أهل البيت في آية التطهير
قال الله عز وجل في محكم الكتاب الكريم:
{إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}([12]).
هذا التصريح بطهر أهل البيت الذي لا يمكن التغطية عليه في صريح الآية جاء بعض الجهلة المتعالمين والحاقدين المتعصبين فشوشوا على مفاد هذا المفهوم وزرقوا به أذهان المسلمين لتعمى عليهم الحقيقة فأطلقوا له تفسيراً لا يستند إلى أصل ولا إلى منطق ولا إلى علم فقالوا: أن أهل البيت إنما يعبر عن نساء النبي’ وذلك في سياق الخطاب الذي غلب عليه نون النسوة غافلين عن أن الضمير المستخدم في هذه الآية التي تغير فيه إلى المذكر فقالوا من دون علم أنه يعني نساء النبي وأزواجه!!
روي عن زيد بن علي بن الحسين× قوله: >إنّ جهالاً من الناس يزعمون إنّما أراد الله بهذه الآية وقد كذبوا وأثموا وأيم الله لو عنى بها أزواج النبي’ لقال: >ليذهب عنكن الرجس وليطهركن تطهيراً< ولكان الكلام مؤنثاً كما قال: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ} {وَلا تَبَرَّجْنَ} و {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ}([13]).
وهذه رؤية أخرى في أحد أهم مصادر كتب الحديث لدى أهل السنة وهو صحيح مسلم وهي تشكل لوحدها حجة على علماء السوء ممن لا تقوى لهم ولا ورع الذين باعوا دينهم بدنيا الحاكمين من بني أمية وبني العباس الذين حرفوا معنى آية التطهير ففسروا أهل البيت بغير ما قصده القرآن والروايات المعتبرة فقالوا: أهل البيت هم نساء النبي وأزواجه!
عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم (بعد ذكر حديث الثقلين: >أني تارك فيكم الثقلين ... كتاب الله وعترتي أهل بيتي) فقلنا من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها؛ أهل بيته أصله وعصبته الذي حرموا الصدقة بعده<([14]).
هذا مع علمهم أن أزواج النبي’ بما في ذلك عائشة([15]) وفريق من الصحابة وطائفة كبيرة من علمائهم يرون أن مصداق ومعنى أهل البيت^ إنما ينطبق على الإمام علي× والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين سبطي النبي’ والأئمة من ذرية الحسين× ولكن ظلمة الباطن والعناد والعداء للشيعة دفع بهم إلى الانحراف وراحوا يحرفون الكلم عن مواضعه تملقاً للحاكمين من الأمويين والعباسيين وطمعاً في حطام الدنيا وبهارجها فحرفوا الحقيقة وطمسوا على أعين الناس وجاءوا بكذب عظيم.
معنى أهل البيت في الروايات
لقد تظافرت الروايات الكثيرة عن النبي’ في أن مصداق أهل البيت ليس سوى علي وفاطمة و الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين وذريته وهذه طائفة منهم:
أم سلمة، عائشة، أبو سعيد الخدري، أبو برزة الأسلمي، أبو الحمراء هلال بن الحارث، أبو ليلى الأنصاري، أنس بن مالك، البراء بن عازب ثوبان بن بجدد، جابر بن عبدالله الأنصاري، زيد بن أرقم، زينب ابنة أبي سلمة المخزومي سعد بن أبي وقاص، صبيح، عبدالله بن عباس، عمر بن أبي سلمة، عمر بن الخطاب، وائلة بن أسقع.
وهذه كتب أهل السنة المعتبرة زاخرة بروايات عن هؤلاء الرواة في أن المصداق الحقيقي لأهل البيت^ هم من ذكرنا آنفاً كما أن الشيعة إنما يستدلون على هذه الحقيقة بالقرآن الكريم وبروايات هؤلاء الرواة وهي مسجلة في كتب العامة.
فالشيعة إنما تعلقوا بأهل البيت واتخذوهم أئمة يهدون بالحق إنما جاء استجابة لما ورد في القرآن ولما زخرت به الروايات لدى الفريقين في وجوب طاعتهم وإتباع أمرهم والانتهاء لنهيهم وأنهم أوصياء النبي’ والأئمة من بعده وان في طاعتهم طاعة الله والرسول وسبب في السعادة في الدنيا، والنجاة والفوز في الآخرة.
وتبركاً وتيمناً وتطميناً للقلب وتسكيناً للروح نذكر طائفة من هذه الروايات ذكرى لمن يتذكر ويخشى، وهدية لمحبي أهل البيت وعشاق الحق.
الرواية الأولى: العوام بن حوشب عن التميمي قال: دخلت على عائشة فحدثتنا أنها رأت رسول الله دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا([16]).
الرواية الثانية:
عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله’ يقول: «أيها الناس أني فرط لكم، وأنكم واردون عليّ الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء وبصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضّة وأني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي فأنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقنا حتى يردا عليّ الحوض، فقلت يا رسول الله من عترتك؟ قال: أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين([17]).
الرواية الثالثة: عيسى بن عبدالله بن مالك عن عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله’ يقول: أيها الناس أني فرط لكم وأنكم واردون علي الحوض، حوضاً أعرض مما بين صنعاء وبصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضة، وأني مسائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، السبب الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فأنه قد بتأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فقلت: يا رسول الله! من عترتك؟ قال: أهل بيتي من ولد علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من صلب الحسين، أئمة أبرار هم عترتي من لحمي ودمي<([18]).
