مواساة الأنبياء له :
السؤال : أُودّ أن أستفسر عن هذه القصص ، حيث إنّها نشرت في إحدى النشرات في ليلة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهذه النشرات من التي تشجّع وتحثّ الشباب على التطبير ـ ضرب القامة ـ !! وإذا كانت صحيحة ، لماذا يفعل الله هذا بأنبيائه ؟
لماذا يعذّبهم لذنب لم يقترفوه ؟ هل الله غير عادل ؟ حيث إنّ هذا ما توضّحه هذه القصص ، واليكم القصص كما نزلت :
أنبياء الله (عليهم السلام) سبقونا ، وأسالوا دماءهم مواساة للإمام الحسين (عليه السلام) في بدء الخليقة ، حيث لم يكن أحد من بني الإنسان إلاّ آدم وحوّاء (عليهما السلام) ، وصل أبونا آدم ذات مرّة إلى أرض تقع إلى جانب الفرات ، فبلغ موضعاً ، فهناك عثر بصخرة ، حتّى سال الدم من رجله ! فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فتعاقبني به ؟ فأوحى الله إليه : يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً ، فسال دمك موافقة لدمه .
إذاً قد سال دم آدم بأمر الله تعالى مواساة للحسين !
وإذ هو راكب على جواده مرّ خليل الله إبراهيم (عليه السلام) بتلك الصحراء ، فعثرت
|
الصفحة 225 |
|
به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه ، فأخذ بالاستغفار وقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي ؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه .
واتفق ذات يوم من زمان قديم أن سار كليم الله موسى مع وصيّه يوشع بن نون (عليهما السلام) ، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء ، انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحسك في رجليه ، وسال دمه ! فقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي ؟ فأوحي إليه : إن هنا يقتل الحسين ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه .
فقال : ربّ ومن يكون الحسين ؟ فقيل له : هو سبط محمّد المصطفى ، وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله ؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء .
فرفع موسى (عليه السلام) يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمّن يوشع بن نون على دعائه، ومضى لشأنه .
الجواب : قد ذكرت تلك القصص في بحار الأنوار من دون ذكر السند (1) ، وقد صرّح في أحدها بأنّ الخبر مرسلاً ، ولو فرض صحّة تلك القصص فإنّ دلالتها لا تقدح في عدل الله تعالى ، فإنّ الحاصل للأنبياء (عليهم السلام) ما هي إلاّ مصيبة من المصائب الصغيرة لرفع درجاتهم ، وتحصيل الثواب على حصول ذلك ، وهم (عليهم السلام) أكثر استعداداً وقدرة على تحمّل مصائب أعظم ممّا ذُكر ، وجميع المصائب الواقعة على الأنبياء (عليهم السلام) يعوّضون عليها من الجزاء ورفع الدرجات أضعاف مضاعفة ، والأنبياء (عليهم السلام) هم من أكثر الناس استعداداً لتحمّل المصائب ، وهم راضين بما يجري عليهم .
ثمّ إنّ في بعض الابتلاءات للأنبياء امتحان لهم ، كما في قضية ذبح إبراهيم لولده إسماعيل (عليهما السلام) ، وفي بعضها تعليم لهم ، فضلاً عن الثواب ورفع الدرجات ، الذي أشرنا إليه سابقاً .
____________
1- بحار الأنوار 44 / 242 .
|
الصفحة 226 |
|
وأهمّية استشهاد الحسين(عليه السلام) ومحوريتها وتأثيرها في المسار العام للدين الإلهيّ تأهّلها لأن تكون غاية لمعرفة الأنبياء لها ، ومعرفة تفاصيلها ، ومقام الحسين (عليه السلام) وأصحابه ومقام شيعته والباكين عليه ، فليس بدعاً أن يكون الأنبياء مواسين للحسين في مصيبته ، ولكن لابدّ للعلم بقصّة الاستشهاد من طريقة ، ولابدّ للمواساة من طريقة ، وقد جاءت بهذا الشكل في هذه الروايات ، هذا طبعاً إن ثبتت صحّتها .
( أبو عبد العزيز . سنّي . الجزائر . 33 سنة . دكتوراه )
السؤال : سؤالي يتعلّق بموقع رأس الحسين بعد أن قطع عن جسده الشريف ، وأخذ ليعرض لعدوّ الله والأُمّة ، السفّاح يزيد بن معاوية في دمشق ؟
الجواب : لقد اختلفت الروايات والأقوال في ذلك إلى سبعة أقوال ، بل ثمانية كما سيأتي بيانها ، ولمّا كان القطع واليقين محالاً في بعضها ، وإن ذهب إلى القول بذلك بعض الأعلام ـ كما سيأتي بيانه ـ غير أنّ أقربها للقبول والمعقول هو ما اشتهر عند العلماء من الفريقين الشيعة والسنّة ، بأنّه أُعيد إلى جثّته (عليه السلام) بعد أربعين يوماً ، وهذا الاتفاق يوحي باطمئنان الرجحان في ذلك .
والآن نبيّن الأقوال ، ونستعرض أسماء القائلين بها تنويراً لكم :
القول الأوّل : إنّه مدفون بكربلاء عند جثّته الطاهرة ، أُعيد إليها بعد أربعين يوماً ، ذهب إلى ذلك من أعلام الفريقين :
1ـ هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ ، حكى ذلك عنه السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (1) وغيره .
2ـ السيّد المرتضى ، حكى ذلك عنه كلّ من الطبرسيّ في " أعلام الورى " ، وابن شهر آشوب في " المناقب " (2) .
