زواجه من بنت أبي جهل أسطورة :
السؤال : قرأت في الكثير من المواقع السنّية عن زواج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من ابنة أبي جهل جويرية ، ولكن رسول الله غضب من ذلك ، وأخبره بأنّ ابنة رسول الله لا تجتمع مع ابنة عدوّ الله .
فهل هذه الرواية صحيحة ؟ أي أنّ الإمام علي (عليه السلام) قد خطب ابنة أبي جهل عدوّ الله ورسوله ، وأنّه تركها بعدما غضب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أليس رسول الله قال : " فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني " .
ومن يغضب رسول الله فقد أغضب الله تعالى ، والإمام علي إمام معصوم ، فهل هذه الرواية صحيحة ؟ وإن كان الإمام علي (عليه السلام) قد خطبها فعلاً ثمّ تركها ، هل يعدّ ذلك من موارد إغضاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
أرجو إفادتي بالجواب سريعاً ، ولكم جزيل الشكر والتقدير .
الجواب : أشاعوا أنّ الإمام علي (عليه السلام) خطب ابنة أبي جهل ـ عدوّ الله ورسوله ـ ، وبلغ ذلك السيّدة فاطمة (عليها السلام) فغاضها ذلك ، حتّى خرجت مغاضبة من بيتها ومعها حسن وحسين وأُمّ كلثوم ، فدخلت حجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلمّا جاء النبيّ ورآها قالت له : " يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل "،
|
الصفحة 103 |
|
فخرج وصعد المنبر وخطب ، فقال : " إنّ فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها " .
ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه ، وقال : " حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله أبداً ، وإنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ، وينكح أبنتهم ... " (1) .
هذا هو ما افتراه قالة السوء ، و هذه الفرية لا تثبت سنداً ولا متناً ، ولو أردنا كشف حال جميع ما ورد في ذلك من أحاديث في مختلف المصادر لاحتجنا إلى تأليف خاصّ به ولسنا بصدده ، ويكفي أن أشير إلى مصدر واحد يعدّ من أقدم المصادر الحديثية ، وذلك هو كتاب المصنّف للصنعانيّ ـ المتوفّى 211هـ ـ فقد أورد الحديث أربع مرّات ، لم يخل واحد منها عن إعضال وإرسال ، مع وجود المجروحين في رجال الأسانيد .
والمهمّ معرفة حال الرواة الذين تنتهي إليهم أسانيد الحديث ، ثمّ بيان المؤاخذات على ما جاء في المتن .
أمّا رجال الإسناد من الصحابة فتنتهي إلى ثلاثة ، كلّهم من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهم : أبو هريرة الدوسيّ ، وعبد الله بن الزبير ، والمسور بن مخرمة ، كما يروي عن ابن عباس .
أقول : أمر عظيم كهذا يغضب النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى يصعد المنبر ، ويخطب الناس تتوفّر الدواعي على نقله ، ثمّ لا ينقله إلاّ هؤلاء الثلاثة من الصحابة ، لقرينة على وضع الحديث .
____________
1- صحيح مسلم 7 / 141 ، سنن ابن ماجة 1 / 644 ، سنن أبي داود 1 / 460 ، المصنّف للصنعانيّ 7 / 302 ، صحيح ابن حبّان 15 / 407 .
|
الصفحة 104 |
|
ويكفي كشف حال هؤلاء الثلاثة عن البحث في بقية من هم دونهم من التابعين ، وفيهم من لا تلتقي بذمّه الشفتان ، ولا يؤبه به في الميزان ، لما فيه من حسيكة ، أمثال الزهريّ ، وابن أبي مليكة لما سنذكره عنهما ، وعروة بن الزبير ، وعامر الشعبيّ ، وحالهم كمن سبق ، ويأتي ذكر محمّد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسويد بن غفلة .
أمّا حال الصحابة الثلاثة فهم :
أوّلاً : أبو هريرة الدوسيّ : ذكر الإسكافي ـ كما في شرح نهج البلاغة ـ : " إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ... .
وأمّا أبو هريرة فروى عنه الحديث ، الذي معناه : إنّ علياً (عليه السلام) خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأسخطه ، فخطب على المنبر ، وقال : " لا والله ، لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدوّ الله أبي جهل ، إنّ فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل ، فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد " ، أو كلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي .
قلت : هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلم والبخاريّ عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمّى " تنزيه الأنبياء والأئمّة " ، وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسيّ ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ... " (1) .
أقول : ولنعد إلى أبي هريرة ، ولنقرأ عنه ما يثبت انحرافه عن الإمام
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 / 63 .
|
الصفحة 105 |
|
علي (عليه السلام) ، مضافاً إلى كذبه الشائع الذائع على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، حتّى لقد ذكر ابن أبي الحديد وغيره ، ضرب عمر له بالدرّة ، وقال : " قد أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) " (1) .
أو قول عمر له : " لتتركن الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أو لألحقنّك بأرض دوس " (2) .
وأكذبه غير واحد من الصحابة ، فقال فيه الإمام (عليه السلام) : " ألا إنّ أكذب الناس ـ أو قال أكذب الأحياء ـ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو هريرة الدوسي " ، كما عن الإسكافي في شرح النهج (3) .
