ردّه على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد :
السؤال : لقد قرأت كتيّب بعنوان " المسلم " للسيّد الشيرازي ، وقد لفتت انتباهي رواية عن أحد الأئمّة (عليهم السلام) ، بأنّه قد ردّ على ثلاثين ألف مسألة في جلسة واحدة ، وهذا الكلام غير منطقيّ ، لأنّنا لو قلنا : إنّ الجلسة كانت مدّتها 24 ساعة ، وقد تمّ طرح مسألة والإجابة عليها في كلّ دقيقة ، فأنّنا نرى أن ربع هذا الرقم لم نصل إليه ، فما هو ردّكم ؟ ولكم جزيل الشكر .
الجواب : الظاهر أنّك تقصد الرواية التي رواها ابن شهر آشوب في " مناقب آل أبي طالب " ، عن إبراهيم بن هاشم عن مجلس اجتمع فيه الناس للاستفادة من
|
الصفحة 261 |
|
الإمام الجواد (عليه السلام) ، وهو ابن عشر سنين ، هذه الروايات إن صحّ سندها ـ كما هو غير بعيد ، يمكن توجيها بعدّة وجوه أهمّها :
1ـ إنّ المقصود بالجلسة مجلس الاستفادة ، ولعلّه امتدّ أيّاماً وأسابيع ، وعبّر عنها بمجلس واحد ، لأجل أنّها عقدت لإثبات عظمة الإمام رغم صغر سنّه ، وعجز غيره عن مجاراته ومناظرته ، رغم كثرتهم وكبر سنّهم ، فهو مجلس واحد لأجل وحدة الغرض .
2ـ إنّ المقصود بالتعبير الوارد في الرواية والعدد المذكور الجزئيات والفروع التي استفيدت من القواعد التي أُسّست من قبل الإمام (عليه السلام) ، وهذا مثل ما يظهر من قوله سبحانه : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } (1) ، وقوله : { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } (2) بناء على أنّ المقصود بالكتاب هو القرآن .
فكما يمكن أن يحتوي القرآن على كلّ ما أُشير إليه رغم محدوديّته من حيث الألفاظ ، كذلك يمكن أن يحتوي كلام الإمام على أُسس وقواعد ليستخرج منها حكم فروع كثيرة .
وأيضاً قال الله سبحانه : { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } (3) ، ومعلوم أنّ توراة موسى كان كتاباً محدود الكلمات ، ومع ذلك احتوى تفصيلاً لكلّ شيء .
وقال في موضع آخر : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } (4) ، وأشار سبحانه إلى احتواء القرآن بقوله : { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } (5) ، وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله : " علّمني رسول الله ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب " (6) .
وقد قال بعض : إنّه استنبط من قول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : " لا ضرر ولا ضرار " أكثر من ألف حكم .
____________
1- الأنعام : 59 .
2- يونس : 61 .
3- الأنعام : 154 .
4- الأعراف : 144 .
5- الإسراء : 12 .
6- الفصول المختارة : 107 ، إعلام الورى 1 / 267 .
|
الصفحة 262 |
|
( عيسى . الكويت . 31 سنة )
السؤال : هناك من يقول أنّ علي الهادي لم يكن أعلم الناس حسبما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، فكيف يكون الردّ على هذا القول ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب : لقد اشتهر كالشمس في رائعة النهار بين الخاصّة والعامّة سعة أُفق علم الأئمّة (عليهم السلام) أجمع ، فضلاً عن الإمام الهادي (عليه السلام) بذاته .
أمّا بالنسبة إلى الخاصّة فلا مجال للنقاش أو الشكّ بعد الإقرار بكونهم أئمّة معصومين ، وأنّ علمهم وراثي وإلهامي .
وأمّا العامّة بجميع مذاهبها فإنّها أقرّت بسعة علوم أهل البيت (عليهم السلام) ، بما يميّزها عن غيرها .
ومن الأخبار التي تدلّ على سعة الإمام الهادي (عليه السلام) إخباره بموت الواثق ، فعن خيران الأسباطيّ قال : " قدمت على أبي الحسن (عليه السلام) المدينة فقال لي : " ما خبر الواثق عندك " ؟ قلت : جعلت فداك خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام ، قال : فقال لي : " إنّ أهل المدينة يقولون إنّه مات " ، فلمّا أن قال لي : الناس ، علمت أنّه هو .
ثمّ قال لي : " ما فعل جعفر " ؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن ، فقال : " أمّا إنّه صاحب الأمر ، ما فعل ابن الزيات " ؟ قلت : جعلت فداك الناس معه والأمر أمره .
|
الصفحة 263 |
|
فقال : " أمّا إنّه شؤم عليه " ، ثمّ سكت وقال لي : " لابدّ أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه ، يا خيران مات الواثق ، وقد قعد المتوكّل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات " ، فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : " بعد خروجك بستّة أيّام " (1) .
( إبراهيم . كندا . 23 سنة )
السؤال : لماذا دفن الإمام علي الهادي (عليه السلام) في بيته ؟ وشكراً لكم .
الجواب : السبب في دفنه (عليه السلام) في بيته يعود إلى حصول ردود الفعل من الشيعة يوم استشهاده (عليه السلام) ، وذلك عندما اجتمعوا لتشييعه مظهرين البكاء والسخط على السلطة ، والذي كان بمثابة توجيه أصابع الاتهام إلى الخليفة لتضلّعه في قتله .
