله عزّ وجل فهم مظهر لجمال الله وجلاله ومن هنا قال سيد الشهداء الإمام الحسين×: «رضا الله رضانا أهل البيت»([1]).

إن غايتهم في الحياة هي ما يريده الله عزّ وجلّ، وهذا ذروة التسليم لله وجوهر الإسلام فرضاه من رضا الله عزّ وجلّ.

فمنهم يطلب الألما

 

ومنهم من يريد الدواء

ومنهم من يريد الوصل

 

وآخر يريد الهجران

وأنا من الداء والدواء

 

وللهجران والوصل

أريد الذي يريده المحبوب([2]).

وإذن فرضا أهل البيت من رضا الله عزّ وجلّ ورضا الله من رضاهم^ وكلاهما بمنزلة سواء؛ لأنهم^ قد ذابوا في الله في توحيده والإيمان به، لا يصل درجتهم أحد ولا يبلغ مقامهم أحد.

ولتوضيح هذه الحقيقة يتوجب القول: بأن الإنسان الذي وضع قدميه في مساره التكاملي وسلك طريق الكمال فإنه في مراحل من هذا الطريق يطوي سيره الجوهري التكاملي إلى أن يصل مرحلة يكون فيها قد اشتمل على الرحمة والقهر فيصبح مظهراً لجمال الله وجلاله، ومن هنا فهو يغضب لله ويرضا لله، فيكون رضاه من رضا الله وغضبه من غضب الله عزّ وجلّ؛ فكل ما يغضب الله يغضبهم وكل ما يرضي الله يرضيهم، وهذه مرحلة وسط في طريق التكامل الإنساني.

أما المرحلة الأعلى والأسمى فهي مرحلة لا يكون فيها تطابق الرضا والغضب مع رضا الله وغضبه كمالاً؛ لأن من أنا راض برضا الله وأحب ما يحب المحبوب هو مقام في مرحلة الكثرة يعني أنه مقام يرى فيه السالك نفسه وربه، أي أنه يرى أثنين؛ ذاته وذات الله فهو يرضى بما يرضاه الله ويغضبه ما يغضب الله، يعني هناك مسألة تطابق بين رضاه ورضا الله وغضبه وغضب الله، ولكن من هو في مقام الوحدة والتوحيد المحض له رضا واحد وغضب واحد في حياته وهو رضا الله وغضبه، يعني لا يوجد شيء في حياته سوى ما يرضاه الله وما يغضبه والسالك في هذه المرحلة قد وصل إلى مرحلة الفناء، فلا يكون للفاني وصف منفصل  عن وصف الباقي.

ومن هنا فإن الأئمة الأطهار المعصومين وأهل البيت المكرمين لا يرون ذواتهم، فهم في مقام الرضا يقولون: رضا الله رضانا.

يقول الإمام الحسين الشهيد لما أقدم على حركته الإسلامية الكبرى: «أسير بسيرة جدّي وأبي»([3]).

رضا أهل البيت^ فانٍ في رضا الله عزّ وجلّ

إنّهم^ أصبحوا لا يعملون الاّ وفق رضا الله وغضبه فقط فهم في مرحلة الفناء، وهذا المقام أسمى من مقام الكثرة؛ لأن يقولون: أن رضانا فانٍ في رضا الله وأنه لا يوجد إلا >رضا< واحد فقط وهو رضا الله عزّ وجلّ.

إنهم لا يقولون: لنا رضا وهو يطابق رضا الله سبحانه في كل شؤون حياتنا وأن رضانا في سير رضا الله الذي هو الرضا الحق؛ أنهم لا يقولون ذلك؛ لأنهم لا يرون شيئاً غير الحق ولا يريدون شيئاً إلا الحق فحياتهم ليس فيها سوى محور واحد وهو رضا الله سبحانه.

