* كارل بلانشه
إن أكبر خطر يتهدد الزواج وينذر بدك صرحه هو انقطاع حبل الود بين الزوجين. فكما أن الزواج يجب أن يبدأ على أس متين من الحب والصراحة والثقة المتبادلة، يجب أن يبقى طيلة الحياة الزوجية على هذا النمط، وحتى لو فشل الزوجان في مسائل كثيرة أخرى مشتركة بينهما، جنسية كانت أو مادية أو اجتماعية، يستطيعان أن يُبقيا على كيان رباطهما المقدس ما دام في جسديهما عرق ينبض بالحب الذي يحمله كل منهما للآخر.
على المرأة ـ الزوجة ـ أن تظل فتنة جذابة، بكل ما في الكلمة من معنى جذابة في جمالها وجسدها. ولذلك لا يجب أن تصرفها مشاغل البيت وتربية الأولاد عن اعتنائها بزوجها، سيد بيتها ووالد أبنائها، فهو سبب وجو هذا البيت الزوجي، وهو كاسب سعادتها وراحتها، ومن حقه أن يطالبها بالحب والعناية الدائمين.
من الأهمية بمكان أن يتوافق الزوجان في عاداتهما وطباعهما وفضائلهما النفسية، وذلك في سبيل إيجاد انسجام وتفاهم تام. إن سوء التفاهم البسيط قد يتطور ويؤدي إلى نتائج مأساوية إذا كان التفاهم مفقوداً بين الطرفين وكانت العلاقات بينهما غير موثقة برباط من الود والثقة. ويستتبع هذا الأمر أن يكون هناك شيء من التساهل والتسامح وبعد النظر ورحابة الصدر. فهذه الصفات الحميدة تخفف من حدة اختلاف وجهات النظر بين الزوجين. ومثل هذا الاختلاف لا بد أن يشجر بين وقت وآخر، فلا خوف منه إطلاقاً مع وجود هذه الصفات.
إن الصراحة واجبة فبوساطتها يتمكن الزوجان من التفاهم على ما يودان وما يبغضان. إنها طريق المعرفة الوحيد. وإن اكن الزوجان غير صريحين أحدهما مع الآخر فإنهما لن يكونا صريحين مع أحد من الناس. إن الصراحة المتبادلة تبعث في النفس الثقة والدعة والطمأنينة، أضف إلى ما يمكن أن تمهد له من قيام السعادة والوائم. لذلك وج على الزوجين أن يوليا بعضهما البعض ثقة عمياء مطلقة في شؤون حياتهما كافة، لأن عائلات كثيرة فقدت انسجامها ووحدتها لا بسبب خيانة أحد الزوجين للآخر بل لمجرد فقدان الثقة، إن في شؤون المادة وإدارة الممتلكات أو في شؤون التربية ورعاية الأطفال وغيرها من أمور البيت الزوجية.
على الزوجة، والزوج أيضاً، أن يحفظا جو البيت في سعادة ومرح دائمين، وهو جو يغفر الأخطاء والهنات الصغيرة ولا يولي اهتماماً للأتعاب اليومية الروتينية، ولا يقيم وزناً لما يعترض الحياة الزوجية من مشاكل هامشية لا بد من حصولها أحياناً. ومنذ القدم والحكماء الأولون ينصحون الزوجين بأن لا يعبسا في وجه الحياة ولا في وجه أحدهما للآخر، لأن الزوجين اللذين يضحكان دائماً تضحك لهما الحياة الزوجية.
إن من أبسط الأمور التي يمكن للزوجين من خلالها أن يتخلّصا من مشاكلهما الزوجية، من حيث خوفهما على استمرار الحب بينهما، هو أن عليهما أن يتعاملا بغاية الرفق والود والمصارحة، فبالمحبة، المحبة وحدها، يمكنهما حل كل مشكلة تنشب بينهما، ويتغلبان على كل عقبة كأداء تعترض طريق سعادتهما، لأنها أس العلاقات الحميمة التي لا تتخلخل.
والحق نقول إن من ألدّ أعداء الحب الغيرة، فالانسان الذي تنتابه الغيرة يعرف الحب ولكنه يريد أني كون حباً أنانياً تملّكياً يستأثر به وحده على حساب شعور حبيبه. والغيرة لا سند لها منطقياً مطلقاً، إنها عاطفة غير عقلانية، وكثيراً ما تغدو عاطفة إعصارية مجنونة تجتاح صرح الحب وتدك أساساته، وغالباً ما تحمل صاحبها إلى الاضطراب العقلي والهذيان.
والغيرة لا تقتصر آثارها في الشخص الذي نغار عليه وإنما تنقلب آثارها على الشخص الذي يشعر بالغيرة أيضاً. كما أن آثارها ليست نفسية وعصابية فقط، بل هي جسمية فيزيولوجية كذلك. فالإفراط والمغالاة في الغيرة يؤديان إلى السهاد واضطراب الفكر وإجهاد القلب وخور القوى الجسمية وأخيراً تلف الأعصاب والهلوسة وربما الجنون. ولعل من أسباب هذه الغيرة ا لشعور بالخوف، الخوف من فقدان الحبيب، أضف إلى ذلك الإحساس بالغضب السريع والحسد والألم وعدم الثقة بالنفس والتطير والتشاؤم والكآبة.
كتب أحد المتخصصين في علم النفس العائلي يصف الغيرة: ((إنها تحول الكيان الزوجي إلى جحيم لا يطاق. وحتى في أخف أشكالها وأقلها ظهوراً، ليست الغيرة إلا عذاباً مؤلماً، يقوم على عدم الثقة والشك بمن يجب ألا نشك بهم، ويجب أن نوليهم ثقتنا كاملة، إنها سمّ قتال للحب ولا مسوّغ للغيرة أبداً. إنها دائماً حماقة، وظاهرة مناقضة للحب كل المناقضة)).
وفي الواقع، ليس من سبيل للقضاء على الغيرة، هذا المرض العاطفي، إلا بإدخالها في نطاق العقل. فالجدل المنطقي، وتعليل وتحليل الأسباب والمسببات بصورة عقلانية ومقبولة على بساط المنطق، تصل الزوجة، ويصل الزوج، إلى فهم سبب الغيرة، أية غيرة، وبالتالي يتوصلان إلى معرفة كيفية التخلص منها ومن آثارها السلبية.