وللشارع الذي أخرجت جنازة الإمام (عليه السلام) إليه الأثر الكبير ، حيث كان محلاً لتواجد معظم الموالين لآل البيت (عليهم السلام) ، أو من يحمل بين حنايا ضلوعه ولاء أهل البيت (عليهم السلام) ، من الجند والقوّاد والكتّاب .
كلّ هذا أدّى إلى اتخاذ السلطة القرار بدفنه (عليه السلام) في بيته ، وإن لم تظهر تلك الصورة في التاريخ بوضوح ، إلاّ أنّه يفهم ممّا تطرّق إليه اليعقوبيّ في تاريخه عند ذكر حوادث عام (254 هـ) ، ووفاة الإمام الهادي (عليه السلام) حيث يقول : " وبعث المعتزّ بأخيه أحمد بن المتوكّل ، فصلّى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم ، فردّ النعش إلى داره ، فدفن فيها " (2) .
وتمكّنوا بذلك من إخماد لهيب الانتفاضة والقضاء على نقمة الجماهير الغاضبة .
( علي . العراق . 19 سنة )
____________
1- الكافي 1 / 498 .
2- تاريخ اليعقوبيّ 2 / 503 .
|
الصفحة 264 |
|
السؤال : هل حذّر الإمام الهادي من ابنه جعفر الكذّاب ؟ ودمتم سالمين .
الجواب : لقد حذّر الإمام الهادي (عليه السلام) شيعته ومواليه من ابنه جعفر واتباعه ، فإنّه كان يقول لهم : تجنّبوا جعفراً فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال الله عزّ وجلّ فيه : { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } (1) .
قال الله : { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } (2) .
وقد حذّر منه أيضاً الإمام العسكريّ (عليه السلام) بقوله : " الله الله أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ ، ما مثلي ومثله إلاّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم ، حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من الحاشية ، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل ، ولكن الله غالب على أمره " (3) .
____________
1- هود : 45 .
2- هود : 46 .
3- مدينة المعاجز 7 / 664 .
|
الصفحة 265 |
|
الإمام العسكريّ (عليه السلام) :
( ... . مسلم . ... )
السؤال : لماذا معلوماتنا قليلة وشحيحة عن الإمام الحسن العسكريّ ؟ على الرغم أنّه آخر الأئمّة ، وقبل الإمام المهديّ (عليه السلام) ، ومن المفروض أن نكون أكثر علماً عنه ، ونقل عنه .
إلاّ أنّنا نجد النقل أكثر عن الإمام جعفر الصادق ، ونرى نهج البلاغة ، ونرى القليل عن رسول الله ، أوّل من جاء بخبر السماء ، كما أنّنا لا نرى روايات عن الإمام العسكريّ .
الجواب : إنّ قلّة أحاديثنا عن الإمام العسكريّ (عليه السلام) ترجع إلى أمرين : قصر عمره الشريف ، وإبقائه تحت الرقابة الشديدة .
فالحقيقة إنّ الإمام (عليه السلام) قد ولد في سنة 232 هـ ، واستشهد مسموماً في سنة 260 هـ ، فعمره الشريف يكون 28 سنة .
مضافاً إلى أنّه (عليه السلام) قد شخص إلى العراق مع والده (عليه السلام) ، منذ سنة 236 هـ ، وأُجبر على الإقامة في مدينة سامراء ـ عاصمة العباسيّين آنذاك ـ حتّى تكون عيون الحكومة على معرفة قريبة من شؤونه ، واتصال الشيعة به ، وفي هذه الظروف كان من الصعب الوصول إليه ، وتلقّي الأحاديث والعلوم والمعارف منه (عليه السلام) .
وهذا بخلاف المقطع الذي عاشه الإمام الصادق (عليه السلام) ، إذ صادف زمان انهيار الحكم الأمويّ وظهور العباسيّين ، فاشتغال الظالمين بالظالمين قد أنتج
|
الصفحة 266 |
|
فرصة ذهبية للإمام (عليه السلام) في سبيل بثّ علوم أهل البيت (عليهم السلام) وأحاديثهم ، وهذا سرّ كثرة الروايات عنه (عليه السلام) .
وأمّا الرواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فهي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ، أي إنّ أحاديثهم ـ بعقيدتنا ـ هي أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا غير ، وهي ليست بالقليل كما هو واضح ، لمن راجع المجامع الحديثية للشيعة .
( محامي الشيعة . السعودية . ... )
السؤال : على يد مَن قتل الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) ؟
الجواب : قال ابن الصبّاغ المالكيّ في " الفصول المهمّة " ما نصّه : " ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ أبا محمّد الحسن مات مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه ، وجميع الأئمّة الذين من قبلهم ، خرجوا كلّهم تغمّدهم الله برحمته من الدنيا على الشهادة ، واستدلّوا على ذلك ، بما روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " ما منّا إلاّ مقتول أو شهيد " (1) .
ونقل العلاّمة المجلسيّ في " بحار الأنوار " عن كتاب " المصباح " للشيخ الكفعميّ (قدس سره) ، أنه قال : " توفّي (عليه السلام) في أوّل يوم من ربيع الأوّل " ، وقال في موضع آخر : " في يوم الجمعة ثامنه ، سمّه المعتمد " (2) .
نعم المعتمد العباسيّ ـ الحاكم آنذاك ـ دسّ السمّ إلى إمامنا العسكريّ (عليه السلام)، ومات مسموماً مظلوماً .
( ... . ... . ... )