أما الذين بلغوا مرحلة التطابق بين رضاهم و رضا الله وغضبهم وغضب الله فأنّهم وإن بلغوا مرحلة الكمال الوسطى، ولكنهم ما يزالون في منأى عن التوحيد الأصيل الخالص وما تزال في نفوسهم حالة من الشرك، وهذه الحالة لا يراها إلا الذين بلغوا المراحل الرفيعة في الكمال، أما الذين هم في أدنى سلم الكمال، فإنهم ينظرون إلى من بلغوا مرحلة التطابق ليس باعتبارهم مشركين، وإنّما باعتبارهم مصاديق ومظاهر رائعة في التوحيد.

محورية النفس ومحورية الله

إن كثيراً من الناس هم في نظرنا موحدون ولكنهم في نظر القرآن الكريم ليسوا بذلك، بل أنهم مشركون، مثلهم مثل أولئك الذين لا ينفكّون يذكرون الله بألسنتهم ويسيرون وراء أهوائهم ورغباتهم.

إن هؤلاء أناس متلوّنون وليسوا بموحدين، ذلك أنهم عندما يذكرون الله بألسنتهم؛ لأن مصالحهم المادّية متناغمة مع أذكارهم وأن عبادتهم لله صادرة من أهوائهم وبسبب ذلك هم يعبدون ويذكرون ويسبحون ويهللون، هؤلاء جعلوا من أهوائهم ونفوسهم محاور عليها يتحركون، ومنها ينطلقون؛ لأنّه إذا صادفهم حكم إلهي يتعارض مع أهوائهم وما تشتهيه أنفسهم إذا هم عن الحق يصدّون ويعرضون.

{وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}([4]).

وهؤلاء في الحقيقة يريدون الله من أجل أنفسهم ولا يريدون أنفسهم أن تكون لله بعبارة أخرى هؤلاء يقولون بأصالة اللذة  النفسانية، فهم يلهثون وراء أهوائهم وما تريده أنفسهم فهم خلق لذائذهم يركضون.

{وَإِذا مَسَّ الإِْنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ}([5]).

إن هكذا أناس قد جعلوا من أنفسهم محوراً يتحركون حولها في كل شيء حتى في عبادتهم؛ لأن عبادتهم هنا تأتي في مسار حل مشكلاتهم الذاتية ومن أجل تحقيق لذائذهم الشخصانية وأن الله تبارك وتعالى في حياتهم مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أهدافهم وليس هو سبحانه الهدف والغاية، هؤلاء ليسوا عبيداً لله وإنما هم تجار يبحثون عن الربح بكل وسيلة.

أما الذين جعلوا من الله محوراً لحياتهم ومسارهم وحركتهم فهؤلاء لا يعبدون الله خوفاً من عقابه ولا يعبدون الله طمعاً في ثوابه، بل أنّهم رأوا الله وأحبوه فجاءت حركتهم من أجل تحقيق رضاه عزّ وجلّ فهم لا يرون شيئاً سواه ولا يهدفون شيئاً إلا رضاه فهم يذكرون الله قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم.

أنّهم يعيشون في ملكوت الله ليس لهم حبيب إلا الله وهم في صلاة متصلة؛ لأن قلوبهم تدور حول الله وتطوف.

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ}([6]).

إن أهل البيت^ وخاصّة في مرحلة رضا الله وغضبه قد اتحدوا مع الذات المقدسة، فهم أسوة للناس جميعاً وبخاصّة أصحاب الضمائر الحيّة من الذين أضاءت قلوبهم أنوار الحق.

إن الأئمة الأطهار والعترة الأبرار هم كسائر البشر في نفوسهم كما في نفوس الناس، حب وكره، شهوة وغضب رغبة وامتناع ولكنهم جعلوا من قواهم النفسانية تحت تصرف عقولهم النورانية في مسار توحيدي خالص فكانوا مصداقاً تاماً وتجسيداً كاملاً لكلمة التوحيد >لا إله إلا الله< فهم في رضاهم وغضبهم تعبيراً عن رضا الله وغضبه وجماله وجلاله وولاؤهم لله عزّ وجلّ وبرائتهم من أعدائه سبحانه.