فحديث أبي هريرة ـ إن صحّ عنه ـ كبقية أحاديثه التي رواها ، ولم يكن حاضراً فيها زمان صدورها ، وقد مرّت الإشارة إلى نماذج من ذلك ، كحديث تبليغ براءة ، وحديث الثقلين , وحديث الغدير ، وغيرها ممّا زعم سماعها ، وهو لم يكن وقتها حاضراً ، بل كان بالبحرين .
ثمّ إنّ الرجل لو لم يكن إلاّ اعتزاله للإمام (عليه السلام) أيّام خلافته ، وضلوعه في ركاب معاوية لإشباع نهمته لكفى ذلك في ردّ روايته ، فقد روى الأعمش : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثاً على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على الله ورسوله ، وأحرق نفسي بالنار ؟ والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : " إنّ لكلّ نبيّ حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور " ـ وهذا من بيّنات كذبه ، فعير وثور
____________
1- العقد الفريد 1 / 44 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 201 و 218 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 80 ، الإصابة 1 / 75 ، شرح نهج البلاغة 4 / 67 و 16 / 165 .
2- كنز العمّال 10 / 291 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 54 و 201 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 103 ، تاريخ مدينة دمشق 50 / 172 ، سير أعلام النبلاء 2 / 600 ، الإصابة 1 / 69 ، تاريخ المدينة 3 / 800 ، البداية والنهاية 8 / 115 .
3- شرح نهج البلاغة 4 / 68 .
|
الصفحة 106 |
|
اسم جبلين ، أحدهما بالمدينة وهو عير ، وثانيهما بمكّة وهو ثور ، فكيف يحدّد ما بينهما ويجعله حرماً للمدينة ؟! وإنّما الصحيح : ما بين عير إلى وعير ، وهما لابتا المدينة جبلان من جانبيها ـ " فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها " ، فلمّا بلغ معاوية قوله ، أجازه وأكرمه ، وولاّه إمارة المدينة (1) .
قال الثقفيّ في كتابه الغارات : " لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد ، فكان يحدّث ويقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقال أبو القاسم ، وقال خليلي ! فجاءه شاب من الأنصار يتخطّى الناس حتّى دنا منه فقال : يا أبا هريرة حديث أسألك عنه ، فإن كنت سمعته من النبيّ (صلى الله عليه وآله) فحدّثنيه ، أنشدك بالله سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " ؟ قال أبو هريرة : نعم ، والذي لا إله إلاّ هو لسمعته من النبيّ .
أقول : لقد كذب حتّى في حلفه هذا ، لأنّ الحديث هو حديث الغدير ، وكان في حجّة الوداع ، ولم يكن أبو هريرة حاضراً ، إذ كان بالبحرين منذ شهر ذي القعدة سنة 8 من الهجرة ، وحتّى سنة عشرين حين استقدمه عمر في خلافته للشهادة على قدامة بن مظعون لشربه الخمر ، فكلّ ما يرويه من أحاديث نبوية وأحداث حجازية ، ممّا زعم فيه عنصر المشاهدة والسماع في تلك المدّة فهو كاذب ، وإن أقسم ألف يمين .
فقال له الفتى : لقد والله واليت عدوّه ، وعاديت وليّه ، فتناول بعض الناس الشاب بالحصى، وخرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتّى خرج من الكوفة " (2) .
____________
1- المصدر السابق 4 / 67 .
2- الغارات 2 / 659 .
|
الصفحة 107 |
|
أقول : روى ذلك أيضاً ابن أبي شيبة في مصنّفه (1) ، وأبو يعلى في مسنده (2) ، وابن عساكر في تاريخه (3) ، إلاّ أنّه لم يذكر الزمان والمكان ، ممّا أسدل غشاء الإيهام على حديثه ، وكذلك رواه ابن كثير في البداية والنهاية (4) ، وصنع كما صنع ابن عساكر من إهمال ذكر المكان والزمان ، نقلاً عن الحافظ أبي يعلى الموصلي ، وعن ابن جرير في الكتاب الذي جمع فيه طرق حديث الغدير وألفاظه .
وأظنّ إنّما فعلا ذلك رعاية لصحبة أبي هريرة ، ولا غضاضة فابن عساكر شاميّ شافعيّ ، وكذلك ابن كثير ، ولو كانا كوفيين حنفيين لاستثنياه من جماعة الصحابة المعدلين ، كما صنع أبو حنيفة ، فقد استثناه واستثنى أَنساً وآخرين من عدالة الصحابة (5) .
فهذا أبو هريرة كيف يصدّق في حديثه عن خطبة الإمام لابنة أبي جهل ؟ وهو يوالي عدوّه ، ويعادي وليّه على حدّ قول الشاب الأنصاري .
ثانياً : عبد الله بن الزبير : وعداوته للإمام أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، بل بلغ في نصبه الغاية ، حتّى أنّه ترك الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) أيّام قيامه بمكّة ، فعيب عليه ذلك ، وأنكر فعله المسلمون ، فقال : إنّ له أهيل سوء ، إذا ذكرته اشرأبّت أعناقهم .
قال ابن أبي الحديد : " روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير : أنّه مكث أيّام ادعائه الخلافة أربعين جمعة ، لا يصلّي فيها على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ تشمّخ رجال بآنافها .
____________
1- المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 499 .
2- مسند أبي يعلى 11 / 307 .
3- تاريخ مدينة دمشق 42 / 232 .
4- البداية والنهاية 5 / 232 .
5- شرح نهج البلاغة 4 / 68 .