4 ـ الحكمة التفصيلية مكتومة:
آخر خبر يختم الشيخ الصدوق به باب علة الغيبة و ينفرد به عن الكلينى ; هو ما تفضل به الصادق (ع) لعبدالله بن الفضل الهاشمى، فاشار فيه إلى ان هاتين الحكمتين المذكورتين انما هى حكم الاجماليّة.
و أما اكثر من ذلك على وجه التفصيل، فان وجه الحكمة فى ذلك لا ينكشف الابعد
ـــــــــــــــــــــ
(1)1 ـ كمال الدين: 479 باب علة الغيبة، ح 1 ـ 5، و الأخير هو الرابع منها، و رواه فى عيون أخبار الرضا (ع) 1: 273، ح 6.
ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الله الخضر من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى (ع) إلى وقت افتراقهما... و متى علمنا أنه عزوّجل حكيم صدّقنا بأنّ افعاله كلها عن حكمة و اِن كان وجهها غير منكشف.
يابن الفضل، اِنّ هذا أمر من أمر الله و ستر من ستر الله و غيب من غيب الله.
الفصل الرابع: الشيخ المفيد و علل الغيبة
عقد الشيخ المفيد (413 هـ) فى «الارشاد» باباً بعنوان: ما جاء من النصّ على امامة صاحب الزمان الثانى عشر من الأئمة (ع).
جاء فيه بثلاثة عشر خبراً و ختمه بقوله: هذا طرف يسير بما جاء فى النصوص على الثانى عشر من الأئمة (ع).
ثم قال، و الروايات فى ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة و اثبتوها فى كتبهم المصنّفة.
فممن أثبتها على الشرح و التفصيل: محمد بن ابراهيم المكنىّ ابا عبدالله النعمانى، فى كتابه الذى صنّفه فى الغيبة، فلا حاجة بنااثباتها فى هذا المكان على التفصيل.
ثم لا يشير إلى كتاب الشيخ الصدوق: «كمال الدين و تمام النعمة فى اثبات الغيبة و الرجعة و كشف الحيرة» و ليس إلى أي شىء آخر له فى ذلك، مما قد يدلّ على تقدم كتابه «الارشاد» فى ذلك ثم لا يعقد باباً و لايخصّ فصلاً من «الارشاد» فى علة أو حكمة الغيبة.
فى سنة 373 هـ.(3) اى قبل وفاته بأربعين عاماً، جمع عيون و محاسن مناظراته و أخرج الكتاب و نشره، و لكنه فُقدو لم يبق بايدينا الا «الفصول المختارة» منه باختيار تلميذه السيدالشريف المرتضى علم الهدى (ره) و فيه فصلان بمناظرتين حول الغيبة.
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ المصدر السابق: 482، ح 11.
2 ـ الارشاد 2: 350.
3 ـ الفصول المختارة: 321 ط مؤتمر الشيخ المفيد.
الاولى فى ثمان صفحات، و الثانية فى ثلاث صفحات، يتركّز الكلام فيهما بالعمدة حول حكمة الخوف على النفس.
كتب بعد ذلك رسالة «الفصول العشرة فى الغيبة» قال فى مقدمتها:
بعد الذى سطّرته فى هذه الأبواب، و شرحت معانيه على وجه السؤال والجواب، وشواهد الحق فيه بحجة العقل و السنة و الكتاب، تجدّدت رغبة ـ ممن اوجب له حقاً و اعظم له محلاً و قدراً ـ فى اثبات نكت من فصول خطرت بباله.. يختص القول فيها بامامة صاحب الزمان (عليه و على آبائه افضل السلام) و مواضيه الشبهات فيها والفصل الرابع منها: ما الداعى إلى ستر ولادته و السبب فى إخفاء أمره و غيبته؟
و أجاب على الشبهة فى صفحة و نصفها ركّز فيها البحث فى حكمة الخوف على النفس.
الفصل الخامس: السيد المرتضى وعلل الغيبة
السيد الشريف المرتضى علم الهدى (م 436 هـ) إلى جانب اختياره فصولاً من كتاب «العيون والمحاسن» لشيخه الشيخ المفيد (ره) قبل ان يردّ على القاضي عبدالجبّار المعتزلي اشكالاته ونقوضه على الإمامة عموماً و إمامة الحُجّة (عج) خصوصاً.