الرواية الرابعة:
>موسى بن عبد ربه: سمعت الحسين بن علي يقول في مسجد النبي’ وذلك في حياة أبيه علي ـ سمعت رسول الله يقول: ألا أن أهل بيتي أمان لكم فاحبّوهم لحبي وتمسكوا بهم لن تضلوا.
قيل: فمن أهل بيتك يا بني الله؟ قال: علي وسبطاي وتسعة من ولد الحسين، أئمة أمناء معصومون، ألا أنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي<([19]).
من هنا يتضح أن الشيعة الإمامية الأثني عشرية، إنما يتمسكون بأهل البيت انطلاقاً من مفاد آيات القرآن الكريم والسنة السنوية الشريفة، ويعتبرون طاعتهم وإتباعهم والولاء لهم أمراً شرعياً وواجباً دينياً وأن الإسلام بكماله لا يتحقق إلا بذلك وحجتهم في ذلك واضحة وبرهانهم على رأيهم قوي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أن الحقيقة الكبرى والحجة العظمى هي أن أهل البيت علي وفاطمة وذريتهما الطاهرة و بهذا تظافرت الروايات والأخبار المتواترة في كتب الفريقين ومن جاء بغير ذلك إنما جاء بالباطل والضلال، وهو من عمل وعّاظ السلاطين ومن رشاهم بالأموال.
لقد شاء الحاكمون أن يحرفوا الحقيقة، ولكن أنّى لهم التناوش من مكان بعيد فوالله الذي لا إله إلا هو سيبقى أهل البيت مناراً ساطعاً ونوراً يضيء الطريق، لا ينكر ذلك إلا الخفافيش ومن اعتادوا الحياة في الظلام.
ومهما كاد الكائدون وتفاقمت وساوس الشياطين في أن يطفئوا نور الحقيقة أو يحجبوا ضوءها فلن يفلحوا في ذلك وأنه متم نوره ولو كره المبطلون.
إنّ حب أهل البيت نبع يتدفق في قلوب كل الناس الطيبين وأن ما تعرضوا له من محن ومصائب يفجّر العيون دموعاً والقلوب حزناً لأن أهل البيت هم المصداق الكبير والقيمة الحقيقية العليا للإنسانية، وهذا سيدنا الحسين تبكيه الأجيال على مرّ العصور لأن محنته وما تعرض له من مصائب تذيب الصخر الجلمود، ولقد بكته السماء والأرض وكل الشرفاء من البشر.
ضرورة معرفة أهل البيت
في علم المنطق وفي بحث المعرِّف يجمع أهل هذا العلم على أن المعِّرف الذي يستخدم في تعريف حقيقة يجب أن يكون أجلى من المعرَّف حتى يمكنه تصوير الحقيقة كما هي.
الآن وقد أثبتنا إمامة أهل البيت^ وأنهم هم ورثة علوم الأنبياء وأن الله عز وجل يلهمهم العلم إلهاماً ويفيضه عليهم فيضاً بعد كل هذا يجب القول : هل من معرّف في هذا الوجود بعد الله سبحانه يمكنه أن يعرِّف أهل البيت غير ذات أهل البيت أنفسهم؟.
ولذا لا مفرّ لمعرفة أبعاد شخصية أهل البيت^ سوى الرجوع إليهم في معرفتهم ذلك أنه لا يوجد أحد له الإحاطة التامة بإبعاد وجوداتهم وسيبقى كل ما قاله الآخرون في حقهم ناقصاً أو حسب تعبير المناطقة ليس بجامع أفراد ومانع أغيار أبداً يعني لا يمكن معرفة أهل البيت كما هي حقيقتهم.
وانطلاقاً مما ورد في أن معرفة أهل البيت^ ومعرفة حقيقتهم أمر ضروري ولازم وعليه يتوقف مصير الإنسان في الآخرة، لأنه لا معرفة حقيقية للإسلام إلا بمعرفتهم لأنهم هم الصراط المستقيم الذي أمرنا بسلوكه وبسبب حساسية هذا الموضوع نشير إلى طائفة من الروايات:
عن أمير المؤمنين× قال: >أسعد الناس من عرف فضلنا وتقرّب إلى الله بنا، وأخلص حبنا وعمل بما إليه ندبنا وانتهى عما نحن نهينا، فذاك منا وهو في دار المقامة معنا<([20]).
وجاء في كتب الحديث عن زرعة أنه قال للإمام الصادق× >أي الأعمال هو أفضل بعد المعرفة؟ قال: ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة، ولا بعد المعرفة والصلاة شيء يعدل الزكاة، ولا بعد ذلك شيء يعدل الصوم، ولا بعد ذلك شيء يعدل الحج، وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا وخاتمته معرفتنا<([21]).
أجل أن كيفية الصلاة والزكاة والصوم والحج وطريقة أداء هذه العبادات يجب أن نأخذها ونتعلمها من أهل البيت^ لأن القرآن إنما نزل في بيتهم وهم وحدهم من ورث علم النبي’ ولا يتيسر أخذ العلم إلا أن مدينته والنبي مدينة العلم ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ولا المدن إلا من بواباتها.
قال رسول الله’:
>مَنْ منّ الله عليه بمعرفة أهل بيت وولايتهم فقد جمع الله له الخير كلّه<([22]).
وعن أبي بصير عن الإمام الصادق× في تأويل الآية الكريمة:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}([23]).
وجاء أيضاً قوله× >طاعة الله ومعرفة الإمام<([24]).