أهل البيت عدل القرآن الكريم
إن المسؤولية في معرفة القرآن وفهم آياته وتطبيق قيمه الأخلاقية والإنسانية تقع على عاتق جميع الناس وبخاصة الذين آمنوا، الذين قالوا ربنا الله وآمنوا بمحمد رسولاً من الله إليهم ورحمة للعالمين.
ومعلوم أن رسول الله’ قد أوصى بالثقلين أحدهما كتاب الله القرآن الكريم والثقل الثاني هم أهل بيته الأطهار^، فهم عدل القرآن وهما حبل الله المتين والأمان للناس من الضلال إلى يوم القيامة.
وقد جاء في السيرة النبوية الشريفة أن رسول الله’ في مرضه الذي توفي فيه خرج إلى المسجد يستند إلى أمير المؤمنين علي× وابن عباس، فتساند إلى عمود في المسجد وكان جذع نخلة فلما اجتمع أصحابه حوله قال’ لهم: >إنّه لم يمت نبي قط، إلا خلف تركة، وقد خلفت فيكم الثقلين؛ كتاب الله وأهل بيتي ألا فمن ضيعهم ضيعه الله<([1]).
وعن أمير المؤمنين علي× قال: >إنّ الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا<([2]).
أهل البيت^ كتاب الله المكنون وعدل القرآن المجيد، ومعدن آيات الله والعلم بكتاب الله ظاهره وباطنه، وهم أكثر الناس تطبيقاً لآياته وأحكامه، والعمل بما جاء فيه وهم بلا شك المصداق العيني للقرآن.
إذن فإن المسلمين هم مسؤولون أمام القرآن وهم بنفس الدرجة أيضاً مسؤولون أمام أهل البيت^.
إن موقف المسلمين من وصية رسول الله’ في الثقلين كتاب الله والعترة من أهل البيت^ وكيفية تعاملهم مع القرآن وعدله، وهم أهل البيت هو موضوع آخر.
ولعل ما روي ابن ذر القاضي مع الإمام الباقر× يصور هذا الموضوع...
قال أبو فاختة خرجت حاجاً فصحبني عمر بن ذر القاضي وابن قيس المامر والصلت بن بهرام (الكوفي) وكانوا إذا نزلوا منزلاً قالوا: أنظر الآن فقد حرّرنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جفعر× منها عن ثلاثين كل يوم، وقد قلّدناك ذلك، قال: فغمّني ذلك حتى إذا دخلنا المدينة فافترقنا فنزلت أنا على أبي جعفر فقلت له: جعلت فداك إنّ ابن ذرّ وابن قيس الماصر والصلت صحبوني وكنت أسمعهم يقولون: قد حرّرنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر× عنها فغمني ذلك، فقال أبو جعفر×: ما يغمّك من ذلك؟ فإذا جاؤوا فأذن لهم.
فلمّا كان من غد دخل مولى لأبي جعفر× فقال: جعلت فداك إنّ بالباب اب ذرّ ومع قوم، فقال لي أبو جعفر×: يا ثوير قم فأذن لهم، فقمت فأدخلتهم، فلما دخلوا سلّموا وقعدوا ولم يتكلموا، فلما طال ذلك أقبل أبو جعفر× قال لجارية له يقال لها سرحة: هاتي الخوان، فلمّا جاءت به فوضعته قال أبو جعفر× الحمد لله الذي جعل لكل شيء حداّ ينتهي إليه حتى أنّ لهذا الخوان حداً ينتهي إليه، فقال ابن ذرّ: وما حدّه؟ قال: إذا وضع ذكر اسم الله، وإذا رفع حمد الله، قال: ثمّ أكلوا. ثم قال أبو جعفر×: اسقني فجاءته بكوز من أدم فلما صار في يدهل قال: الحمد لله الذي جعل لكل شيء حداً ينتهي إليه حتّى أن لهذا الكوز حدّا ينتهي إليه، فقال ابن ذرّ: وما حدّه؟ قال: يذكر اسم الله عليه إذا شرب، ويحمد الله عليه إذا فرغ، ولا يشرب من عند عروته، ولا من كسر إن كان فيه.
قال: فلمّا فرغوا أقبل عليهم يستفتيهم الأحاديث فلا يتكلّمون، فلما رأى ذلك أبو جعفر× قال: يا ابن ذر ألا تحدّثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟ قال: بلى يا ابن رسول الله، قال: إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من آخر:كتاب الله، وأهل بيتي، إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا. فقال أبو جعفر×: يا ابن ذرّ إذا لقيت رسول الله’ فقال: ما خلّفتني في الثقلين؟ فماذا تقول؟ قال: فبكى ابن ذرّ حتّى رأيت دموعه تسيل على لحيته، ثمّ قال: أمّا الأكبر فمزّقناه، وأمّا الأصفر فقتلناه، فقال أبو جعفر×: إذاً تصدّقه يا ابن ذرّ، لا والله لا تزول قدم يوم القيامة حتّى يسأل عن ثلاث: عن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت([3])»
>أما الأكبر فمزقناه وأما الأصغر فقتلناه<([4]).
