عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت أحباء الحق

أهل البيت أحباء الحق

أهل البيت أحباء الحق

طهر الذات علّة الحب

إنّ طهر أهل البيت^ وخلوّ وجودهم من العيوب والنقائص وتحلّيهم بالصفات الإيجابية والتي بلغت الأوج في شخصيتهم هي السبب في محبوبيتهم لدى الحق تبارك وتعالى.

وقد وصفهم القرآن بأعلى الصفات وأكملها فهم الأطهار من كل رجس ومن كل عيب ونقص، ولهذا الطهر الذي يتجلّى في نفوسهم أمكنهم الوصول إلى حقائق الكتاب المكنون.

{لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}([11]).

وبسبب هذا الاتصال بالكتاب والحقائق المكنونة فيه أمكنهم وعي الوجود وما يجري في هذا العالم وقيامهم بكل أعمال الخير المحضة، وهذه الخصائص التي تميزوا وامتازوا بها تدل على أنّهم هم المخلصون الذين نشأوا في ظل التربية الإلهية الربّانية من دون واسطة؛ لأنّه سبحانه قد اصطفاهم واختارهم.

أحبّ الخلق إلى النبي

ولمحبوبيتهم عند الله عزّ وجلّ كان أهل البيت^ أحب الخلق إلى النبي’؛ لأنّه صلوات الله عليه وآله لا يحب إلا ما يحبّه الله، وتولّي النبي وتبريه هو نفس تولّي الله وتبرّيه، وحب النبي’ ومودّته هي ذاتها حب الله عزّ وجلّ ومودّته.

وعلى هذا فإن أحب الخلق إلى النبي’ هم أهل بيته وهذه المحبوبية تدلّ على أنّهم صلوات الله عليهم هم أحب الخلق إلى الله عزّ وجلّ.

وقد روي عن أم سلمة:

قالت: >بينا رسول الله’ في بيتي إذ قالت الخادم: يا رسول الله إنّ علياً وفاطمة بالسدّة (الظلة على الباب من المطر أو ساحة البيت) فقال’: قومي فتنحّي عن أهل بيتي، قال: فقمت فتنحيت في البيت قريباً فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين، وهما صبيان صغيران، فوضعهما’ في حجره وقبلهما واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، وقبّل فاطمة، وقال: اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار فقلت: يا رسول الله وأنا معكم؟ قال’ نعم (وأم سلمة هنا مع أهل البيت وليست من أهل البيت)، وقد روت السيدة أم سلمة قصة نزول([12]) آية التطهير وقوله تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([13]).

وعن أمير المؤمنين علي× قال:

«أتى رجل النبي’ فقال: يا رسول الله أيّ الخلق أحب إليك؟ فقال رسول الله’: ـ وأنا جنبه ـ هذا وأبناه وأمهما، هم مني وأنا منهم وهم معي في الجنّة هكذا ـ وجمع بين أصبعيه»([14]).

طاعة أهل البيت سبب الحب

لا ريب في كل من أراد أن يبلغ هذا المقام يعني أن يكون محبوباً من قبل الله عزّ وجلّ لا بدله أن يسعى وفي ظل توفيق الله ورعايته إلى أن يطهر باطنه وأن يسمو بنفسه وروحه وأخلاقه، وهذا لا يتحقق إلا بإتباع النبي’، وقد جاء في القرآن الكريم أن النبي’ أمر أمته بذلك ودلاّهم على الطريق الصائب الذي يؤدي بهم إلى تحقيق الحب الإلهي.

{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}([15]).

وقد بلغ النبي’ ما بلغ من حب الله له هو بسبب إتباعه الله وتسليمه له، ولهذا فإن من المؤكد أن النبي’ قد أبلغ أمته بأنّه عليهم أن يحبوا آل بيته حتى يحبهم الله ورسوله، يقول’:

«أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبّوني بحب الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي»([16]).

وجاء في رواية هامّة قوله’:

>من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم شفاعتي<([17]).