كتب كتاباً خاصاً به لكلام في العقائد أسماه «الذخيرة» أورد فيه:
فان قال قائل: اذا جاز أن يغيب الامام بحيث لايصل اليه أحد حتى اذا أمن الخوف ظهر، فاى فرق بين ذلك وبين أن يعدمه الله حتى اذا أمن عليه أحياه أو أوجده؟!
نقله تلميذه الطوسي في «تلخيص الشافي» فذكر جوابه بالفاظه في صفحتين
ـــــــــــــــــــــ
(1)1 ـ الفصول المختارة: 110 ـ 118 و 327 ـ 331.
(2)2 ـ رسالة الفصول العشرة فى الغيبة للشيخ المفيد: 3 و 4 ط الحيدرية.
(3)3 ـ المصدر: 15 و 16.
(4)4 ـ تلخيص الشافى 1: 104 و 106، 107 عن الذخيرة: 419، 420.
والسؤال و الجواب مبنيّان على علّة الخوف على النفس كما سبق، وقبلها عدّة أسئلة وأجوبة حول الموضوع تطول فى خمسة عشرة صفحة من: 90الى 105 هى أيضاً تُركّز على علّة الخوف على النفس كذلك، تتكرر هذه الأسئلة والأجوبة وغيرها في آخر الجزء الرابع بعدد الصفحات نفسها من 211 إلى 222 والتركيز كماسبق.
الفصل السادس: الشيخ الطوسى و علل الغيبة
و الشيخ الطوسي هو أبوجعفر محمد بن الحسن بن على الخراسانى المتوفّى سنة (460 هـ) حيث كان عمده أنذال 47 عاماً(1) لخصّ كتاب «الشافي في الامامة» لشيخه السيد المرتضى علم الهدى و ذكر فيه الأسئلة و الاشكالات حول حكمه الغيبة وعن «الذخيرة» للمرتضى، و جاء بأجوبتها كمامرّ.
فى سنه 447(2) استملاه شيخ جليل أن يكتب كتاباً فى غيبة صاحب الزمان و سبب غيبته، و العلّة التي لأجلها طالت غيبته وامتدّ استتاره مع شدة الحاجة اليه.. و كثرة الفساد في الأرض و ظهوره في البرّ والبحر ووقوع الهرج و المرج وانتشار الحيل.. و لِمَ لَم يظهر؟ وما المانع منه؟ وما المحوج اليه (الى غيبته والجواب عن كل ما يُسأل فى ذلك من شُبه المخالفين ومطاعن المعاندين).
فأجاب إلى ما سأله و «تكلّم بجُمل يزول معها الريب، وتنحسم بها الشُبة» و قال: «ولا اُطوّل الكلام فيه (في الكتاب) فيُمَلّ، فان كتبي في الامامة، وكتب شيوخنا (المفيد والمرتضى) مبسوطة في هذا المعنى في غاية الاستقصاء، واتكلّم على كلّ ما يُسأل في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، واُردف ذلك بطرق من الأخبار الدالة على صحّة مانذكره ليكون ذلك تاكيداً لما نذكره..»
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ تلخيص الشافى 4: 227.
2 ـ الغيبة للطوسى: 358 ط المعارف الاسلامية.
(3)3 ـ المصدر السابق: 1 و 2.
1 ـ الحكمة الاجمالية:
بدأ الشيخ الطوسى الكتاب بعنوان: فصل في الكلام في الغيبة، فى أواخر مناقشته للواقفة بعد اثبات امامة الحجّة قال: «واذا ثبتت امامته ثم وجدناه غائباً عن الأبصار علمنا انه لم يغب ـ مع عصمته و تَعيُّن فرض الامامة فيه وعليه ـ إلاّلسبب سوّغ له ذلك، وضرورة ألجأته اليه، و اِن لم نعلم ذلك على وجه التفصيل».
فانّا نعلم أنه (ع) لم يستتر الاّ لأمر حِكمى سوّغ له ذلك و ان لم نعلمه مفصّلاً.