إن أهل البيت^ هم عدل القرآن وإذن فهم يحملون كل صفات القرآن، وبما أن القرآن علم فأهل البيت علم، وبما أن القرآن نور فأهل البيت نور، وعندما يكون القرآن هو الميزان فأهل البيت أيضاً هم الميزان، والقرآن طاهر وأهل البيت أطهار، والقرآن هادي وأهل البيت هداة، والقرآن يشفع يوم الحشر وأهل البيت^ يشفعون لمن أذن الرحمن في يوم القيامة.
أهل البيت والعلم
في قصة النبي سليمان× مع أهل سبأ في سورة النمل وبعد أن رفض النبي× هديتهم وعاد الوفد إلى اليمن يحمل رسالة سليمان× إلى بلقيس قال النبي لأركان دولته: أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟ فقال عفريت من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك هذا وأني عليه لقوي أمين.
حينئذ: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ...)([5]).
وعندما رأى سليمان العرش حاضراً عنده قال: هذا من فضل ربي ونلاحظ في آخر آية من سورة الرعد إشارة إلى من عنده علم الكتاب:
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}([6]).
وواضح في الآية الكريمة من سورة النمل أن دخول من علم الكتاب تفيد التبعيض فالذي قام بإحضار عرش بلقيس كان عنده علم من الكتاب.
وإذن فإن وصي سليمان كان عنده جزء من علم الكتاب، أما الآية (43) من سورة الرعد فتشير إلى من عنده علم الكتاب.
فمصداق الآية الكريمة عنده علم الكتاب وهو الذي يشهد بالصدق على رسالة النبي محمد’، فهو أعلم الناس بعد الرسول’ ولقد أجمع مفسرو الشيعة الإمامية وكثير من مفسري السنة أن مصداق هذه الآية ليس إلا الإمام علي أمير المؤمنين×.
وهو الشخص الذي يشهد على صدق رسالة النبي’، وهو أعلم الأمة {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} بعد النبي’ والآية نزلت وكان الإمام علي× دون العشرين.
يقول الصحابي أبو سعيد الخدري:
>سألت رسول الله’ عن قول الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب<([7]).
وهذه الرواية مثبتة في مصادر السنة أيضاً.
وعن الإمام أمير المؤمنين×، في قوله تعالى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ}
>أنا هو الذي عنده علم الكتاب<([8]).
وقال عبدالرحمن بن كثير في هذه الآية من قوله تعالى: {قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}([9]).
وأنه سأل الإمام الصادق عن تفسيرها، فأشار الإمام إلى صدره بأصبعين مفتوحين وقال: >وعندنا والله علم الكتاب كله<([10]).
وجاء في الحديث القدسي عن رسول الله’ أن الله عز وجل قال مخاطباً نبيه’ حول أهل بيت الرسول’: >هم خزّاني على علمي من بعدك<([11]).
وعن الإمام علي بن الحسين السجاد× قال: > نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه ونحن تراجمه وحيه، ونحن أركان توحيده، ونحن موضع سرّه<([12]).
ويقول الإمام علي أمير المؤمنين×: ألا أن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلا خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين والمرسلين محمد’ فأين يتاه بكم وأين تذهبون<([13]).
وعن رسول الله’ قال:
>نحن أهل بيت مفاتيح الرحمة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومعدن العلم<([14]).
وعن الإمام السجاد× قال: > ما ينقم الناس منا! فنحن والله شجرة النبوّة وبيت الرحمة، ومعدن العلم ومختلف الملائكة<([15]).
إنّ أهل البيت^ هم الراسخون في العلم وهم معدن الحكمة والفكر وهم ورثة علوم الأنبياء وهم من عندهم أسرار السماء.
وأهل البيت عندهم الاسم الأعظم للحق تعالى، وهم أعلم الناس بلغات الناس وهم من عندهم علم الأولين والآخرين، علم ما مضى وعلم ما يأتي، وأعلم العالمين بكتب السماء ورسالات الله.
وهم بيت الله وسفينة نوح وعدل القرآن وأفضل الناس وهم أولو الأمر وأهل الذكر وأساس الحق، وهم معدن الرسالة وأركان العالم وحرّاس الشريعة والأمناء على الدين.
وهذه كتب الحديث والروايات تشهد لهم بذلك وهذا الكافي يشهد لهم وتفسير القرآن ومعاني الأخبار وكفاية الأثر وينابيع المودة، ونزهة الناظر كلها تنطق بالحق وما بعد الحق إلا الضلال.