وقد حدد القرآن المجيد معيار الولاء والبراءة التوحيدي فكان أهل البيت المثل الأعلى والقدوة في ذلك والأئمة للناس من الذين يريدون سلوك الطريق إلى الحق؛ ذلك أن سيرتهم إلهية، فكل شيء يفعلونه إنّما هو لله وفي سبيل الله وتحقيقاً لرضاه، قد دخل حب الله في قلوبهم فملأ عليهم أنفسهم فكل ما فيهم لله وقد وقف الشيطان عاجزاً عن أغوائهم مستسلماً لإرادتهم هي التي إرادة الحق تبارك وتعالى.

قال الرسول الأكرم’: >كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه حتى أسلم بيدي<([7]).

أهل البيت^ ومقام التسليم

إنّها الحقيقة ساطعة في مسيرة وسيرة أهل البيت وهي حالة التسليم لله عزّ وجلّ وهو تسليم لم يحصل جبراً، بل اختياراً تاماً أن حالة التسليم في حياتهم واضحة تماماً وضوح الشمس.

التسليم آخر مقام السالكين

يقال أن من بين ألف منزل معنوي يطويها السالك إلى الله فإن منزل التسليم هو آخر منزل، وعندما يلج السالك مقام التسليم، فإنه حالته تشبه حالة الميت في يد >الغسّال<، إنها حالة استسلام كامل وتسليم تام في رحاب الرب تبارك وتعالى رب الأرباب ومالك الملوك وخالق الوجود.

ويقال: إنه من النادر جداً أن يبلغ السالك هذه المرحلة مهما بذل من جهد وقام بالرياضات أنه منزل رفيع جداً وهو منزل خاص بالأنبياء والأئمة والأولياء.

ويروى عن سيدنا وإمامنا الحسين الشهيد قوله: «إنّا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا ما أراد ما نكره فيما يحبّ رضينا»([8]).

وعن العلاء بن كامل أنه كان جالساً عند الإمام الصادق× فخرجت امرأة من حجرة تنوح (جزعاً) فنهض الإمام فردّها ثم عاد فجلس وهو يسترجع قائلاً: إنا لله وإنا إليه راجعون< ثم قال: إنا لنحب أن نعافى في أنفسنا وأولادنا وأموالنا، فإذا وقع القضاء فليس لنا أن نحبّ ما لم يحبّ الله لنا<([9]).

وقال الإمام الباقر×: >ندعوا الله فيما نحب، فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله عزّ وجلّ فيما أحب<([10]).

وعن قتيبة الأعشى قال: >أتيت أبا عبدالله× أعود أبناً له، فوجدته على الباب، فإذا هو مهتم حزين فقلت: جعلت فداك كيف الصبي؟.

فقال: والله إنّه لما به ثم دخل فمكث ساعة ثم خرج إلينا وقد أسفر وجهه، وذهب التغيّر والحزن قال: (الأعشى) فطمعت أن يكون قد صلح الصبيّ فقلت: كيف الصبي جعلت فداك؟

فقال: لقد مضى لسبيله.

فقلت: جعلت فداك لقد كنت وهو حي مهتماً حزيناً، وقد رأيت حالك الساعة وقد مات، غير تلك الحال فكيف هذا؟!.

فقال: إنّا أهل بيت إنّما نجزع قبل المصيبة، فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلّمنا لأمره<([11]).

وروى إبراهيم بن سعد قال: سمع علي بن الحسين× واعية في بيته وعنده جماعة، فنهض إلى منزله ثم رجع إلى مجلسه فقيل له: أمن حدث كانت الواعية؟.

قال: نعم.

فعزّوه وتعجبوا من صبره!.

فقال: إنا أهل بيت نطيع الله عزّ وجل فيما نحب ونحمده فيما نكره<([12]).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم
11.استكمال البركة
مراحل عبادة العارفين:

 
user comment