معيار المحبوبية لدى الله

إذا ما أراد الإنسان أن يكون محبوباً عند الله فعليه أن يتبع النبي’ وآله^، وهذا الإتباع يقود الإنسان إلى الطهر المعنوي والنقاء الروحي شيئاً فشيئاً، وهو نقاء يتناسب مع سعته الوجودية وبالتالي يجعله محبوباً عند الله عزّ وجلّ، ويبلغ في النهاية مرحلة تكون فيها كل حركاته وسكناته ومسيرته وأخلاقه وصفاته في دائرة الحق.

ولا يمكن بلوغ هذه المرحلة إلا في سلوك طريق أهل البيت^ لأنّهم صلوات الله عليهم محيطين بأسرار الطريق وما فيها من منعطفات وحفر ومخاطر، فهم الدليل على صراط الله المستقيم إذا اشتبهت على الإنسان المسالك والدروب، بل أنّهم^ هم الصراط المستقيم الذي يأخذ بالإنسان إلى الحق والحقيقة وساحل الأمان.

إن المعيار في المحبوبية عند الله عزّ وجلّ هم هؤلاء الناس الذين وصلوا ذروة الكمال، وكانوا أحباء الله وأولياءه، ولقد علمونا أن نقتدي بهم ونقارن أنفسنا بسيرتهم حتى يتأتى لنا أن نكتشف هل أننا نحظى برضا الله سبحانه أم العكس.

إننا لا يمكننا الاتصال بالله مباشرة ولا يمكننا نكتشف معياراً يساعدنا في معرفة أنفسنا ومدى قربنا من الحق، ولهذا فإننا نقيس أنفسنا ونعرض أنفسنا على مظاهر الله وأسمائه، وهم النبي الأكرم’ وآل بيته الأطهار، فهم أحباء الله وخلفاؤه وحجّته البالغة على الناس، فعلينا أن نقارن أفكارنا ونوايانا وأخلاقنا وأعمالنا بهم^، وحينئذ نعرف الحقيقة ونعرف سيرتنا ومسيرتنا، ومدى انسجامها مع السيرة الباطنة والظاهرة لهم صلوات الله عليهم.

وعلى أية حال فإن أهل البيت^ ذوات محبوبة عند الله، ومن أراد أن يكون محبوباً عند الله فعليه أن يقتدي بسيرتهم ويتعلم من أخلاقهم، فهم السبب المتصل بين الناس ورب الناس وبهم ينبغي أن يتوسل الإنسان للوصول إلى الحق.

«فإنكم وسيلتي إلى الله وبحبكم وبقربكم أرجو نجاةً من الله»([18]).

هذا في حالة ارتفاعنا إلى هذا المستوى من الحب وإلى هذا المستوى من الاقتداء بأهل البيت^ أن حب أهل البيت^ ومودتهم هو أجر الرسالة الذي يطالبنا به سيدنا ونبينا محمد’، وهو بعد ذلك الطريق إلى تحقيق الحب الإلهي.

{قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً}([19]).

وعن الإمام الصادق× عن أبيه الباقر×، قال:

«جاء إعرابي إلى النبي’، فقال: يا رسول الله هل للجنة من ثمن؟ قال: نعم قال ما ثمنها؟ قال’: لا إله إلا الله، يقولها العبد مخلصاً بها، قال: وما أخلاصها، قال’: العمل بما بعثت به في حقه وحبّ أهل بيتي،قال: فداك أبي وأمي وأن حب أهل البيت لمن حقها؟ قال: إنّ حبّهم لأعظم حقها»

وهذا ما نجده متجلّياً في الحديث المشهور بسلسلة الذهب، المروي عن الإمام علي بن موسى الرضا×: >كلمة الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي ثم قال× بشروطها وأنا من شروطها<([20]).

وعلى هذا فإن من يفتقد الولاء لأهل البيت^ و المودّة لهم فإنه في الحقيقة يفتقد الإخلاص في توحيده، وسوف يتآكل توحيده شيئاً فشيئاً وتصبح أعماقه خاوية مظلمة من نور التوحيد وسيحشر يومئذ مع غير الموحدين.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم
11.استكمال البركة
مراحل عبادة العارفين:

 
user comment