3ـ الشيخ الطوسيّ ، حكى ذلك عنه ابن شهر آشوب في " المناقب " ، وقال عنه أنّه قال : ومنه زيارة الأربعين (3) .
____________
1- تذكرة الخواص 2 / 206 ط المجمع العالمي لأهل البيت .
2- إعلام الورى 1 / 477 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 231 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 231 .
|
الصفحة 227 |
|
4ـ الحافظ ابن شهر آشوب، ذكر ذلك في " المناقب " كما أشرنا إليها آنفاً.
5ـ الفتّال النيسابوريّ ، ذكر ذلك في " روضة الواعظين " (1) .
6ـ الشيخ الطبرسيّ ، ذكر ذلك في " أعلام الورى " كما أشرنا إليه آنفاً .
7ـ ابن نما الحلّيّ في " مثير الأحزان " ، حيث قال : " والذي عليه المعوّل من الأقوال أنّه أُعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه " (2) .
8 ـ العلاّمة المجلسيّ في " بحار الأنوار " ، حيث قال : " والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسين (عليهما السلام) " (3) .
9ـ القزويني في " عجائب المخلوقات " ، حيث قال : " في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين (عليه السلام) إلى جثّته " .
10ـ ابن حجر الهيثميّ في شرحه همزية البوصيريّ ، حيث قال : " أُعيد رأس الحسين بعد أربعين يوماً من مقتله " .
11ـ المنّاويّ في " الكواكب الدرّية " ، حيث نقل اتفاق الإمامية على أنّه أُعيد إلى كربلاء ، ولم يعقّب بشيء ، وحكى ترجيحه عن القرطبي ، ونسب إلى بعض أهل الكشف أنّه حصل له اطلاع على أنّه أُعيد إلى كربلاء (4) .
12ـ الشيخ الشبراويّ في " الإتحاف بحبّ الأشراف " ، قيل : إنّه أُعيد إلى جثّته بعد أربعين يوماً (5) .
13ـ وأخيراً : قال أبو الريحان البيرونيّ : " وفي العشرين ـ أي من صفر ـ رُدّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دفن مع جثّته " (6) .
فهذا القول هو الراجح والأولى بالقبول ، لاتفاق كثير من أعلام الفحول من
الفريقين ، الدالّ على القبول حسب النقول .
القول الثاني : إنّه عند أبيه بالنجف ، لورود أخبار بذلك وردت في الكافي والتهذيب وغيرهما ، لا تخلو بعض أسانيدها من المناقشة .
القول الثالث : إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما في
____________
1- روضة الواعظين : 192 .
2- مثير الأحزان : 85 .
3- بحار الأنوار 45 / 145 .
4- الآثار الباقية : 294 .
5- الكافي 4 / 571 ، تهذيب الأحكام 6 / 35 .
6- الكافي 4 / 571 .
|
الصفحة 228 |
|
خبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواه الكلينيّ في الكافي .
وهذان القولان من مختصّات الإمامية ، ولم يقل بها أحد من غيرهم .
القول الرابع : إنّه دفن بالمدينة عند قبر أُمّه فاطمة (عليها السلام) ، قال به ابن سعد في " الطبقات " (1) ، وقال به غيره .
القول الخامس : إنّه بدمشق بباب الفراديس ، حكاه سبط ابن الجوزيّ عن ابن أبي الدنيا ، وكذا ذكر البلاذريّ في تاريخه ، وكذا الواقديّ (2) .
القول السادس : إنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، حكاه السبط أيضاً عن عبد الله بن عمر الورّاق (3) .
القول السابع : إنّه بمصر ، نقله الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثمّ نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار ، نقله سبط ابن الجوزيّ (4) .
القول الثامن : إنّه في حلب ، أشار إليه ابن تيمية في رسالته جواباً عن سؤال عن رأس الحسين (عليه السلام) ، وهي مطبوعة حقّقها وطبعها محبّ الدين الخطيب ، وقد تجاوز الحدّ في سوء الأدب مع الحسين(عليه السلام) حتّى علا وغلا على صاحب الرسالة في حماه المسعورة .
وقد ساق ابن تيمية سبعة وجوه في نفي أن يكون الرأس مدفوناً بالقاهرة ، متحاملاً فيها على من يقول بها ، ولم تخل الرسالة متناً وهامشاً من تعريض وتصريح بالحسين ونهضته ، ودفاع عن يزيد وجريمته ، ولا يستنكر اللؤم من معدنه ، فجزى الله كلاّ على نيّته ، وحشره مع من يتولاّه ، إنّه سميع مجيب .
ولنختم الجواب بما قاله السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص : " وفي الجملة ، ففي أيّ مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :
لا تطلبوا المولى الحسين |
بأرض شرق أو بغرب |
ودعوا الجميع وعرّجوا |
نحـوي فمشـهده بقلبي " (5) |
____________
1- الطبقات الكبرى 5 / 238 .
2- لواعج الأشجان : 248 .
3- المصدر السابق : 249 .
4- نفس المصدر السابق .
5- تذكرة الخواص : 2 / 209 ط المجمع العالمي لأهل البيت .
|
الصفحة 229 |
|
.ونضيف نحن قول ابن الورديّ في تاريخه :
أرأس السبط ينقل والسـبايا |
يطاف بها وفوق الأرض رأس |
وما لي غير هذا السبي ذخر |
وما لي غير هذا الرأس رأس (1) |
( علي مبارك . الكويت . 19 سنة . طالب جامعة )