ساق هنا ما جاء به في كتابه: تلخيص الشافي في الامامة(2) مما ركّز فيه البحث عن خوف الامام على نفسه من الظالمين اياه ومنعهم اياه من التصرّف
2ـ الطوسى و علة الخوف على النفس:
ثم عقد الفصل الخامس بعنوان، فى ذكر العلّة المانعة لصاحب الأمر (ع) من الظهور. بدأه بقوله: لا علّة تمنع من ظهوره الاّ خوفه على نفسه من القتل وقد ورد بهذه الجملة التي ذكرناها أيضا أخبار تعضد ما قلناه، نذكر طرقاً منها ثم أخرج زهاء عشرين خبراً عنهم (ع).
بدأها بالخبر السابق عن زرارة (عن أحدهما) قال: للقائم غيبة قبل ظهوره. فقلت: و لِمَ؟ قال: يخاف القتل
و عاد في الخبر السادس عليه عن الامام الصادق (ع) قال: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه.
ـــــــــــــــــــــ
(1)1 ـ الغيبة للطوسى: 85.
2 ـ تلخيص الشافي 1: 90 ـ 108 و 4: 211 ـ 266.
(3)3 ـ الغيبة للطوسي: 90.
(4)4 ـ المصدر السابق: 329 ـ 343 من ح 274 إلى 293.
(5)5 ـ المصدر السابق: 332 ح 274.
(6)6 ـ المصدر السابق: 333 ح 279.
3 ـ الطوسي وحكمة الامتحان الالهي:
و في هذا الخبر الأخير عن زرارة عن الامام الصادق (ع) قال: «... غير أن الله تعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة...». هذا وقد قال الطوسي: لاعلّة تمنع من ظهوره الاّ خوفه على نفسه من القتل. و لذا علّق على هذه الجملة من الخبر بقوله: وأما ما روى من الأخبار من: امتحان الشيعة في حال الغيبة وصعوبة الأمر و عليهم اختبارهم بالصبر عليها فالوجه فيها: الأخبار عمّا يتّفق من ذلك من الصعوبة والمشاق، لان الله تعالى غيّب الامام ليكون ذلك، وكيف يريد الله ذلك وما ينال المؤمنين من جهة الظالمين هو ظلم منهم لهم ومعصية والله لايريد ذلك. بل سبب الغيبة: هو الخوف على ما قلناه، و انما أخبروا بما يتّفق في هذه الحال، و عمّا للمؤمن الصابرين من الثواب على ذلك، ليتمسّك بدينه و هنا اذكر طرقاً من الأخبار الواردة في هذا المعنى. ثم ذكر اثنى عشر خبراً، اولها خبر محمد بن منصور الصيقل عن الامام الصادق (ع) الذي مرّ عن الكليني والنعماني الصدوق (ره)، ثم ما رواه النعماني عن ابن أبي نصر البزنطي عن الرضا (ع)، ثم مارواه الكليني والنعماني والصدوق عن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم (ع)، ثم مارواه هؤلاء المشايخ الثلاثة عن المفضّل بن عمر الجُعفي عن الصادق (ع).
و ما عداها فهو في مطلق الامتحان و التمحيص أو الخاص بعهدالغيبة بدون تعليل، وهو ما اراده الشيخ الطوسى (ره).
المصادر
ـ أصول الكافي، للشيخ الكليني، طهران.
ـ تلخيص الشافي، للشيخ الطوسي، ط النجف الأشرف.
ـ الذخيرة في الكلام، للسيد المرتضى، ط جماعة المدرسين.
ـ رجال النجاشى.
ـ رسالة الفصول العشرة فى الغيبة، للشيخ المفيد، ط النجف الأشرف.
ـ الشافي للسيد المرتضى.
ـ عيون أخبار الرضا(ع).
ـ الغيبة، للشيخ النعماني، ط بيروت.
ـ الغيبة، للشيخ الطوسي، ط مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.
ـ الفصول المختارة، من العيون والمحاسن، للشيخ المفيد و السيد المرتضى، ط المؤتمر الألفي للشيخ المفيد، قم.
ـ كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، ط طهران.